حيوانات في عصور كلاسيكيه
-

 الحيوانات  الحيوانات في العصور ا الحيوانات

الحيوانات في العصور الكلاسيكية

أولاً: الحيوانات البرية
 ثانياً: الطيور
ثالثاً: الحيوانات البحرية

رابعاً: الحيوانات الخرافية

 
 

الحيوانات في العصور الكلاسيكية

أدت الفنون السورية الغنية بأنواعها، والممتدة عبر مراحل تطورها التاريخي على مختلف العصور؛ دوراً بارزاً في تصوير الكائنات الحية وتجسيدها بأنواعها المختلفة، سواء ما كان منها حيوانات برية أم بحرية أم طيوراً، وكذلك بعض الحشرات. وغالباً ما ارتبطت أشكال تلك الكائنات المنفذة عن طريق الرسوم الجدارية، أو المرصوفة بالمكعبات الحجرية (فن الفسيفساء)، أو المنحوتة على الحجر؛ بروابط تقديس وعبادة، وفي بعض الأحيان بجوانب تزينية زخرفية. وقد ظهرت تلك التصاوير والتجسيدات على نحو أوسع وأكثر انتشاراً في سورية خلال عصورها الكلاسيكية، وتركزت في جُلِّها على الحيوانات التي يمكن أن تقسّم وفقاً لأنواعها والفنون التي عكستها إلى بريّة وبحريّة وخرافية وطيور.

أولاً: الحيوانات البرية:

تناولت إبداعات الفنون السورية في العصور الكلاسيكية هذه الحيوانات بشقيها الأليفة المدجنة والوحشية؛ فمن الأليفة على سبيل المثال:

- الثور: كان منذ العصور القديمة رمزاً للخصوبة والقوة والقدرة، ورمزاً لإله العاصفة، وقد جُسد في الفنون الكلاسيكية رمزاً لكبير الآلهة الإغريقية الرومانية زيوس- جوبيتر Zeus -Jupiter وذلك وفقاً لما روته بعض الأساطير، فبدا على هيئة ثور أبيض يتقرب من أوربا Europa ابنة الملك، وخاطفاً إياها على ظهره باتجاه جزيرة كريتCrete، وهذا ما تظهره إحدى لوحات الفسيفساء المؤرخة إلى مطلع القرن السادس الميلادي، والمُكتشفة في منطقة صرين Sarrîn شمال شرقي مدينة منبج هيرابوليس Hierapolis.

 
لوحة فسيفساء لحيوانات متنوعة من العصر البيزنطي محفوظة في متحف معرة النعمان 
 

كما يظهر الثور في مشهد أسطوري رمزي مستمد من أساطير الإله ميثرا Mithra إله النور، ومجسد الشمس عند الفرس، والذي لاقت عبادته انتشاراً واسعاً في المقاطعات الرومانية، بعد أن انتقلت إليها من خلال حملات القائد الروماني بومبييوس[ر] Pompeius (66 - 63 ق.م)، ففي هذا المشهد المنحوت على لوح حجري بازلتي - يؤرخ إلى القرن الثالث الميلادي- عُثر عليه في موقع سيع ‛Si جنوبي سورية، وهو معروض حالياً في المتحف الوطني بدمشق؛ بدا ميثرا وهو يمسك الثور من أنفه ويغمد مديته في خاصرته، حيث تنبت الأعشاب الشافية، ومن نخاعه الشوكي ينبت القمح، ومن دمه تنبت الكرمة التي تعطي الشراب المقدس لمزاولة طقوس الأسرار، ومن نطافه تولد الحيوانات النافعة، كل ذلك في تعبير عن انتصار العقل على القوة الوحشية، وانتصار النور على قوى الظلمات.

- الجمل: حظي على مر العصور بالتقدير لما تميز به من صفات عملية وجَلَد وقدرة أسطورية على التحمل والبقاء فضلاً عن كونه رمزاً للثروة، ظهر في الفن السوري ضمن قوافل التجارة والحج محملاً بالصناديق والأمتعة، كما في لوحة من القرن السادس الميلادي المكتشفة في موقع دير العدس في درعا.

   
آنية تحمل صورة نسر إناء فخاري على شكل جمل آنية على شكل كبش 
 

- الغزال: عُرف لدى الإغريق والرومان حيواناً مرتبطاً على نحو أساسي بإلهة الصيد أرتميس ديانا، وقد صوروه وهو يرعى بالقرب منها وتحت نظرها، أو وهي ترميه بإحدى أسهمها كما في لوحة من لوحات الفسيفساء المكتشفة من موقع صرين بالقرب من مدينة حلب والمؤرخة إلى نهاية القرن الخامس ومطلع القرن السادس الميلادي.

ومن الحيوانات الوحشية:

- الأسد: له رمزية كبيرة، فهو يجسد القوة والشجاعة والسلطة الحامية، ظهر في الفنون الكلاسيكية السورية وعلى وجه الخصوص المنحوتات الحجرية مُمثلاً في مشهد صراع يهزم فيه مع البطل الأسطوري هرقل Hercules الذي تمكن منه اعتماداً على قوة ذراعيه اللتين طوقتا عنقه إلى أن فارق الحياة مختنقاً، كما شوهد على منحوتة بازلتية من جنوبي سورية، معروضة في المتحف الوطني بدمشق، تؤرخ إلى القرن الثالث الميلادي.

 
لوحة فسيفساء لطيور وأسماك من العصر البيزنطي محفوظة في متحف معرة النعمان 
 

- النمر الأرقط: يعد من أهم الحيوانات الوحشية التي اقترنت بأساطير إله الخمر ديونيزوس– باخوس Bacchus-Dionysus، فقد كان حيوانه المفضل الذي روضه، ورافقه في رحلاته سواء مُمتطياً إياه، أم جاراً لعربة انتصاره، أم جاثماً بجانب كرسي عرشه - كما هو حاله على لوحة فسيفساء مكتشفة في بيت أخيل Achillesمن تدمر، والتي وتعود إلى النصف الثاني من القرن الثالث - أم قافزاً من حوله خلال مجونه وهو يسكب الخمر، كما تصوره لوحة فسيفساء باخوس الثمل التي تعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، وهي مكتشفة في مدينة شهبا Philippopolis ومعروضة في متحفها.

كما تمَّ تصوير كلٍّ من الأسد والنمر ضمن أُطر زخرفية تمثل مشاهد صيدهما من قبل إله الحب المجنح إيروس- كيوبيد Cupid-Eros كما يبدو في الإطار الزخرفي الذي كان يزين لوحة الفصول الأربعة وإلهة الأرض جايا Gaea المعروضة في متحف السويداء، والمؤرخة إلى منتصف القرن الثالث الميلادي. وكذلك الأمر وجدا ضمن إطار زخرفي، أُحيط بلوحات تُمثل مشاهد أسطورية من حياة البطل هرقل، وهي معروضة في متحف معرة النعمان، ويعود تاريخها إلى مطلع القرن الثالث الميلادي.

  
لوحات فسيفسائية لحيوانات متنوعة من العصر البيزنطي محفوظة في متحف معرة النعمان 
 

ولم يقتصر الفن الكلاسيكي في سورية على تصوير الحيوانات البرية منفصلة عن بعضها بين أليفة ووحشية؛ ففي مشهد أسطوري مميز نُفِّذ على لوحة فسيفساء تُنسب إلى الإله الشاعر أورفيوس Orpheus والمكتشفة في شهبا، والمؤرخة إلى مطلع القرن الرابع الميلادي؛ تظهر العديد من الحيوانات البرية كالثور والحصان والغزال والفيل جنباً إلى جنب مع كلٍّ من الأسد والنمور الرقطاء، وقد تجمهرت جميعها من حوله مُصغية إليه كما لو أصابها الذهول في مغزى رمزي يدل على الانتصار الحضاري للامبراطورية على الهمجية البربرية.

ثانياً: الطيور

أبرزها- بحسب نوعيها الأساسيِّين - الجارحة والأليفة:

- النسر: ظهر في مختلف الفنون الكلاسيكية السورية رمزاً لكبير الآلهة زيوس- جوبيتر ضمن وضعيات مختلفة أبرزها تصويره واقفاً باسطاً جناحيه كما هو حاله في بعض المنحوتات البازلتية في جنوبي سورية من القرنين الثاني والثالث الميلادي.

- الطاووس: ولاسيما الذكر منه، يكون لتمثيله في الفن الكلاسيكي السوري غايات ووظائف عدة اختلفت من عصر لأخر، فهو رمز للخيلاء، ورمز للقيامة ، ورمز للترف؛ فبالنسبة إلى الرومان كان الطاووس أحياناً رفيقاً لإله الخمر ديونيزوس - باخوس، وغالباً ما يرافق زوجة كبير الآلهة زيوس - جوبيتر المغرورة هيرا- جونو Hera- Juno، ولم يدخل عالم البحر المتوسط إلا بعد فتوحات الاسكندر. كما مثّل الفنانون في كثير من أعمالهم الطاووس رمزاً للخلود قبل العصر المسيحي وخلاله حيث كان يعتقد أن لحم الطاووس غير قابل للتعفن. كما دلَّ الطاووس أيضاً على رمزية الثراء والقدرة، ولا سيما في العصر الروماني في سورية حيث كان يُمثَّل مستقلاً ضمن أشكال هندسية مختلفة على لوحات الفسيفساء المخصّصة لقاعات الطعام تركلينيوم triclinium أو قاعات الاستقبال تابلينوم tablinum ليدل على أن صاحب البيت سيقدم إلى ضيوفه هذا الحيوان على أنه أحد الاطباق الشهية والثمينة على المائدة؛ إذ كان ثمن الواحد منه يبلغ ما بين 200 و300 قطعة ذهبية رومانية، كما هو الحال في تمثيله على لوحة فسيفساء من شهبا مؤرخة إلى نهاية القرن الثالث الميلادي.

  
لوحة هرقل مكتشفة في مدينة حمص ومحفوظة في متحف معرة النعمان لوحة موزاييك عليها مشهد طاووسين مكتشفة في موقع عقربات -حماة 
 

ثالثاً: الحيوانات البحرية:

مثّل عالم الحيوانات البحرية، ولاسيما الأسماك والدلافين مادة فنية مهمة استوحى من خلالها الفنان السوري في عصوره الكلاسيكية العديد من المواضيع الفنية التزينية، ولاسيما التي مثّلت مشاهد من الصيد البحري، كما هو الحال بالنسبة إلى إطار تزينيي أحاط بلوحة فسيفساء ربة البحر تيثس Tethys المعروضة في مكان اكتشافها بمتحف شهبا، والمؤرخة إلى مطلع القرن الرابع الميلادي، وفيه يُصور مشاهد صيد بحري غني بأنواع الأسماك البحرية التي يتم اصطيادها من قبل أطفال الحبِّ المجنحين، والذين بدا بعض منهم وهم يستعينون بدلافين امتطوا ظهرها، ويقومون بصيد الأسماك.

 
لوحة فسيفساء من العصر البيزنطي محفوظة في متحف معرة النعمان 
 

رابعاً: الحيوانات الخرافية:

تميزت الأساطير الكلاسيكية بغنى هذا النوع وتنوعه من الحيوانات، والتي كانت في معظمها مزيجاً خيالياً فيما بينها، أو بين الحيوان والطير، ومنها:

- الغريفون Griffon: يأخذ من الأسد جسمه وقوائمه، ومن العقاب الأجنحة والرأس، وهو - حسب الأساطير الكلاسيكية الإغريقية الرومانية - حارس على كنوز إله الموسيقا أبولون Apollon. وقد ظهر هذا النوع من الحيوانات الخرافية في لوحة فسيفساء أورفيوس الآنفة الذكر، وظهر فيها مستقراً فوق صخرة، وكأنه يسيطر على المشهد في استحضار أسطوري لرمزية الموت الذي لا مفر منه.

- الخميرا Chimaera: وحش خرافي ذو ثلاثة رؤوس اثنان منها في المقدمة، لأسد ولعنزة؛ في حين الرأس الثالث في الخلف واتخذ رأس ثعبان ينفث من فمه اللهب. وبحسب الأساطير الكلاسيكية صَوِّر هذا الحيوان وهو يُقتَل برمح البطل الأسطوري بيليروفون Bellerophon، وقد ظهر تصوير لهذا الحيوان الخرافي على لوحة فسيفساء، اكتُشفت بالقرب من معبد بل في تدمر، تؤرخ إلى الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي.

  
أسد اللات - تدمر أسد في المتحف الوطني بدمشق ومكتشف في مدينة اللاذقية 
 

كما شمل هذا المزج الخرافي للكائنات الحية الخلط ما بين الإنسان والحيوان، وقد قدمت الفنون الكلاسيكية السورية بعض الأمثلة الفنية على هذا المزج كان منها تجسيد:

- بان Pan: وهو إله المراعي، ابن إله الشمس هرمس- ميركوري Hermes-Mercury، الحامي للقطعان والرعاة والصيادين، اتخذ في تصويره هيئة عفريتية على شكل رجل صغير الحجم، يبرز من رأسه قرنا ماعز، وله من التيس قدمان وذيل. أما جذعه فكان جذع إنسان، ويظهر هذا التجسيد على لوحة باخوس الثمل الآنفة الذكر.

 
مشهد من لوحة موزاييك مكتشفة في موقع عقربات (القرن ٥ ق.م) 
 

- السنطورCentaur: أحد الكائنات الأسطورية الإغريقية نصفه العلوي بشري والسفلي حيواني وغالباً ما يكون حصاناً يتغذى على اللحوم النيئة، إضافة إلى حبِّه للخمر والنساء. وقد ظهر تجسيد هذه الحيوانات الخرافية على جزء من لوحة فسيفساء كاسيوبيه Cassiopeia في تدمر، بدوا من خلالها يتصارعون مع حيوانات مفترسة كالنمور والأسود، حاملين بأيديهم الأقواس والنبال والهراوات، وقد أُرِّخت هذه اللوحة إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي. وبصورة عامة يمكن الاستدلال ممّا سبق على الأهمية البارزة التي حظيت بها الحيوانات في الفن الكلاسيكي السوري، بعدّها عناصر فنية زخرفية أغنت هذا الفن وأسهمت في تحقيق غاياته في التعبير الرمزي والفني عن أفكار الإنسان ومعتقداته الأسطورية.

أسامة نوفل

 
 
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق