حيفا (مدينه)
-

 حيفا

 حيفا

الآثار في حيفا

 

 

هي مدينة من أكبر مدن فلسطين التاريخية وأهمها، تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، تبعد عن القدس ١٥٨ كم إلى الشمال الغربي، وهي نقطة التقاء البحر الأبيض المتوسط كلاً من السهل وجبل الكرمل، وترتفع عن سطح البحر بمعدّل ٤٥٠م.

يعود استيطان البشر بالمنطقة إلى عشرات الآلاف من السنين، حيث عثر منقبون على بقايا هياكل بشرية تعود إلى العصر الحجري، وآثار حضارات العصر الحجري القديم بمراحلها الثلاث. وقد تأسست حيفا في بادئ الأمر قرية صغيرة في القرن الرابع عشر ق.م على يد الكنعانيين، ولا يرد اسم حيفا في التوراة، ولكن يظهر تكراراً في التلمود والمصادر اليهودية المتأخرة.

فُتحت حيفا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب  على يد القائد عمرو بن العاص سنة ١٣هـ/٦٣٤م، وتفوَّقت عكا على حيفا في القرون الإسلامية الأولى، وأول من ذكرها هو ناصري خسرو - الذي كان في حيفا سنة ٤٣٨هـ/١٠٤٦م- وتحدَّث عن بساتين النخيل والأشجار الكثيرة والمتنوعة في هذه القرية؛ وعن الرمال القريبة منها التي كان يستعملها الصيّاغ الفرس والتي كانوا يطلقون عليها اسم الرمال المكية.

بقيت حيفا جزءاً من الدولة الإسلامية طوال العصرين الأموي والعباسي، فلما تسلّل الضعف إلى الدولة العباسية وعجز الخلفاء في السيطرة على أجزاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف؛ أدّى ذلك إلى ظهور دويلات مستقلة عن الدولة الأم، وترتب على ذلك زيادة في ضعف الدولة الإسلامية وتشتتها وفرقتها، مما حدا الدول الأوربية إلى إظهار أطماعها بأملاك الدولة الإسلامية من خلال محاولاتها السيطرة على أجزاء من أراضي هذه الدولة بحجة حماية المناطق المقدسة. وفي سنة ٤٩٣هـ/١١٠٠م سقطت حيفا بيد الفرنجة الصليبين على يد تنكريد Tancred أحد قادة الحملة الصليبية الأولى بعد حصار دام شهراً بمساعدة أسطول من البندقية، وكان معظم سكانها من اليهود بمنحة خاصة من الخليفة الفاطمي مقابل دفع ضريبة والدفاع عنها وحمايتها بمساعدة الفرق الإسلامية، وقد عمد الصليبيون إثر استسلامها إلى قتل كل أفراد الحامية الإسلامية واليهودية وأهلها إلا من نجح بالهرب.

منظر عام لمدينة حيفامسجد الاستقلال - نهاية الحقبة العثمانية

 

نالت حيفا بعض الاهتمام في عهد حكم الفرنجة، وكانت محل تنافس بين البارونات الفرنجة. وخلال الحروب التي دارت بين المسلمين والفرنجة ارتبط مصير حيفا وباقي المرافئ والموانئ على الساحل الفلسطيني بمصير عكا. وفي سنة ٥٨٣هـ/١١٨٧م وبعد سقوط عكا استولى صلاح الدين على حيفا ومناطق أخرى وهدّم أسوارها وتحصيناتها قبل أن يتركها للفرنجة، فأعاد تحصينها الملك لويس التاسع ملك فرنسا سنة ٦٦٣هـ/١٢٦٥م، واستعادها أخيراً السلطان المملوكي الأشرف خليل سنة٦٩٠هـ/١٢٩١م، وبقيت تحت حكم المماليك حتى انتقالها إلى العثمانيين في عهد السلطان سليم الأول سنة ٩٢٢هـ/١٥١٦م. وأشير إليها في مطلع العهد بأنها قرية في ناحية ساحل عتليت الغربي التابع لسنجق (لواء) اللجون؛ أحد ألوية ولاية دمشق. وذكرت دفاتر التمليك (الطابو) أن قرية حيفا كانت ضمن قطاع آل طرباي الذين أصبحوا يعرفون باسم الأسرة الحارثية في مرج ابن عامر (٨٨٥-١٠٨٨هـ/١٤٨٠-١٦٧٧م). وشهد العصر العثماني بناء بعض معالم حيفا المعمارية كمسجد الاستقلال وضريح الباب.

في العقد الرابع وأوائل العقد الخامس من القرن 12هـ/18م كانت حيفا والمناطق المحيطة بها تحت سيطرة الشيخ ضاهر العمر (أو ظاهر العمر). وفي سنة 1174هـ/1761م تلقّى عثمان باشا والي دمشق أمراً من السلطان بضمِّ حيفا وما حولها إلى ولايته، فأرسل 30جندياً في سفينة فرنسية من بيروت إلى حيفا، وأُمروا بالاستيلاء عليها بهجوم مفاجئ، ولكن ضاهر العمر نجح في رد السفينة بإطلاق النار عليها. بعد هذه الحادثة دمّر ضاهر القرية القديمة، وبنى أخرى جديدةً على بعد كيلومترين إلى الشمال الشرقي من القديمة ونقل سكانها إليها، وأطلق على القرية الجديدة اسم (العمار الجديدة) ولكنها عُرِفت باسم حيفا الجديدة، وأحاطها بأسوار ذات أبراج مدورة حول أطرافها البرية الثلاثة؛ وبقلعة مستطيلة الشكل تطل على القرية والميناء، وكانت القرية الجديدة التي بناها ضاهر نواة لحيفا الحديثة.

بعد سقوط ضاهر تولى الحكم أحمد باشا الجزّار. وفي سنة 1253هـ/1837م استولى إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر على عكا، وعانت كل من عكا وحيفا الدمار عندما أُطلق عليها النيران من قبل قوات عثمانية وبريطانية ونمساوية.

المسجد الصغيربرج الساعة العثماني

 

حوّل ازدياد الطمي والغرين في ميناء عكا حركة المرور إلى حيفا التي بدأت تنمو حجماً وأهمية، وازداد عدد اليهود في المدينة بوصول يهود من مراكش وتركيا إليها. وفي سنة 1285هـ/ 1868م استوطنت مجموعة عائلات ألمانية بروتستنتية قادمة من غربي ألمانيا في القسم الغربي من مدينة حيفا، حيث زودوها بكل وسائل الرفاه والتنظيم، فأقاموا المدارس الخاصة بهم وعبّدوا الطرق وبنوا الحدائق، ووفروا كل مرافق الخدمات العامة فيها. وتلاحق بناء المستوطنات الألمانية في منطقة الساحل، حيث أُقيمت مستوطنة ثانية في سنة 1286هـ/ 1869م؛ ثم ثالثة بجوار سابقتها، وقد مهّدت هذه المستوطنات في النهاية إلى إقامة حيٍّ ألماني على الطراز الحديث في المدينة وهو حي كارملهايم Carmilheim. وأسهم الألمان في تطور مدينة حيفا من خلال ماجلبوه من وسائل وأساليب زراعية؛ بيد أنهم في الوقت نفسه كانوا يمثلون الحلقة الأولى من سلسلة الأطماع الاستعمارية التي أدَّت في النهاية إلى إقامة الكيان الصهيوني الدخيل فوق الأرض الفلسطينية.

من المجموعات التي استقرت في حيفا أيضاً البهائيون أتباع بهاء الله الذي توفي في المنفى بالقرب من عكا سنة 1310هـ/1892م، وخلفه البهاء ثم ابنه عبد البهاء المعروف باسم عباس أفندي، وحيفا اليوم هي المركز الإداري للديانة البهائية حيث تقام فيها مراسم الحج لأتباع هذه الديانة، وشيّد فيها مقام عباس.

في عهد السلطان عبد الحميد سنة 1323هـ/ 1905م افتتح رسمياً خط حديد دمشق-حيفا، وأُجريت تحسينات كبيرة على الميناء، وصارت المدينة تتصل بدمشق وحوران والأردن؛ وميناء تصدير لهذه الأقاليم؛ ونقطة عبور لوارداتها من أوربا وأمريكا. وبعد خروج بريطانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى سنة 1337هـ/1918م خضعت فلسطين للانتداب البريطاني وفقاً لمعاهدة «سايكس بيكو»، فعمدت إلى إيصال خط السكة الحديدية من حيفا إلى مصر، كما ربطوها بكل من بيروت وطرابلس، وجرى توسيع الميناء وتحديثه في سنة 1338هـ/ 1919م ليصبح ميناؤها من أكبر الموانئ على البحر المتوسط؛ بيد أن الافتتاح الرسمي للميناء كان في سنة 1352هـ/ 1933م.

دير الكرملالمدخل الغربي لكنيسة السيدة

في أوائل القرن 14هـ/20م كانت حيفا أكثر المدن الفلسطينية ثقافة ورفعة، ولكنّ غالبية سكان حيفا العرب هُجّروا في نكبة عام 1948م فاستحالوا لاجئين، حيث لم يسمح إلا للقليل منهم بالعودة إلى مدينتهم، في حين صادرت «إسرائيل» البيوت العربية التي هُجِّر أهلها، وقامت بهدم معظم معالم المدينة القديمة. وما زال سكان حيفا العرب يعانون المحاولات المتكررة لطمس التاريخ والماضي العربي وللتهويد الكلي للمدينة، وهو ما يحدث في عمليات الهدم الجارية في «وادي الصليب» حيث هُدم مسجد وادي الصليب وأُقيم فوق أنقاضه مرائب؛ وفي تغيير اليافطة الموجودة في مدخل حي «وادي الجمال» لتحمل الاسم العبري «عين هايام» بأحرف عربية؛ وفي إهمال البلديات للأحياء العربية القديمة وعَدَم إتمام بناء أي حي عربي جديد في حيفا منذ 1368هـ/ 1948م، في حين تم بناء الكثير من الأحياء اليهودية، فقد بلغ عدد التجمعات اليهودية الجديدة التي أقيمت في قضاء حيفا خلال فترة الانتداب 62 تجمعاً سكنياً، ويُعدّ السكان العرب الذين بقوا اليوم من أنشط الجماعات الداعية إلى المساواة، وكان من بينهم الكاتب إميل حبيبي والمؤرخ إميل توما، والكاتب بولس فرح والمحامي حنّا نقادة والقائد توفيق طوبى.

تطور عدد سكان حيفا تطوراً مطرداً منذ سنة1335هـ/ 1916م حتى نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد وصل عدد سكان مدينة حيفا سنة1335هـ/ 1916م إلى 10,447 نسمة، ارتفع إلى 24,634 نسمة سنة1341هـ/ 1922م ليصل سنة1357هـ/ 1938م إلى 99,090 نسمة، ثم ليرتفع إلى نحو 138,300 سنة 1364هـ/ 1945م. وترجع الزيادة المطردة في عدد سكان حيفا إلى الأعداد الكبيرة من المهاجرين اليهود الذين تدفقوا إلى المدينة قبل قيام «إسرائيل» وبعد احتلال اليهود للمدينة، فقد وصل عددهم سنة1393هـ/ 1973م الى 225,800نسمة.

ضريح مار إلياسجرار أثرية مكتشفة في حيفا

الآثار في حيفا:

من خلال دراسة الاكتشافات الأثرية في منطقة حيفا وقضائها من حيث خصائصها ومميزاتها ومواصفاتها والمادة الخام المستخدمة وطبيعة الرسومات؛ تبيّن أنّ العرب الكنعانيين هم أول من استوطن المنطقة وأقاموا فيها المدن والقرى، مثل الطنطورة وعتليت وقسارية وحيفا القديمة على بعد كيلومترين من حيفا الحالية. وقد بقي من هذه المدينة القديمة بعض الآثار على جبل الكرمل التي تدل على مكانتها.

وتحتوي حيفا على منحوتات صخرية ومقابر أثرية منها:

مغارة الواد بنقوشها ومنحوتاتها ورسوماتها التي تعود بتاريخها إلى نحو 15 ألف سنة ق.م، وتمّ اكتشاف أدوات حجرية ورسومات في منطقة المدينة والتي تعود إلى الفترة الواقعة بين (6000 - 1260 ق.م).

مغارة الوعد: عثر المنقبون فيها على هياكل عظمية متحجرة وبقايا النار التي استخدمها إنسان فلسطين، وهي أقدم بقايا رماد في حوض البحر المتوسط، ويتكون من خشب أشجار الزيتون والطرفاء والعنب.

- تل السمك: يقع في الجزء العربي من ساحل حيفا، ويحتوي على أرضيات فسيفسائية ومنحوتات صخرية رومانية ومقابر منحوتة في الصخر.

- مدرسة الأنبياء: قريبة من الفنار، وهي بناء إسلامي قديم يضمُّ مسجداً ومغارة قيل إنّ النبيين إلياس ويُشع علَّما فيها تلاميذهما قواعد الدين الحقيقي. تحتوي المغارة على آثار يونانية ـ وهي مكان يقدسه أتباع الطوائف الدينية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية.

- كنيسة مار الياس: هي كنيسة منحوتة في الصخر قرب مدرسة الأنبياء.

- مسجد سعد الدولة: مسجد قديم يقع في سفح جبل الكرمل.

- الجامع الكبير: يُسمّى جامع الجرينة، يقع وسط المدينة.

- أبراج الميناء: شُيّد برجان حول ميناء حيفا في العصر العثماني: البرج الغربي سنة 1128هـ/1715م، والبرج الشرقي سنة 1136هـ/1723م.

- حيفا الجديدة: شيّدها الشيخ ظاهر العمر بعد أن خرّب حيفا القديمة في منتصف القرن 12هـ/18م، وبنى حولها سوراً له بوابتان، وأقام فيها برجاً، وشيّد قلعة على نتوء صخري يُشرف على المدينة من الناحية الجنوبية، ثم شيّد أبناؤه الجامع والسراي فيها.

- زاوية الشيخ السهلي: تقع جنوبي حيفا، أنشأها الشيخ السهلي بعد أن أقطعه السلطان سليم هذه البقعة سنة 922هـ/1516م، وقد زالت.

- كنيسة سيدّة الكرمل وديرها: تقع في جبل الكرمل، وتُعرف بمزار مريم العذراء. تمَّ بناؤها في العصر العثماني بين سنتي 1243 - 1268هـ/1827- 1851م.

قرية رشمية: فيها بقايا قلعة قديمة بناها الفرنجة، تحتوي على أبراج ومقابر وصهاريج وسط حدائق جميلة.

مثال من الأبنية الأثرية

وفي حيفا مجموعة من المعالم الأثرية والأبنية الضخمة ولاسيما ما شيّد في العصر العثماني كجامع الاستقلال الذي يقع في وسط المدينة؛ ودير الفرنسيسكان؛ ومدرستي الحي الشرقي والرشيدية في سنة 1287هـ/1870م؛ وكنيسة القديس لويس المارونية سنة 1298هـ/1880م؛ وكذلك الجامع الشريف والمحطة وبرج الساعة. وقد أصبحت المدينة تحتوي في نهاية العصر العثماني سنة 1326هـ/1908م على ست كنائس؛ إضافة إلى خمسة مساجد وخمس تكايا؛ إلى جانب وجود ثمانية فنادق؛ وثلاثة حمامات عامة؛ وتسعة خانات؛ وثلاث عشرة مدرسة؛ وأربعة مستشفيات؛ ومصبنتين، إضافة إلى 928 حانوتاً و423 مخزناً.

نجدة خماش

 

مراجع للاستزادة:

-بهاء الدين بن شداد، النوادر السلطانية (القاهرة 1964م).

- ابن واصل، مفرِّج الكروب (القاهرة 1957م).

- الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني (إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق 1984م).

-W.B.Stevenson, The Crusaders in the East, Cambridge 1907.

-U.Heyd, Ottoman Documents on Palestine 1552-1615, Oxford 1960.

- Walid Khalidi, The Fall of Haifa in Middle East, Forum 1959.


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق