خليج عربي في عصور تاريخيه وماقبل تاريخيه
Arabian Gulf - Colfe Arabe

 الخليج العربي

الخليج العربي

الخليج في العصور ما قبل التاريخ:

الخليج العربي في العصور التاريخية

 

الخليج العربي Arabian Gulf بحر داخلي، يتصل بخليج عُمان عن طريق مضيق هرمز الذي يصله بالمحيط الهندي، ويقع بين خطوط العرض ٢٤-٣٠ شمالاً، وخطوط الطول ٤٨- ٥٦ شرقاً، مساحته ٢٣٩ألف كم٢، يبلغ طوله ١٠٠٠كم، ويراوح اتساعه بين ١٠و ٣٠٠ كم، والخليج ذو مياه ضحلة، يتكون من ثلاث مناطق متباينة تنتمي إلى الهضبة العربية، فهناك الحوض الشمالي الذي يعد امتداداً لمنخفض بلاد الرافدين، والرصيف الداخلي الذي يشمل المنطقة الشرقية والبحرين وقطر، وأخيراً الجزء الجنوبي الضحل الذي هو جزء من الربع الخالي.

يسيطر الخليج العربي على موقع استراتيجي مهم فهو يتوسط مصر والعراق والشام والهند، وهذا ما ساعده على القيام بدور مميز في تاريخ المنطقة وحضارتها ولاسيما على المستوى التجاري.

أظهرت التحريات الأثرية أن استيطان منطقة الخليج بدأ منذ العصر الحجري القديم، واستمر خلال العصر الحجري الحديث، وشهد كثافة في المواقع في العصر الحجري النحاسي ثم العصور البرونزية وعصر الحديد والعصر الهلنستي والفارسي وصولاً إلى العصور الإسلامية.

الخليج في عصور ما قبل التاريخ:

تُعدُّ قطر من أغنى مناطق الخليج العربي بآثار عصور ما قبل التاريخ، وتتمثل فيها حضارات العصر الحجري القديم بمختلف مراحله، فقد بدأت البعثة الدنماركية تحرياتها الأثرية عام ١٩٥٦م برئاسة هولجر كابل Holger Kapel فكشفت ٢٠٠ موقعٍ أثري، بينها ١٤١ موقعاً تنتمي إلى العصور الحجرية، وهي مواقع تختلف بمساحتها، فبعضها مستوطنات موسمية صغيرة سكنها عدد قليل من الصيادين، وبعضها مستوطنات كبيرة تقع قرب آبار المياه العذبة القديمة المنحوتة في الصخور أو المحفورة في الرمل. وقد قسم رئيس البعثة الأدوات المكتشفة في المواقع القطرية أربع مجموعات مختلفة ومستقلة استناداً إلى طرق صناعتها وشكلها؛ لأنه لم يعثر فيها على طبقات متعاقبة في أثناء التنقيبات.

المجموعة الأولى: تضم ٣٠ موقعاً امتدت على الهضاب الصخرية وسفوح المرتفعات، تحوي أدوات صوانية مثل الفؤوس والأزاميل البدائية الصنع الكبيرة الحجم، وأدوات تشبه السكاكين، وأحجاراً تشبه ورقة قصب السكر. من مواقع هذه المجموعة مواقع الخور على الساحل الغربي وأم الزبد وأم طاقة، وهي تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى والوسيط.

أقدم قرية في الإمارات العربية في جزيرة مروح يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث ( قبل ٨٠٠٠ سنة)

المجموعة الثانية: بلغ عدد مواقعها ثمانية، أطلق عليها مجموعة حضارة النصال التي تأخذ شكل رؤوس السهام. من مواقعها بير زكريت وجبيجوب وهضبة آري وأم طاقة والوصيل والوكرة وشقرة وغرب أم سعيد، وقد عثر فيها على سهام وحراب وأزاميل يعود تاريخها إلى ما بين ١٤٠٠٠- ١٠٠٠٠ق.م.

المجموعة الثالثة: تضم ٢٩ موقعاً عثر فيها على كرات مقاليع صغيرة وسهام بدائية وأدوات قرصية الشكل مشغولة من الوجهين وأزاميل ومخارز وسهام. من مواقعها حولية ورأس عوينة علي ورأس حسين وأبارك وجبيجوب و»رأس أبو عمران» والفريحة والقصيرة والسهل، وقد أرجعها هولجر إلى عصر يسبق المجموعة الثانية (العصر الحجري القديم الوسيط).

المجموعة الرابعة: ضمت ١١ موقعاً. من أدواتها رؤوس سهام ذات نتوءات وسكاكين وأزاميل تعود إلى العصر الحجري الحديث، وبعضها الآخر يعود إلى عصر عبيد.

في السعودية تم الكشف عن الكثير من المواقع، ففي مسح تم عام ١٩٣٩م في المنطقتين الوسطى والجنوبية الغربية عثر على ٢٦٧ موقعاً، تضم ٦٤ موقعاً تعود إلى العصر الحجري القديم، منها عشرون موقعاً أشولياً، وثلاثة وعشرون موقعاً موستيرياً، كما كشف عن عشرة مواقع تحوي أدوات تنتمي إلى عصرين أو ثلاثة عصور.

وكشفت أعمال المسح الأثري التي جرت عام ١٩٧٧م في حوض سكاكا في المنطقة الشمالية واحداً وثلاثين موقعاً أثرياً تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى (العصر الأشولي وما قبل الأشولي). كما كُشفت مواقع أخرى منها وادي تثليث في حوض وادي الدواسر وليلى وشمالي حائل وشعيب دحضة في وادي نجران.

مدافن تشبه خلايا النحل في جبل حفيت في الإمارات العربية وهي دليل على أن الإنسان سكن هذه المنطقة منذ ٥٠٠٠ سنة

 

وعثر في مرتفعات عسير على عدد من مواقع العصر الحجري القديم، وكذلك في ظهران الجنوب بوادي الحصن، وإلى الجنوب من خميس، وشمال الشقيق، ومناطق الحمم شرقي «أبو عريش» على ساحل البحر الأحمر وفي قوينصة بني عدنان في وادي الدواسر. وفي منطقة الإحساء ثمة عدة مواقع منها ذراع القصب وصوان الضابطية وجبل ديران وجبرين والهفوف وجبل طويق جنوب السليل، وهي تعود إلى العصر الحجري القديم الوسيط بمعظمها.

أما مستوطنات العصر الحجري الحديث هنا فهي تختلف عن مثيلاتها من المستوطنات الزراعية في الأقطار العربية الذين زرعوا الحبوب ودجنوا الحيوانات، فقد عاش سكان مستوطنات الجزيرة العربية على الصيد والالتقاط إلا في حالات نادرة؛ إذ عثر على أدوات زراعية ولم يعثر على بقايا الحبوب الزراعية وعظام الحيوانات الأليفة. من ذلك مواقع منطقة السليل التي يعود تاريخها إلى فترة سادت فيها ظروف مناخية معتدلة ورطبة نسبياً نحو٧٠٠٠- ٢٠٠٠سنة ق.م، وهناك عدد من المواقع في منطقة النفوذ تعود إلى الفترة ما بين الألف الخامس والألف الثالث ق.م، وفي منطقة الطائف يتمثل هذا العصر بموقع وقير الذي استخدم مستوطنة موسمية. وثمة مجموعة أخرى من المواقع التي قد تنتمي إلى العصر الحجري الحديث في منطقتي نفوذ السر وعريق البلدان، وفي صحراء النفوذ ووادي الدواسر، وفي الربع الخالي ومنها في وادي تثليث ومنطقة بئر حما ووادي ثرج في المنطقة الجنوبية الغربية.

وتم العثور في مسح ١٩٧٨م على عدد كبير من المواقع التي تحتوي على آثار معمارية مازالت بحالة جيدة، منها مبانٍ تعود إلى العصر الحجري الحديث، ومنها قبور دائرية الشكل فوقها ركام من التراب والحجارة؛ عثر على عدد منها أيضاً في منطقة الدواسر، ووصل قطر بعضها إلى ٥م. أما العمارة الدائرية الشكل التي تكوِّن جزءاً من قرية أو مسكن فكانت قليلة العدد، وظهرت نماذج منها في منطقة القصير وفي جبل طويق، ومن المرجح أنها تعود إلى الألف الرابع ق.م.

كما كشف عن آثار العصر الحجري الحديث المشابهة لآثار الربع الخالي شرقي المنطقة الجنوبية وغربيها. وكذلك في منطقة المندفن غربي الربع الخالي، وفي بئر حما وغرب جبل الطويق وجنوب الخماسين وفي وادي تثليث وفي مرتفعات عسير ابتداءً من جبل السودة حتى نجران، حيث انتشرت - إضافة إلى الأدوات - بيوت حجرية دائرية الشكل ولاسيما في موقع العسران، وتؤرخ في الفترة الواقعة بين الألف الخامس والألف الثالث ق.م.

في الإمارات العربية المتحدة اكتشف عدد من هذه المواقع في تلول جبل حفيت والمناطق المجاورة لمدينة العين عثر فيها على لقى وأدوات من الصوان يغلب عليها اللون الأحمر والبني الغامق يعتقد أنها من العصر الحجري الحديث.

وفي الكويت كشف في منطقة الباطن موقعان يعودان إلى العصر الحجري القديم الوسيط، وفي المنخفض بين هضاب بورجان ظهر موقع من العصر الحجري القديم الأعلى، وقد عثر في بعض هذه المواقع على أدوات موستيرية من صنع إنسان نياندرتال كما في موقع الصليبيخات.

مدافن على شكل خلايا النحل في عُمان تعود إلى العصر البرونزي

أحد مدافن جزيرة أم النار قبالة ساحل أبو ظبي

 

وفي عُمان اكتشف الآثاريون مواقع تعود إلى العصر الحجري الوسيط؛ منها بير خسفة الذي وجدت فيه الكثير من الأدوات الدقيقة؛ علاوة على سبعة مواقع تعود إلى العصر الحجري الحديث منها قبور الجهاد وعملة ومسكن ويحي المر وقرن الكبش.

أما في البحرين التي كان مناخها في العصر الحجري القديم أكثر رطوبة وأراضيها خضراء فقد عاش سكانها على صيد الحيوانات والأسماك والطيور وجمع النباتات والبذور والفواكه، وتعلموا الزراعة في العصر الحجري الحديث، وصنعوا الفخار، وكانت أدواتهم الصوانية تشبه مواقع شمالي العراق وفلسطين كما تشبه مواقع منطقة سوهان Sohan شمال غربي الهند. وفي مسح ١٩٥٤م عثر على عدة مواقع قرب جبل دخان وجنوب الزلق تشبه المجموعة القطرية الأولى، ومواقع تشبه المجموعة القطرية الرابعة منها عين القناص ويعود تاريخه إلى نهاية الألف السادس ومنتصف الألف الخامس ق.م، وقد اكتُشف فيه طبقات أثرية فيها فخار من عصر العبيد الثاني، كما عُثر في موقع أبي خميس على أدوات يعود تاريخها إلى منتصف الألف الرابع ق.م، وفي موقع المرخ جنوب غربي البحرين عثر على فخار المجموعة القطرية الرابعة مع فخار عبيدي متأخر، مما يدل على وجود علاقات مع العراق، كما كشف عن سبعة مواقع تعود إلى هذه الفترة؛ غالبيتها على الساحل الجنوبي للجزيرة. ويبدو أن سكان هذه المستوطنات كانوا يعيشون على الجمع والالتقاط والصيد البحري قرب مصادر المياه الجوفية، وتشير بقايا الأغنام والماعز في بعض المواقع- ومنها المرخ - إلى رعي حيوانات أليفة ومنها الماعز والغنم، وهناك أدوات تدل على وجود زراعة، ومنها المناجل.

وقد أظهرت الدراسات التي تمت على امتداد الساحل الغربي للخليج العربي من الشمال حتى دولة الإمارات وجود أكثر من خمسين موقعاً أثرياً تعود إلى العصر الحجري النحاسي وتحتوي على بقايا أثرية وفخارية تنسب إلى ثقافة عبيد[ر]، وأهم نماذج الفخار كانت في مواقع عين قناص و»أبو خميس» والدوسرية؛ وهي من دور عبيد الثالث وأواخر الثاني؛ وتعاصر موقع الدعسة في قطر الذي يعود إلى الفترة الممتدة بين ٤٣٠٠- ٣٥٠٠ق.م. أما موقع الخور في قطر فيعود إلى الدور الثالث وبداية الدور العبيدي الرابع، في حين يعود تاريخ موقع رأس برقوق القطري وموقع المرخ البحريني إلى فترة متأخرة من دور عبيد وبداية عصر أوروك الباكر. وقد صاحب الفخار العبيدي انتشار مواد أخرى كالحلي والنصال والسكاكين المصنعة من الأوبسيديان التي أكدت وجود تواصل مع شمالي بلاد الرافدين.

مستودعات في جزيرة أم النار

 

ومع استثناء بعض مواقع قطر والبحرين يختفي الفخار من شرقي شبه الجزيرة العربية خلال عصر الوركاء الباكر، مما يشير إلى حدوث تحول معيشي واجتماعي، ويعد موقع المرخ في البحرين أهم نموذج واضح له، حيث كان سكان المستوطنة العبيدية يستخدمون الفخار، ويعيشون على صيد الأسماك، ليختفي الفخار فجأة، ويعود السكان إلى الاعتماد على الصيد البري والقنص بوساطة الأدوات الحجرية على غرار ما استخدمه أسلافهم. وقد أثار هذا التحول الدهشة لدى الباحثين، فرأى بعضهم أن السبب هو زيادة الجفاف الذي تعرضت له المنطقة خلال النصف الثاني من الألف الرابع ق.م، وهذا ما دفع السكان الذين استخدموا الفخار وقامت معيشتهم على الصيد البحري إلى الهجرة؛ لأنهم بالأساس هم أقوام عبيديون وفدوا إلى المنطقة عبر البحر في أوقات متباعدة، في حين أن السكان الذين استخدموا الأدوات الحجرية كانوا من السكان الرُحَّل الذين كانوا يجوبون شبه الجزيرة العربية باحثين عن معيشتهم؛ تحركهم الظروف والتغيرات البيئية التي تحدث من جفاف ورطوبة وغير ذلك.

الخليج العربي في العصور التاريخية:

استغل سكان شواطئ الخليج العربي وجزره الموقع الجغرافي المميز لكونه نقطة وصل بين مراكز مهمة في حضارات العالم القديم وهي الهند والعراق، وأدى تجار دلمون[ر] دوراً نشيطاً في حركة التجارة منذ بداية الألف الثالث حتى النصف الأول من الألف الثاني ق.م، فاحتكروا استيراد البضائع والسلع المفضلة بين الهند والعراق من سبائك النحاس ومواد العاج واللآلئ وأدوات الزينة والمساحيق والتوابل وتصديرها ومبادلتها، معتمدين على الرياح الموسمية في أسفارهم، وكانت مراكزهم التجارية ومدنهم في عمان والبحرين وفيلكا محطات طبيعية تشحن وتفرغ وتودع فيها كل هذه الحاصلات حتى يتم نقلها إلى وادي الفرات شمالاً حيث حضارة سومر وأكاد. ويعتقد أن هذا المجتمع المزدهر النشيط لم يقتصر وجوده على المحطات التجارية الآنفة الذكر بل امتد إلى رقعة أوسع فشمل الساحل الشرقي للجزيرة العربية لمنطقة كان اسمها القديم مجان[ر] (ربما عمان حالياً)، وتشير النصوص الأكادية إلى أنها كانت داخلة ضمن الامبراطورية الأكادية ومنها تقتطع حجارة الديوريت القاسية التي صنع منها الكثير من تماثيل ملوك السلالة الأكادية. ويذكر نرام – سن[ر] أن أعظم عمل قام به هو حربه ضد مجان وفتحها، ويرد اسم مجان في نصوص تالية مقترناً باسم ملوخا (وادي السند) التي يستخرج منها غبار الذهب. كما وجّه جوديا حاكم لجش حملة على مجان وملوخا طلباً للتجارة والأخشاب. وقد دلت التحريات الأثرية في بلاد عمان على استيطان متواصل في موقع رأس الحمرا خلال الألفين الرابع والثالث ق.م، عثر فيه على بقايا معمارية ومقبرة تضم ما يزيد على ٢٠٠قبر؛ علاوة على الكثير من الفخار واللقى المشابهة لآثار بلاد الرافدين، ربما وصلت إلى هناك هدايا لأناس من أهل البلاد؛ ممن كانوا يمارسون تجارة النحاس والحبوب وغيرها من السلع التي وردت في النصوص المسمارية.

 

مدفن هيلي القريب من مدينة العين في الإمارات العربية

 

كانت البحرين (دلمون) أحد أهم مواقع الخليج خلال الألف الثالث ق.م، وقد بدأ اهتمام علماء الآثار بها منذ القرن التاسع عشر مركزين أعمالهم على المدافن، جاءت بعدها البعثة الدنماركية عام ١٩٥٣م من متحف ما قبل التاريخ في أرهوس واستمرت حتى عام ١٩٧٠م، وتلتها عدة بعثات أجنبية وعربية نقبت في مواقع البحرين ومن أهمها: قلعة البحرين وباربار وعالي ودراز وسار والحجر، وقد عثر فيها على مدافن ومعابد وكثير من الأختام والأواني الفخارية والحجرية والأسلحة والتماثيل الإنسانية والحيوانية وغيرها. استخدمت الأواني الفخارية الكبيرة الحجم لدفن الموتى في باربار، وبرزت أوانٍ ذات شكل أسطواني تفاوتت في زخارفها، أما الأواني الحجرية فقد صنعها إنسان حضارة باربار من مادة الرخام والستياتيت والألباستر؛ وهي حجارة استوردت من مرتفعات إيران ومرتفعات عمان ليتم تصنيعها محلياً. وكشفت التنقيبات عن تماثيل إنسانية وحيوانية ومنحوتات بارزة تدل جميعها على تطور فن النحت، ومن أهم المكتشفات مقبض فريد لمرآة على هيئة إنسان، وهو يشبه كثيراً المقبض الذي عثر عليه في موقع مها Maha المنتمي إلى حضارة كولي Koli في وادي السند والذي يؤرخ في منتصف الألف الثالث ق.م، وهذا دليل على وجود اتصال حضاري بين البحرين ووادي السند. كذلك استخدم إنسان حضارة باربار الحلي كالرقائق الذهبية والخرز المصنوع من العقيق واللازورد، والأدوات البرونزية والخرز الزجاجي ومساحيق التجميل. وفي مجال العمارة شيد إنسان حضارة باربار المنازل السكنية والمقابر والمدافن والمعابد، وقد عثر في أسفل قلعة البحرين على مدينة قديمة يعتقد أنها كانت عاصمة البلاد في منتصف الألف الثالث ق.م، وهي مؤلفة من ست طبقات تمثل بقايا ست مدن متعاقبة، أسست الأولى نحو ٣٠٠٠ق.م ولذلك تعد أقدم من معابد باربار، أما الثانية فيعتقد أنها أسست بعد تدمير المدينة الأولى نحو ٢٣٠٠ق.م، وتعود المدينة الثالثة إلى العصر الكاشي. أما الرابعة فتعود إلى الفترة ٩٠٠- ٦٠٠ق.م. وكشفت التنقيبات جزأين من سور المدينة وشوارع ومنازل بنيت من الحجارة المحلية والمونة الطينية الخضراء اللون. انتشرت في البحرين الأختام المستديرة التي وصلت إلى جزيرة فيلكا الكويتية، وهي تحمل نقوشاً رمزية وزخارف هندسية صنعت من حجر الستياتيت والعقيق، كما عثر على أختام أسطوانية مصدرها بلاد الرافدين؛ وأختام مربعة مصدرها وادي السند، مما يؤكد وجود صلات تجارية وحضارية بين هذه المناطق ودلمون.

قبر يعود تاريخه إلى ٢٠٠٠ ق.م في رأس الخيمة

 

وتنتشر في كل أرجاء البحرين- وعلى مساحة ٣٠ ألف كم٢- مدافن على شكل تلال صغيرة يقارب عددها ١٧٠ ألف تل، مبنية من الحجارة ومزودة بغرف صغيرة متقنة البناء، ولها نموذجان: الأول يتمثل بكومة ضخمة من الحجارة وتحتها حجرة دفن مربعة الشكل، والثاني يأخذ شكل القمع المغطى بالطين. وقد وجد مع الأموات الكثير من المرفقات الجنائزية التي تدل على وجود اعتقاد بحياة ما بعد الموت.

أما في الكويت فقد بدأت بعثة دنماركية تحرياتها الأثرية هناك عام ١٩٥٨م بعد اكتشاف حضارة دلمون في البحرين بهدف تتبع آثارها على طول الطريق التجارية المؤدية إلى العراق، وكانت المحطة التالية هي جزيرة فيلكا الواقعة عند مدخل خليج الكويت، وقد ظهر على أرض فيلكا فخار يثبت أن استيطان الجزيرة امتد من العصر الأكادي إلى عصر لارسا ٢٥٠٠- ١٧٠٠ق.م، وتركز السكن قرب مزار الخضر في الشمال الشرقي من الجزيرة وفي دار المعين خاصة؛ وفي تلي سعد وسعيد حيث عثر على بقايا أبنية وقصر ومعبد وفخار مخدد Ridged من النموذج المكتشف في معابد باربار. كما عثر على كمية من الأختام المسطحة والأسطوانية من حجر الستياتيت، وكسر من الأواني الحجرية المصنوعة من حجر الستياتيت المائل إلى الخضرة نقشت عليها مواضيع ميثولوجية ودينية؛ وهي أوانٍ تنتسب إلى مجموعة أواني الستياتيت المصورة بنقوش بارزة عثر عليها في العديد من المواقع منها خفاجة وسوزة وماري؛ ولكنها تمثل مرحلة متأخرة في الأسلوب والزمن؛ وهي أيضاً من مدرسة حضارة دلمون ذاتها.

تلال مدافن دلمون في البحرينمعابد باربار في البحرين

 

وفي غربي الخليج والسعودية كشف العديد من المواقع المهمة منها: ثاج وتاروت والجرعاء والظهران وجبيل. تقع ثاج على بعد ٢٤٠ كيلو متراً من الظهران عند ملتقى ثلاث بقاع هي الجبل والردايف ووادي المياه، وعثر في هذا الموقع على تماثيل طينية إنسانية وحيوانية، كما كشفت البعثة الدنماركية عن كسر فخارية وكسر من حجر الستياتيت والألباستر. أما موقع تاروت فهو جزيرة في وسط القطيف ربطت باليابسة وتضم مدينة دارين التي شيدت على أنقاض أبنية قديمة، ويضم موقع تاروت العديد من المدافن الرجمية، وينتمي فخار الموقع إلى حضارة باربار في البحرين؛ في حين برز فخار حلفي في الطبقات الأقدم.

وأما موقع الجرعاء أو جرها فيبعد ٢٤كم عن ميناء العقير إلى الشمال الشرقي، ويرى بعض الباحثين أن الجرعاء هي العقير(العجير) حالياً، وقد اكتسبت الجرعاء شهرة واسعة في العصر اليوناني لكونها مركزاً تجارياً مهماً امتد نشاطها التجاري إلى جنوب الجزيرة وإفريقيا وبابل والهند، واقتنى أهلها الذهب والفضة والمصنوعات الذهبية والفضية كالأرائك والمساند وأواني الشرب، وتميزت منازلهم بالفخامة فكانت الأبواب والجدران تطعم بالعاج والذهب والفضة والأحجار الكريمة. تقع تلال الجرعاء الأثرية على الطريق بين الظهران والعقير، وقد أظهر التصوير الجوي معالم قلعة. أما الظهران فتعد من أهم المواقع الأثرية، وتضم العديد من المدافن الجنائزية الشبيهة بتلال البحرين.

 

موقع المليحة في الشارقة

 

تمتد دولة الإمارات العربية المتحدة على مساحة شاسعة جنوب الخليج، وتعد من أغنى مناطق الخليج في مواقعها الأثرية المتناثرة والتي تنتشر حول العاصمة «أبو ظبي» وعلى طول الساحل، ومن هذه المواقع: أم النار وهيلي وجبل حفيت والقطارة والمليحة ومصفوت وتل الإبريق والدورة والدربحانة، وقد عثر في معظم هذه المواقع على العديد من المدافن الغنية بالمرفقات الجنائزية المتمثلة بالأواني الفخارية والأواني الحجرية والأسلحة وأدوات الزينة وخلافها، كما عثر في بعضها على أماكن استقرار قرب المدافن أو حولها. تعد جزيرة أم النار من أهم هذه المواقع حيث كشفت البعثة الدنماركية عن تل يضم أربع طبقات سكنية، أثبتت دراسة الفخار فيه أنه مشابه لفخار كولي الذي يعود تاريخه إلى الألف الثالث ق.م، ويتشابه فخار أم النار مع فخار كولي في الصناعة وتطبيق الألوان وأسلوب الزخرفة والحفر البارز. وفيما يخص المدافن فليس ثمة نظام معين للدفن، وقد كشفت التنقيبات عن بعض الرسومات البارزة التي تزين حجارة القبور؛ ومنها رسم ثور أحدب يشبه الثور الهندي ورسوم حيوانات كالغزلان والظباء والأفاعي والجمال، وربما كانت هذه النقوش تمثل تعاويذ هدفها تحقيق راحة المتوفى. وأما عن حياة سكانها فقد عاش سكان عصر أم النار على الزراعة وتربية الحيوانات المدجنة (كالجمل) والصيد عامة، وعلى التجارة مع البلدان المجاورة وبلاد ما بين النهرين وبلاد السند. وقد ارتبطت مستوطنات أم النار مع الأكاديين بتبعيتهم للدولة الأكادية تخللها حركات للتخلص من هذا النفوذ.

آثار جزيرة فيلكا في الكويتقلعة تاروت في القطيف

أما موقع هيلي الذي يبعد نحو١٠كم عن مدينة العين فقد ضم العديد من المدافن الشبيهة بمدافن أم النار، كما ضم كسراً فخارية حمراء مزخرفة بأشكال هندسية على أرضية سوداء، وعثر على أوانٍ فخارية دائرية وكروية، ويقسم فخار هيلي إلى نوعين: الفخار الأحمر والفخار الرمادي. تتميز هيلي بوجود المدافن، ومن أهمها ما عرف باسم( المدفن الكبير) ويتمثل بكومة من الحجارة الكبيرة تتخذ شكلاً دائرياً، ويتألف من ثلاثة صفوف من الحجارة، وقد عثر في هذا المدفن على أوانٍ فخارية وحجرية وأسلحة وأدوات زينة، كما ضم المدفن رسومات إنسانية وأخرى حيوانية؛ منها رسم يمثل حيوانين لهما ذيلان طويلان وسيقان طويلة، ويقف بينهما غزال. وبالقرب من المدفن الكبير عثر على أسس جدران أخرى على بعد كيلومترين شرقي هيلي، وعثر ضمن هذه الأسس على كسر فخارية وقلادة من حجر الستياتيت مزخرفة بخطوط متعاكسة وختمين حجريين عليهما نقوش.

