اضطرابات الضغط داخل القحف
اضطرابات ضغط داخل قحف
disorders of intracranial pressure - troubles de la pression intracrânienne
أحمد منصور أبو عليقة
انزياح الدماغ brain displacements والانفتاقات herniations
استسقاء (موه) الدماغ سوي الضغط normal pressure hydrocephalus
تسرب السائل الدماغي الشوكي ونقص الضغط داخل القحف CSF leaks and intracranial hypotension
يعرّف الضغط داخل القحف intracranial pressure بأنه الضغط المؤثر في النسيج الدماغي. ويؤثر عاملان رئيسان في هذا الضغط، هما: حجم السائل الدماغي الشوكي (س.د.ش) cerebrospinal fluid (CSF) الموجود ضمن البطينات وحول الدماغ والحبل الشوكي؛ وحجم الدم ضمن الأوعية. ثمة توازن دقيق بين حجوم المتثابتات (الثوابت) parameters الثلاث ضمن القحف (الدماغ، وس.د.ش، والدم في الأوعية)، تحافظ على الاستتباب البدني homeostasis.
يفرز 50-80% من السائل الدماغي الشوكي من الضفائر المشيميائية choroid plexus في حين يفرز الباقي (30% تقريباً) من البطانة العصبية ependymal surface. ويتم إنتاجه بالترشيح الشعيري المستدق الفاعل (المستهلك للطاقة) active capillary ultra filtration. ويوجد في كل حين 90-150 مل من السائل ضمن البطينات وحول الدماغ والحبل الشوكي. وتكون الكمية المنتجة ثابتة، مهما تغير ضغط س.د.ش ارتفاعاً أو انخفاضاً، وتقدر بـ 20 مل/سا أو 500 مل/اليوم. في حين يمتص س.د.ش على نحو منفعل passive (من دون استهلاك للطاقة) من التحببات العنكبوتية arachnoid granulations في الجيب السهمي العلوي superior sagittal sinus خاصة. وعلى ذلك يتبدل س.د.ش باستمرار بمعدل 3.7 مرات تقريباً كل يوم.
أما العامل الآخر الذي يؤثر في الضغط داخل القحف فهو حجم جريان الدم في الدماغ cerebral blood flow (CBF). ثمة تنظيم ذاتي لهذا الجريان الذي يبلغ 750 ميليلتر في الدقيقة في الراشدين. وتعادل كمية الدم المتدفقة في الدماغ 15% من النتاج القلبي، أو 50-54 ميليلتر من الدم لكل 100غ من الدماغ/دقيقة. ويتغير تدفق الدم بحسب الاحتياجات الاستقلابية للدماغ. فإذا ازداد الجريان كثيراً - ومنه كتلة الدم الموجودة داخل القحف - ازداد الضغط داخل القحف. وإذا نقص إلى ما دون 18-20 مل/100غ/دقيقة أدى إلى الإقفار (نقص الارتواء). وإذا تدنى إلى أقل من 8-10مل/100غ/د أفضى إلى تموت النسيج العصبي. في الجدول (1) العلاقة بين جريان الدم في الدماغ والضغط داخل القحف.
| |||
(الجدول رقم1) العلاقة بين جريان الدم في الدماغ والضغط داخل القحف |
لخص "مونرو" و"كَلي" العلاقة المتبادلة بين حجوم العناصر الثلاثة في داخل القحف (الدماغ، والدم، وس.د.ش)؛ في فرضية شهيرة عرفت باسميهما Monro-Kellie hypothesis. وتنص هذه الفرضية على أنه في الصحة يبقى مجموع حجوم كل من كتلة الدم داخل أوعية القحف، والـ س.د.ش، والنسيج الدماغي ثابتة. ولهذه الفرضية تطبيقات عملية سترد لاحقاً.
يقاس ضغط س.د.ش عند البزل القطني lumbar puncture (LP) بوضعة الاستلقاء الجانبي، ويندفع السائل عند نكزه مباشرة (= الفتح) at opening. يتساوى الضغط في المسافة تحت العنكبوتية القطنية مع نظيره في البطينات بوضعة الاستلقاء. ويبلغ الضغط 10- 18سم ماء (= 8- 15مم زئبقي Hg، أو ما يعادل 1.1-2 كيلو باسكال (kPa. ويبلغ الضغط 20-30سم ماء (16-24 مم (kPa 2¨1-3¨2 = Hg بوضعة الجلوس. أما في الولدان newborn فهو 8-10 سم ماء (1.6- 5 مم (Hg ، وفي الأطفال 3-7 مم Hg. وتظهر معظم تبدلات الضغط في أثناء البزل بالسعال، أو بضغط البطن، أو الوريدين الوداجيين في العنق.
أولاً- فرط الضغط داخل القحف:
الأسباب:
لارتفاع الضغط داخل القحف raised intracranial pressure أسباب كثيرة. في الجدول (2) أمثلة عليها.
| |||||||||||||||
(الجدول رقم2) من أسباب فرط الضغط داخل القحف |
التقييم السريري:
إن ثالوث المظاهر: الصداع والقياء ووذمة حليمتي العصبين البصريين يوحي بشدة وجود فرط ضغط داخل القحف. ولكن لا يوجد ترابط بين شدة ارتفاع هذا الضغط من جهة وشدة تلك المظاهر من جهة أخرى. وفيما يلي أهم مظاهر فرط الضغط داخل القحف.
-1 قد يصف العليل صداعه بأنه نابض throbbing أو أن رأسه يكاد أن يتفجر. ويتفاقم الصداع بالعوامل التي تفاقم هذا الضغط: كالسعال والعطاس والاستلقاء. ويكون على أشده صباحاً غالباً، وقد يكون ذلك ناجماً عن تفاقم الضغط القحفي والاستلقاء وارتفاع pCO2 في أثناء النوم ونقص امتصاص السائل الدماغي الشوكي أيضاً.
-2 أما وذمة حليمتي العصبين البصريين فلها شأن عظيم في التشخيص، إلا أنها لا تظهر إلا بعد عدة أيام من حدوث فرط الضغط داخل القحف. وقد تبدو نزوف في قعر العين إذا ارتفع الضغط ارتفاعاً شديداً مفاجئاً قبل ظهور الوذمة، شأن ما يشاهد في النزف تحت العنكبوتية أو في بعض حالات رضوض الرأس. وقد لا تظهر الوذمة في بعض حالات فرط الضغط داخل القحف قديم العهد؛ إذا كان كُم sleeve الأم تحت العنكبوتية الذي يحيط بالعصب البصري غير متصل بالمسافة تحت العنكبوتية الدماغية subarachnoid space.
-3 والقياء يظهر متأخراً، ويرافق الصداع الصباحي غالباً.
-4 تحدث بلادة ذهنية، وفرط نوم، واضطرابٍ في الوعي مترقي السير (يقاس بسلم كلاسكو للسبات) Glasgow Coma Scale (GCS). ويواكب اضطراب الوعي شدة تزايد الضغط القحفي، وحدوث انزياح في التشكلات الشبكية reticular formation الموجودة في الدماغ البيني diencephalon والدماغ المتوسطmidbrain ، باتجاه ذيلي caudal.
-5 قد تشاهد علامات موضعة زائفة، ولاسيما شلل العصب السادس في جانب واحد أو في كليهما
-6 أما في الأطفال والرضع فقد تصادف علامات أخرى كافتراق الدروز وتوتر اليوافيخ قبل مرحلة الالتحام. ولا تشاهد وذمة حليمة العصبين البصريين في هذه الفئة العمرية.
-7 ثمة علامات أخرى قد تشاهد كتوسع البؤبؤ، والإطراق ptosis في الجانبين، وتحدد الحملقة نحو الأعلى impairedup gaze، وارتكاس بسط الأطراف للإيلام extension to pain، واضطرابات تنفسية. وتدل كلها على حدوث انفتاق خيمي أو لوزيtentorial or tonsillar herniation أكثر مما تدل على القيمة المطلقة لمستوى الضغط داخل القحف.
-8 قد يحدث ارتفاع في الضغط الشرياني وبطء النبض وتغيرات في نمط التنفس في مراحل متقدمة من فرط الضغط داخل القحف؛ بسبب تشوه جذع الدماغ أو نقص الارتواء (الإقفار).
انزياح الدماغ brain displacements والانفتاقاتherniations:
قد يفضي ارتفاع الضغط في إحدى الأحياز (الحجيرات) compartment القحفية؛ إلى اندفاع جزء منه في الحجيرة ذات الضغط المرتفع نحو الحجيرة ذات الضغط الأكثر انخفاضاً. ويؤدي ذلك إلى انفتاق تحت المنجل subfalcial herniation نحو الجانب الآخر، وعبر الخيمة المخيخية tentorium cerebelli cerebri، والثقبة العظمى foramen magnum. مما يؤدي إلى ظهور مظاهر عصبية مميزة. ثمة نموذجان رئيسيان من الانفتاقات: الانفتاق النازل المركز descending central herniation عبر الخيمة أو عبر الثقبة العظمى، والانفتاق الصاعد المركزي ascending central herniation عبر الخيمة. والأول منهما هو الأكثر مصادفة (الشكل 1).
(الشكل (1) النماذج المختلفة للانفتاقات الجانبية داخل القحف أ- انفتاق التلفيف الحزامي cingulate herniation (المعروف بـ"الانفتاق تحت المنجل" أيضاً، عبر الخط الناصف نحو الجانب المقابل. وقد يؤدي هذا إلى اضطراب الوضعة posture والوعي. ويسبق حدوث نماذج الانفتاقات الأخرى.ب- انفتاق مِعقفي (= كلابي) :uncal herniation وهو أكثر الانفتاقات مشاهدة؛ إذ ينفتق معقف uncus الفص الصدغي بين حافة الخيمة والجزء العلوي من جذع الدماغ، مما يؤدي إلى اضطراب في الوعي مترقي السير، مع توسع البؤبؤ الموافق وفالج شقي مقابل. ج- انفتاق لوزي :tonsillar herniation وفيه تنفتق اللوزتان المخيخيتان عبر الثقبة العظمى لتنحشر في القسم العلوي من القناة الشوكية، لتنضغط البصلة. ويؤدي هذا إلى خلل قلبي تنفسي، وفرط ضغط شرياني، وارتفاع الضغط النبضي pulse pressure، وبطء النبض واضطراب التنفس وتثبيطه، فالوفاة. يطلق على بطء القلب وفرط الضغط "ارتكاس كوشنغ Cushing’s response"؛ ويشاهد في ثلث حالات الانفتاق اللوزي. |
قد يكون الانفتاق النازل عبر الخيمة مركزياً أيضاً، وفيه يدفع نصفا الكرة المخية المتوذمتان النوى القاعدية والدماغ البينيdiencephalon باتجاه ذيلي، فيؤدي هذا إلى نقيصة deficit عصبية مترقية السير، تبدأ بمظاهر تأذي الدماغ البيني، سرعان ما يتبعها تأذي الدماغ المتوسط midbrain ومن ثم الجسر فالبصلة. وعلى ذلك يتبدل المشهد السريري بتفاقم الانفتاق بالاتجاه الرأسي الذيلي (الجدول 3). كما قد يُمطط الانفتاق أغصان الشريان القاعدي، مما قد يؤدي إلى تمزق شرايين الجسر الثاقبة perforating arteries، ومنه حدوث نزف أو نزوف صغيرة (تدعى نزف دوريت (Duret hemorrhage، تؤدي إلى الوفاة. وتجدر الإشارة إلى تشابه المشهدين السريريين في كل من الانفتاق المركزي النازل عبر الخيمة من جهة، ونظيره المشاهد في متلازمة نقص الضغط القحفي من جهة أخرى، والذي قد يؤدي إلى انفتاق مركزي عبر الخيمة أيضاً، كما سيرد لاحقاً.
| |||
(الجدول رقم3) تطور المشهد السريري في الانفتاق المركزي النازل عبر الخيمة |
تشخص الانفتاقات سريرياً؛ ويؤكد التشخيص بوساطة التصوير، ولاسيما بالرنين المغنطيسي. ولعل أفضل وسيلة غير مباشرة وغير باضعة للاستدلال على وجود فرط الضغط داخل القحف وشدته؛ هي قياس القطر الأعظمي لغمد عصب البصر خلف المقلة. فإذا تجاوز قطره 5.82 مم، دل ذلك على فرط الضغط داخل القحف في 90% من الحالات (وهذه هي حساسية الاختبار (sensitivity. أما مناوعته (نوعيته) specificity فهي 92%. أما إذا ما اعتمد الحد الفاصل للقطر الأعظمي للغمد السوي للعصب هي 5.3 مم؛ ارتفعت نسبة حساسية الاختبار إلى 100%. وتظهر صور MRI بدقة المواقع التشريحية للبنى العصبية التي هي عرضة للانفتاق. إذ يؤدي الانفتاق عبر الخيمة النازل بأجزاء من الفص الصدغي لإمحاء الصهريج فوق السرج suprasellar cistern، يضغط على السويقتين المخيتين cerebral peduncle. أما الانفتاق الصاعد فيفضي إلى إمحاء صهريج رباعيات التوائم (الشكل2).
الشكل (2) مشهد تشريحي سهمي سوي للدماغ بالرنين المغنطيسي 1- الصهريج فوق السرج suprasellar cistern، 2- الجسر pons، 3- السويقتان المخيتان (الدماغ الناصف) cerebral peduncles (midbrain)، 4- البصلة medulla، 5- صفيحة رباعيات التوائم (للأكمتين العلويتين وللأكمتين السفليتين) quadrigeminal plate (superior and inferior colliculi)، 6- البطين الرابع fourth ventricle، 7- صهريج رباعيات التوائم quadrigeminal cistern يقع بين رباط الجسم الثفني والسطح العلوي للمخيخ. ويحوي الوريد المخي الكبير [ويعرف بأسماء مختلفة إضافة إلى صهريج رباعيات التوائم: منها؛ الصهريج المحيط ambient cistern (بالدماغ المتوسط]، قناة بيشا Bichat’s canal، ثقبة بيشا Bichat’s foramen، صهريج الوريد المخي الكبير cistern of great cerebral vein، الصهريج العلوي superior cistern). |
التدبير:
يوجه التدبير نحو معالجة السبب إن أمكن ذلك: كمعالجة الكتلة جراحياً، وإعطاء الستيروئيدات القشرية مثل dexamethasone للوذمة، والسيطرة على استسقاء الرأس بوضع تحويلة shunt، على سبيل المثال. فيما يلي عرض للمعالجات المساعدة بحسب الأولويات السريرية:
-1 المحافظة على الاستتباب الفيزيولوجي العام :general physiologic homeostasis
قد تؤثر التغيرات في الاستتباب سلباً إما على الضغط داخل القحف وإما على تروية الدماغ وإما على كليهما. لذا يتوجب الانتباه إلى:
> إبقاء الضغط الجزئي للأكسجين الشرياني partial pressure arterial oxygen جيداً.
> المحافظة على كفاية حجم الدم في الدوران euvolemia.
> المحافظة على استواء الضغط الأسموليosmotic pressure.
> الحؤول دون حدوث حمى تفاقم فرط الضغط داخل القحف ويستدل منها على سوء الإنذار، ولاسيما في الحمى المركزية المنشأ central fever (التي يرافقها تعرق غزير أيضاً). وتشير الحرارة المركزية إلى تأذي الوطاء، شأن ما يصادف في رضوض الرأس. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج من الحمى المركزية قد يستجيب للعلاج بـ propranlol.
> السيطرة على الاختلاج إن حدث.
-2 تصريف (نزح) السائل الشوكي :CSF drainage
يفرغ بعض من س.د.ش بغرس قثطارcatheter ضمن البطينات. ولعل أهم مضاعفتين لهذا الإجراء هما الخمج - الذي قد يكون صريحاً أو لا أعراضياً - والنزف. تتفاوت نسبة حدوث خمج لا أعراضي في القثطار بين 0 و19% من الحالات، بحسب الإحصائيات المختلفة. أما النزف فيصادف في 2% من الحالات.
-3 رفع رأسية السرير:
يحسِّن رفع رأسية السرير إلى 30 درجة من جريان الدم الوداجي، ويخفض الضغط داخل القحف. لكن هذا الإجراء قد يخفض الضغط الشرياني قليلاً إذا نقصت كتلة الدم في الأوعية، مما يؤدي إلى نقص ضغط إرواء الدماغ؛ لذا يجب تصحيح نقص الحجم إن وجد.
-4 تسكين الألم والتهدئة :sedation
يعطى: propofol أو etomidate أو midazolam وريدياً للتهدئة، ويعطى الـmorphine أو alfentanil لتسكين الألم ولتثبيط السعال أيضاً.
-5 الإحصار العصبي العضلي :neuromuscular blockade
يفاقم النشاط العضلي زيادة الضغط داخل القحف، بسبب زيادة الضغط داخل الصدر، ومنه إعاقة عودة الدم الوريدي من المخ. لكن ما يؤخذ على هذا الإجراء أنه يؤهب لالتهاب الرئة وللأخماج. كما أنه يحول دون مراقبة حدوث الاختلاج إن حدث.
-6 الستيروئيدات:
الستيروئيدات فعالة في إنقاص الوذمة الدماغية وعائية المنشأ كتلك المشاهدة في أورام الدماغ، لكنها غير مجدية في الوذمة الخلوية السمية cytotoxic cerebral edema التي تصادف في احتشاءات الدماغ ورضوض الرأس على سبيل المثال. ويركن إليها في الحالات التالية (الجدول 4):
| |||||
(الجدول رقم4) استطباب استخدام الستيروئيدات في وذمة الدماغ |
-7 المدرات:
أكثر العقاقير استخداماً في هذه الحالات هو المانيتول mannitol. وهو مدر تناضحي osmotic يعمل ضمن الأوعية. ويعطى بجرعة (0.25-1غ/كغ) وله تأثيران في الضغط داخل القحف:
أ- يستطيع نكز السوائل من الدماغ السوي أو المؤوف، ويفاقم الحجم القلبي القبلي cardiac preload فينخفض الضغط داخل القحف.، وتطرح السوائل بالطريق الكلوي مما يؤدي إلى انخفاض الضغط الشرياني أيضاً
ب- تنقص لزوجة الدم بالتمديد، مما يؤدي إلى تقبض وعائي انعكاسي. فتنقص بذلك كتلة الدم داخل القحف. ومن مساوئ استخدام المانيتول أيضاً، أنه قد يفضي إلى نقص الحجم في الدوران بسبب الإدرار، كما أنه قد يؤدي إلى فرط التناضح hyperosmotic state؛ لذا يجب مراقبة الأسمولالية osmolality، وتجنب زيادتها لأكثر من (320 ملم أوسمول/كغ).
-8 فرط التهوية:
يؤدي إنقاص الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون P CO2 إلى 25-30 مم زئبق؛ إلى انخفاض مؤقت في الضغط داخل القحف لتقبض الأوعية ومنه نقص التروية الدماغية.
- 9معالجات أخرى:
أ- السبات الباربيتوراتي barbiturate coma:قد تعطى كميات كبيرة من الباربيتورات أحياناً في وذمة رضوض الرأس الشديدة التي لا تستجيب للمعالجات الأخرى، لإنقاص كل من: احتياجات الدماغ الاستقلابية والتروية الدماغية وإطلاق الجذور الحرة free radicals أيضاً. وتتطلب هذه الطريقة مراقبة حدوث المضاعفات، ولاسيما الانخفاض الشديد في الضغط الشرياني.
ب- خفض الحرارة:hypothermiaقد يخفف خفض الحرارة المركزية للجسم إلى 34 درجة من فرط الضغط داخل القحف الحرون (المعند) refractory، إلا أن هذا قد يؤدي إلى مضاعفات كثيرة كحدوث أخماج رئوية واضطرابات الشوارد. كما قد يعود الضغط داخل القحف إلى التفاقم مجدداً، عند السماح للحرارة بالارتفاع نحو الحدود السوية. وثمة من يشكك بفائدة هذا التدبير.
ج- حج القحف craniotomyلتخفيف الضغط: قد يفيد هذا الإجراء بتخفيف الضغط في حالات عدة بما في ذلك: رضوض الرأس، واحتشاءات الدماغ الواسعة، والنزف تحت الجافية، ومتلازمة راي Reye syndrome المشاهدة في الأطفال. لكن قد يؤدي هذا إلى مراضة عالية قد تكون غير مقبولة في كثير من تلك الحالات.
ثانياً- حالات فرط الضغط داخل القحف:
-1 الوذمة الدماغية الشديدة أو المعممة: للوذمة الدماغية خمسة نماذج متداخلة:
أ- الوذمة الدماغية وعائية المنشأ :vasogenicوهي أكثر نماذج الوذمات مشاهدة. وتنجم عن زيادة نفوذية بطانة الأوعية الشعرية للألبومين والبروتينات الأخرى في البلازما، عبر الحائل الدموي الدماغي blood-brain barrier، باتجاه الحيز خارج الخلوي. وتشاهد في المادة البيضاء ولاسيما مرافقة للأورام الخبيثة خاصة، وللأورام السليمة أحياناً.
ب- الوذمة الخلوية السمية cytotoxic وتعرف بالوذمة الخلويةcellular oedema أيضاً (ويفضل المصطلح الأول منهما): وتنجم عن نفاذ الطاقة من أغشية الخلايا الدِبقية glial cells والعصبونات، فتتوذم من دون أن يتأذى الحائل الدموي الدماغي، وعلى ذلك فهي تصيب المادة السنجابية خاصة. يحدث هذا خلال دقائق من الأذية في الرضوض أو نقص الارتواء. ولعل أكثر أسباب تردي الحالة السريرية لمريض مصاب باحتشاء دماغي هي حصول تلك الوذمة. وتكون الوذمة خلوية سمية بادئ الأمر لتوقف أغشية الخلايا عن العمل، ومن ثم تحدث الوذمة الدماغية الوعائية أيضاً. تتضافر الوذمتان في ضغط النسيج الدماغي السليم المحيط ببقعة الاحتشاء. وتصل هذه الوذمة إلى أشدها خلال 24-96 ساعة من حدوث الاحتشاء، وتبقى على تلك الشدة مدة عشرة أيام تقريباً، ثم تتحسن تدريجياً لتزول بعد ثلاثة أسابيع من البدء تقريباً.
ج- الوذمة الخلالية :interstitial oedema وتنجم عن حدوث ارتفاع الضغط ضمن البطينات لوجود انسداد في مجرى س. د. ش، مما يسمح بعبور السوائل والصوديوم عبر البطانة العصبية ependyma إلى الحيز الدماغي جانب البطينات paraventricular space. ويشاهد هذا النموذج من الوذمة الدماغية في التهاب السحايا الذي يُعاق فيه جريان س.د.ش وامتصاصه.
د- الوذمة الدماغية التناضحية osmotic cerebral oedemaلنقص أسمولية الدم (احتباس الماء) وتخفيف الدم haemodilution، شأن ما يصادف في متلازمة الإفراز غير الملائم لهرمون مضاد الإبالة (SIADH) syndrome of inappropriate antidiuretic hormone secretion.
هـ- الوذمة الدماغية بخلل توازن السوائل (الهدروستاتيكية) hydrostatic cerebral oedema (لاضطراب التنظيم الذاتي لدوران الدم في المخ، شأن ما يشاهد في الارتفاع الشديد للضغط الشرياني، أو للمعالجة ببعض الأدوية، كـ tacrolimus وcyclosporine بعد غرس الأعضاء وبعض الأدوية الأخرى.
تشاهد الوذمة الدماغية في أدواء مختلفة (الجدول 5).
| ||
(الجدول رقم5) في أسباب الوذمة الدماغية |
لا تسبب الوذمة الدماغية أعراضاً خاصة بها إلى أن يرتفع الضغط داخل القحف، إلا أنها تفاقم المظاهر العصبية للعلة المسببة بادئ الأمر. وعند ازدياد الوذمة وارتفاع الضغط داخل القحف تحدث أعراض معروفة: كازدياد الصداع، القياء فرط النوم، نقص الاستعراف، فاضطراب الوعي، فالسبات. وتنجم هذه التغيرات عن نقص التروية الدماغية وانفتاق الدماغ كما سبق ذكره.
-2 فرط الضغط داخل القحف مجهول السبب :idiopathic intracranial hypertension (IIH)
هو زيادة مقاسة في الضغط داخل القحف غير ناجمة عن وجود استسقاء الرأس hydrocephalus أو كتلة في الدماغ، مع سلامة س.د.ش من الناحيتين الكيميائية والخلوية. وكان يعرف سابقاً بـ "الورم الدماغي الكاذب pseudotumor cerebri" أو بـ "فرط الضغط القحفي الحميد".
الوبائيات والإمراض: هذا الاعتلال هو من الحالات نادرة المصادفة. إذ تقدر نسبة وقوعه بـ 0.9 بين كل 100000 نسمة عامة، لكنه غير نادر في النساء البدينات في سني الإخصاب من العمر (أي، ممن كن بين 15-44 سنة من أعمارهن). وعلى ذلك فإن نسبة الوقوع في النساء في تلك الأعمار هي 3.5 بين كل 100000 أنثى، وترتفع النسبة في البدينات بين الأعمار 20-44 سنة لتصل إلى 19.3 في كل 100000 منهن. في الجدول (6) تذكير بتعريف فرط الوزن overweight والبدانة أو السمنة. ويبدو مما تقدم أن نسب وقوع هذه المتلازمة هي مشابهة للنسب المشاهدة في التصلب الجانبي التضمري amyotrophic lateral sclerosis، ومتلازمة غيلان - باريه Guillain-Barré، والحثول العضلية muscular dystrophy.
| ||||||||||||
(الجدول رقم6) العلاقة بين مناسب كتلة الجسم والحالة الجسدية |
التشخيص: ثمة نموذجان لفرط الضغط القحفي مع بقاء البطينات متناظرة، سوية الحجم أو صغيرة، وهما:
- فرط الضغط القحفي مجهول السبب.
- فرط الضغط القحفي الثانويsecondary intracranial hypertension .
يشخص فرط الضغط داخل القحف مجهول السبب استناداً إلى المعايير التشخيصية المذكورة في الجدول (7).
| |||
الجدول رقم7) تعديل فريدمان وجاكبسونFriedman & Jacobson لمعايير داندي المعدلة modified Dandy criteria في تشخيص اعتلال فرط الضغط داخل القحف مجهول السبب(IIH) |
تشمل محاكيات mimics المشهد السريري لفرط الضغط داخل القحف مجهول السبب، التي تتظاهر كحالات غير نموذجية:
> خثار الجيوب الوريدية: ويمكن تشخيصها بالرنين المغنطيسي.
> الارتشاح الورمي للسحايا: ويمكن كشفها بالرنين المغنطيسي، مع تحري الخلايا الورمية في س.د.ش.
> التهاب السحايا المزمن: وتشخص بالرنين المغنطيسي وفحص س.د.ش.
> الأورام متساوية الكثافة isodense بصور CT غير المعززة. ولكن تظهر هذه جلية إما بعد التعزيز بالمادة التباينية غالباً أو بالتصوير بالرنين المغنطيسي.
> فرط الضغط داخل القحف الثانوي secondary intracranial hypertension، ولاسيما في المرضى غير النموذجيين [راجع الملاحظة (7) في الجدول (7)]. ويمكن تشخيصه بالاستقصاءات المناسبة.
ثمة حالات كثيرة من فرط الضغط داخل القحف الثانوي قد تشخص خطأ حالات مجهولة السبب، وهي مبينة في الجدول (8).
| ||||
(الجدول رقم8) أسباب فرط الضغط داخل القحف الثانوي |
يبدو مما تقدم أن للرنين المغنطيسيMRI والتصوير الوريدي أهمية بالغة في وضع تشخيص IIH. وقد أظهرت إحدى الدراسات فائدة بعض العلامات "الشعاعية" في الاستدلال على فرط الضغط داخل القحف (الجدول9). لكن وجودها لا يبطل الحاجة إلى قياس ضغط السائل الدماغي الشوكي وفحصه مخبرياً لوضع التشخيص. كما قد يكون تصوير الأوردة بالمقطعي المحوسب متعدد الشرائح MSCT venogram الوسيلة الأنجع في دراسة الجيوب الوريدية.
| ||
(الجدول رقم9) ما قد تكشفه صور MRI في حالات IIH1 |
المعالجة والإنذار: تهدف المعالجة إلى تخفيف الأعراض، ورفع الضغط الهدروستاتيكي hydrostatic pressure المؤثر في العصبين البصريين، للحؤول دون حدوث أذية بصرية مترقية السير progressive، وذلك بـ:
أ- معالجة البدانة.
ب- تخفيف الضغط داخل القحف بالبزل المتكرر إن لزم.
ج- تفيد بعض الأدوية: كالمدرات البولية مثل: الأسيتولازيمائيد acetazolamide (وهو مثبط لإنزيم الأنهيدراز الكربونية (carbonic anhydrase inhibitor، والمدرات الثيازيدية؛ والستيروئيدات القشرية corticosteroids أيضاً.
إذا أخفقت تلك المعالجات يعمد إلى وضع تحويلة قطنية صفاقية lumboperitoneal shunt لتخفيف ضغط س.د.ش. كما قد يفيد نوفذة غمد العصب البصري optic nerve sheath fenestration في تخفيف الضغط المباشر على عصب البصر- حين استمرار نوب تعتم الرؤية visual obscurations- بعد وضع التحويلة.
تستجيب الحالات للمعالجة جيداً. ويصاب 10% منها بنقص دائم في حدة البصر. كما قد يصاب ثلث المرضى بنوب متكررة من IIH.
-3 استسقاء (موه) الدماغ :hydrocephalus
الفيزيولوجيا المرضية: هو اضطراب جريان س.د.ش بسبب سوء امتصاصه أو فرط إفرازه، وهو نادر (الجدول10).
| |||
(الجدول رقم10) في أسباب فرط الضغط داخل القحف |
يقسم استسقاء الدماغ إلى نموذجين:
أ- استسقاء انسداديobstructive (ويدعى بأسماء مختلفة أيضاً: كالاستسقاء الباطني (لإعاقة دوران س.د.ش ضمن البطينات)؛ أو الاستسقاء اللا متصل non-communicating (لعدم اتصال السائل ضمن البطينات بالمسافات تحت العنكبوتية خارجها)؛ أو استسقاء الدماغ التوتري (tension hydrocephalus.
ب- استسقاء متصلcommunicating ( (ويدعى الاستقساء الخارجي أو الاستسقاء اللا انسدادي (obstructive-non لخلل في إفراز س.د.ش أو في امتصاصه.
ثمة أشكال من استسقاء الدماغ الأسري أو الوراثي، تنتقل في معظمها صفة صبغية متنحية مرتبطة بالجنس sex- linked. وتنجم عن خلل في الجين المرمز إلى جزيء الخلية العصبية اللاصق neural cell adhesion molecule المعروف بـ L1-CAM. وهناك أشكال أخرى تنتقل صفة صبغية جسدية متنحية autosomal recessive أحياناً، أو صفة صبغية جسدية سائدة autosomal dominant نادراً.
المظاهر السريرية: تتصف الحالات الطفلية بالمظاهر المذكورة في الجدول (11).
| |
(الجدول رقم11) المشهد السريري في استسقاء الرأس الطفلي Infantile hydrocephalus |
أما الحالات التي تتجلى بعد مرحلة الطفولة فمظاهرها في الجدول (12).
| |
(الجدول رقم12) المشهد السريري في استسقاء الرأس بعد مرحلة الطفولة |
التشخيص: يكون التشخيص واضحاً سريرياً في مرحلة الطفولة. ويتطلب تشخيصه بعد تلك المرحلة إجراء تصوير مقطعي محوسب CT أو بالرنين المغنطيسي MRI. فتبدو البطينات متسعة في الاستسقاء الانسدادي. ويفضل التصوير بـMRI على CT لدراسة الآفة المسببة.
التشخيص التفريقي: في الصور الطبية يجب التفريق بين توسع البطينات الناجم عن فرط الضغط داخل القحف وبين توسعها الناجم عن سببين آخرين:
أ- الاستسقاء الضموريhydrocephalus exvacuo : وهو توسع معاوض في البطينات والمسافات تحت العنكبوتية (أي إنه يشمل الأتلام sulci أيضاً)، لضمور المتن الدماغي (البرنشيم الدماغي)، ومن دون تغير في ضغط س.د.ش، شأن ما يشاهد في الخرف dementia وتلو رضوض الرأس وبعض الذهانات كالفصام على سبيل المثال.
ب- استسقاء الدماغ سوي الضغط :NPHوهو نموذج خاص من استسقاء الدماغ، تشاهد فيه ضخامة البطينات ولكن من دون ضمور ذي شأن في التلافيف الدماغية. ويكون ضغط س.د.ش عند قياسه في الحدود العليا للقيم السوية غالباً.
المعالجة والإنذار: تعالج العلة المسببة كلما أمكن ذلك. ويُعمد إلى العلاج الجراحي الأعراضي symptomatic therapy، إما بوضع تحويلة shunt لتخفيف الضغط، أو بفغر البطين الثالث ventriculostomy في بعض الحالات الخاصة التى يكون الانسداد فيها ضمن البطينات ويشمل التوسع البطين الثالث. ولهذه التحويلة مضاعفات، ترى في الجدول (13):
| |
(الجدول رقم 13) مضاعفات التحويلات الدماغية |
-4 متلازمة اعتلال مؤخر الدماغ العكوسة :posterior reversible encephalopathy syndrome (PRES)
وتعرف أيضاً بالاعتلال العكوس للمادة البيضاء الخلفية reversible posterior leukoencephalopathy syndrome (RPLS). والتسميتان غير دقيقتين. فقد تصيب العلة المادة الرمادية أيضاً، كما قد تمتد في الحالات الشديدة نحو مقدم الدماغ لتشمل الفصين الجبهيين، وقد تصبح غير عكوسة تاركة عقابيل إذا تأخر التشخيص والمعالجة.
المظاهر السريرية: تتصف هذه المتلازمة بالصداع، والتخليط الذهني confusion، ونوب الاختلاج seizures البؤري أو المتعمم، واضطراب الرؤية (العمى القشري cortical blindness، أو الهلوسات البصرية، أو العمى الشقي أو الإهمال البصري (visual neglect. ويظهر الفحص السريري غالباً سلامة المنعكسات البؤبؤية وكذلك قعر العين. تشتد المنعكسات الوترية ويصبح المنعكسان الأخمصيان بالانبساط. يكون الضغط الشرياني مرتفعاً غالباً، إلا أنه قد يبقى سوياً في بعض المرضى ولاسيما في الحالات دوائية المنشأ.
ينجم هذا الاعتلال عن أسباب مختلفة (الجدول 14). وأكثرها مصادفة ارتفاع الضغط الشرياني الشديد.
| ||
(الجدول رقم14) أسباب متلازمة اعتلال مؤخر الدماغ العكوسة1 |
الإمراض: يعتقد أن العلة في هذه المتلازمة هي قصور حاد في التنظيم الذاتي autoregulation لدوران الدماغ، ولاسيما عندما يتجاوز وسطي الضغط الشرياني مدى عمل هذا التنظيم التلقائي (وهو في الصحة بين 60-120 مم زئبقي). ويؤدي هذا إلى توسع شرياني وخلل وظيفي في بطانة الشعيرات، وتصدع الحائل الدموي الدماغي blood-brain barrier. أما الأدوية السامة فيكون لها تأثير مباشر في بطانة الشعيرات وتسبب تقبضاً شديداً فيها.
يصاب الدوران الخلفي (الشريان الفقاري القاعدي vertebrobasilar والشريانان المخيان الخلفيان) خاصة، ربما لقلة تعصيبه الودي، مقارنة بنظيرها في الدوران الأمامي، إذ تنقبض شرايين الدوران الأمامي تقبضاً جيداً حين تعرضها لارتفاع الضغط ارتفاعاً شديداً.
التشخيص: يوضع التشخيص استناداً إلى نتيجة التصوير، والوسيلة المفضلة هي الرنين المغنطيسي. وقد يُلتبس بين المظهر في هذه المتلازمة العكوسة ونظيره في الاحتشاء القذالي ثنائي الجانب الناجم عن صمة في ذروة الشريان القاعدي؛ لذا يجب التصوير بصيغ مختلفة imaging protocols.
التدبير: تعتمد معالجة متلازمة اعتلال مؤخرة الدماغ العكوس على السبب. فإذا كانت المشكلة في فرط الضغط الشرياني الشديد وجبت معالجته بسرعة لتلافي حدوث أذية دماغية تصبح غير قابلة للشفاء.
يعالج اعتلال الدماغ بفرط الضغط الشرياني بتخفيض الضغط الوسطي MAP بمقدار 20-25% بمدة ساعة إلى ساعتين، أو بتخفيض الضغط الانبساطي إلى 100مم زئبقي. ويفضل التحكم بسرعة تخفيض الضغط بالتحكم بسرعة التسريب الوريدي للعلاج. ومن الأدوية المستعملة؛ sodium nitroprusside، وlabetalol (الذي له فعل إحصاري لمستقبلات ألفا وبيتا) وحاصرات قنوات الكلسيوم calcium blockers channel. ويجب الحذر من استعمال مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE) خشية وجود نقص في حجم الدم، أو تضيق في الشريان الكلوي.
يعالج الاختلاج بمضادات الاختلاج فترة قصيرة؛ إذ تتوقف النوب عن المعاودة بزوال التغيرات الشعاعية.
أما الحالات الناجمة عن تعاطي الأدوية المثبطة للمناعة والأدوية السرطانية فيجب تخفيف جرعاتها أو إيقافها. كما يستطب فصادة البلازما plasmapheresis لحالات فرفرية نقص الصفيحات الخثارية thrombotic thrombocytopenic purpura (TTP).
تعالج هذه المتلازمة المشاهدة في ما قبل الإرجاج (الارتعاج)pre-eclampsia بتوليد الطفل مع المشيمة. أما نوب الاختلاج فتستجيب magnesium sulphate على نحو أفضل منها لـــ phenytoin وdiazepam . وتشمل خافضات الضغط المسموح بها في أثناء الحملmethyldopa و hydralazine وlabetalol. ولا تعطى مثبطات ACE في الحمل. كما قد يكون لـ atenolol آثاراً ضارة في وظيفة المشيمة ونمو الجنين.
الإنذار: تزول الأعراض بمدة أسبوعين بالمعالجة الملائمة. وتتوقف النوب الاختلاجية عن التكرر بزوال التغيرات الشعاعية. أما إذا تأخر العلاج فقد تحدث أذية دماغية دائمة من جراء نزف دماغي أو احتشاء وقد تؤدي إلى الوفاة وقد تترك عقابيل في نصف الحالات تقريباً.
ثالثاً- استسقاء (موه) الدماغ سوي الضغط normal pressure hydrocephalus:
هو نموذج من استسقاء الرأس المتصل التالي لاحتباس السوائل ضمن البطينات فتتضخم. ويحدث ارتفاع متقطع في ضغط س.د.ش، لا يكشف إلا بقياس الضغط ضمن البطينات المتواصل مدة لا تقل عن 24 ساعة. أما القياس العشوائي لضغط س.د.ش القطني فيكون في الحدود العليا السوية (15-20 سم) غالباً. ومن المعتقد أن الحالة تبدأ بارتفاع ضغط السائل، إما لسبب معروف كحدوث نزف تحت العنكبوتية أو التهاب السحايا القاعدية أو رضوض الرأس على سبيل المثال، أو لسبب غامض. وقد يعاوض الجسم ويعود الضغط ليستقر في الحدود العليا السوية. لذلك اقترح بعضهم تبديل الاسم من استسقاء الدماغ سوي الضغط، إلى "الاستسقاء الدماغي المتصل (= لا انسدادي) كهلي البدء المزمن" chronic adult onset communicating (non-obstructive) hydrocephalus.
لا تعرف نسبة وقوع هذه الحالات وانتشارها prevalence. ويعتقد أنها شائعة نسبياً، إذ قدرت إحدى الدراسات وجودها في 10% من نزلاء مصحات العتاهة (الخرف) في الغرب.
المشهد السريري: يتصف بثالوث الأعراض: اضطراب المشية، والتبول، وتدني الاستعراف cognitive decline. يبدأ اضطراب المشية أولاً وتليه الأعراض البولية ومن ثم يتناقص الاستعراف.
- اضطراب المشية: تغدو الخطوة قصيرة، مع جر القدمين المتباعدتين إحداهما عن الأخرى. يعرف هذا النموذج من المشية بـ "الفرتكة" أو المشية المغنطيسية magnetic gaitأو عمه المشية apraxic gait وتختلف عن الدَلْف (المشية البركنسونية) التي تتصف بصغر عرض الخطوة أي قاعدة استناد القدمين على الأرض.
- اضطراب التبول، وقد يشمل: الإلحاح، وزيادة التواتر، والبوال العاجلprecipitancy، ومن ثم السلس البولي،. وقد يرافقه عدم استمساك البراز أحياناً.
- الاضطرابات الذهنية التي قد تشمل ما هو مذكور في الجدول (15).
| |||||||||||
(الجدول رقم15) الاضطرابات الذهنية وتغير المزاج في استسقاء الرأس سوي الضغط |
التشخيص والمعالجة: يعتمد التشخيص على التقييم السريري الذي يقوم على ظهور الأعراض بالتسلسل المذكور أعلاه، وملاحظة المشية، واختبار الحالة الذهنية، وقراءة صور الدماغ CT) أو (MRI قراءة صحيحة، مع غياب أمراض أخرى قد تسبب مظاهر مشابهة. كما يُقيّم أثر إفراغ 30سم3 من س.د.ش على المشية خاصة، والذي قد يشاهد خلال 24 ساعة من البزل. يشجع التحسن المشاهد بعد البزل على المعالجة بوضع تحويلة بُطينية صفاقية ventriculoperitoneal shunt، صمامها قابل للبرمجة programmable valve من خارج الجسم لتعديل كمية تصريف س.د.ش. أما التحسن المنشود فيطرأ ببطء، ولاسيما على المشية أكثر منه على الاستعراف. ويتفاوت مدى التحسن من حالة إلى أخرى كما أن منها ما لا يتحسن.
رابعاً- تسرب السائل الدماغي الشوكي ونقص الضغط داخل القحف :CSF leaks and intracranial hypotension
-1 متلازمة نقص الضغط داخل القحف:
هي نقص مرضي أعراضيsymptomatic في ضغط السائل الدماغي الشوكي إلى أقل من 7 سم ماء، مقاساً عند البزل القطني والمريض بوضعة الاستلقاء الجانبي، والطرفان السفليان ممدودان. وينقص هذا الضغط لنقص في حجم س.د.ش، مما يؤدي إلى خلل في التوازن بين الأحجام الثلاثة التي تشكل مجتمعة ما يعرف بـ"محتويات داخل القحف intracranial contents". وهي: الدماغ، والدم في الأوعية، والـ س.د.ش ضمن البطينات وفي المسافات تحت العنكبوتية، بحسب فرضية مونرو وكَلي Monro-Kellie hypothesis سالفة الذكر. ويؤدي نقص حجم س.د.ش إلى توسع معاوض في الأوعية الدموية، ولاسيما في الجيوب الوريدية، كما قد يفضي إلى زيحان shift البنى الحساسة للألم في السحايا والجيوب الوردية والشرايين في قاعدة الدماغ، ومنه حدوث صداع نقص الضغط داخل القحف.
المشهد السريري: تتصف الحالات سريرياً بحدوث صداع بوضعة الوقوف خاصة يزول بالاستلقاء غالباً. كما أنه يتفاقم بالوسائط التي تزيد ضغط السائل الدماغي الشوكي آنياً كالسعال والضحك والعطاس، وضغط الوريدين الوداجيين ومناورة فالسالفا على سبيل المثال. وقد يؤدي نقص ضغط س.د.ش. إلى مظاهر أخرى، كالغثيان والقياء وصلابة العنق وشلل العصب السادس (في جانب واحد أو في كليهما)، واضطراب السمع، وخدر الوجه أو ضعفه، وثر الحليب، كما قد يؤدي نادراً إلى نقص الوعي والوفاة، في المرحلة الحادة من الإصابة. أما الحالات المزمنة، فقد تتضاعف بحدوث نزف مزمن تحت الجافية أو بورم رطب hygroma.
قد تصادف متلازمة نقص ضغط س.د.ش من دون سبب ظاهر، لحدوث ثقب تلقائي في سحايا الحبل الشوكي ولاسيما في الناحيتين الظهرية أو الرقبية. يطلق على هذه الحالات مصطلح "نقص الضغط داخل القحف التلقائي spontaneous intracranial hypotension (SIH)"، ويصاب بها الإناث أكثر من الذكور ولاسيما بين الأعمار 40-60. كما قد تشاهد المتلازمة ثانوياً، بعد البزل القطني أو الجراحة أو الرضوض، أو بعد وضع تحويلة shunt غير ملائمة تُصرّف كمية كبيرة من السائل.
المشهد في الصور الطبية:
أ- التصوير المقطعي المحوسب CT، قد يكشف عما يلي:
> تجمع سائل تحت الجافية
> انفتاق اللوزتين المخيخيتين إلى الثقبة العظمى
> تمدد distension الجيوب الوريدية
ب- التصوير المقطعي المجوسب التبايني للنخاع الشوكي CT myelogram. ويفيد هذا في البحث عن مكان وجود الثقب في الكيس السحائي الشوكي. لهذه الغاية يجرى البزل على طاولة التصوير، ويحقن 10مل من المادة التباينية contrast material ضمن الكيس السحائي، ببطء. وبعد نزع المبزل يطلب من المريض أن يستلقي على ظهره مباشرة، ويجرى التصوير من دون إبطاء لأن المادة التباينية قد تسري مبتعدة عن الثقب في فترة وجيزة.
ج- التصوير بالرنين المغنطيسي للدماغ brain MRI، وقد تظهر فيه:
- وذمة دماغية منتشرة.
- تهدل جذع الدماغ sagging brainstem.
- علامة "القضيب المتدلي droopy penis sign"، للدلالة على تدلي شريطsplenium الجسمين الثفنيين corpus callosum.
- انصباب تحت الجافية.
- استدارة الجيوب الوريدية في المقاطع المستعرضة crosssection.
- قد يظهر ما يلي بالصور المعززة بالمادة التباينية contrast-enhanced:
> احتقان الجيوب الوريدية.
> تعزيز الأم الجافية (فوق الخيمة وتحتها).
> توسع النخامى.
المعالجة: يعتمد التدبير على السبب:
أ- تتحسن الحالات الناجمة عن بزل س.د.ش تلقائياً غالباً، بالخلود إلى الاستلقاء في الفراش عدة أيام.
ب- أما الحالات التي تعند على المعالجة المحافظة، أو التي تحدث تلقائياً وأمكن تعيين مكان الثقب السحائي المسبب؛ فتعالج بحقن كمية صغيرة من دم المريض في مكان الثقب، تحت التخدير العام. تعرف هذه الطريقة من المعالجة بـ"رقعة الدم خارج الجافية epidural blood patch". فهي تثير ارتكاساً التهابياً موضعياً يؤدي إلى التئام الثقب غالباً. وفي حال الإخفاق يعمد إلى رفوه جراحياً.
ج- قد تستدعي الحالات الناجمة عن فرط تصريف س.د.ش من تحويلة مخية Cerebral shunt، بتبديل صمامها بآخر أقل تصريفاً للسائل. أما الحالات الناجمة عن تحويلة قطنية صفاقية lumbo-peritoneal shunt، فإما أن تنزع التحويلة وإما أمكن، أو تقلل كمية السائل المنضوح بثني فوهة المصرف جراحياً.
الإنذار: جيد إذا أمكن تحديد مكان الثقب، وانتقيت المعالجة المناسبة.
- 2ثر السائل الدماغي الشوكي من الأنف CSF rhinorrhea:
يشير تسرب س.د.ش من الأنف إلى وجود ناسور fistula يمتد من المسافة تحت العنكبوتية في قاعدة الجمجمة إلى الأنف، عبر كسر أو عيب defect في إحدى عظام الحفرة الأمامية غالباً، مع تمزق مرافق في الأم الجافية الملتصقة بسمحاق العظم. يقع الكسر في إحدى الصفيحتين المِصفويتين cribriform plates (اليمنى منهما غالباً) اللتين تقعان في سقف الأنف، أو كسر في سقف الجيب الغربالي المجاور، أو أنه يشمل الجدار الخلفي للجيب الجبهي. وقد يكون الثر من قاعدة الحفرة المتوسطة أحياناً إلى الجيب الوتديsphenoid sinus أو أنبوب أوستاشيو (النفير) Eustachian tube .
الأسباب: ينجم ثر س.د.ش من الأنف عن كسر في قاعدة الجمجمة في معظم الحالات (80-90%). وقد يكون علاجي المنشأ iatrogenic، تلو جراحة على قاعدة الجمجمة خاصة، أو على الأنف أو الأذن أحياناً. وقد يحدث تلقائياً أيضاً.
يتظاهر معظم الحالات رضية المنشأ (80%) في الـ 48 ساعة الأولى من الرض وقد يحدث آجلاً، فيتظاهر بعد 3 أشهر من الرض (أي إلى ما بعد زوال الارتكاس الالتهابي والوذمة، أو ارتشاف شظايا العظم المتموته، أو إلى حين حدوث فرط ضغط داخل القحف). في الجدول (16) الأسباب المختلفة لثر س.د.ش من الأنف.
| |
(الجدول رقم16) أسباب ثر س.د.ش من الأنف |
المظاهر السريرية: يكون السائل المتسرب مائي المظهر ورائقاً (إلا في الحالات الرضية الحديثة، حين يبدو مدمى). وقد يكون مستمراً أو متقطعاً يشاهد بين فترة وأخرى بلا انتظام. يثار عند الجلوس من وضعة الاستلقاء، أو عند الانتصاب مع الانحناء قليلاً نحو الأمام. كما قد يحرضه الإتيان بجهد شاق، أو بالوسائط الأخرى التي تزيد الضغط داخل القحف، شأن الحال بالإجهاد عند التغوط، أو بالسعال والعطاس، على سبيل المثال. وقد يستطعم العليل في أثناء الاستلقاء بملوحة في الحلقوم لحدوث تقطر (تستيل) أنفي خلفي postnasal drip باتجاه مفرزات الأنف نحو البلعوم بدلاً من خروجها إلى خارج الأنف. وقد يوقظ هذا العليل من نومه، فيتهوع gag أو يسعل. كما قد يشتكي من صداع ودوام، وتعب، وميل إلى النوم.
إن ما يخشى منه في هذه الحالات هو حدوث التهاب سحايا قد يكون متكرراً. تشاهد هذه المضاعفة في 10% من الحالات غير المعالجة كل عام.
المقاربة:
أ- تبدأ المقاربة الجيدة بأخذ سيرة مرضية موجهة، وفحص حكمي مناسب. ويمكن إثارة ثر سائل مائي رائق بالوسائط سالفة الذكر، أو بالضغط على الوريدين الوداجيين لزيادة ضغط السائل داخل القحف.
ب- يجب أن يجرى تنظير داخلي لأجواف الأنف في كل حالات الثر الأنفي (أي قبل الجراحة). قد يتمكن الطبيب بوساطته من مشاهدة مكان الثر، أو قيلة سحائية أو دماغية مرافقة، مما يساعد على تأكيد التشخيص. ويستطيع الطبيب بوساطة هذا الفحص، تقدير سعة العيب العظمي المشاهد، مما يساعد على التخطيط للجراحة المزمعة.
ج- حين الشك أن السائل المتصبب ليس س.د.ش، تفحص عينة (0.5 مل) منه مخبرياً لتحري beta-2 transferrin وهو إنزيم موجود في الجملة العصبية المركزية، وفي اللمف المحيطي للإذن الباطنة فقط. ويجب أن تحفظ العينة في البراد لحين الفحص إذ إنه يتلف بحرارة الغرفة خلال 4 ساعات، ويمكن حفظه مدة 72 ساعة في البراد من دون أن يتخرب. ولهذا الاختبار حساسية sensitivity ومناوعة specificity عاليتان. وقد حل هذا الاختبار محل تحري الغـليكوز في السوائل المشتبه بمصدرها.
د- التصوير: لا بد من إجراء تصويرين خاصين في كل الحالات:
> يجرى تصوير مقطعي محوسب عالي الميز high resolution CT، بشرائح رقيقة (1مم ) بالمستويات الثلاثة: سهمي sagittal ومحوري axial وإكليلي coronal لكل من يشتبه عنده بالثر الأنفي. وتزداد حساسية الاختبار بحقن المادة التباينية المعروفة بـ iophendylate، ضمن القراب intrathecal. ويعرف هذا بـ "التصوير الصهريجي المقطعي المحوسب" CT cisternography. تصل حساسية الاختبار إلى 100% في حالات الثر المستمر، وإلى 60% في ألثر المتقطع.
> يجرى التصوير بالمرنان MRI للدماغ والجيوب الوجهية أيضاً، لدراسة النسج الرخوة، وللتفريق بين س.د.ش والسوائل الأخرى التي قد تكون موجودة ضمن الجيوب. ولكن هذا النموذج من التصوير أقل كفاءة من CT في الكشف عن العيوب العظمية.
التدبير: الراحة المطلقة في الفراش عدة أيام، مع رفع رأسية السرير لـ 15-30 درجة. وينصح المصاب بتجنب السعال والإجهاد في أثناء التغوط ورفع أحمال ثقيلة في أثناء المعالجة. تصل نسبة الشفاء إلى 75-80% من الحالات الرضية. وما زال دور إعطاء الصادات - اتقاءً لالتهاب السحايا في هذه الفترة - غير متفق عليه. وهناك من ينصح بالتمنيع ضد المكورات العقدية لحين الشفاء. وإذا لم يتوقف الثر تلقائياً بمدة 7-10 أيام من المعالجة، يُعمد إلى الإصلاح الجراحي التنظيري عبر الأنف غالباً. أما الحالات التي ترافق علة دماغية، فقد تستدعي حج القحف. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة نجاح الجراحة التنظيرية عبر الأنف بأيد خبيرة تفوق 90%.
- التصنيف : الجهاز العصبي - النوع : الجهاز العصبي - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 358 مشاركة :