جرادة (موقع-) /جبل الزاوية/
جراده (موقع) /جبل زاويه/
-
جرادة
تقع قرية جرادة Géradé الأثرية في الجهة الشمالية-الشرقية من جبل الزاوية في محافظة إدلب، وتبعد عن معرة النعمان نحو ١٠ كم باتجاه الشمال، ويتميز هذا الموقع بامتداده في منطقة هضبية. تنتشر فيها العديد من آثار التقسيمات الزراعية على محيط القرية، وتشترك مع قرية الرويحة[ر] البعيدة عنها بنحو ٢ كم بالأراضي الزراعية. إن طبيعة الأراضي ساعدت على قيام الزراعات الرئيسة كزراعة الزيتون والكرمة والحبوب وغيرها، وبسببها تطورت قرية جرادة وازدهرت على غرار غيرها من القرى الأثرية الأخرى في الكتلة الكلسية. وامتدت أراضي الفلاحين حول محيط القرية ولمسافات طويلة في بعضها، وتم تحديد حدود ملكياتهم الزراعية من خلال بناء جدران حجرية فيما بينها. وقد أفادت تلك التقسيمات في تعرف الواقع الاقتصادي لهذه المنطقة خلال العصور القديمة.
ويعود الاستيطان في هذا الموقع إلى العصرين الروماني والبيزنطي، لكن ما تبقى من المباني في هذا الموقع يعود إلى العصر البيزنطي خاصة، ويمثل الاستيطان الروماني فيه ببعض المدافن.
تتمتع المباني الأثرية المختلفة من الدينية والجنائزية والسكنية في قرية جرادة بالسمات نفسها من حيث التقنية ونوعية البناء بالحجر الكلسي، وخاصة المباني السكنية الغالبة بينها.
الجزء السفلي من جرادة |
يتميز عدد كبير من البيوت في هذه القرية بحالة معمارية ممتازة،مما يساعدعلى التعرف على طبيعة العمارة السكنية في هذا الموقع خلال العصر البيزنطي،وإجراء مقارنة دقيقة مع العمارة السكنية في بقية القرى المحيطة بها أو البعيدة عنها. كما تميّزت البيوت في قرية جرادة بتنوع مخططاتها من حيث الحجم والبناء، لكنها اتسمت بسمات عامة مشتركة،إذ تتألف من طابقين أو أكثر، ويتألف كل طابق فيها من عدة غرف، ويفترض أن الطابق الأرضي قد خصص لإيواء الحيوانات وتخزين المؤن، أما الطابق العلوي فقد خصص للمعيشة. وشيدت مقابل تلك الغرف وعلى طابقين الأروقة المؤلفة من عدد من الأعمدة الحجرية المنتهية من الأعلى بتيجان ذات زخارف وافرة. لكن على الرغم مما يرى من زخارف على أجزاء عديدة في الواجهات الداخلية للبيوت بدت من الخارج بسيطة وخالية منها. وأحيطت البيوت بجدار خارجي تنفتح منه بوابة رئيسة مزينة بالأفاريز والقولبات الزخرفية غالباً، تتشابه مع تلك المنحوتة على أبواب الواجهات الداخلية ونوافذها. وقد خصصت بعض المساحات في بعض المنازل لنشاطات حرفية.
بيت من جرادة | بيت من جرادة |
في قرية جرادة كنيسة عائدة إلى القرن الخامس الميلادي، مشيدة بجوار مبنى سكني، وقد بني كلاهما على مساحة متساوية تفصلهما ساحة ضيقة. وينتصب إلى الشرق من الساحة مبنى مربع الشكل، وفي جهة الغرب برج مؤلف من ثلاثة طوابق.
بنيت كنيسة جرادة وفق المخطط البازيليكي، وعلى الرغم من حالة الدمار التي تعرضت لها، مازال ممكناً التعرف إلى مخططها من خلال بعض الأساسات والآثار المتبقية منها التي دلت على تعرضها لعدة تغييرات فيها خلال القرن السادس، وقد تم العثور على جزء من لوحة فسيفسائية في هذه الكنيسة تغطي منطقة الحنية في جهة الشرق.ويتم الدخول إلى الكنيسة من الباب الرئيس الواقع في جهتها الغربية، كما يوجد في جهتها الجنوبية بابان يتقدمهما عمودان يحملان سقفاً جملونياً. وتتألف من مجاز مركزي ارتفاعه 7,70م، وجناحين بارتفاع 3,35م، ويقسم المجاز صفان من الأعمدة ( في كل صف تنتصب ستة أعمدة) إلى ثلاثة أجزاء، وفي وسط المجاز منبر الوعظ بيما[ر] bema، وتمت تهيئة الجهة الشرقية التي تحوي المحراب وفق الشكل النصف الدائري من الداخل، أما من الخارج فيبدو مستقيماً، ومن الصعوبة التأكد من وجود نوافذ للإنارة في المحراب. وقد شيدت على جانبي المحراب غرفتان، حيث تم تخصيص الغرفة الواقعة في الجهة الشمالية للمعمودية، أما الغرفة الواقعة في الجهة الجنوبية فخصصت للكهنة.
رسم منظوري لكنيسة جرادة - القرن الخامس الميلادي | |
كنيسة جرادة | كنيسة جرادة - الجهة الجنوبية |
في هذا الموقع برج مربع الشكل مؤلف من عدة طوابق، وهو في حالة ممتازة من الحفظ، يشبه بقية الأبراج في القرى الأخرى مثل قرية رفادة[ر] أو شيخ سليمان[ر] في جبل سمعان. كانت الأبراج في شمالي سورية مباني معزولة أو بجوار مبانٍ أخرى كالمساكن أو الكنائس أو الأديرة. وهي تتألف من عدة طوابق، ذات مخطط مربع الشكل. وشيد سقفها بشكل هرمي أو جملوني. ويمكن أن يكون الطابق الأول مبلطاً بالحجر، ومحمولاً على مساند أو على قوسٍ وسيط، وعادة ما كانت الألواح التالية مغطاة بالخشب كالأدراج والسلالم. وتحتوي بعض الأبراج على دورات المياه؛ مما يعني وجود إشغال دائم لها. وطرحت أفكار عديدة حول وظيفة هذه الأبراج، ويبدو من المؤكد أنها كانت تستخدم للسكن والمراقبة على نحو للتنسك، خاصة أن منطقة شمالي سورية قد عرفت نشاطاً كبيراً للرهبنة خلال العصر البيزنطي.
يتميز هذا الموقع بوجود عدد من المدافن الأرضية المنحوتة في الصخر وفق أشكال معمارية متنوعة ومنتشرة على محيط القرية، وهذا النمط من المدافن يكون جماعياً بوجه عام، حيث يضم المدفن الواحد أفراداً ينتمون عادة إلى أسرة واحدة. وتتنوع أشكال المدافن الأرضية، ويكون مخططها العام مؤلفاً من درج منحدر نحو المدخل، يليه ممر ضيق ممتد عدة أمتار أحياناً، وإلى جانبي هذا الممر المعازب التي تضم قبراً واحد أو أكثر.
تكون الأبعاد الداخلية في المدافن الأرضية بحسب عدد الأفراد أو مرتبطة بالحالة الاقتصادية للعائلة المالكة لها. أما الجدران الداخلية لغرفة الدفن فتكون مكسوة بمادة الجص، وتم تنفيذ رسومات جميلة بألوان مختلفة، تمثل الأشخاص الذين دفنوا في المدفن، أو تمثل مواضيع أسطورية مختلفة، كما توجد عناصر زخرفية أخرى تزين المدفن مثل التيجان المحمولة على الأعمدة أو المنحوتات النصفية للأشخاص، وهذا ما يلاحظ في مدافن قرى أخرى على بعد نحو ١٠ كم من قرية جرادة، مثل فركيا والمغارة [ر] في جبل الزاوية.
مأمون عبد الكريم
مراجع للاستزادة: - مأمون عبد الكريم، القرى الأثرية في الكتلة الكلسية شمال سورية (منشورات المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، بيروت ٢٠١١). - عفاف ليلا، زخرفة واجهات المباني السكنية في القرى القديمة في جبل الزاوية خلال العصر البيزنطي (المدن الميتة) (وزارة الثقافة، دمشق ٢٠١٠). -J. MATTERN, A travers les villes mortes de Haute Syrie, MUSJ, XVII, 1, (Beyrouth 1933). -G.TCHALENKO, Les villages antiques de la Syrie du Nord, I, (Paris, 1958). -G. TATE, Les campagnes de la Syrie du Nord, (Paris, 1992). |
- التصنيف : عصور ما قبل التاريخ - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :