جوليانوس (الامبراطور -)
جوليانوس (امبراطور )
Julian -
¢ جوليانوس
(332 - 363م)
ولد جوليانوس Flavius Claudius Julianus عام 332م في القسطنطينية لأسرة تعود في أصولها إلى إيليريا غربيّ البلقان، فهو ابن جوليوس كونستانتيوس J. Constantius؛ أخي الامبراطور قسطنطين الكبير[ر].
كانت السنوات الأولى من حياته سنوات خوف وقلق؛ لأنه فقد أبويه وهو طفل صغير؛ إذ توفيت أمه بعد ولادته بوقت قصير، وقتل والده عام 337م وله من العمر ست سنوات، فوضع تحت وصاية ابن عمه الامبراطور كونستانتيوس، الذي كان يخشى على عرشه منه ومن عائلته، فدبر أمر مقتل الكثيرين من أفراد أسرته في مذبحة عام 337م.
جوليانوس |
كان جوليانوس يخشى المصير الذي آل إليه أقرباؤه، فكان يعيش في خوف دائم من الاغتيال، وقد أجبره كونستانتيوس على الإقامة في كابادوكيا لعدة سنوات، فاستفاد من إقامته هناك في الاطلاع وتعرّف كتب الأدب اليوناني القديم، كما قرأ العهد القديم والأناجيل المختلفة، ثم انتقل إلى مدينة نيكوميديا، وتابع دراساته وتعلمه، فأظهر ميلاً واضحاً إلى الآراء والمعتقدات الوثنية متأثراً بالخطيب ليبانيوس Libanius الأنطاكي، الذي كان يعلم في هذه الفترة في نيكوميديا فضائل الوثنية الهيلينية، كما تعرف أفكار الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وتعاليمها. وتابع جوليانوس اهتمامه بالأفكار والتعاليم الوثنية حين انتقل إلى مدينة أثينا حاضرة اليونان القديمة ومعقل الفلسفة الوثنية.
عيّن الامبراطور كونستانتيوس جوليانوس بوظيفة قيصر في عام 355م، وزوجه أخته هيلينا، وأرسله على رأس جيش إلى بلاد الغال؛ ليحارب البرابرة الجرمان، فانتصر عليهم، وطردهم إلى ما وراء نهر الراين.
تسلم جوليانوس عرش الامبراطورية الرومانية عقب وفاة كونستانتيوس عام 361م، فوجد الفرصة المناسبة لإعلان معتقداته الوثنية ووضعها موضع التنفيذ، واتخذ لنفسه وفق عادات أجداده لقب الحبر الأعظم، وأصدر عدة قرارات، منها: إعادة بناء المعابد الوثنية وفتحها في الامبراطورية، وأمر بتقديم الأضاحي والقرابين للآلهة الوثنية، ثم قام بعزل المسؤولين المسيحيين من الوظائف العليا، وعيّن بدلاً منهم أشخاصاً وثنيين، كما رفع الرموز المسيحية كالصلبان عن أعلام الجيش، واستبدل بها شارات وثنية، ومنع تعيين أساتذة المدارس من المسيحيين، وجعل وظائف التعليم مقصورة على الوثنيين حتى ينشأ جيل جديد على المبادئ الوثنية. ونتيجة لذلك لقب جوليانوس بالمرتد.
وصل جوليانوس إلى أنطاكية في منتصف تموز/يوليو عام 362م، ومكث فيها ما يقارب تسعة أشهر لتجميع القوات الرومانية وحشدها قبل بدء حملته ضد بلاد فارس، التي بدأت بآذار/مارس 363م، وكان اختيار جوليانوس لأنطاكية للإقامة فيها لكثرة المعابد الرائعة فيها وشهرة ضاحيتها دفنة وغابتها المقدسة، التي كان فيها معبد للإله أبولّو[ر] Apollo، الذي يُعدّ من أفخم أماكن العبادة في العالم الوثني، وقد حيكت الكثير من الأساطير عن ذلك المكان الجميل.
استقبل جوليانوس في المدينة على نحو جيد، وقد تزامن وصوله مع مهرجان موت الإله أدونيس[ر] Adonis، حيث كان هناك أنات وعويل بشوارع المدينة، فلم يكن ذلك فأل خير لجوليانوس. ويُستنتج من هذا أن بعض الأهالي في أنطاكية استمروا يحتفلون بالأعياد المحلية ذات الطابع الوثني؛ على الرغم من أن غالبية الأهالي كانوا قد اعتنقوا المسيحية.
لم يحظَ جوليانوس بشعبية كبيرة في أنطاكية، فسرعان ما اكتشف أن التجار احتكروا المواد الغذائية، وباعوها بأسعار مرتفعة، واتهموا بالتلاعب بالأسعار، فتدخل جوليانوس لحل الأزمة بتحديد أسعار الحبوب، وطالب باستيراد المزيد منها من مصر؛ مما أثار عليه نقمة التجار. وعندما دعا جوليانوس إلى الاحتفال بالإله أبولّو في معبد دفنة رفض السكان المشاركة، ولم تقدم القرابين للإله كما كان يأمل الامبراطور، فلم يرَ جوليانوس سوى وزة واحدة قدمها على نفقته الخاصة كاهن شاحب الوجه كان يعيش في ذلك المعبد المهجور.
وقد أثار عدم مشاركة الأهالي غضب جوليانوس على أهل أنطاكية الذين استهزؤوا به، ووصفوه بذي اللحية الكريهة، وتبين للامبراطور فيما بعد أن المسيحية أصبحت راسخة الجذور في الشرق، وليس من السهل اقتلاعها أو التأثير في أتباعها على نحو طفيف، وعلى الرغم من كل المشاكل التي واجهت جوليانوس في أنطاكية؛ فإنه أشاد علانية بإخلاص مدن سورية وولائها له، تلك المدن التي حطم سكانها أضرحة المسيحيين (الجليليين) عند أول إشارة منه، وانتقموا للإهانات التي لحقت بالآلهة الوثنية، ومن هذه المدن غزة وعسقلان وقيصرية وهليوبولوس (بعلبك) وغيرها.
وصل إلى أنطاكية رسل الملك الساساني سابور الثاني، الذي حاول مفاوضة الامبراطور لإقامة السلام بينهما؛ غير أن جوليانوس رفض الإصغاء إلى الرسل، وردّ بخشونة، وأخذ يجهز قواته، ويستعد للمواجهة.
وكان هدف الحملة فرض الحصار على العاصمة الساسانية طيسفون وتأمين الحدود الشرقية على نحو نهائي؛ على الرغم من أن الدافع لهذه العملية غير واضح، وليس هناك ضرورة مباشرة للغزو. ويمكن القول: إن جوليانوس سعى إلى ترسيخ مكانته وفرض هيبته على جيش الشرق، الذي لم يكن موالياً له، من خلال قيادة هذا الجيش إلى نصر ما، وحملته ضد الفرس أتاحت له مثل هذه الفرصة.
يقول المؤرخ أميانوس مركيلينوس Ammianus Marcellinus: إن جوليانوس كان لديه رغبة للقتال، وكان يتوق للانتقام من الفرس، وحبه للشهرة والمجد كان السبب في قراره الذهاب إلى الحرب. كما ضم إلى قواته الأمير هرمز؛ الأخ الأكبر لسابور الثاني، الذي كان قد هرب من سجنه، والتجأ إلى الرومان. وكان جوليانوس يأمل بتولية هرمز العرش الساساني بدلاً من سابور الثاني.
قاد جوليانوس جيوشه من أنطاكية باتجاه عاصمة الدولة الساسانية طيسفون عبر نهر الفرات، فنجح بالوصول إليها إلا أنه لم يتمكن من السيطرة عليها، فانسحب باتجاه الشمال، حيث قتل في معركة قرب سامراء في 26حزيران/يونيو عام 363م.
كان لمقتل جوليانوس أثر سلبي في الجيش الروماني، الذي لم يتمكن من العودة إلى بلاده إلا بعد عقد معاهدة صلح مع الساسانيين عام363م.
محمود فرعون
مراجع للاستزادة: - إدوارد جيبون، اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ترجمة لويس إسكندر (دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، د. ت). - G.W. Bowersock, Julian the Apostate. (London, 1978).
|
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :