حوران (منطقه)
Hauran -

 حـوران

حـوران (منطقة -)

 

السِّـمات الجيولوجيّة

في عصور ما قبل التاريخ

العصور التاريخية القديمة

في العصور الكلاسيكيّة

المواقع الأثريّة

في العصر الإسلامي

 المواقع الأثرية

 

 

تقع منطقة حوران Hawran في جنوبي سورية، يحدّها الأردن من جهتيها الجنوبية والشرقية، وتحدّها فلسطين وبحيرة طبرية من جهتها الغربية، كما يخترقها الطريق الدولي المتّجه جنوباً من دمشق إلى عمّان.

وقد أصبحت منطقة حوران تضمّ ثلاث محافظات حالياً: درعا والسويداء والقنيطرة. تضمّ محافظة درعا عدة مدن وبلدات، أهمها: درعا، إزرع، الصنمين، بصرى الشام، مزيريب، الشيخ مسكين، نوى. كما تضمّ محافظة السويداء: مدينة السويداء، صلخد، عتيل، قنوات، شهبا. وأما محافظة القنيطرة فإنها تضمّ مدينة القنيطرة، خان أرنبة، الياقوصة، جبا.

ويبدو أنّ حوران كانت في العصور القديمة أوسع رقعةً مما هي عليه اليوم؛ إذ كانت إقليماً يشمل معظم سورية الجنوبية وقسماً من شمالي الأردن، وقد جعل الجغرافيون حدوده تلول الصفا شرقاً ووادي الرقّاد غرباً ونهر الأعوج شمالاً وإربد والمفرق وأمّ الجمال– في الأردن– جنوباً؛ أيْ إنه كان يشمل أربع مناطق: جبل حوران أو جبل العرب وقصبته اليوم السويداء، وسهل حوران وقصبته اليوم درعا، وقسماً من الجولان وقصبته اليوم القنيطرة، واللجا. وثمّة تداخل في الحدود بين هذا الإقليم وإقليم باشان الذي ورد ذكره مراراً في أسفار العهد القديم، وكانت عاصمتُه فيها درعا، وجُعلتْ حدوده جبل حرمون (الشيخ) شمالاً وجلعاد جنوباً وصلخد شرقاً ونهر الأردن غرباً ليشمل بذلك سهل حوران وقسماً من جبل حوران؛ في حين ذُكرتْ حوران في تلك الأسفار مرّةً واحدة من دون بيان لحدودها.

السِّـمات الجيولوجيّة:

ويرى الجيولوجيون أنّ البراكين كانت ناشطة في إقليم حوران منذ ملايين السنين؛ فكانت تقذف الحِمم في العصور الجيولوجية المتعاقبة؛ ولا سيما في عصْرَي الميوسين Miocene والبليوسين Pliocene من الحقب الثالث Tertiary، وقد استمرّ هذا النشاط حتى الفترة الأخيرة من الحقب الرابع Quaternary؛ وهي فترة العصر الحديث أي الهولوسين Holocene التي تركت آثارها في وادي اليرموك وشهبا واللجا.

وهكذا أصبح معظم الإقليم مغطّى بالمخاريط البركانية والصخور الاندفاعية التي يكثر فيها البازلت والدوليريت. كما كَسَت الصخور البازلتية القاسية ذات اللون الداكن منطقة اللجا وما حولها، وصارت التربة مؤلّفةً من اللابات البركانية المتراكمة بعد تبرّدها وتعرّضها لعوامل الحتّ والتعرية زمناً طويلاً، وهو ما عرفه الجغرافيون العرب باسم الحَرّة؛ لأنّ الحرّة عندهم «أرضٌ ذات حجارةٍ سودٍ نخرات كأنها أُحرقت بالنار»، ولعل حوران سُمّيتْ كذلك لكثرة ما فيها من حِرارٍ أو حرّاتٍ أو حرّون، وهي صيغ الجمع من الحرّة. وهذا يوافق وصف قنصل بروسيا فتزشتاين J. Wetzstein الذي جال في الإقليم سنة ١٨٥٨م؛ فقد ذكر في كتابه عن تلك الجولة أنّ الأطراف الشرقية والجنوبية من منحدر جبل حوران كانت شبيهةً بالحرّات؛ لأنها مغطّاة بطبقةٍ من الحجارة السود والحصى التي جُمعت في أزمنةٍ متعاقبة، وكُدّست في رُجوم. غير أن بعض الباحثين قارنوا اسم حوران باسم إله كنعاني ورد في النصوص الأوغاريتية بصيغة hrn، ثم بصيغة hwrn في نقش فينيقي من القرن السابع ق.م، وكذلك باسم العلم المركّب hwrnw-ibwm لأحد حكّام فلسطين الذي ورد في نصوص اللعن في مصر القديمة أي في القرن التاسع عشر ق.م؛ واشتقوا هذه الصيغ التي اختلفوا في قراءتها (حُوران، حُوريون، حُوْرُون) من اللفظ السامي المشترك hur/hor حُفْرة، كهف/ تجويف؛ فيوافق بذلك صيغة الجمع في العربية حُوران - بضم الحاء - ومفردها الحائر، وهو المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف يجتمع فيه الماء.

وترجع أهميّة هذا الإقليم إلى أنه كان في مختلف العصور معبراً على الطريقين التجاريّين الرئيسين اللذين استُخدما على مرّ القرون لنقل شتّى أنواع السلع إلى سورية الطبيعية ومنها إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وهما طريق البخور الآتي من جنوبي الجزيرة العربيّة؛ وطريق الحرير القادم من الشرق أيْ من بلاد الرافدين وما جاورها؛ فضلاً عن ذلك اتصال الإقليم بوادي السرحان جنوباً الذي كان ممرّاً للقوافل بين شمالي الجزيرة العربية وسورية.

في عصور ما قبل التاريخ:

يرى الباحثون الآثاريّون- الذين بدؤوا أعمال المسح الأثريّ والتنقيب في مواقع شتّى من هذا الإقليم منذ أواخر القرن التاسع عشر- أنّ الأدوات الحجريّة المكتشفة – وبعضها أسلحةٌ وأدوات للصيد– تعود إلى العصر الحجريّ. وتبيّن لهم أنّ بعض الأدوات الحجريّة والفخّارية تعود إلى فتراتٍ محدّدة؛ فالفؤوس التي جمعها جوزيف نصر الله من وادي اليرموك ووادي الزيدي آشولية Acheulian (أيْ من العصر الحجري القديم/الباليوليت)، والأسلحة التي عثرت عليها ماري كوفان M. Cauvan في الطيبة- إلى الشرق من درعا– نطوفيّة Natufian (أيْ من العصر الحجري الوسيط/الميزوليت)، والأواني الفخّارية التي جمعها جاك كوفان J. Cauvin من بصرى والطيبة وتل شهاب من العصر الحجري الحديث الفخّاري Pottery Neolithic، وأدوات الصيد والزراعة التي وجدها جوزيف نصر الله في درعا غسوليّة Ghassulian (أيْ من العصر الحجري النحاسي/الكالكوليت).

المباني الأثرية المحيطة بجامع مبرك الناقة في بصرىقلعة بصرى
الجامع العمري في بصرىجامع أبي الفداء في بصرى
  

العصور التاريخية القديمة:

أمّا العصر البرونزي– المبكر والوسيط- (٣١٠٠–١٥٠٠ق.م) فقد بدأ ج. سميث G.A. Smith مطلع القرن العشرين كشف آثاره في بصرى والشيخ سعد وتل شهاب، ثم أضاف علي أبو عساف وفرانك بريمر F.Braemer وميشيل مقدسي أدوات فخارية وبرونزية من مواقع أخرى، أهمها: تلّ الأشعري شمالي درعا، وتلّ دبّة غربي شهبا، وخربة الأومباشي شرقي شقّا، واللبوة في اللجا.

جامع فاطمة في بصرى

ويظهر أنّ أقدم الشواهد الكتابيّة لمواقع جغرافية في إقليم حوران تعود إلى مطلع الألف الثاني ق.م، حيث ورد الاسم: ب و ص ر ن و «بصرى» في نصوص حكام مصر القديمة من الأسرة الثانية عشرة؛ ثم إلى القرنين الخامس عشر والرابع عشر ق.م؛ إذ وردت الألفاظ: «ا م ش ن ا»، «م ق ر ف ت»، «ك ن ت» في قائمة أسماء المدن التي استولى عليها تحوتموس [ر] الثالث (١٤٩٠-١٤٣٦ق.م)، وقيل: إنها تقابل– اليوم– على التوالي: إمتان (إلى الجنوب الشرقي من صلخد) والمغرافة (قرب قنوات) والجينة (قرب الكفر). وذُكرتْ بُصرونا في اثنتين من رسائل تل العمارنة (EA 197+199) وقيل: إنها بصرى، كما ذُكرتْ عشترت في الرسالتين (EA 197+256)، وقيل: إنها درعا أو إزرع، إضافة إلى ورود درعا وصلخد بصيغتي Edrci و Salkah في العهد القديم على أنهما بلدتان في إقليم باشان.

وعلى الرغم من شروع الآراميّين بإقامة إماراتهم في مناطق مختلفة في سورية الطبيعية منذ مطلع الألف الأول ق.م؛ فإنّ تاريخ سورية الجنوبية يكاد يكون مجهولاً في هذه الفترة، وغاية ما يُعرف عن هذا الإقليم وجود إمارتين صغيرتين فيه – ورد ذكرهما في العهد القديم- كانتا تابعتين لمملكة دمشق الآرامية في عهد ملكها حزائيل (٨٤٢-٨٠١ ق.م)؛ وهما آرام جشور وآرام معكا المتجاورتان في سفوح جبل حرمون. ويظهر أنّ هذا الملك هو الذي ورد اسمه في رواية الملك الآشوري شلمنصر الثالث (٨٥٨–٨٢٤ ق.م) عن أحداث حملته على سورية سنة ٨٤١ ق.م، حيث يقول: «سرتُ خلف حزائيل، وحاصرتُه في دمشق، وزحفتُ حتى جبل حوران kurHa- u-ra-ni»، ثم احتل تجلات- بلاصر الثالث [ر] (٧٤٥–٧٢٧ق.م) دمشق سنة ٧٣٢ق.م، وقسم تلك المملكة الآرامية إلى أربع مقاطعات آشورية، إحداها حوران. فلمّا صارت الغلبة في شرقي البحر المتوسط للامبراطورية الفارسية الأخمينية (٥٣٩–٣٣٣ق.م) جعل ملكها دارا الأول (٥٢٢–٤٨٥ق.م) دولته ثلاثاً وعشرين ولايةً، إحداها ولاية ما وراء النهر أيْ سورية الطبيعية مضيفاً إليها قبرص، وكانت حاضرتها دمشق؛ مما يعني أنّ سورية الجنوبية كانت جزءاً منها، ولكن ليس هناك ذكر لحوران ضمن مقاطعاتها.

في العصور الكلاسيكيّة:

انقسمت سورية الطبيعية في بداية العصر الهلنستي قسمين، أحدهما: جنوبي خاضع للبطالمة يُدعى سورية المجوفة Coele Syria أو سورية وفينيقية Syria & Phoenice، ويشمل حوران؛ والآخر: شمالي خاضع للسلوقيّين يُسمّى سلوقيس Seleukis، غير أنّ النزاع المسلّح بين الفريقين الذي سمّاه المؤرّخون الحروب السورية استمر قرناً كاملاً حتى استطاع السلوقيون انتزاع ما كان بأيدي البطالمة بعد معركة بانيوم Panium مطلع القرن الثاني ق.م لينتهي بذلك تقسيم سورية. وكان السلوقيون يميلون في النظام الإداري إلى الوحدات الكبرى، ولذا جعلوا فلسطين تضمّ أربع إبارخيات Eparchy أيْ ولايات، إحداها هي الجلعادية Galaaditis في شرقي الأردن التي تضمّ ستّ مقاطعات؛ أربع منها جنوبي سورية، وهي: الجولانية Gaulanitis، والبثنيّة Batanaa، والطراخونيّة Trachonitis، والحورانيّة Auranitis، والمقاطعتان الأخريان شرقي نهر الأردن، وهما العمونيّة Ammonitis والموآبيّة Moabitis. ويسترعي الانتباه ثلاثة أمور؛ أولها: أنّ هذه الصيغ الجديدة التي أوردها سفرا المكابيّين (الأول والثاني) والمؤرخ يوسيفوس Josephus وشاع استخدامها حينذاك ليست سوى هَلْيَنةٍ للأسماء الطوبوغرافيّة المحليّة المعروفة بإضافة اللاحقة الإغريقية الوصفية –itis إلى اسم المكان، وقد استعملها البطالمة والسلوقيون على السواء، وثانيها: أنّ المصطلَحين القديمين حوران وباشان قد ضاقت رقعة ما يدلان عليه بصيغتيهما الجديدتين، فأصبح أولهما أيْ الحورانية يقتصر على جبل حوران؛ في حين لم يُجاوز الآخر- أيْ البثنيّة- سهل حوران، وثالثها: أنّ الاسم الجديد أيْ الطراخونيّة يدلّ على منطقة اللجا وحدها.

جامع مبرك الناقة في بصرىقلعة صلخد

 

وما لبث الصراع على السلطة أن اشتدّ بين الملوك السلوقيّين؛ ممّا أضعف الدولة، فازدادت قوّة الجماعات المحليّة، وهكذا وسّع العربُ الإيتوريون مساحة دولتهم؛ لتصل في عهد حاكمهم معن (وهو منايوس أو مونيكوس في الإغريقية) مطلع القرن الأول ق.م إلى الحورانية والبثنية والطراخونية، فنازعهم الحشمونيون في عهد ألكسندر ينايوس (١٠٣–٧٦ ق.م). كما تصدّى الأنباط لمحاولات ينايوس التوسّع، فهزمه ملكهم عبادة الأول (٩٥–٨٨ ق.م) في معركةٍ جرت شرقي بحيرة طبرية. ويظهر أنّ وجود الأنباط في حوران أسبق من ذلك زمناً؛ إذ كانوا فيه تجّاراً لا حكّاماً، والدليل على ذلك في برديتين من أرشيف زينون Zenon الذي كان وكيلاً لوزير المال لدى الملك البطلميّ بطلميوس فيلادلفوس/ الثاني (٢٨٥–٢٤٥ ق.م). ولمّا تُوفِّي حاكم الإيتوريين بطلميوس بن معن سنة ٤٠ق.م قرّر الرّومان بأمرٍ من ماركوس أنطونيوس ضمّ المقاطعات التي كانت خاضعةً له – وهي الحورانية والبثنيّة والطراخونية- إلى الإمارة التي يحكمها هيروديس الأدومي/الكبير (٤٠–٤ ق.م)، فهاجم الأنباط في حوران، ولكنه مُني بالهزيمة على يد ملكهم مالك الأول (٦٢–٣٠ق.م) قرب مدينة قنوات. وانتقلت تلك المقاطعات بعد وفاة هيروديس إلى ابنه فيليب، ثم إلى حفيده أغريبا الأول، ثم إلى أغريبا الثاني– وهو ابن الأول– الذي كانت وفاته سنة ٩٣م. بيد أنّ معظم المنطقة الجنوبية من حوران ظلّت خاضعةً للأنباط حتى قيام الولاية العربية Provincia Arabia سنة ١٠٦م، والأدلّة على ذلك بيّنة؛ أحدها: ما تركه الأنباط فيها من معابد وتماثيل ونُصب ونقوش وفخّار، وثانيها: تأريخ بعض النقوش المكتشفة فيها بحكم ملوك الأنباط، وثالثها: خضوع ما يقع جنوبي هذه المنطقة - أيْ شمالي الأردن اليوم– لدولة الأنباط زمناً طويلاً، ورابعها: اتّخاذ رب إيل الثاني آخر ملوكهم (٧٠–١٠٦م) بصرى مقرّاً لإقامته.

الجامع العمري في درعامئذنة جامع صلخد

وقد شهدت حوران ازدهاراً كبيراً في العصر الروماني تعكسه أطلالها ومدنها الأثرية. أمّا في العصر البيزنطي؛ فإنّ العرب الضجاعمة هم الذين أداروا– أوّل الأمر– شؤون سورية الجنوبية تحت رعاية الملوك البيزنطيين، ثم حلّ الغساسنة محلهم؛ ليكونوا حلفاء للروم ضدّ الفرس والمناذرة ولحمايتهم من غزو البدو، وقد تركوا مجموعةً من الكنائس والأديار تدلّ عليها أنقاضها في مواقع شتى. وكان النابغة الذبياني من الشعراء الذين يترددون على ملوكهم، ومما قاله في رثاء أحدهم:

بكى حارثُ الجولان من فقد ربّه

وحورانُ منه مُوحشٌ مُتضائلُ

 

المواقع الأثريّة:

ولا شكّ في أنّ الأقوام التي سكنت سورية الجنوبية منذ مطلع الألف الثاني ق.م حتى ظهور الإسلام كالكنعانيين والآراميين والعرب الإيتوريين والأنباط والغساسنة وغيرهم؛ كان لهم إسهام حضاريّ واضح يشهد عليه ما خلّفوه من معابد وكنائس وتماثيل ومسارح وحصون ومدافن ومسكوكات وفسيفساء وأدوات معدنية وفخارية ونقوش كتابية في المراكز الكبرى في هذا الإقليم: بصرى وقنوات وشهبا والسويداء ودرعا. وثمة مراكز أخرى أقلّ شهرةً تكفي الإشارة إلى بعضها؛ فمنها سيع– قرب قنوات- التي تحوي معبداً قيل: إنه معبد لإله الأنباط الأكبر ذي الشرى، ومعبداً آخر للإله بعل شمين، ومسرحاً صغيراً، وعُثر فيها على نقوشٍ نبطية وكسرٍ من الخزف ونقودٍ نبطيّة ورومانيّة من البرونز. ومنها صلخد التي اكتشف فيها نقوش نبطية وصخرةٌ مربّعة باسم ذي الشرى وأُخرى للإلهة اللات. ومنها عتيل Athela– شمالي السويداء- وفيها أطلال معبدين رومانيين؛ بُني أحدهما سنة ١٥١م والآخر في عهد الامبراطور كركلا (٢١١–٢١٧م)، ثم تحوّل أحدهما إلى كنيسة. ومنها سليم Slim/Salim– شمالي عتيل– وفيها معبد يعود إلى عهد الامبراطور أغسطس. ومنها المُشنَّف – شرقي سيع- وفيها معبد يعود بناؤه إلى سنة ١٧١م. ومنها شقّا Sakkaia– قرب شهبا- التي حوّلها الامبراطور ديوقليتيانوس (٢٨٤–٣٠٥م) إلى مدينة باسم مكسيميانوبولس Maximianopolis برتبة مستعمرة، وكان لها تقويم خاص، وفيها قصرٌ ومعبدٌ وبازيليكا. ومنها إزرع، وفيها كنيستان؛ إحداهما: كنيسة القديس جورج المبنية على أنقاض معبد؛ وهي تمثّل أفضل نموذجٍ كنسيٍّ باقٍ في جنوبي سورية، والأخرى: كنيسة النبي إلياس التي يعود بناؤها إلى سنة ٥٤٢م، ومنها: مدينة الصنمين؛ وفيها معبد بُني في أواخر القرن ٢م.

جامع سعد الدين الجباوي في جبازاوية الجباوي وتربته في جبا

وقد انتهى دارسو هذه الآثار والفنون إلى غلبة الطابع المحليّ على معظمها؛ في حين تظهر في بعضها سمات وملامح تدلّ على مؤثّرات خارجيّة: مصريّة أو إغريقيّة أو رومانيّة أو سواها.

في العصر الإسلامي:

مئذنة الجامع العمري في الشيخ مسكين

بعد انتصار المسلمين على الروم في معركة اليرموك سنة ١٥هـ/٦٣٦م في العصر الراشدي دخل جنوبي سورية تحت مظلة الدولة الإسلامية، وحافظت منطقة حوران على مكانتها التي عرفتها في العصور السابقة، ونَعِمَ سكانها بما حققته الدولة من ازدهار ورخاء في زمن الأمويين والعباسيين والفاطميين (٤١هـ/٦٦١م – ٤٦٨هـ/١٠٧٥م). ثم أصبحت حوران إحدى ساحات الصراع بين الأيوبيين والصليبيين، وقد انتهت المعارك بانتصار السلطان صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين قرب بحيرة طبرية سنة ٥٨٣هـ/١١٨٧م. ثم أصبحت تحت الحكم المملوكي سنة ٦٥٨هـ/١٢٦٠م، تلاها الحكم العثماني زهاء أربعة قرون بدءاً من سنة ٩٢٢هـ/١٥١٦م، وانتهاءً بالحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨م)، ثم فترة الاستعمار الفرنسي حتى نالت سورية استقلالها سنة ١٩٤٦م.

وقد جاء حديث ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» عن حوران مقتضباً؛ إذ اكتفى بالقول: إنّ «حوران كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، وقصبتها بصرى»، والجولان– عنده– قرية، وقيل: جبلّ من نواحي دمشق ثم من عمل حوران، وليست البَثنيَة – فيما يقول– سوى «قرية بين دمشق وأذرعات» (أيْ درعا).

المواقع الأثرية:

شيّد الخلفاء والسلاطين والحكام في العصور الإسلامية المتعاقبة منشآت كثيرة في مدن حوران وبلداتها، عُرف من أهمها في درعا الجامع العمري من العصر الراشدي، وكذلك في بصرى الشام:

• من العصر الراشدي؛ الجامع العمري الكبير (القرن الـ١هـ/الـ٧م)، وجامع مبرك الناقة الذي يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من السور.

• من العصر السلجوقي: جامع الخضر الذي بناه الأمير كمشتكين في سنة ٥٢٨هـ/١١٣٣م.

• من العصر الفاطمي: جامع فاطمة.

• من العصر الأيوبي: جامع أبي الفداء ومدرسته شمال بركة الحاج عند الزاوية الشمالية الشرقية للقلعة من القرن الـ٧هـ/الـ١٣م، وقلعة بصرى التي بُنيت فوق كواليس المسرح الروماني، وبركة مجاورة لها، ثم جامع ياقوت وتربته، ومسجد شرق الجامع العمري.

• من العصر المملوكي: تجديد القلعة الأيوبية وتحصينها، وحمام منجك شرق الجامع العمري من سنة ٧٧٤هـ/١٣٧٣م.

وفي صلخد آثار متنوعة تعود إلى العصر الأيوبي، أهمها: قلعة صلخد التي حصّنها وجددها المماليك، ومئذنة جامع صلخد في ساحة المدينة الذي شيّده مع القلعة الأمير عز الدين أيبك، ثم آثار لقبورٍ أيوبية.

خان أرنبةقلعة مزيريبجسر سكة حديد الحجاز في تل شهاب

 

وفي القنيطرة الجامع الكبير وقلعة الصبيبة (النمرود)، وجامع عثماني وخان أُقيمت دار البلدية على أنقاضه، ثم جامع قُصفت قمة مئذنته الحجرية الدائرية من قبل العدو الإسرائيلي في حزيران ١٩٦٧م. وفي جبا جامع وزاوية وتربة الجباوي، وفي الصنمين الجامع العمري وقبر الصحابي جبير بن مطعم، وفي إزرع الجامع العمري. وفي السويداء مسجد متهدم وسرايا عثمانية. وفي مزيريب خان وآثار قلعة. وفي نوى مقام الإمام النووي في مقبرة البلدة.

وفي الشيخ مسكين آثار وعملات إسلامية. وفي عتيل مسجد بُني على أنقاض كنيسة بيزنطية مهدّمة. وفي الياقوصة قصر العلية الذي تتناثر في محيطه كتابات أثرية عربية كوفية. وفي خان أرينبة (أرنبة) خان أُنشئ في العصر الأموي، وجدّد في العصر الأيوبي. وغير ذلك كثير.

رفعت هزيم

 

مراجع للاستزادة:

- سليمان المقداد، حوران (دمشق ١٩٥٧م).

- علي أبو عسّاف، الآثار في جبل حوران (دمشق ١٩٩٧م).

- عفيف البهنسي، سورية التاريخ والحضارة (وزارة السياحة، دمشق ٢٠٠١م).

- J. M.Dentzer (éd.), Hauran I, Recherches Archéologiques sur la Syrie du Sud à l’époque Hellénistique et Romaine (Paris 1985-1986).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق