دمشق (كنائس-)
دمشق (كنايس)
-
كنيسة مريم، أو الكاتدرائية المريمية
تؤرخ كنائس دمشق الأثرية مراحل انتشار المسيحية وتجذّرها وثباتها ومعالم حضارتها عبر الزمن. فقد وصلت البشارة المسيحية منذ فجرها إلى هذه المدينة، فتكوّنت جماعة ضمّت عدداً من المسيحيين الأوائل الذين عاشوا فيها مع غيرهم في مناطق مختلفة، ويكفيها فخراً أنها مهد المسيحية العالميّة، كما صارت مهد الإسلام العالمي: هما جناحا دمشق تحلّق بهما في عالم الحضارة الإنسانية.
ظلّ الرومان واليهود يضطهدون مسيحيّي دمشق مدة ثلاثة قرون، فعاش هؤلاء ممارسين شعائر دينهم في دياميس تحت الأرض أسوةً بإخوانهم في الدين في روما وغيرها؛ إلى أن منح الملك قسطنطين الكبير- بمرسوم مدينة ميلانو Milano في إيطاليا عام 313م- حرية العبادة لجميع رعايا الامبراطورية الرومانية، فبات المسيحيون قادرين على إعلان إيمانهم. ومنذئذٍ أخذت تُبنى الكنائس، وتظهر علانية، ثمّ ما لبثت أن صارت دمشق مقرّاً لأسقفية تابعة لبطريركية أنطاكية العُظمى، تأتي بعدها في المرتبة الثانية. وفي سنة ٣٧٩م اعتلى الامبراطور ثيودوسيوس الكبير عرش القسطنطينية، فأمر بالمسيحية ديناً رسمياً للدولة سنة ٣٩١م؛ فصودرت أملاك المعابد الوثنية، وحُوّلت إلى كنائس مسيحية، ومنها معبد جوبيتر الدمشقي الذي تحول هيكله إلى كنيسة عُرفت باسم يوحنا المعمدان، وأُقيمت دار أسقفية دمشق بجانبها، وإلى الجنوب منها قصر والي دمشق الرومي. وسرعان ما انتشر بناء الكنائس والأديرة في دمشق وريفها وسورية عامةً حتى القرن السابع الميلادي، فكانت دمشق تزخر بالكنائس، وفيها ما يقرب من ٤٠ كنيسة. وغداة دخول المسلمين دمشق سنة ١٤هـ/٦٣٥م سطّر المسلمون معاهدة مع النصارى تقضي بالتخلّي عن نصف عدد كنائسهم، وفي القرن ٦هـ/١٢م لم يبقَ من الكنائس المنصوص عليها في المعاهدة سوى كنيستين قائمتين للعبادة: كنيسة مريم للملكيين، وكنيسة اليعاقبة للسريان الأرثوذكس.
- كاتدرائية القديس بولس: كنيسة للسريان الكاثوليك، تقع إلى يسار الداخل من الباب الشرقي في الشارع المستقيم، داخل الباب الشرقي، بين زقاق تحت القبو وحارة الزيتون.
كنيسة القديس بولس |
وُجهة الكنيسة شطر الشرق، وبابها الرئيس خشبي مقوس مغطى بالنحاس المطرّق والمزخرف المتضمن في كل من المصراعين ثلاث حشوات متناظرة من الأعلى إلى الأسفل: الكأس وشعاع القربان والسنابل. وعلى حجر قديم منقوش في أعلى الجدار قصيدة تؤرخ بناء الكنيسة سنة 1265هـ/1848م، التي ما لبث أن احترق قسمها الجنوبي سنة 1277هـ/1860م، فجُدِّدت سنة 1280هـ/1863م.
نمط الكنيسة بازيليكي، تقسم صحنَها ثلاثةُ أعمدة نحيفة وعضادتان من الجهتين إلى ثلاثة أسواق (أجنحة) أوسطها أكبرها. في زاويتيها الجنوبية والشمالية كرسي اعتراف، وقربهما شبّاكان، وتنتشر الكراسي الخشبية عند الجدار الغربي، والمقاعد الخشبية في الأسواق الثلاثة.
- كنيسة القديس يوحنا الدمشقي: تقع في باب توما، شمال شرق الكاتدرائية المريمية، في شارع الآسية الآخذ من شارع يوحنا الدمشقي، بجادة بولاد.
كنيسة يوحنا الدمشقي |
وُجهة الكنيسة شطر الشرق، واجهتها بيضاء معقودة بأقواس مسطحة تشكل رواقاً، وتحمل طابقاً ثانياً يعلوه الصليب، وهناك رواقان جانبيان سقفاهما من جذوع شجر الحور. ويقوم الباب الرئيس للكنيسة خلف الرواق، وبجانب بابها الداخلي نقش حجري فيه: «كنيسة القديس يوحنا الدمشقي للروم الأرثوذكس شيدت في سنة 1864م» (1281هـ). حجارتها بازلتية سوداء في معظمها بما فيها الأعمدة النحيلة وأقواسها، ولها باب رئيس خشبي بسيط بمصراعين من الغرب، وبابان جانبيان من الجنوب والشمال، وفيها شباكان من الغرب وآخران من الشمال، وثلاثة من الجنوب. أرضيتها مبلطة، وصدر صحنها رخامي، لصيقها في الأسفل كراسي في جدرانها الثلاثة، وصفان من المقاعد في السوق الأوسط، وصف آخر في كل سوق جانبي. سقفها مسطح محمول على جدران تستند إلى أقواس، ويشتمل في أعلاه على 16 شباكاً، وتحيطها في الطابق الثاني الشعاري (المشربيات) من جهاتها الثلاث، مع أربع أقواس على حافاتها، وفي سنة 1999م أُزيلت طينتها (لياستها)، ورُمِّمت.
- كاتدرائية سيدة النياح: تقع في مدينة دمشق ضمن السور في حارة الزيتون بجوار الباب الشرقي، وتتبع للروم الكاثوليك الذين لم يكن لهم كنيسة للصلاة، إلى أن جاء إبراهيم باشا إلى بلاد الشام سنة ١٢٤٨هـ/١٨٣٢م، فمهّد وسهّل لهم الأمور لبناء كنيسة في موقع كنيس يهودي متداعٍ ومهجور منذ أمدٍ بعيد لليهود، تحيط به أرض فسيحة فيها بستان للزيتون، من هنا جاءت تسمية «حارة الزيتون»؛ فابتاعوه، وبنوا في موقعه الكنيسة الكاتدرائية بأبعاد الكنيس اليهودي، ودُشنت سنة ١٢٥٠هـ/١٨٣٤م، لكنها أُحرقت ودُمّرت في الفتنة الطائفية سنة ١٢٧٧هـ/١٨٦٠م، فأُعيد بناؤها على أنقاض الكنيسة الأولى، بأبعاد أكبر وأوسع من الأولى سنة ١٢٨٢هـ/١٨٦٥م. وقد طرأ بعض التطوّر على هذه الكنيسة سنة ١٤٢١هـ/٢٠٠٠م؛ فأُزيلت من الداخل القشرة من الجدران والقبب والعضائد والأقواس، وكُحّلت حجارتها، وأُزيلت الهياكل (المذابح) التي كانت في أسفل الأعمدة الوسطى.
كا تدرائية سيدة النياح -كنيسة الزيتون |
تُعدّ هذه الكنيسة من حيث موقعها وهندستها وأحجارها وبناؤها وحجمها وتزيينها من أجمل الكنائس الدمشقية أثرياً، وهي أكبر كنائس الروم الملكيّين الكاثوليك بدمشق، وأكثرها إتقاناً وأقربها إلى الفنّ الكنسي المعروف بالملكي البيزنطي. وجهتها إلى الشرق، بُنيت على شكل صليب قائم ضمن رسم مستطيل شكّلت القبّة محوره. لها على مدخلها ساحة رحبة مبلّطة، طولها أكثر من ٦٥م بما في ذلك القناطر (العقود)، وعرضها ٢٠م، وتحيط بها القناطر من جوانبها. تبلغ أبعادها اليوم ٤٢م×٢٣م، وفي محيطها ما تحت الأروقة وشعرية النساء (رواق علوي- سدّة) أعلاه ٤٥م×٢٦م. مصراعا بابها الرئيس جميلان جداً من نحاس أصفر نافر مزخرف بأشكال سنابل القمح وعناقيد العنب، وقاعتها مؤلفة من ثلاثة أجنحة، ينتهي كلٌ منها بحنيّة في الصدر. ويفصل أجنحتها الثلاثة اثنا عشر عموداً من الحجر البازلتي الأسود الصلب، (وإيقونسطاس)، أي جدار حاجز حامل الأيقونات، مرمري أبيض منحوت بشكل رائع في مدينة فيرّارا Ferrara الإيطالية، وأبوابه من النحاس المرصّع بخيوط من الفضة. الأيقونات المتأثرة بفن الأيقونة الروسي على العموم. يرتفع على العمود الثالث يميناً ويساراً قنبيلان (منبران خشبيان) يُصعد إلى كلّ منهما بدرج لولبي خشبي. قبابها حجرية عالية. تنتشر ملصقة بجدران صحن الكنيسة هياكلُ رخامية كثيرة تحوي أيقونات، لها من الخارج برجان في أعلاها: واحد قديم للجرس، وآخر حديث للساعة الناطقة. تتسع الكنيسة في داخلها لــِ ٨٠٠ شخص جلوساً و٣٠٠ وقوفاً، وتتّسع الشعرية لأكثر من ٤٠٠ شخص.
كاتدرائية مار سركيس:تقع في مدينة دمشق عند الباب الشرقي من داخل السور، وتتبع للأرمن الأرثوذكس. وهي قديمة العهد، ترقى بموقعها إلى ما قبل الفتح الإسلامي، وقد ذكرها الواقدي (١٣٠-٢٠٧هـ/٧٤٧-٨٢٣م) في كتابه «فتوح الشام». يُذكر أن هذه الكنيسة- وهي صغيرة- رُمّمت أكثر من مرّة في القرنَين ١١-١٢هـ/١٧و١٨م، واحترقت في فتنة سنة ١٢٧٧هـ/١٨٦٠م، فأعيد بناؤها سنة ١٢٨٣هـ/١٨٦٦م على شكل صليب، وزُيّنت جدرانها برسوم جداريّة للقدّيسين، تعلوها قبّة كروية كبيرة وبرج للناقوس. وفي هذا الموقع حالياً مجمّع كبير يضمّ كنيسة وديراً ومدرسة وداراً للمطرانية التابعة لكاثوليكية بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس في أنطلياس بلبنان.
كنيسة حنا نيا |
-كنيسة مريم، أو الكاتدرائية المريمية: تقع في مدينة دمشق ضمن السور في شارع الكنيسة، في مدار مركز بطريركية الروم الأرثوذكس، بين طالع الفضة وشارع المنكنة. كان في هذا الموقع- في القرون الأولى للمسيحية- معبد صغير لشيعة المريميين الذين ألّهوا مريم العذراء بوصفها أحد أفراد العائلة الإلهية المقدسة. ولمّا اندثرت هذه الشيعة بعد سنة ٣١٣م؛ آلت كنيستهم إلى الروم الأرثوذكس الذين رمّموها، ووسّعوها. وبعد الفتح الإسلامي أُغلقت، وعُدَّت من أملاك الدولة حتى سنة ٨٨هـ/٧٠٦م حين أعادها الوليد إلى أصحابها بقوله: «إننا نعوّض عليكم عن كنيسة يحيى بكنيسة مريم»، وكان ذلك وفق بعض المؤرخين المسلمين تعويضاً عن كاتدرائية المعمدان. تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام ٨٨ هـ/ ٧٠٦م حتى اليوم مرّت على الكاتدرائية أحداث جسام؛ ففي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله سنة ٣١٤هـ/٩٢٦م مع دير النساء الملاصق لها، فأمر الخليفة المذكور بإعادة بنائها من دون البقية. وأُحرقت سنة ٣٣٩هـ/٩٥٠م، و٤٠٠هـ/١٠٠٩م، وهُدمت في سنة ٦٥٩هـ/١٢٦٠م. وكان انتقال المقرّ البطريركي من أنطاكية إلى دمشق سنة ٧٤٣هـ/١٣٤٢م. وضربت هزّة أرضية شديدة معظم سورية سنة ١١٧٣هـ/١٧٥٩م، فأعيد بناء هذه الكنيسة سنة ١١٩١هـ/١٧٧٧م. وجاءت فتنة دمشق الطائفية سنة ١٢٧٧هـ/١٨٦٠م؛ فأُحرقت كل الكنائس، ودُمّرت، وأولها كنيسة مريم، وبجوارها كنيسة كبريانوس ويوستينا وكنيسة مار نقولا والدار البطريركية، وقد أصبحت جميعها أطلالاً ورماداً، فأُعيد إعمارها زمن البطريرك الأنطاكي إيروثيوس (١٢٦٧-١٣٠٣هـ/١٨٥٠–١٨٨٥م)، وقد ضمّت مساحة الكنيستين السابقتي الذكر. وكان الفراغ من بنائها وتدشينها سنة ١٢٨٤هـ/١٨٦٧م، كما تشير اللافتة الرخامية المكتوبة بالعربية واليونانية المثبتة فوق بابها الغربي. وفي زمن لاحق جرت فيها بعض الترميمات والإصلاحات الثانوية، وهذه الكاتدرائية العريقة بموقعها هي أقدم كنيسة ما تزال حية في دمشق.
الكنيسة المريمية |
برج الكنيسة المريمية |
وهي كنيسة بازيليكية/ملكية بيزنطية، أبعادها 23×42م، وفي محيطها ما تحت الأروقة والشعرية (رواق علوي) 26×45م. وُجهتها إلى الشرق، ذات صحن بثلاثة أجنحة، كل منها يفضي إلى الإيقونسطاس (الجدار المرمري الفخم الفاصل عن قدس الأقداس)، حامل الصور المقدسة بثلاثة صفوف متعالية، وفي الأعلى ثلاثة صلبوتات، من صُنع مدينة فيرّارا Ferrara بإيطاليا. في حنيتها الكبرى كتابة على البلاط القاشاني. وللكنيسة ضمنياً شعرية (أروقة) في جوانبها العليا الثلاثة للنساء والأولاد. وبجانبَي الجناح (السوق) الوسطي منبران حجريان ملتصقان بالعمودَين لقراءة الإنجيل المقدس. سقفها مصنوع من الخشب، ويُعدّ لوحة فنية لما فيه من نقوش وزخارف، وجدرانها لوحات فنية وأيقونات روسية ومقدسيّة وبيزنطية رائعة بأشكالها وأحجامها المختلفة، وفي محيط الكنيسة الأروقة والفسح والحدائق، وبجانبها البرج الجرسي الفخم.
متري أثناسيو
|
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :