خربة الحاس (موقع-)
خربه حاس (موقع)
Khirbet al-Haas -
خربة الحاس
تقع قرية خربة الحاس Kherbet Hass الأثرية في جبل الزاوية الممتد جنوبي وجنوب شرقي الكتلة الكلسية في شمالي سورية، وتعرف القرية أيضاً باسم شنشراح، تبعد عن البارة نحو ٤ كم، وعن قرية ربيعة بنحو ٥٠٠ م، وتمتد فوق تل يطل على منحدر. وتتميز هذه المنطقة بالطبيعة الكلسية التي سمحت بإنشاء عشرات القرى من الفترة نفسها والمعاصرة لها، والعائدة إلى العصر البيزنطي. وساعد توفر الشروط المناخية للمنطقة المتميزة بطقس حار وجاف في الصيف وبالأمطار الغزيرة والرطوبة المتوسطة في الشتاء، إضافة إلى توفر شبكة قنوات من المياه الجوفية فيها، وتوفر الأراضي الصالحة للزراعة؛ على قيام العديد من الزراعات الرئيسة والمهمة مثل زراعة الزيتون والتين والعنب، إضافة إلى زراعات أخرى مثل الخضراوات وغيرها فقامت بتسويق منتجاتها المحلية من الزيوت والخمور إلى المناطق المجاورة لها وإلى بلدان حوض البحر المتوسط كغيرها من القرى المعاصرة لها المنتشرة في شمالي سورية. وأدى اتساع تجارتها بفضل الفائض الإنتاجي من محاصيلها الزراعية إلى نموها وتطورها، وانعكس ذلك على عمارتها على نحو واضح، فقد تميزت بأنها من القرى الكبيرة والغنية بعدد مبانيها وبتنوعها. وقد ازدهرت خلال العصر البيزنطي خاصة خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديّين، لكن بدءاً من مطلع القرن السادس عانت أزمات وكوارث استمرت حتى الفتح الإسلامي، وهي أزمات اقتصادية وعسكرية، كما تعرضت للعديد من الكوارث الطبيعية كغيرها من القرى والمدن المجاورة لها مثل الزلازل التي افترض بعض العلماء أنها السبب الرئيس الذي أدى إلى حدوث جفاف وهجرة قرى الكتلة الكلسية إلى المدن المجاورة مثل أنطاكية وأفامية وغيرها، كما تعرضت المنطقة أيضاً لانتشار الأمراض والأوبئة كالطاعون نتيجة الحروب التي كانت تخوضها شعوب المنطقة بين العرب والبيزنطيّين من جهة والفرس الساسانيِّين من جهة أخرى.
تمتلك خربة حاس أنواعاً عديدة من المباني الأثرية: الدينية والجنائزية والسكنية، والمعاصر.. الخ. وتعد المشاهد الطبيعية المحيطة بها من المشاهد المميزة في المنطقة، وتظهر فيها أجزاء القرية القديمة الأثرية ضمن بيئتها الطبيعية، وقد تمت في السنوات الأخيرة زراعة أحراج من أشجار السرو والكينا في محيط هذه القرية، وكذلك في محيط قرية ربيعة.
وُجد الكثير من المباني السكنية القائمة بشكل جيد، والبالغ عددها أكثر من ثلاثين بيتاً وتميزت بعضها بواجهاتها التي ما زالت ترتفع حتى مستوى الطابقين بشكل شبه كامل وبحالة حفظ ممتازة. وتتميز هذه البيوت بأحجام كبيرة ومتوسطة، وهي مبنية وفق مخططات مربعة أو مستطيلة الشكل، ويتألف معظمها من طابقين أو ثلاثة طوابق تستند أرضيتها إلى أقواس حجرية مشيدة بشكل عرضاني ومسقوفة بأسقف جملونية الشكل مبنية من مادتي الخشب والآجر. وتتقدم الأقواس الضخمة بعض مداخلها الرئيسة، ولتلك البيوت باحات، حيث تم تخصيص غرف الطوابق الأرضية للنشاطات الاقتصادية وإيواء الحيوانات على نحو رئيس، أما الطوابق العلوية فاستخدمت للسكن، ويصعد إليها بوساطة درج حجري أو خشبي، وتتقدم الأروقة المحمولة على أعمدة غرف البيوت، متميزة أيضاً بتيجانها المتنوعة المنقوشة وفق طرز متعددة منها الطراز التوسكاني والتيجان ذات الحوامل، غير أن معظم تلك الأروقة تداعت بفعل عوامل الزمن، ولاسيما الزلازل التي تعرضت لها المنطقة بالكامل. تميزت بيوت شنشراح بغناها بالزخارف الناتئة، ولاسيما تلك المنحوتة على سواكف الأبواب والنوافذ في واجهاتها الداخلية، وتحمل مواضيع مختلفة نباتية وهندسية متميزة بتنوعها وبأشكالها المتعددة، وهي خاصية مميزة لهذه القرية مقارنة بالقرى المجاورة لها، خاصة ما يتعلق بالزخارف التي امتدت أفاريز تمثل أوراق الأكانثيا ونبات الكرمة الملتفة، وقد نقشت في مركزها غالباً الميداليات الدائرية التي تحوي نقش الصليب مع رموز دينية أخرى كحرفي الألفا والأوميغا في بعض الأحيان، كما نقشت في بعض السواكف الميداليات الدائرية التي تحوي نقوشاً لزهور وأحياناً لصلبان، وضم عدد من السواكف إفريزين مختلفين بموضوعيهما نحتا على الساكف نفسه، كالكرمة مع الأكانثيا أو مع الزهور أو مع الأشكال البيضوية وغيرها من الأشكال الأخرى. وعلى واجهاتها أيضاً نحتت مشاكي الإضاءة ذات الشكل المستطيل نصف الدائري من الأعلى على طرفي فتحات الأبواب والنوافذ أو على طرف واحد، وزخرفت بعضها بنقش الصدفة، وللمشاكي سمتان إحداهما وظيفية وأخرى جمالية.
بيت في خربة الحاس | خربة الحاس - حمام شنشراح |
العمارة الدينية: من المباني المهمة التي تلقي الضوء على تطور القرية خلال العصرين الروماني والبيزنطي، وجود آثار لمعبد تم تحويله إلى كنيسة في القرن السادس الميلادي، كما وجد في هذا الموقع كنيسة مبنية وفق المخطط البازيليكي، وهي متميزة بغناها بالزخارف الخارجية المتمثلة بالكورنيش على محيط المبنى وبشريط المسننات الذي يحيط بجبهتها المثلثية الشكل.
المدافن: تتميز خربة حاس بوجود مدافن محفورة تحت الأرض، يؤدي عدد من الأدراج إلى داخلها، حيث تتقدم الأقواس أبوابها الرئيسة غالباً، وفي حالات نادرة رواق محمول على أعمدة تزينها التيجان، في حين زينت الأبواب الرئيسة بالنتوءات البارزة (المسطحة والمنحنية) على شكل أطر تحيطها من جهاتها الثلاث، مشابهة لتلك التي وجدت على أبواب المباني الأخرى المنتشرة في القرية ونوافذها، وقد زينت الميداليات التي تحوي نقش الصليب، بعضها في مركز الساكف أو على أحد جانبيه. كما لوحظ أيضاً مسجد صغير في وسط القرية أعطى معلومات مفيدة عن تطور هذه القرية خلال العصور الإسلامية.
كنيسة خربة الحاس |
الحمام: يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من القرية، وهو ذو شكل مستطيل، أبعاده ١٥,٩٠م ×٩,٥٢م ، ويعد أصغر حمامات قرى جبل الزاوية وأكثرها تجانساً؛ ويشابه هذا الحمام من الناحية المعمارية حمامات أخرى في القرى المجاورة ، كحمام مجليا، لكن هناك اختلاف وحيد في حجم الصالة الكبرى، فهي أصغر من حمام شنشراح، كما أنها أكثر ضيقاً بالنسبة إلى الصالات الأخرى في حمامات الكتلة الكلسية.
- الصالة الكبرى: يقع باب الدخول إلى الحمام في الجهة الغربية ويتم العبور إليه عبر بابٍ رئيس ينفتح على البهو الذي يمر من خلاله إلى الصالة الكبرى وصالة التسخين وقسم الخدم، وقد بني فوقه طابق ثان يطل على الصالة الكبرى. ويدلُّ وجود بعض الأعمدة- ثلاثة أعمدة على الأغلب- على وجود منصة شرقي الصالة الكبرى، وإلى الجنوب منها هناك الصالة الباردة.
- الصالات الحارة: تتألف من الصالة الدافئة، تليها الصالتان الحارتان اللتان تحتويان على أعمدة التسخين، كما يلاحظ وجود فتحات التهوية في الجدار المشترك مع الصالة الكبرى، ولكل منهما نافذة في الجدار الجنوبي، وكأغلب حمامات الكتلة الكلسية يوجد نظام جر المياه في الجهة الجنوبية على طول الجدار الجنوبي، كما يوجد خزان مياه، يبلغ حجمه نحو أربعة أمتار مكعبة.
عفاف ليلا
مراجع للاستزادة:
- عفاف ليلا، الزخرفة على واجهات البيوت في القرى القديمة في جبل الزاوية خلال العصر البيزنطي (وزارة الثقافة، دمشق ٢٠١٠م).
- مأمون عبد الكريم، القرى الأثرية في شمالي سورية (المعهد الفرنسي في الشرق الأدنى، بيروت ٢٠١١م).
- G. Tate, Les campagnes de la Syrie du Nord du IIème au VIIème siècle, Geuthner, Paris 1992.
- G. Tchalenko, Les villages antiques de la Syrie du nord, 3 vol, Geuthner, Paris 1953.
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :