درعا (مدينة-)
درعا (مدينه)
Dera -
تقع مدينة درعا مركز المحافظة حالياً إلى الجنوب من مدينة دمشق على بعد ١٠٠ كم، أقصى جنوب غربي سورية بالقرب من الحدود الأردنية في الجزء الجنوبي الغربي من سهل حوران.
وكان لتوفر مصادر المياه دورٌ مهمٌ في سكنى المدينة على مر العصور، ويعود إلى وادي الزيدي الدور الأساسي في نشوء المدينة حيث كان يمثل أيضاً خطاً دفاعياً لمدينة درعا من جهتي الشرق والشمال، وما تزال بقــايا الجسور والســدود وخزانات المياه والآبار قائمة على الــوادي. قامت مدينة درعا القديمة على تل يقع على الجانب الأيسر من وادي الزيدي والمعروف حالياً باسم الكرك، وهو المكان الذي تميز بتوفير الحمايــة ودرء الخطــر عن المدينــة، إضافة إلى ما يوفره الموقع الجغرافي للمدينة من نقطة عبور للطرق الرئيسية والمهمة عبر التاريخ والتي تربط بين عدة مناطق مثل طريق دمشق- جرش وطريق بصرى- طبريا. اكتسبت المدينة أهمية كبرى لما عرفته من ازدهار كبير تبدّى من خلال ذكرها في الوثائق المصرية ومراسلات تل العمارنة التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد وفي أشعار الجاهلية وصدر الإسلام؛ من خلال شهرتها مركزاً تجارياً للحبوب والخمور والزيوت التي كانت تصدر إلى مناطق مختلفة وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي المهم على الطرق التجارية الرئيسية في العالم القديم.
ذكرت المدينة في الوثائق المصرية باسم (أدروعي Adrui)، ويعود اسم درعا إلى اللغة الآرامية وتعني الدرع أو الحصن المنيع لأن موقع المدينة كان حصيناً. سكنت المدينة وتعاقبت عليها حضارات عدة من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الإسلامي. كانت منطقة درعا طريق عبور للإنسان القديم من فلسطين إلى شمال سورية وشرقها، واستوطن فيها منذ أكثر من مليون سنة ولا سيما في المناطق الواقعة على ضفاف وادي الزيدي حيث توجد كهوف ومغاور كانت المأوى المناسب لسكنه، وتطور الاستيطان في الألف الخامس قبل الميلاد وبنيت القرية الأولى في درعا، حتى أصبحت في الألف الثالث قبل الميلاد من المراكز الكنعانية المدنية المهمة في المنطقة، وفي الألف الثاني قبل الميلاد أضحت مدينة درعا إحدى ساحات الصراع والحروب بين المصريين في الجنوب والميتانين في الشمال. وفي الألف الأول قبل الميلاد سكن الآراميون مواقع حوران ومنها مدينة درعا، ومن ثم خضعت لسيطرة الآشوريين مع باقي مدن منطقة حوران.بعد سيطرة الامبراطورية الفارسية على المنطقة أصبحت مدينة درعا ضمن منطقة عراباي التابعة للفرس ومن ثمّ مركز ولاية في عهد الملك قورش، وبقيت تحت السيطرة الفارسية حتى بداية العصر الهلنستي، ثم أصبحت المدينة جزءاً من المملكة النبطية وكوَّنت مع بصرى وصلخد خط دفاع ضد السلوقيين. وفي عام ٢١٨ ق.م حاول أنطيوخس الثالث احتلال مدينة درعا ولكنه لم ينجح في ذلك وبقيت تحت سيطرة الأنباط حتى عام ١٠٦م حيث احتلها الرومان في عهد الامبراطور تراجان وقضوا على مملكة الأنباط وأصبحت درعا إحدى مدن الديكابوليس في المنطقة. وبعد تشكيل الولاية العربية الرومانية في القرن الثاني - والتي كانت عاصمتها مدينة بصرى - أصبحت درعا تابعة لها، وأولى الرومان المدينة عناية خاصة وبنوا فيها المسرح والحمامات والشوارع المبلطة ذات الأعمدة والمعابد وقنوات المياه والأسوار والمرافق العامة الأخرى. وأقامت في المدينة عدة من الكتائب العسكرية التابعة للفرقة الرومانية الثالثة المتمركزة في بصرى، وكان فيها مجلس محلي وممثلون من الشيوخ في مجلس العاصمة بصرى. وفي العصر البيزنطي كانت درعا مدينة وسوقاً مشهورة تضم مركز أسقفية وتتبع المركز في مدينة بصرى، وأقام بها عدد من أساقفة المنطقة العربية، وأصابت المدينة خلال هذا العصر الهزات الأرضية وقد ألحقت الضرر بمنشآتها العامة وأسوارها. ثم حررها العرب المسلمون خلال الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد انتصار جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد على جيش الروم البيزنطيين في معركة اليرموك سنة ١٤هـ/ ٦٣٥م، وزار المدينة الخليفة عمر بن الخطاب وأمر ببناء الجامع العمري فيها، ومن ثم ضُمت المدينة إلى سلطة الأمويين في دمشق الذين أولوها اهتماماً كبيراً. سقطت المدينة بيد الصليبيين سنة ٥١٣هـ/ ١١١٩م للمرة الأولى ومن ثم سنة ٥٤٢هـ/ ١١٤٧م للمرة الثانية، ثم تمكن الأيوبيون من طردهم منها بعد انتصارهم عليهم في معركة حطين القريبة من درعا، وخلال الفترة المملوكية كانت مدينة درعا عاصمة لمنطقة حوران التابعة لولاية دمشق المملوكية، وزادت أهميتها بعد أن أصبح طريق الحج يمر بها وباتت محطة استراحة القوافل بين دمشق وعمان مما أدى إلى ازدهارها إدارياً واقتصادياً، ثم وقعت المدينة تحت سيطرة العثمانيين حتى انهيار امبراطوريتهم سنة ١٩١٦؛ وكانوا قد أنشؤوا فيها سنة ١٩١٤م محطة للقطارات نتيجة مرور الخط الحديدي الحجازي بها.
زار المدينة في القرن التاسع عشر بوركهارت J. L. Burckhardt -ووصف المدينة في كتابه «رحلة إلى حوران» - وشوماخرSchumacher ورينو وفيتزن Wetzstein والأب جيرو-جوراند Jero-Gorand، ثم زار المنطقة الأبوان انسيت H. Vincet والون Vallon اللذان تحدثا في دراساتهما عن مدينة درعا، وفي سنة ١٩٠٧م زار المدينة بلانكنهورن Blanckinhorn واكتشف قرب محطة القطار موقعاً أثرياً يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ثم زارها الأب كارج P. Karge واكتشف موقعين يعودان إلى العصر الحجري القديم وهو ما دفع المؤرخ ستيكليس M. Stekelis إلى تدوين مدينة درعا على لائحة المدن التي تعود إلى ما قبل التاريخ. وفي سنة 1940م زار المدينة الباحث جورج نصر الله وعثر على لقى أثرية في عدد من المباني والمنازل ومن ثم عاد إلى المدينة مرة ثانية سنة 1948م وكشف عن عدد من الأبنية والقبور واللقى الأثرية.
محطة الخط الحديدي الحجازي في درعا (عام ١٩٥٠) |
دفعت اكتشافات الباحث نصر الله الأولى العالم دو ڤينو De Venue إلى زيارة المدينة عام ١٩٤١م واكتشف فيها العديد من اللقى الأثرية المتنوعة. وبين سنتي ١٩٨٦-١٩٨٩م تم الكشف عن المسرح الروماني، ثم توسعت التنقيبات في سنة ١٩٩١م لتشمل الجزء الشرقي والغربي من المسرح وتم الكشف عن الشارع المستقيم وعدد من المباني الأثرية، وقام كل من بفلاوم H. G. Pflaum وموريس سارتر M. Sartre بدراسة الكتابات الأثرية القديمة التي اكتشفت في المدينة.
أهم الآثار المكتشفة في مدينة درعا تعود إلى العصر الروماني حيث بني أغلبها في القرن الثاني الميلادي، وكانت المدينة كما سائر المدن الرومانية الأخرى تتكون من شارعين رئيسيين الدكومانوس Decumanus من الشرق إلى الغرب والكاردو Cardo من الشمال إلى الجنوب ويتقاطعان بجانب الجامع العمري حالياً وتتفرع عنهما الشوارع الفرعية، وعلى جانبي الطريقين الرئيسيين تتوزع أهم المباني العامة الرومانية، ولكن لم يتم الكشف سوى عن جزء بسيط من المدينة ممثلاً بالمسرح والحمامات والمعبد وجزء بسيط من الشارع المستقيم بطول 300 م تقريباً، ويحيط بالمدينة سور ذو أبراج دفاعية وتتخلله بوابات عند نهاية الشارعين الرئيسين تربط المدينة بالطرق الرئيسية في المنطقة؛ الأول من دمشق إلى جرش والثاني من بصرى إلى بحيرة طبريا.
متحف درعا |
تابوت في متحف درعا |
وهناك أيضاً العديد من المنشآت التي تقع تحت الأرض والمحفورة بالصخر ولها مداخل وممرات وغرف مختلفة المساحات، ولها أيضاً فتحات في السقف للإنارة والتهوية، وأطلق عليها بعض الباحثين اسم المدينة السفلية بسبب تنظيمها وتميزها، وهي من النماذج النادرة في العالم. كما تم الكشف عن مدافن تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد إلى الغرب من المدرج الروماني، وعثر فيها على العديد من الهياكل العظمية والأواني الفخارية، كما عثر على نقود تحمل تصويراً للإله «ذو الشرى» حامي المدينة وهو ما يؤكد وجود معبد مخصص لعبادته في المدينة. ومن أهم المكتشفات الأثرية في مدينة درعا :
لقى أثرية في متحف درعا | آثار رومانية في متحف درعا |
-المسرح الروماني: هو من المسارح المتوسطة الحجم، يبلغ قطره نحو42م، ويتسع لنحو1300 متفرج. أجريت أعمال الترميم وإعادة البناء لبعض أجزائه كواجهة المنصة وجدران الكواليس. يتم الدخول إليه من الشارع المستقيم مباشرةً عبر ممرين شرقي وغربي. يتكون المسرح من ثلاثة أقسام: الأول مقاعد المتفرجين Cavea وهي منحوتة بشكل تدريجي في كتلة من الصخر الكلسي ثم مبنية من الحجر البازلتي على شكل نصف دائرة، وتتألف من 26 درجة تتوزع على طبقتين يفصل بينهما ممشى ويتخللها ممرات شعاعية، ويحيط بها من الجهة الجنوبية سور خلفي له ثلاثة مداخل في الوسط والأطراف، ولم يبق من المدرجات إلا القسم السفلي وبشكل جزئي. والقسم الثاني هو الأوركسترا Orchestra التي تم نحتها في الصخر وبلطت بالحجر الكلسي الأبيض على شكل نصف دائرة بقطر 26م تقريباً، ولها ممران من الجهتين الشرقية والغربية ومنها يتم الصعود إلى المدرجات أو إلى المنصة. أما القسم الثالث فهو المنصة Proscaenium، وتبلغ أبعادها 30م طولاً و 5م عرضاً، وكانت مغطاة بالألواح الخشبية التي تقوم فوق ممرات ضيقة تضم أماكن الملقنين وترتفع بمقدار متر واحدٍ بالنسبة إلى الأوركسترا، ويمكن الوصول إليها من كل الجهات ولا سيما من جهة الكواليس الخلفية التي تتصل بها بثلاثة أبواب متفرعة عن المدخلين الرئيسيين في الجهة الشرقية والغربية، ويبلغ طول الكواليس 30 م وعرضها 3م تقريباً.
المسرح الروماني |
- المعبد: يقع في الجهة الشرقية من المسرح، مبني من الحجر البازلتي، وتبلغ أبعاده نحو 17×14م، تم الكشف عن واجهته الداخلية التي تتخللها المحاريب والأعمدة ذات الطراز الكورنثي والدوري، كما كشفت بعض الغرف الأخرى ومنها تحت الأرض؛
ولكن لم يتم الكشف عن بقية أجزائه حتى الآن، ويعتقد أنه معبد الإله «ذو الشرى».
- الحمامات: تقع في الجهة الشمالية من المدينة وذلك لسهولة تزويدها بالماء دوماً من بركة مجاورة، مبنية من الحجر البازلتي، وهي تشبه في مخططها العام حمامات مدينتي بصرى وشهبا.
- الكنيسة: تم الكشف عن بقايا كنيسة جوار المعبد من الجهة الجنوبية والاستفادة من الجدار الجنوبي للمعبد كحائط شمالي للكنيسة، وفق مخطط البازليك وصدر الكنيسة Abside عبارة عن حنية نصف دائرية، ويرجح بعض الباحثين تاريخ بنائها في القرن الخامس الميلادي.
كنيسة القديس جاورجيوس في إزرع |
- الجامع العمري[ر]: تم تأسيسه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وتم تجديده وترميمه طوال الفترات الإسلامية، وتذكر كتابة حجر تأسيسي في الجامع إضافة رواق إلى بناء المسجد في عهد صلاح الدين الأيوبي. بني المسجد بإعادة استخدام حجر البازلت الموجود في الأبنية القديمة بالمدينة، ومخططه يشبه عمائر المساجد الأخرى في كل من بصرى وإزرع والمسجد الأموي في دمشق.
الجامع العمري في درعا |
يتألف من صحن المسجد في وسطه متوضأ ذو أعمدة تزيينية ومقاعد للوضوء وبئر ماء. يحيط بالصحن حرم المسجد في الجنوب المؤلف من ثلاثة أروقة تفصلها أعمدة فوقها أقواس تحمل السقف، في الجهات الأخرى للصحن تحيط به ثلاثة أروقة ذات أعمدة وأقواس، كما أن للمسجد ثلاثة أبواب يقع المدخل الرئيسي في الجهة الشمالية والمدخلان الآخران في الرواقين الشرقي والغربي. أما المئذنة فقد بنيت في الزاوية الشمالية الغربية مربعة الشكل تضيق بالتدريج باتجاه الأعلى، يبلغ طولها نحو 19 م، ويتوسطها من الداخل درج لولبي يربط بين الجدران الأربعة للمئذنة، ولها مدخل من المسجد.
سعيد الحجي
مراجع للاستزادة: - خليل المقداد، درعا مدينة المدائن مدينة الديكابوليس (دار عكرمة، دمشق ١٩٩٨). - V. Hauran La Syrie du Sud du néolithique à l’Antiquité tardive, recherches récentes. Actes du colloque de Damas 2007, VII, Presses de l’Ifpo, Beyrouth (Damas, 2013)
|
م
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :