الصداع وألم الوجه
صداع والم وجه
headache and facial pain - céphalée et la douleur faciale
مطيع جوني
أولاً- الصداع :headaches
أكثر الأعراض مصادفة في الطب. ففي الغرب يصاب به اثنان من كل ثلاثة أطفال ممن هم دون سن 15 عاماً. كما يصاب به تسعة من كل عشرة بالغين؛ في مرحلة ما من حياتهم. وله أسباب كثيرة جداً، لا شأن مرضياً مهماً لمعظمها. فالشقيقة على سبيل المثال تصيب 15% تقريباً من الناس. ولا تقل نسبة مصادفة الصداع التوتري عن ذلك أيضاً. لذلك وضعت الجمعية الدولية للصداع The International Headache Society (IHS) تصنيفاً، فيه معايير تشخيصية لكل نموذج من نماذج الصداع؛ أملاً في تسهيل التشخيص من جهة، ولتوحيد الأسس التي يقام عليها التشخيص، من جهة أخرى. ولكن تبين - عملياً- أن هذه المعايير هي أكثر فائدة في الدراسات الوبائياتية والعلاجية منها في الممارسة اليومية لكثرة أسباب الصداع من جهة، ولتعدد المعايير التشخيصية لكل نموذج منه من جهة أخرى؛ مما يجعل استظهارها أمراً عسيراً.
الإمراض في الصداع:
ما كل النسج في داخل القحف تتحسس الألم. إذ لا يؤدي تخريب الدماغ ولا تنبيهه بتيار كهربائي إلى إثارة الألم، على سبيل المثال. والنسج التي تتحسس للألم هي:
-1 الشرايين السحائية.
-2 الشرايين في حلقة ولـّـِس Willis ، والأجزاء الدانية من الشرايين الدماغية التي تتفرع منها.
-3 الأم الجافية في قاعدة القحف.
-4 الجيوب الوريدية.
-5 الأعصاب الناقلة لحس الألم، وهي الأزواج القحفية: الخامس، والسابع، والتاسع، والعاشر؛ والأزواج الشوكية: الأول، والثاني، والثالث؛ التي تشترك في تعصيب البنى في الحفرة الخلفية.
أما النسج خارج القحف، كسمحاق العظم والفروة والعين والأذن والأنف والمفاصل الصغيرة للعمود الرقبي؛ فهي غير حساسة، أما مخاطية الجيوب الأنفية وما يشعر به من ألم في التهاب هذه الجيوب؛ فمرده إلى مخاطية فوهات هذه الجيوب، ومحارات الأنف turbinate mucosa. وقد يحول ما يشعر به من ألم إلى القطاع الجلدي لغصني العصب القحفي الخامس: العيني (V1) والفكي العلوي .(V2)
يثار الصداع بآليات مختلفة:
-1 دفع البُنى structures المتحسسة للألم أو ضغطها بورم على سبيل المثال، أو جرها باتجاه ذيلي، شأن ما يحدث بعد بزل السائل الدماغي الشوكي. وتجدر الإشارة إلى أن فرط الضغط الصرف داخل القحف لا يسبب صداعاً ما لم تعوج تلك البنى أو تلتوِ. وعلى نحو مغاير، قد تسبب كتلة قريبة من قاعدة الجمجمة صداعاً حتى من دون إحداث فرط ضغط داخل القحف؛ إذا تأذت تلك البنى.
-2 توسع الشرايين خارج القحف، شأن ما يحدث في الشقيقة؛ مثلاً. كما قد يؤدي انسداد شريان كبير قرب قاعدة الجمجمة إلى زيادة جريان الدم عبر أوعية الدوران الرافد collaterals، فتتوسع، ويثار الصداع.
-3 الالتهاب في المسافة تحت العنكبوتية بخمج أو بنزف أو بتخريش irritation كيميائي المنشأ. وقد يكون الالتهاب في جدران الأوعية الدموية، شأن ما يحدث في التهاب الشريان ذي الخلية العرطلة giant cell arteritis. وتجدر الإشارة إلى أن التهاب الأوعية الدماغية الصغيرة الذي يصادف في كثير من الأدواء المناعية الذاتية؛ لا يسبب صداعاً لعدم وجود تعصيب في جدرانها؛ ما لم يرافقها التهاب مماثل في الأوعية الأكبر حجماً.
-4 الألم المحول (الألم الرجيع (:referred pain وهو ألم يشعر به في ناحية بعيدة عن مكان العلة المسببة في الجانب الموافق من الجسم. ويحدث حين تصل التدفعات العصبية nerve impulses الناقلة لحس الألم من أماكن مختلفة إلى العصبونات الحسية الأولى، حيث تبدأ معالجتها، ثم ترحيلها (نقلها) transmitted إلى مراكز ثانية متخصصة في المهاد حيث يشعر بالألم. وتنقل التدفعات مرّة أخرى إلى القشرة المخية، حيث تدرك صفات الألم، ويحدد مصدره. ومن المعتقد أن الألم المحول مرده تشوه الإشارات transmodulation في محطة الترحيل الأولى. ففي ألم الرأس والعنق؛ تلتقي التدفعات الواردة من باحات مختلفة في النواة الشوكية النازلة للعصب ثلاثي التوائم descending spinal nucleus of V. وتمتد هذه النواة الطويلة عبر البصلة medulla إلى القطع العلوية segments من النخاع الرقبي. على نحو عام؛ يشعر بالألم من البُنى فوق الخيمة المخيخيةtentorium في الجبين أو خلف العين؛ لأن الأم الجافية dura materهناك معصبة من الزوج القحفي الخامس. أما آفات الحفرة الخلفية فيشعر بها في الأذن والناحية الخلفية للرأس؛ لأن الجافية في الحفرة الخلفية معصبة بالزوجين القحفيين IX وX، ومن الجذور الرقبية الثلاثة العلوية أيضاً. كما قد يكون للقطعة الرقبية الأولى من الحبل الشوكي جذر ظهري dorsal root في 50% من الناس، فيشعر بالألم من الحفرة الخلفية في العين أيضاً، لوجود اتصال تشريحي في أعلى الحبل الشوكي الرقبي يربط بين هذا الجذر الحسي وبين نواة لحس الألم في الغصن العيني للعصب ثلاثي التوائم.
قد يؤدي تخرش (تهيج) irritation أحد الأزواج القحفية السابع والتاسع والعاشر إلى ألم محول يشعر به في الأذن. فالجلد هناك معصب من أغصان حسية من هذه الأعصاب؛ إضافة إلى أغصان من العصب الخامس.
يقسم الصداع إلى نموذجين رئيسين: الصداع الأولي primary headaches (الجدول1) والصداع الثانوي (التِّلوي) secondary headaches (الجدول2). ينجم الصداع الأولي عن عوامل داخلية intrinsic factors، ربما كانت جينية، تؤهب لمعاودة الصداع متى توافرت عوامل مثيرة خاصة. وتشخص هذه المجموعة من الأدواء سريرياً؛ أي بتقييم نمط الشكوى مع سلامة الفحص السريري، ولا يحتاج تشخيصها إلى إجراء استقصاءات خاصة. أما الصداع التلوي؛ فينجم عن علة بنيوية أو جهازية تستوجب إجراء دراسات خاصة للوصول إلى التشخيص. وتبين من الدراسات الوبائياتية أن 90% من حالات الصداع هي من النموذج الأولي، ولكن القلة من المصابين منهم (4 من كل 10 مرضى) يراجعون الطبيب لهذه الشكاية.
| ||
(الجدول رقم1) الصداع الأولي(1) Primary headaches | ||
| ||
(الجدول رقم2) من أهم أسباب الصداع التِلوي |
قد يتطور نمط الصداع الأولي من شكل ما إلى شكل آخر، كأن يتغير الشكل النوبي إلى مزمن، على سبيل المثال. وقد يتأثر شخص ما بأكثر من نموذج من الصداع الأولي في آن واحد، كأن يصاب بنوب الشقيقة بين حين وآخر؛ على خلفية من الصداع التوتري المزمن. كما قد يتحول صداع أولي إلى صداع تِلوي؛ شأن ما يشاهد في صداع الإفراط الدوائي medication overuse لكثرة تعاطي بعض المسكنات، كالمسكنات البسيطة أو الأدوية اللاستيروئيدية المضادة للالتهاب nonsteroidal anti-inflammatory drugs (NSAIDs) أو مركّبات الإرغوت ergot (باستثناء (dihydroergotamine، ومركّبات التريبتان، كما سيرد لاحقاً.
أما الصداع التلوي (الثانوي) فينجم عن علل داخل القحف، أو من نسج في الرأس خارج القحف، أو عن أسباب جهازية. وثمة أكثر من 300 سبب للصداع التلوي.
قد يقلد المشهد السريري للصداع التلوي نظيره في الاضطرابات الأولية التي سبق ذكرها. وهذا ما يتطلب التدقيق فيها؛ ولاسيما إذا ما اشتكى العليل من تغير في الصداع المألوف لديه من حيث التواتر أو الشدة أو النمط؛ أو إذا ما كشف المشهد السريري عن أعراض أخرى مرافقة أو علامات فيزيائية شاذة في الفحص السريري (الجدول3)؛ أو أمارات للخطورة المعروفة أيضاً بـ "الأعلام الحمر" red flags (الجدول4)؛ أو إذا كان البدء في أثناء الجهد أو الجماع exertional or sexual (الجدول5)؛ أو كان صاعقاً وشديداً، وهو الذي يدعى أيضاً صداع قصف الرعد thunderclap headaches (الجدول 6).
| ||||||||||||||||
(الجدول رقم3) اعتبارات هامة في تقييم شكوى من الصداع (1) | ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
(الجدول رقم4) المؤشرات لصداع خطير(1) | ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
(الجدول رقم5) الصداع الجهدي exertional(1) | ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
(الجدول رقم6) أسباب الصداع الفجائي(1) (صداع قصف الرعد Thunderclap headache) |
إضافة إلى ما تقدم، لمدة الألم في هجمات bouts الصداع النوبي episodic والصفات الأخرى للصداع؛ أهمية خاصة في توجيه التشخيص والتدبير: فمعظم الحالات التي قد تستمر فيها الهجمة أكثر من 4 ساعات من دون معالجة هي إما من نموذج الشقيقة وإما صداع توتري tension type. أما الصداع قصير الأمد - أي الذي تستمر فيه النوبة أقل من 4 ساعات من دون معالجة - فله أسباب كثيرة (الجدول7). وقد ترافقه واحدة أو أكثر من اضطرابات عصبية مستقلة (الجدول 8) تتفاوت في الشدة. تكون الأنماط المختلفة من الصداع قصير الأمد أولية primary في معظم الحالات؛ وقد يتفق أن ترافق هذه علل دماغية بنيوية دون أن يكون ثمة علاقة سببية أكيدة بينها. فينبغي - بادئ الأمر- نفي أسباب الصداع التلوي الناجم عن علل بنيوية بالتصوير الطبي. ومن ثم؛ يُعين نمط الصداع اعتماداً على المشهد السريري (الجدول 9). ومما يميز بعضها من بعض أمران: وجود المظاهر العصبية المستقلة في أثناء النوبة أو غيابها من جهة، ومدى الاستجابة للعلاج النوعي بـ "الإندوميتاسين" (من بين مجموعة الأدوية اللاستيروئيدية المضادة للالتهاب NSAIDs المختلفة) من جهة أجرى.
يُفضل أن يطلق مصطلح "الصداع" على headache؛ و"وجع الرأس" على cephalgia.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم7) النماذج المختلفة للصداع الأولي قصير الأمد(1) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم8) المظاهر العصبية المستقلة في الصداع(1) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم9) التشخيص التفريقي للصداع وألم الوجه قصيري الأمد |
-1 نماذج الصداع الأولي الشائعة:
الشقيقة والصداع التوتري tension-type headache هما أكثر نماذج الصداع الأولي (أو الصداع عامة) مصادفة. ويلي ذلك - وبفارق كبير في نسبة الانتشار prevalence - الصداع العنقودي.
أ- الشقيقة:
هي صداع أولي، يتظاهر بنوب معاودة من الألم، متوسط الشدة أو شديد. تستمر النوبة من 4-72 ساعة ما لم تعالج. ويصحب بغثيان غالباً وبالقياء أحياناً، وبعدم تحمل النور والأصوات والروائح أحياناً أخرى.
تكون الشقيقة من أحد نموذجين رئيسيين: الشقيقة مع أورة (نسمة) migraine with aura والشقيقة من دون أورة migraine without aura. وقد يصادفان في نوب مختلفة في الشخص ذاته. وللأورة أشكال سريرية مختلفة كما سيرد.
يصادف كل من نموذجي الشقيقة سابقي الذكر إما بشكل نوب معاودة، فتعرف بالشقيقة النوبية episodic migraine؛ وإما قد تصبح كثيرة التواتر، فتصيب العليل في 15 يوماً على الأقل في الشهر، ولأكثر من ثلاثة أشهر متلاحقة، فتدعى الحالة حينئذٍ الشقيقة المزمنة chronic migraine.
الإمراض: لا تعرف الآلية الإمراضية في الشقيقة. وهناك فرضيتان: وعائية وكهربائية. وقد تتشارك الآليتان معاً في النوبة. ففي الأولى منهما؛ يعتقد أن الأوعية تتقبض أولاً، وتسبب الأورة لنقص في التروية، وبعد ذلك تتسع الأوعية؛ مما يؤدي إلى الصداع النابض. وقد تتسع الأوعية اتساعاً شديداً في سياق النوبة، فتتوذم جدرانها؛ مما قد يفقد الصداع صفته النابضة. أما في الفرضية الكهربائية؛ فيحدث زوال استقطاب depolarization ينتشر ببطء من بقعة إلى أخرى مجاورة.
الوبائيات: تصادف الشقيقة في الغرب في 5-20% من الإناث و2-10% من الذكور بحسب دراسات وبائية مختلفة. والشقيقة دون أورة أكثر شيوعاً من الشقيقة مع الأورة؛ إذ تبلغ ذروة الانتشار prevalance بين الذكور في الفئة العمرية 10-11 سنة (7/1000/السنة). وتتأخر قليلاً في الإناث إلى الأعمار 14-17 عاماً (14/1000/السنة).
تبلغ ذروة انتشار الشقيقة مع الأورة بين الذكور في عمر 5 سنوات (7/1000/السنة)، وتتأخر في الإناث إلى عمر 12-13 عاماً (14/1000/السنة). ثم تتناقص نسبة انتشار الشقيقة في الإناث بنموذجيها - مع الأورة أو من دونها- بعد تجاوزهن سن 45-50.
تشخيص الشقيقة: قد تبدأ النوبة بالأورة، والأورة في الشقيقة هي نقيصة عصبية بؤرية focal neurological deficit عابرة، تتجلى باضطراب حركي أو حسي أو بصري؛ لنقص في التروية بسبب تشنج وعائي، أو لزوال الاستقطاب العَصَبوني، كما سبق ذكره. وتستمر الأورة ربع ساعة إلى نصف ساعة تقريباً، وتسبق الصداع مباشرة غالباً. وقد يتقدمها بساعات أعراض منذرة premonitory symptoms مثل تغير المزاج أو نهم لبعض الأطعمة؛ ولاسيما الحلوة منها لدى بعض الناس. ثم يأتي الصداع متوسط الشدة أو الشديد الذي قد يستمر 4-72 ساعة ما لم يعالج. وقد يغير الصداع مكانه في أثناء النوبة الواحدة كما قد يصبح معمماً.
قد يرافق الصداع غثيان وقياء وكره للنور وللأصوات وللروائح. وقد يُنهي النومُ نوبة الشقيقة. في الجدولين (10-11) المعايير التشخيصية للشقيقة؛ بحسب "التصنيف الدولي لاضطرابات الصداع" International Classification of Headache Disorders (ICHD-II).
| |
(الجدول رقم10) الشقيقة دون أورة | |
| |
(الجدول رقم11) الشقيقة مع أورة |
قد يقول بعض المرضى: إن ثمة عوامل داخلية المنشأ أو خارجية قد تثير فيهم نوبة الشقيقة. ومن هذه العوامل: الجوع والصيام والتعب والشدة النفسانية. ولكن هذه العوامل هي ذاتها التي تثير الصداع التوتري أيضاً. وقد تتحرض النوبة عند النساء بالحيض. ولم يثبت على نحو قطعي علاقة الشقيقة بالمشروبات أو بالأطعمة؛ ولاسيما تلك التي تحتوي على tyramine أو monosodium glutamate، كما هو شائع.
مما يجدر ذكره أن لأورة الشقيقة صفات خاصة ومعايير تشخيصية (الجدول 12). وقد تحدث منفردة دون أن تليها نوبة الصداع أحياناً (الجدول 13). كما قد يصاب الشخصُ الذي يعاني الشقيقة بنموذج آخر من الصداع، كحدوث صداع توتري بين نوب الشقيقة على سبيل المثال. أو قد يصاب بصداع الإفراط بالمسكنات. لا يظهر بالفحص السريري علامات عصبية شاذة؛ لا في أثناء النوبة ولا بعدها.
| |
(الجدول رقم12) الأورة النموذجية في الشقيقة مع حدوث صداع بعدها | |
| |
(الجدول رقم13) الأورة النموذجية للشقيقة ولكن دون أن يليها الصداع |
مبادئ تدبير الشقيقة ومعالجاتها: يقسم تدبير الشقيقة إلى قسمين: معالجة نوبة الصداع الحادة، والمعالجة الاتقائية للشقيقة متكررة الحدوث:
تستجيب النوبة الحادة في كثير من الحالات للمسكنات البسيطة كالأسبرين، والـ paracetamol، ومضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، كالـ ibuprofen، والـnaproxen ،؛ وتكون هذه فعالة خاصة؛ إذا ما أخذت بعد بدء النوبة مباشرة. وثمة عقاقير أخرى تجلب النوم؛ وهو الذي ينهي النوبة غالباً. أما مركّبات ergotamine والـ dihydroergotamine (DHE)؛ فهي من ناهضات السروتونين serotonin agonists ، ولها ألفة affinity خاصة لمستقبلات 5-HT1A و 5-HT1D للعصب ثلاثي التوائم، فتقبض الأوعية الدموية الدماغية والجهازية، كما تحول دون إطلاق وسطاء الالتهاب الببتيدية inflammatory peptide mediators، وتأثيراتها الجانبية شائعة المصادفة؛ ولاسيما الغثيان والقياء. ويكون تأثيرها العلاجي جيداً إذا ما أعطيت في أثناء الأورة أو في المرحلة الباكرة من الصداع. وفي بعض الحالات، يحول الغثيان والقياء والخزل المعوي gastroparesis المرافق لنوبة الشقيقة دون امتصاص الأدوية من الأمعاء؛ مما يقلل من فعالية الأدوية الفموية.
تحسنت معالجة الشقيقة تحسناً كبيراً عام 1990 بإدخال مركّبات التربتان triptans في المعالجات. ويمكن تناولها عن طريق الفم بلعاً أو تحت اللسان، أو إرذاذاً في الأنف، أو حقناً تحت الجلد. والتربتانات هي ناهضات مستقبلات 5-HT1B الموجودة في الأوعية الدموية السحائية. وهي تثبط الارتكاس الالتهابي العقيم حول الأوعية، المثار بتنبه العصب ثلاثي التوائم. وقد تثبط التربتانات النقل عبر المشابك في المركّب "ثلاثي التوائم - الرقبي" trigeminocervical complex. ويمكن تناول التربتانات في أي وقت في أثناء نوبة الصداع؛ يزول الألم بمدة ساعة أو ساعتين في ثلاثة أرباع الحالات بعد الحقن تحت الجلد، وخلال 2-4 ساعات في نسبة أقل من ذلك؛ إذا أعطي العقّار بلعاً. وقد تقبض هذه المركّبات الأوعية الإكليلية تقبضاً خفيفاً. لذلك يحظر إعطاؤها في الحالات التالية:
> وجود نقص تروية إكليلي أو خناق Prinzmetal.
> في أشكال استثنائية من الشقيقة، وهي التي كان يطلق عليها سابقاً مصطلح "الشقيقة المختلطة أو المضاعفة" complicated migraine (الجدول 14).
| ||
(الجدول رقم14) أشكال استثنائية من الشقيقة(1) يُحّظر فيها إعطاء مركبات التريبتان |
> للذين يتعاطون مضادات الكآبة من نموذج مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية SSRI في كل أشكال الشقيقة.
> ينبغي الحذر فيمن لديهم عوامل خطورة وعائية حتى لو كان العليل سالماً ظاهرياً.
وتجدر الإشارة إلى أن الإفراط في تعاطي المسكنات حتى البسيطة منها وكذلك الكافئين، قد يفضي إلى حدوث ما يعرف بصداع "الإسراف الدوائي"medication overuse أو صداع "الارتداد" rebound headache. ولا يعرف تكرر التعاطي المسبب لهذا النموذج من الصداع، وقد يكون وسطياً ثلاثة أيام أسبوعياً. ويؤدي الإسراف الدوائي في نهاية المطاف إلى الاعتماد النفساني dependence، والتحمل الدوائي medication tolerance ومتلازمات السحب withdrawal syndromes.
أما المعالجة الاتقائية فتعطى لمن تعاوده النوب أربع مرات أو أكثر شهرياً. يُوصى المريض - أول الأمر- بتعديل نمط حياته اليومية: بإجراء التمارين الرياضية، والنوم ساعات منتظمة، وتجنب الكافئين والكحول ومثيرات الصداع. وثمة أدوية ثبتت فعاليتها في تخفيف تواتر الصداع بمقدار النصف على الأقل، كما تخفف من شدته أيضاً، كـ amitriptyline وvalproate وtopiramate وpropranolol وtimolol وغيرها.
ب- الصداع التوتري :tension-type headache
هو أكثر نماذج الصداع مصادفة. عُرف سابقاً بأسماء أخرى، كصداع التقلص العضلي muscle contraction headache والصداع النفساني المنشأ psychogenic headache.
لا تعرف الآلية الإمراضية فيه. وله نوعان: النوبي episodic واليومي المزمن chronic daily (أي الذي يعاود في أكثر من 15 يوماً في الشهر، ولمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر). يشاهد النوع الأول منهما في مقتبل العمر خاصة، وفي الجنسين على السواء. في حين تزداد نسبة مصادفة النوع الآخر المزمن في الإناث إلى ضعف إصابة الذكور. ولا يراجع معظم المصابين بهذا النموذج من الصداع الطبيب؛ ما لم يكن شديداً أو كثير التواتر (عدة مرات أسبوعياً). في الجدول (15) صفاته السريرية التي تميزه من الشقيقة. وتجدر الإشارة إلى أن من المرضى من يصاب بالشقيقة أحياناً وبالصداع التوتري أحياناً أخرى؛ مع صداع الإسراف الدوائي أو من دونه.
تكون الاستقصاءات المختلفة - من تصوير طبي وتخطيط كهربائي للدماغ وفحوص الدم - سوية.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم15) مقارنة المشهدين السريريين للصداع التوتري بنظيره في الشقيقة(1) |
مبادئ تدبير الصداع التوتري ومعالجته: يقسم تدبير الصداع التوتري إلى تدبير النوبة الحادة والتدبير الاتقائي. يستجيب معظم المرضى المصابين بدرجة خفيفة إلى متوسطة الشدة للمسكنات البسيطة كالأسبرين والبراسيتامول ولمضادات الالتهاب اللا ستيروئيدية. ولا فرق بينها في حسن الاستجابة. ولا تنجع فيه مرخيات العضل (بما فيها مركّبات (benzodiazepines ولا الأدوية الخاصة بالشقيقة. وقد تخفف الأفيونيات الألم مؤقتاً؛ ولكن دون أن تنهي النوبة غالباً.
قد يفيد تطبيق الحرارة الموضعية أو البرودة أيضاً في تخفيف حدة الألم. ولا يستفيد المرضى من المعالجة بالوخز بالإبر ولا من التدليك أو من المعالجات اليدوية الأخرى.
يركن للمعالجات الاتقائية إذا ما تجاوز تواتر حدوث النوب 15 يوماً في الشهر. وتشمل هذه إجراء التمارين الرياضية أو السباحة (لمدة 20-30 دقيقة 5 مرات في الأسبوع). كما يفيد في التخفيف من شدة الألم ومن تواتره إعطاء جرعات دوائية صغيرة من مضادات الكآبة ثلاثية الحلقة. وقد يلجأ بعض المرضى خطأ إلى زيادة كمية المسكنات المتناولة؛ مما قد يسبب لديهم صداع الإسراف الدوائي. لذا يجب الإقلال من المسكنات لا إلى زيادتها المستمرة. وعلى العليل أن يتقبل أن هذا النموذج من الصداع هو صداع معاود، قد يعاود لسنوات، وعلاجه عرضي.
ج- الصداع اليومي المزمن:
ويعَرف بأنه صداع متواصل أو معاود، غير ناجم عن علة جهازية أو بنيوية داخل القحف، يصاب به المريض في أكثر من 15 يوماً في الشهر، ولمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ويشمل أشكالاً مزمنة لعدة نماذج متداخلة من الصداع الأولي (الجدول 16). وقد يتطلب تشخيصها إجراء استقصاءات مناسبة لنفي وجود صداع تِلوي.
| |||||
(الجدول رقم16) الصداع اليومي المزمن |
د- الصداع العنقودي وأشكاله المتفاوتة (المتغايرة) cluster headache and variants:
هو صداع انتيابي قليل المصادفة، وحيد الجانب وشديد جداً. يتمركز الألم في الحجاج orbit وما حوله. ويصحب باضطرابات عصبية مستقلة متفاوتة الشدة. يتصف بحدوثه على شكل سورات (نوبات) episodes من الهجمات اليومية. وتفصل السورات هدآت تتفاوت في مدتها (الجدول 17).
| |
(الجدول رقم17) الصفات العامة للصداع العنقودي |
قد يصيب الصداع العنقودي الناس في كل الأعمار؛ ولاسيما بين 20-40 سنة. تبدأ هجمة الألم من دون إنذار. وتعاود مرّة أو أكثر كل يوم، وفي التوقيت ذاته. تبدأ الهجمة الأولى ليلاً غالباً، فتوقظ المريض من نومه بعد ساعة أو أكثر. تأتي نوب الألم يومياً مرّة إلى ثلاث مرات كل 24 ساعة بمواقيت شبه منتظمة؛ ليلاً أو ليلاً ونهاراً. ويصل الألم أشده في 5-10 دقائق، ويستمر من 15 دقيقة إلى 3 ساعات (نصف ساعة إلى ساعة غالباً). وترافقه تغيرات عصبية مستقلة في الجانب الموافق من الوجه (الجدولان 17و18). ويكون العليل خلال النوبة ضجراً، لا يهدأ، يذرع المكان جيئة وذهاباً.
تستمر السَّورات (أي الهجمات اليومية) من أسبوعين إلى ستة أشهر (6-12 أسبوعاً؛ غالباً). ومن ثم يهجع الداء، ليعاود الكرّة بعد أشهر أو سنوات، وفي الفصل ذاته غالباً (في الربيع أو الخريف). وقد تعاود السورات أكثر من مرّة في السنة الواحدة أحياناً. ولهذا الداء شكل مزمن تستمر فيه الهجمات اليومية سنوات دون هجوع، فتنهك العليل، وهذا هو النموذج المزمن من الصداع العنقودي.
لا يعرف الإمراض في هذا الداء. ويعتقد أنه ينجم عن اضطراب غامض، يشمل الوطاء hypothalamus، ومنه اضطراب في النظم اليوماوي circadian rhythm مع الخلل في الأعصاب المستقلة. وترافق النوبة تغيرات كيميائية خاصة في الدم مغايرة لما يصادف في الشقيقة. في الجدول (18) أوجه التشابه والتباين بين الشقيقة والصداع العنقودي.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم 18) مقارنة بين الصداع العنقودي وصداع الشقيقة |
تثار النوب من دون أي سبب ظاهر غالباً. وقد يحرضها تعاطي الكحول حتى لو كان ذلك بكمية ضئيلة؛ لذا يوصى المريض بالإمساك عن الشراب في دورة الألم. كما قد تثار النوب بارتفاع حرارة الجسم، كلعب الرياضة في الجو الحار أو الاستحمام بماء ساخن جداً. ومن المحرضات استنشاق الروائح الفوّاحة (كالعطور) أو المنتشرة (من المناتن والمشتقات البترولية والمذيبات الصناعية) أيضاً.
التشخيص التفريقي: مع التشابه الظاهري بين الصداع العنقودي وبين الشقيقة، فإن هناك فروقاً كثيرة بينهما (الجدول 18). وقد يصادف ألم مشابه في الزرق الحاد، والتهاب الجيوب الأنفية، وأورام الأوعية الدماغية، وأورام النخامى، وأم دم الشريان السباتي، وأوجاع العصب ثلاثي التوائم المستقلة trigeminal autonomic cephalgiasالأخرى (انظر الجدولين 7 و9).
المعالجة: يعالج الصداع العنقودي معالجة تشبه - إلى حد ما- نظيرتها في الشقيقة (الجدول 19)؛ على الرغم من الاختلاف في الإمراض. ولعل الستيروئيدات هي أنجعها في المعالجة الاتقائية، بيد أن ثمة خطراً كامناً في تناولها فترات طويلة. لذلك تعطى شوطاً دوائياً course (الجدول 20) مع الأدوية الاتقائية الأخرى عند بدء سلسلة الألم؛ ريثما تتم زيادة جرعات الأدوية الأخرى تدريجياً إلى المستوى العلاجي.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم19) معالجة الصداع العنقودي | ||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم20) برنامج علاجي بالجرعات المتناقصة من البردنيزون Prednisone (الجرعة بالميليغرام) |
هـ- نماذج أخرى من الصداع الأولي:
أما النماذج الأخرى للصداع الأولي؛ فهي قصيرة الأمد، أشير إليها في الجدولين (7 و9). وتتضمن "أوجاع ثلاثي التوائم الاستقلالية " (العصبية المستقلة) trigeminal autonomic cephalgias: كألم شق القحف الانتيابي paroxysmal hemicrania، ومتلازمة "صنقط" SUNCT (الجدول7)، والصداع العنقودي. وكلها آلام نوبية قصيرة الأمد، وترافقها اضطرابات عصبية مستقلة. كما تشمل النماذج الأخرى للصداع الأولي النوبي قصير الأمد غير المصحوب بمظاهر عصبية مستقلة، كالصداع الطاعن الأولي primary stabbing headache وصداع السعال، والصداع الجهدي السليم وصداع الجِماع والصداع النومي، والتي قد يستجيب بعضها نوعياً للعقّار indomethacin.
-2 في الصداع التِّلْوي (الثانوي) المنذر بالخطر :premonitory
الصداع التلوي هو صداع ناجم عن آفات بنيوية داخل القحف، أو عن آفات النسج الأخرى في الرأس خارج القحف، أو عن علل جهازية (كالحمى والاضطرابات الغدية والمناعية والتحسسية واضطرابات لزوجة الدم والقصور التنفسي، ورضوض الرأس على سبيل المثال)، أو دوائية المنشأ.
ثمة 300 حالة تسبب صداعاً تلوياً، وهي قليلة المصادفة مقارنة بالصداع الأولي. لكن بعضها مخطر، وقد يجد الطبيب صعوبة في تشخيصها. ولكن قد يستدل عليها من البدء المفاجئ الذي كثيراً ما يرافقه القياء، أومن تقدم عمر المريض (راجع الجدولين 2 و4). في حين يبدأ الصداع الأولي في مرحلة الشباب غالباً. فعلى سبيل المثال، تبدأ الشقيقة - التي قد يرافقها القياء أحيانا- قبل الثلاثين سنة من العمر غالباً. ومن النادر أن تتظاهر للمرة الأولى بعد الأربعين.
فيما يلي عرض لأهم نماذج الصداع التلوي المخطر:
أ- الصداع في التهاب السحايا: يتظاهر التهاب السحايا بالصداع ورهبة الضوء والقياء والحمى وصلابة العنق وظهور علامة كرنغ Kernig وعلامة برودزنسكي Brudzinski. ويضطرب الوعي في التهاب السحايا الجرثومي. وقد يحدث شلل في العصب القحفي VI في جانب واحد أو في كليهما. وقد لا تشاهد هذه العلامات الواصمة في الرضع والمسنين والمثبطين مناعياً، أو متى كان الخمج شديداً جداً.
ب- الصداع في الأورام داخل القحف (مع فرط الضغط داخل القحف أو من دونه): وهي حالات نادرة. يصادف الصداع في 70% من أورام الدماغ في مرحلة ما من سير الداء. ولكنه قد يكون العرض الأول الموجه في 2-16% منها فقط. يكون الصداع كليلاً، متوسط الشدة، ليس له مقر خاص. وهذا ما ينطبق على الصداع التوتري (الأولي) أيضاً. ولكن يجزم معظم المرضى (80%) ممن ألفوا الصداع التوتري قبل إصابتهم بصداع ورمي المنشأ؛ أن ثمة اختلافاً بين هذين النموذجين المتشابهين من الصداع. أما الصداع الصباحي الذي يرافقه القياء والذي يتفاقم بالسعال؛ فلا يصادف إلا حين حدوث فرط ضغط داخل القحف.
قد يكون للصداع صفة نابضة؛ ولاسيما في الأورام السحائية، فيلتبس الأمر حينئذٍ بالشقيقة. لكن الصداع النابض ورمي المنشأ يختلف عن نظيره في الشقيقة بالأمور التالية:
> من النادر جداً أن تبدأ الشقيقة بعد الأربعين من العمر.
> لا تحدث أورة في الصداع ورمي المنشأ.
> لا يرافق الصداع غثيان وقياء ما لم يحدث فرط ضغط داخل القحف أيضاً.
> لا تصادف رهبة للأضواء وللأصوات في صداع الأورام.
قد تسبب أورام الدماغ الأولية صداعاً حتى إن لم يرافقه فرط ضغط داخل القحف (الجدول 21). يصادف الصداع في 70% من حالات الأورام الدماغية الأولية؛ في مرحلة ما من سير الداء. ولكنه يكون العرض الأول الموجه في 2-16% من الحالات فقط.
| ||||
(الجدول رقم 21) معايير التشخيص في صداع الأورام غير الناجم عن فرط الضغط داخل القحف |
وقد تظهر علامات بؤرية أو نوب صرعية أو كلّها معاً، أو من دون ذلك، بحسب موقع الورم. وإذا ما اعاق الورم جريان س.د.ش، أو بلغ من الحجم شأناً كبيراً؛ ظهرت دلائل زيادة الضغط داخل القحف أيضاً. فيرافق صداع الأورام حينئذٍ القياء، ووذمة حليمتي العصبين البصريين. وتشاهد اثنتان من هذه المظاهر الثلاثة (أي الصداع + القياء + وذمة حليمتي العصبين البصريين) في 2/3 الحالات. وبتزايد الضغط داخل القحف تظهر علامات موضعة كاذبة أيضاً، كشلل العصب القحفي السادس. وقد يتزحل الدماغ brain shift، فتبدو علامات لأذية مترقية في جذع الدماغ لحدوث انفتاق herniation، وينتهي الأمر بالوفاة.
ج- الصداع في النزف تحت العنكبوتية: يشكل النزف تحت العنكبوتية 1-7% من النشبات. تكمن أهميته في إنذاره الوخيم؛ إذ يؤدي إلى الوفاة في 50% من الحالات؛ تاركاً ثلث من يبقى على قيد الحياة مصاباً بإعاقة عصبية أو استعرافية. وتحدث معظم الوفيات في الأسبوعين الأولين من النزف؛ ولاسيما في الـ 24 ساعة الأولى. إذ يتوفى 35% من المرضى في هذه المدة.
يسهل تشخيص الحالات واضحة المعالم: فقد يصاب 50% من المرضى بصداع منذر مفاجئ شديد من نموذج صداع قصف الرعد thunderclap headache (راجع الجدول 6). يستمر هذا الصداع المنذر من ساعة إلى عدة أيام، ويطلق عليه مصطلح "الصداع الخافر" sentinel headache أيضاً. وبعد أيام أو أسابيع (11 يوماً وسطياً)؛ يحدث نزف غزير، يتجلى بصداع فجائي شديد، يصفه العليل بأنه أول صداع أصيب به من هذا النوع أو أسوؤه. يكون الصداع شاملاً، أشد في الناحية القذالية، ويرافقه الغثيان والقياء منذ البدء. وقد يصاب برهبة الضوء وبفقد الوعي. وقد يُظهر الفحص السريري صلابة العنق ونقص الوعي وعلامات موضعة عصبية كشلول في الأزواج المحركة للعين؛ أو ضعفاً في أحد شقي البدن. ويبدو الدم في المسافة تحت العنكبوتية في التصوير المقطعي المحوسب CT. ويكشف التصوير الوعائي بـ computed tomographic angiogram(CTA) مصدر النزف غالباً، أو مكان أم الدم aneurysm. وتحدث المضاعفات في نسبة عالية جداً من المرضى: كالتشنج الوعائي المسبب للأعراض (46%) واستسقاء الرأس (20%) والنزف اللاحق في (7%).
ما كل حالات النزف تحت العنكبوتية نموذجية الشكل بحسب ما سبق ذكره. إذ قد يخفق الوصول إلى التشخيص الصحيح الباكر (ومنه التدبير الملائم) في نسبة كبيرة من المرضى تصل حتى 12-50%، وذلك لثلاثة أسباب:
-1 ما كل حالات النزف تحت العنكبوتية نموذجية الشكل.
-2 تحدد فائدة التصوير المقطعي المحوسب في تأكيد التشخيص إذا تأخرت مراجعة الطبيب.
-3 سوء تفسير نتائج بزل س.د. ش.
- (1) قد تحدث الأخطاء في التشخيص السريري ما لم يدقق في القصة المرضية، أو متى كانت المظاهر السريرية للداء من أعراض أو علامات غير جلية، شأن ما يصادف في المسنين. كما قد يتأخر ظهور صلابة العنق عدة ساعات من البدء، فيعزو الطبيب الحالة خطأ إلى صداع مجهول السبب (في 24% من الحالات)، أو إلى الشقيقة أو إلى صداع توتري (في 21%)؛ ولاسيما إذا استجاب للعلاج بالمسكنات من نوع NSAIDs، أو إلى التهاب السحايا أو التهاب الدماغ (في 10%)؛ أو إلى خمج ڤيروسي ما (10%)؛ أو إلى نشبة (8%) أو إلى أزمة فرط ضغط شرياني (في 7%). وتزداد نسب الإصابة بالمضاعفات المختلفة بتأخر التشخيص.
- (2) يجب إجراء CT من دون تعزيز للكشف عن النزف تحت العنكبوتية لحساسية sensitivity هذا التصوير العالية (الجدول 22) في المرحلة الباكرة فقط.
| |||||||||||||||
(الجدول رقم 22) حساسية التصوير المقطعي المحوسب للدماغ في كشف النزف تحت العنكبوتية |
- (3) ينبغي فحص س.د.ش. في كل الحالات المشتبه بها، والتي لا تظهر صور CT دماً في المسافة تحت العنكبوتية. ولكن تحدث بعض الأخطاء في تفسير النتائج ما لم يؤخذ ما يلي بالحسبان:
> قد يحدث بزل رضي في 20% من الحالات، فتظهر الكريات الحمر في س.د.ش. ولا يعول كثيراً على طريقة التناقص في عدد الكريات الحمر في الأنابيب الثلاثة؛ للتفريق بين ما هو رضي المنشأ وما هو سوى ذلك. فالبزل الرضي قد يحدث حتى في حالات النزف تحت العنكبوتية.
> تنحل الكريات الحمر في س.د.ش مطلقة الهيموغلوبلين، ومن ثم يتخرب الهيموغلوبلين المطلق بتفاعل إنزيمي؛ ليتشكل منه البيليروبين. ويحدث هذا التفاعل في الجسم فقط لا في الزجاج، ويستغرق تشكله مدة من الزمن قد تصل حتى 12 ساعة، وبتشكله يصفر لون السائل الطافي بعد التثفيل. ويستدل من وجوده أن الدم في السائل الشوكي هو مرضي حقا،ً وليس كله رضي المنشأ. ويتحرى لون السائل عيانياً بعد التثفيل، وبوساطة مقياس الضوء الطيفي spectrophotometer الأكثر دقة أيضاً؛ إذ إن حساسية الاختبار تصل حتى 100%. وعلى ذلك يظهر اصفرار لون س.د.ش بوساطة مقياس الضوء الطيفي بعد 12 ساعة من حدوث النزف، ويستمر وجوده في الجسم مدة أسبوعين بعده.
يُعدّ التصوير الوعائي المقطعي المحوسب CT angiography (CTA) الوسيلة التشخيصية المثلى للكشف عن سبب النزف. فهو استقصاء دقيق، وغير باضع، وسريع، وبمكن بوساطته الحصول على صور ثلاثية الأبعاد. وتصل حساسيته 96% لأمهات الدم التي يفوق قطرها 3 ميليمتر. وحين تكون النتيجة سلبية يركن للتصوير الوعائي للأوعية الأربعة بالقثطار للوصول إلى التشخيص.
د- التهاب الشريان الصدغي temporal arteritis: ويعرف بالتهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة giant cell arteritis أيضاً. وهو داء التهابي حبيبي granulomatous قِطـَعي segmental ومنتشر، يصيب كلاً من الشريان العيني ophthalmic وأغصان الشريان السباتي الظاهر external carotid (الصدغي السطحي superficial tempora l والقذالي occipital والوجهي facial والفكي العلوي (maxillary خاصة. ويندر حدوثه قبل الستين سنة من العمر.
يتظاهر هذا الداء بالصداع في معظم الحالات لا في جميعها كما قد يوحي الاسم ذلك. ويكون الصداع مستمراً، شديداً أحياناً، يشعر به موضعياً، وقد يتخلله وخزات مؤلمة. كما قد يتفاقم ليلاً. وترافقه حمى، وآلام عضلية أو مفصلية، ويبوسة صباحية ومن دون وجود التهاب مفاصل صريح، وعرج متقطع في الفك عند المضغ في كثير من الحالات. وقد يحدث عمى مستديم في جانب واحد أو في الجانبين في أي مرحلة لإصابة الشريان العيني؛ بما في ذلك 12-48 ساعة الأولى من المرض. وقد يتعرج الشريان الصدغي، ويصبح لمسه أو لمس الفروة scalp ممضاً. ومن الصفات المميزة للداء ارتفاع المشعرات الالتهابية في الدم، كسرعة التثفل وCRP، وسرعة استجابة الداء سريرياً ومخبرياً لجرعات كبيرة من الستيروئيدات.
ما كل الحالات نموذجية حقاً. لذلك وضعت الكلية الأمريكية لأمراض الروماتيزم American College of Rheumatology معايير تشخيصية هي الواردة في الجدول (23). وثمة معايير مختلفة قليلاً لهيئات علمية أخرى.
| ||
(الجدول رقم 23) المعايير التشخيصية لالتهاب الشريان الصدغي |
المعالجة: يعالج التهاب الشريان الصدغي غير المسبب لأعراض عينية بالبردنيزولون 40-60 ملغ يومياً؛ إضافة إلى 75 ملغ من الأسبرين (ما لم يكن ثمة مضاد للاستطباب) مع مثبط مضخة البروتون PPI للحماية من نزف هضمي. ويمكن إجراء خزعة من الشريان في أسبوعين من بدء المعالجة حين الرغبة في تأكيد التشخيص بالفحص النسيجي.
أما إذا كانت هناك أعراض بصرية، فيعطى بردنيزولون بمقدار (1) ملغ/كغ/اليوم. ويُعمد للمعالجة الوريدية بـ methylprednisolone بوجود ما ينذر بفقد بصر وشيك الحدوث في العين الأخرى، كفقد البصر في إحداهما. فاحتمال إصابة العين الأخرى في مدة قصيرة من تأذي الأولى هو 20-50%.
تنقص الستيروئيدات تدريجياً بمقدار 5-10 ملغ كل أسبوعين حتى الوصول إلى 20 ملغ في اليوم. ومن ثم يكون إنقاص الجرعة ببطء أكبر. ويستدل على حسن الاستجابة من قياس سرعة التثفل. وتستمر المعالجة مدة طويلة قد تصل حتى السنة.
تتطلب المعالجة طويلة الأمد بجرعات عالية من الستيروئيدات اتخاذ إجراءات اتقائية أخرى:
> تعطى bisphosphonates مع الكلسيوم للحماية من تخلخل العظام.
> مراقبة ارتفاع سكر الدم وارتفاع الضغط الشرياني.
> الحذر من حدوث أخماج "خفية" تستر الستيروئيدات مظاهرها السريرية المعهودة.
ثمة دلائل على أن إضافة الـ methotrexate للمعالجة يخفف من مخاطر الجرعات العالية من الستيروئيدات، كما يقلل من حدوث النكس في أثناء تخفيف الجرعات.
هـ- زرق انسداد الزاوية الأولي :primary angle closure glaucomaيندر حدوث زرق انسداد الزاوية الأوليّ قبل الكهولة. ويتظاهر بزيادة مفاجئة بزيادة الضغط العيني، ومنه احمرار العين المؤلم في معظم الحالات. ويغدو البؤبؤ متوسط السعة أو متسعاً؛ فاقداً لارتكاساته المعهودة؛ وتنقص حدة البصر؛ ويصاب العليل بالغثيان والقياء. وفي بعض الحالات لا تكون المظاهر شديدة. قد يكون الصداع أو ألم العين خفيفاً أو نوبياً episodic، فيلتبس التشخيص. لكن شكاية العليل رؤية هالات ملونة تطوق الأضواء توجه الطبيب نحو العلة المسببة.
و- فرط الضغط داخل القحف مجهول السبب (أو الأولي) :primary (idiopathic) intracranial hypertension ويعرف بالورم القحفي الكاذب أيضاً. وقد أطلق عليه سابقاً مصطلح "فرط الضغط داخل القحف السليم" benign intracranial hypertension. وأهملت هذه التسمية؛ لأن الداء ليس سليماً في كل الحالات؛ إذ إنه قد يفضي إلى العمى. ويعـّرف بأنه فرط ضغط داخل القحف دون وجود علة بنيوية مسببة كالكتل، أو الاستسقاء hydrocephalus أو خثار الجيوب الوريدية، يستدل عليها بالتصوير الطبي.
تصاب به الإناث أكثر من الذكور بنسبة 9: 1؛ ولكن الذكور هم الأكثر عرضة للإصابة بالعمى. يتظاهر الداء في سني الإخصاب؛ ولاسيما لدى البدينات منهن، أو في أثناء الحمل. يشتكي العليل صداعاً حديث العهد يبدأ قبل أسابيع أو أشهر من المراجعة. والصداع معمم، كليل، مستمر، أشد في الصباح. ويتفاقم بمناورة فالسالفا Valsalva maneuver التي تزيد كثيراً من ارتفاع الضغط داخل القحف، شأن ما يحدث في أثناء السعال والعطاس والتغوط. وقد يكون الصداع خفيف الشدة في بعض الحالات، فلا يراجع العليل الطبيب إلى أن يتأذى البصر. ويستدل على التشخيص الصحيح من وجود وذمة حليمة العصب البصري في الجانبين مع غياب علامات توضع عصبي بالفحص السريري. وتبقى حدة البصر سوية في بادئ الأمر، كما تتسع رقعة البقعة العمياء blind spot. وبتقدم الداء تتناقص سعة الباحة البصرية المحيطية، وتزداد سعة البقعة العمياء. وتفيد مراقبة هذه التغيرات في متابعة تطور الحالة وانتقاء التدبير الأنسب لها.
قد يشكو العليل تشوش البصر أو الشفع لتأذي العصب القحفي السادس في جانب واحد أو في الجانبين. كما قد يشتكي تعتماً بصرياً عابراً transient obscuration of vision حين الانحناء نحو الأمام أو حين النهوض السريع؛ لتغير مفاجئ في الضغط داخل العين وبوجود ضغط شديد ضمن غمد العصب البصري. وفي نهاية المطاف تتأثر رؤية الألوان وحدة الرؤية المركزية (إضافة إلى تناقص الباحة البصرية المحيطية)، ويضمر العصب البصري، فيحدث عمى لاعكوس irreversible. ومن الأعراض الأخرى التي قد تصادف في هذا الداء: الطنين النابض أحياناً. في الجدول (24) معايير داندي Dandy المعدّلة، التي يجب أن تستوفى كلها، لوضع التشخيص الصحيح لفرط الضغط داخل القحف الأولي.
| ||
(الجدول رقم 24) معايير Dandyالمعدلة لتشخيص فرط الضغط داخل القحف الأولي |
ز- الانسمام تحت الحاد بأحادي أكسيد الكربون subacute carbon monoxide poisoning:
هو سبب نادر للصداع. ينجم عن استنشاق كميات قليلة من CO عدة ساعات. ينشأ CO من احتراق المواد العضوية احتراقاً ناقصاً. ويتظاهر بالصداع المعمم، وبإحساس بخفة الرأس، والدوام والكآبة والتخليط الذهني مع أهلاس (هلوسات) وإخالات (وربما كان هذا الانسمام هو أحد تفاسير رؤية الأشباح أو سماع أصوات غريبة في أماكن يعتقد أنها "مسكونة")، واضطراب الذاكرة والغثيان والقياء. وتبدو الألوان باهتة، وقد يحدث الشفع. وتتفاقم الأعراض القلبية الوعائية والتنفسية أيضاً. ولا يشاهد اللون الكرزي للجلد في الانسمام تحت الحاد؛ إذ يعتمد ظهوره على تركيز هذا الغاز السام في الهواء المستنشق. وكثيراً ما يلتبس تشخيص هذه الحالات - التي قد تفضي إلى الموت - ما لم يخطر هذا التشخيص في الذهن.
ح- الصداع التلوي لبعض العلل الأخرى من داخل القحف: وهي كثيرة، سيُكتفى بذكر الأكثر شيوعاً منها:
- (1) الصداع تلو رض الرأس أو العنق أو الاثنين معاً: يصادف الصداع الحاد أو المزمن تلو الرضوض متوسطة الشدة أو الشديدة للرأس أو للعنق أو لكليهما معاً،. وتتشابه معايير التشخيص في النموذجين الحاد أو المزمن. ويختلفان في مدة الصداع فقط (الجدولان 25 و26). فالمدة اللازم انقضاؤها ليعد الصداع مزمناً هي ثلاثة أشهر.
قد ترافق هذا النموذج من الصداع أعراض أخرى: كاضطراب الذاكرة، وعدم الصفاء الذهني، ونقص المقدرة على التركيز والتفكير والتخطيط، وحدوث دوام أو دوار الوضعة المحيطي السليم؛ وعدم تحمل الضوضاء والأنوار الباهرة والكحول. وتُفاقم العواملُ النفسانية من شدة الأعراض، وتطيل أمدها. يعالج هذا الصداع أعراضياً. كما قد يستجيب للمعالجة الاتقائية للشقيقة أحياناً.
| ||||
(الجدول رقم 25) الصداع الحاد تلو الرضوض متوسطة الشدة أو الشديدة | ||||
| ||||
(الجدول رقم 26) الصداع المزمن تلو الرضوض متوسطة الشدة أو الشديدة |
- (2) الصداع الناجم عن استسقاء الرأس hydrocephalus (مع زيادة الضغط داخل القحف (increased intracranial pressure تتظاهر أدواء زيادة الضغط داخل القحف بالصداع. ولها نموذجان:
> فرط الضغط القحفي مجهول السبب الأولي الذي سبق ذكره. ومعايير تشخيصه ظاهرة في الجدول (24).
> فرط الضغط داخل القحف الناجم عن تنشؤ أو عن استسقاء الرأس الحاد أو الحاد على خلفية مزمنة؛ في الجدول (27) معايير التشخيص للصداع في هذه الحالات.
وتجدر الإشارة إلى أن الصداع لا يصادف في الاستسقاء سوي الضغطnormal pressure hydrocephalus . وتتظاهر هذه الحالات باضطراب المشية، وعدم السيطرة على المثانة (ومنه تعدد البيلات أو السلس البولي أو كلاهما)، وتغير في الشخصية والاستعراف الذي يفضي إلى العتاهة.
| |||||
(الجدول رقم 27) معايير التشخيص في صداع زيادة الضغط داخل القحف لوجود تنشؤ أو استسقاء الرأس أو كليهما |
- (3) صداع نقص الضغط داخل القحف: يصادف هذا النموذج من الصداع تلو بزل س.د.ش؛ أو لتسرب هذا السائل خارج الحيـّز تحت العنكبوتية subarachnoid space، إما تلقائياً وإما تلو الجراحة أو الرض. ويتظاهر بصداع انتصابي orthostatic headache. ويرافق الصداع واحد أو أكثر من الأعراض التالية: الغثيان، القياء، الشفع الأفقي، الدوار أو ترجرج المشية unsteady gait، تغير السمع، ألم العنق أو صلابة العنق أو كلاهما، الألم بين لوحي الكتفين، نقص في المجال البصري. وقد يكون الصداع متواصلاً لا يتأثر بتغير الوضعة أحياناً، إما منذ بداية الشكوى؛ وإما في مرحلة لاحقة.
يبدأ الصداع فجأة. فيشبه صداع قصف الرعد؛ ولا سيما في حالات تمزق الأم الجافية التلقائي. وقد يكون البدء خلسياً أحياناً. ويؤكد التشخيص بقياس ضغط السائل الشوكي القطني، فيكون أقل من 6 سم ماء. وقد لا يسيل س.د.ش عند البزل للانخفاض الشديد في ضغطه. وهذا ما يطلق عليه "البزل الجاف" dry tap.
تُظهر صور الرنين المغنطيسي للدماغ المعززة contrast enhanced، تسمك السحايا الجافية الدماغية أو الشوكية أو كليهما، مع دلائل "لتدلي الدماغ" sagging of the brain وهبوط اللوزتين المخيخيتين، و"ازدحام البنى في الحفرة الخلفية" crowding of the posterior fossa، أو من دون ذلك.
تشفى معظم الحالات تلقائياً بالاستلقاء في الفراش مع تناول المسكنات. وقد تحتاج القلة من المرضى إلى إصلاح الانثقاب بـ "لصوق دم خارج الجافية" epidural blood patch. وقد يُعمد إلى العلاج الجراحي نادراً؛ إذا أمكن تحديد مكان التمزق، وآخفقت المعالجات الأخرى.
- (4) الصداع في العلل الوعائية الدماغية: قد يصادف الصداع في كثير من العلل الوعائية الدماغية:
> النزف تحت العنكبوتية: وسبق البحث فيه.
> النزف تحت الجافية.
> النزف ضمن لحمة الدماغ parenchyma.
> الاحتشاء.
> نوب نقص التروية الدماغية أحياناً.
> تسلخ الشريان السباتي أو الفقاري.
> بعض نماذج التهاب الشرايين: وسبق البحث فيها.
| ||||||||||||||||||||
(الجدول رقم 28) بعض نماذج الصداع في العلل الوعائية |
- (5) الصداع في العلل خارج القحف (غير عصبية المنشأ): وهي كثيرة تشملها اختصاصات أخرى، سبق ذكرها. ولا مجال للتفصيل فيها. ويكتفى بالتنويه بها في الجدولين (29) و(30).
ومن الأمور المثيرة للجدل شأن فرط الضغط الشرياني في الصداع. ففرط الضغط الشرياني المزمن هو داء لا عرضي غالباً إلى أن يسبب مضاعفات؛ لمقدرة الشرايين على التنظيم الذاتي autoregulation والتكييف. ولكن يزداد حدوث الصداع التوتري عند معرفة العليل بأنه مصاب بارتفاع الضغط.
أما فرط الضغط الشرياني النوبي، كما في أورام القواتم pheochromocytoma؛ فقد يسبب صداعاً نوبياً؛ لما يسببه من نوب مفاجئة يرتفع فيها الضغط الشرياني ارتفاعاً كبيراً يفوق مقدرة الشرايين على التنظيم الذاتي. في حين يسبب فرط الضغط الخبيث malignant hypertension صداع فرط الضغط داخل القحف raised intracranial pressure سابق الذكر.
| ||
(الجدول رقم 29) أسباب الصداع غير عصبية المنشأ | ||
| ||
(الجدول رقم30) بعض الأدوية الشائعة المسببة للصداع |
ثانياً- ألم الوجه :facial pain
هو الألم الذي يشعر به في الباحة الممتدة من أعلى الجبهة إلى الذقن، ومن أذن إلى أخرى. له أسباب كثيرة: فقد ينجم عن علل موضعية في النسج، كما سبق ذكرها (الجدول 29)؛ أو أنه قد يكون عصبي المنشأ أولياً أو تلوياً؛ حاداً أو مزمناً؛ كليلاً ومثابراً dull and persistent أو نوبياً شديداً قصير الأمد، يعاود في فترات منتظمة، في التوقيت ذاته، أو غير ذلك؛ فصلياً seasonal أو غير فصلي. ومن كل هذا وذاك، تكمن أهمية المقاربة المنهجية.
يعتمد التشخيص السديد وانتقاء التدبير الأنسب على تقييم جيد للسيرة المرضية خاصة؛ وللفحص السريري أيضاً. تكون الأولية للمقاربة الإسعافية في حالات الألم الحاد في الوجه؛ إجراء الحد الأدنى من الاستقصاءات الضرورية وتطبيق ما يلزم من تدخلات علاجية للحؤول دون تفاقم الحالة. في حين تكون الأولية في الحالات المزمنة إجراء كل ما يلزم من دراسة متأنية للوصول إلى التشخيص وتقييم شدتها.
مقاربة ألم الوجه: الجدول (31).
| ||||||
(الجدول رقم 31) أسباب ألم الوجه عصبية المنشأ |
تقوم مقاربة الألم على تقييم السيرة المرضية والفحص السريري والتشخيص التفريقي، مع الانتباه لما يلي:
> السيرة المرضية: وينتبه لصفة الألم ومواقيته خاصة (الجدول 32).
| |||||||||||||
(الجدول رقم 32) مؤشرات تشخيصية في ألم الوجه |
ومن الشائع في الممارسة أن يعزى خطأ كثير من حالات الصداع أو ألم الوجه إلى التغيرات في الجيوب الوجهية والتي قد يُكشف عـنها في صور الرنين المغنطيسي للدماغ أو في التصوير المقطعي، دون التروي والربط بينها وبين الأعراض التي يشتكيها العليل؛ إذ كثيراً ما تكون هذه التغيرات غير ذات شأن مرضي، أو لا علاقة لها بموضوع شكاية المريض. في الجدول (33) عرض لمواقع الألم في أذيات الجيوب.
| ||||||||||||
(الجدول رقم 33) أماكن الألم في التهابات الجيوب الأنفية(1) |
> أما الخطوة الثانية فهي الفحص السريري. لحصر التشخيص التفريقي في عدد أقل من الاحتمالات (الشكل1 ).
(الشكل 1) مخطط المجريات flow chart في الفحص السريري لحصر التشخيص التفريقي |
الخطوة الثالثة هي في تحديد التشخيص بالنظر إلى المشهد السريري بكامله، شأن الحال في تشخيص آلام الوجه الانتيابية (الجدول 9)؛ على سبيل المثال.
ثمة نموذجان شائعان من ألم الوجه:
-1 ألم العصب ثلاثي التوائم :trigeminal neuralgia
ويعرف بالعرّة المؤلمةً tic douloureux أيضاً. وهو ألم في الوجه، يصيب الكهول والشيوخ من الجنسين؛ أي إنه يبدأ بعد الخمسين غالباً. وهو أكثر مشاهدة في النساء منه في الذكور بنسبة الضعف تقريباً. له نموذجان: غامض السبب cryptogenic والأعراضي symptomatic.
لا يعرف الإمراض في هذا الداء. هناك نظريتان: الأولى منهما هي انضغاط العصب ضمن القحف بوعاء عند مروره إلى جذع الدماغ؛ والثانية هي تأذي العصب بخمج مزمن بفيروس الهربس البسيط.
يتصف ألم العصب ثلاثي التوائم بما يلي:
أ- ألم شديد جداً، قصير الأمد؛ نوبي ومعاود؛ يشبهه المريض بطعنات متلاحقة برمح (وهذا ما يدعى بالألم الرامح) أو بوميض البرق أو بصعقات كهربائية. يُشعر به في البقعة ذاتها دائماً من شق الوجه عينه، في التوزع الحسي لأحد أغصان العصب ثلاثي التوائم: الغصن الفكي السفلي mandibular branchوحده (في 19% من الحالات) أو في الغصن الفكي العلوي maxillary branch (في 14%)، أو الغصن العيني ophthalmic division (في 3%). وقد يشعر بالألم في توزع أكثر من غصن واحد، ليشمل الغصن الفكي العلوي مع الغصن الفكي السفلي (في 36%)؛ أو في الأغصان الثلاثة (15%)؛ أو في الغصنين الفكي العلوي مع العيني في (11%). وقد يبدأ الألم في بقعة محددة في الشفة أو اللثة أو الخد أو الذقن، ثم يسري كالبرق في التوزع المذكور. وقد يشخص الألم خطأ بأنه ناجم عن علة موضعية في الأضراس على سبيل المثال. فيُقلع الواحد تلو الآخر من دون جدوى. ويكون الألم من الشدة حتى يستصرخ المريض، فتتلوى أسارير وجهه، ومن هنا جاءت تسمية الداء بالعرّة المؤلمة.
تأتي النوب متباعدة أول الأمر. وتستمر الهجمة أياماً. ثم يهجع الداء عدة أشهر قبل أن تبدأ هجمة أخرى. وبمرور الزمن؛ تكثر النوب في كل هجمة، وتتقارب فيما بينها لتتباعد الهدآت وتقصر مدتها. ومن ثم تصبح الهجمات دائمة، تغيب في أثناء النوم ما لم يلامس وجه المريض الوسادة.
ب- يثار الألم بلمس بقع محددة في الوجه، تعرف بالـ "مناطق المثيرة" trigger zones، كحدوثه في أثناء غسل الوجه، أو حلاقة الذقن أو المضغ، أو عند تنظيف الأسنان بالفرشاة، أو حتى بملامسة النسيم للوجه. لذلك، يعد ألم العصب ثلاثي التوائم أحد نماذج ألم اللمس allodynia.
ج- يكون الفحص السريري سويا؛ إلا في الحالات الأعراضية.
التشخيص التفريقي: ويتجه نحو ما يلي:
> التأكد من عدم وجود خراج قمي apical abscess في الأضراس؛ بإجراء تصوير شعاعي مناسب للأسنان والفكين.
> تحري آفة بنيوية مسببة للنموذج الأعراضي لتلك الحالة. ويستدل عليها من نقص الحس في الوجه أو من تأذي الأزواج القحفية الأخرى، كضعف المنعكس القرني أو غيابه على سبيل المثال أو شلل العصب السادس. ويجرى تصوير الدماغ بالرنين المغنطيسي للكشف عن هذه الحالات، كالتصلب المتعدد، وتعرج الشريان المخيخي السفلي posterior cerebellar artery، وورم في الزاوية الجسرية المخيخية كورم العصب السمعي acoustic neuroma.
المعالجة: تعالج الحالات دوائياً، ثم جراحياً عند فشل المعالجة المحافظة. يسيطر على الألم بالعقاقير التي تثبت كمون الغشاء الخلوي للأعصاب. ولعل أنجعها هو الكاربامازبين carbamazepine بمفرده، ومع baclofen؛ إن لزم. ويُعمد إلى الجراحة عند فقد السيطرة الفعالة على الألم؛ فيحقن العصب بالكحول، أو تُحل عقدة ثلاثي التوائم عبر الجلد بالذبذبات الكهرومغنطيسية percutaneous radiofrequency trigeminal gangliolysis. يخفف هذان الإجراءان من الألم؛ إلا أنهما قد يسببان خدراً مؤلماً anaesthesia dolorosa. ويفيد حج القحف خلف الخشاء retromastoid craniotomy في إزالة الضغط الوعائي على العصب؛ إن وجد.
-2 الألم الوجهي اللانموذجي :atypical facial pain
يصاب به الراشدون من كل الأعمار. فيُشعر بوجع كليل مستمر، واسع الانتشار، ولا صفة مميزة له؛ فقد يصيب شق الرأس بأكمله أو الشقين معاً، كما قد ينتشر إلى العنق، وقد يستمر سنوات.
تشخص هذه الحالات بعد استبعاد الأسباب الأخرى للألم المستمر كورم الجيوب الأنفية، وخراج الأسنان، وسوء وظيفة المفصل الفكي الصدغي.
لا تعرف الآلية الإمراضية لهذا الألم، ويشتبه بأن يكون نفساني المنشأ؛ إذ إنه يستجيب للعلاج بمضادات الكآبة.
- التصنيف : الجهاز العصبي - النوع : الجهاز العصبي - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 128 مشاركة :