ومن المواقع الأثرية جبل حفيت الذي يبعد نحو كيلومترين عن مدينة العين، وقد عثر فيه على العديد من المدافن الفردية والجماعية، ويمثل موقع جبل حفيت مراحل حضارية مختلفة أقدمها المرحلة التي تمثل عصر حضارة جمدة نصر[ر]. ومن أهم المكتشفات في هذا الموقع ختم مسطح نصف كروي مصنوع من حجر الرخام الشمعي، ويحمل وجه الختم شكلاً إنسانياً مرتدياً ملابس قصيرة، وحاملاً بين يديه عصا، يقف على طرفيها طائران، ويرى بعض الباحثين أنها قد تكون ميزاناً، وتظهر في أسفل هذا المنظر دائرتان متداخلتان تبرز من سطحهما خطوط تمتد نحو اتجاهات مختلفة. أما خلفية الختم فتحمل أربع دوائر وثلاثة خطوط وثعبانين متقابلين، ويشبه هذا الختم في رسوماته أختام البحرين الدائرية.

تأثرت منطقة الخليج العربي عامة بفتوحات الإسكندر المقدوني الذي كان يعد لحملة إلى هذه المنطقة قبل موته، وتدل الأبحاث والاستكشافات الأثرية التي بدأت في القرن التاسع عشر على أن هناك مجموعة من المواقع ساد الاستيطان فيها خلال الفترة الهلنستية؛ وما قبل الإسلام، أهمها جزيرة فيلكا التي عرفت خلال هذا العصر باسم Ikaros وسكنها جنود الإسكندر التابعون لحملة الهند. وفي تل سعيد تم الكشف عن مدينة محصنة من عهد الإسكندر تتضمن قلعة محاطة بسور، وتحتوي على معبد عثر فيه على كنز من النقود الفضية الهلنستية.

بعض العملات الأثرية التي عثر عليها في فيلكا

تمثال الخادم العابد الذي وجد في جزيرة تاروت
يعود تاريخه إلى ٢٥٠٠ ق.م

 

ومن المواقع السعودية التي ساد الاستيطان فيها هذه الفترة: ثاج والجرعاء وتاروت، ومنطقة الري، ومناطق مختلفة بين الظهران ومنيفة، لكن موقع ثاج هو الأهم حيث تم الكشف فيه عن سور يحيط بالمدينة، كما عثر فيه على خزفيات مميزة من الفخار الأحمر المصقول والخشن. وساد الاستيطان في مواقع عديدة من المنطقة الشرقية على طول معظم الساحل بين الظهران و»أبو علي» والدمّام والقطيف والجبيل، ويرجح أن مجموعة من المستوطنات قامت على كل الساحل في الفترة الهلنستية وفي الفترة الفرثية أيضاً، وتقع المواقع الأثرية الشمالية حول الأجوان الجنوبي في شبه جزيرة ناتئة تسمى زور لوذان وفي جزيرة الباطنة، ويمتد ساحل زور لوذان الجنوبي حتى الرأس المسمى رأس الزور، ويبدو أنه يمثل حد السكن الشمالي الفعلي على ساحل جزيرة العرب الشمالي الشرقي إلى أن يصل حدود الكويت. وجنوباً هناك تجمع صغير للمواقع الأثرية التاريخية حول جبل بري، وعدة مواقع ساحلية إضافية في منطقة الدوسرية. وعثر في موقع تاروت على مقبرة تعود إلى العهد الهلنستي. وتشتمل البقعة الواقعة بين الدمام والظهران على مواقع أثرية كثيرة تحوي بقايا مبانٍ مهدمة، وعثر جنوب مطار الظهران على كنز مهم في جرة صغيرة تحوي مجموعة كبيرة من الحلي المتنوع يرجع تاريخه إلى العهد الهلنستي، كما عثر على عملات تم سكها في مناطق متفرقة من الخليج العربي قبل الإسلام، وعثر على عدد من النقوش الحجرية بالخط اليوناني التي تبين اهتمام السلوقيين بهذه المنطقة.

استمر ازدهار منطقة الخليج العربي خلال العصر الفارسي حتى مجيء الإسلام، عندها سادت الثقافة والحضارة الإسلامية في أرجاء الخليج وأصبحت جزءاً من الدولة العربية الإسلامية.

جمال تموم

 

- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق