جدارا (ام قيس)
Gadara (Umm Qeis) -

 جدارا

جدارا (أم قيس)

التاريخ السياسي لمدينة أم قيس

المسرح الغربي

الكنيسة المركزية أو الكنيسة المثمنة

الدكاكين المقنطرة

نافورة الماء Nymphaeum

مجمع الحمامات الرومانية

 

تقع مدينة أم قيس الأثرية Gadara على الحدود الشمالية الغربية الأردنية، شمال مدينة إربد نحو ٢٨كم، وعلى بعد ١١٠ كيلومتر شمال العاصمة الأردنية عمان، وتُعدّ بلدة أم قيس حالياً من أكبر مدن لواء بني كنانة في محافظة إربد.

تنتشر أطلال الموقع على سهل واسع يرتفع عن سطح البحر نحو ٣٧٨ متراً، يحدها من الغرب بحيرة طبرية والغور الأردني، إذ ينحدر سهل أم قيس تدريجياً إلى بداية نهر الأردن عند مخرجه من بحيرة طبرية، ومن الشمال نهر اليرموك ومرتفعات الجولان السورية وجبل الشيخ، ومن الجنوب وادي العرب الممتد من إربد شرقاً حتى شونة نمرين غرباً، ومن الشرق أراضي قرى مدينة إربد. وتبعد عن الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية نحو ١٢ كيلومتراً.

 

تقع المدينة الأثرية في الجزء الغربي من أم قيس الحديثة، وتبلغ أبعادها ١٦٠٠ متر طولاً من الشرق إلى الغرب، ونحو ٤٥٠ متراً من الشمال إلى الجنوب، ومعظم المخلفات الأثرية للمرتفع الهلنستي- الروماني مدفون تحت القرية العثمانية التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وتقع الآثار الهلنستية – الرومانية في الجزء الغربي من الموقع، وأما الآثار العائدة للعصر البيزنطي فهي الكنيسة البيزنطية والساحة.

محور الحركة في المدينة الأثرية هو الشارع المعمد Decumanus Maximus الذي يقسم المدينة من الشرق إلى الغرب إلى جزأين شمالي وجنوبي، وعلى طوله توجد المعالم الأثرية المهمّة مثل: المدفن البنائي الدائري، والبوابة الغربية، والبوابة التذكارية، وسبيل الحوريات، وساحة الكنيسة، والمسرح الغربي، والساحة المعمدة.

الشارع المعمد في جدارا

في الكتب عدة أسماء لهذه المدينة مثل أم قيس ومكيس وجدارا وجدر، كما سميت في التاريخ بأسماء الأباطرة والفاتحين، ولكن تلك الأسماء لم تثبت لفترة طويلة مثل تسمية المدينة باسم بومبيا نسبة إلى القائد الروماني بومبيوس Pompeius .

يقول غوتليب شوماخر G. Schumacher: إن مدينة أم قيس، ما زال اسمها جدارJedar محفوظاً في كهوف في الجزء الشرقي من المدينة قرب موقع البطمي، الذي يحتوي على عدد ضخم من الكهوف والمعروف لدى السكان المحليين باسم جدور أم قيس.

ينحدر الاسم «جدر» من الجذر السامي الذي يعني حصناً أو تحصيناً أو جداراً أو حائطاً، وهذا ما يتناسب مع المنحدرات العلوية من وادي اليرموك التي تحيط بالموقع. وبعد احتلال الإسكندر لها تغير هذا الاسم من جدر إلى جدارا أو جادارا؛ ليتناسب مع طريقة اللفظ الإغريقية.

كانت أم قيس نقطة حدود لها وظيفة حربية ذات أهمية كبيرة، وقيمة اقتصادية عالية، وتجارية ارتبطت بجباية ضريبة المكوس؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي جعل منها موقعاً رئيسياً للطرق التجارية التي تربط المدن في الأردن وفلسطين وسواحلها مع مدن بصرى وحوران وجنوبيّ سورية.

ويذكر الحموي أم قيس باسمها جَدَرَه حيث قال: إن جدره هي قرية في الأردن، وإن في الأردن عدة كور منها، كورة طبرية، وكورة بيسان، وكورة بيت رأس، وكورة جدر. ويذكرها البغدادي باسم جَدَر حيث قال: إن جدر هي قرية في حمص، وجدر أيضاً قرية في الأردن.

وقد ورد عن بعض المؤرخين أن الرومان-بعد أن يتمتعوا بالمياه المعدنية الحارة في حمة جدارا- يصعدون إلى جدارا المدينة الرومانية، ويستمعون إلى مسرحياتها التي تقام على مسارحها، ويتمتعون بالألعاب التي تجري في ميادين المدينة، ويستنشقون هواءها النقي.

التاريخ السياسي لمدينة أم قيس

نظراً للموقع الجغرافي المهم لجدارا؛ فإنها كانت من مدن بلاد الشام التي سيطر عليها الإسكندر المقدوني[ر] عام ٣٣٣ق.م.

وهكذا دخلت أم قيس في العصر الهلنستي، مما أدخل لها حضارة ومعتقدات جديدة كباقي مدن المنطقة. أعاد البطالمة الذين احتلوا جنوبي بلاد الشام بعد وفاة الإسكندر بناء مدينة أم قيس، وكانت بمنزلة حصن عسكري قوي، كان الهدف منه التصدي للسلوقيين وحماية أراضي البطالمة من خطر السلوقيين في الشمال، فكانت أم قيس في الفترة البطلمية إحدى مدن قلاع البطالمة، والمعلومات عن هذه الفترة الزمنية في أم قيس قليلة جداً.

استولى أنطيوخس الثالث[ر] Antiochos ш عام ٢١٨ قبل الميلاد على مناطق شمال الأردن؛ في أثر القيام بحملة عسكرية أدت إلى السيطرة على الجليل[ر]، واجتاز نهر الأردن، وسيطر على طبقة فحل[ر]، وجبال عجلون، وجدارا، وأصبحت أم قيس في هذه الفترة مركز إشعاع حضاري كبير للثقافة الهلنستية، وبقي فيها السلوقيون حتى أيام الاحتلال الروماني عام ٦٤ قبل الميلاد. وفي عهد السلوقيين حملت لقبين، هما سلوقيا وأنطاكية[ر].

لم تهنأ أم قيس بالاستقرار والازدهار كثيراً، وذلك بسبب تحركات الحشمونيين التي كانت تهدف إلى السيطرة على المدن السلوقية؛ إذ أصبحوا منشغلين بالتفكير بتوسيع مملكتهم الصغيرة آنذاك؛ مستغلين عدم الاستقرار والنزاع القائم بين السلوقيين والرومان منذ عام ١٤٩ قبل الميلاد. ويذكر فلافيوس جوزيف Joseqhus أن الحشمونيين قاموا باحتلال ما وراء نهر الأردن، فقد حوصرت أم قيس نهاية القرن الأول قبل الميلاد من قبل ألكسندر جانيوس Jannaeus لمدة عشرة شهور حتى أخضعها لحكمه، وقام بتدمير معالمها السلوقية، وذبح معظم سكانها، ودمر ما أنتجته حضارتها.

وصف فلافيوس جوزيف أم قيس بأنها مدينة يونانية، قام اليونانيون بعد احتلالها بجلب العائلات اليونانية إليها؛ إذ انتشرت فيها أسس الحضارة اليونانية ومعالمها التاريخية، وأصبحت مركز إشعاع حضاري للفكر اليوناني.

وبعد أن انتهى حكم السلوقيين في سورية الطبيعية عام ٦٤ قبل الميلاد، بمجيء القائد الروماني بومبيوس، وسقطت أم قيس عام ٦٣ قبل الميلاد، واحتلال جميع المدن الهلنستية في شماليّ الأردن، ونتيجة للدمار الذي عانته المدينة من حصار الحشمونيين بحسب رأي جوزيف؛ فقد أعاد بومبيوس بناء المدينة التي لقبت بعد دخوله إليها باسم بومبيا تكريماً له؛ لأنه حررها من الحشمونيين، وأعطاها كل الرعاية، وأعاد بناءها، واستخدمت مدينة أم قيس التأريخ البومبي الجديد؛ منذ دخوله إيّاها عام ٦٣ قبل الميلاد بدلاً من التأريخ السلوقي الذي كان متبعاً في المدن التي تقع تحت سيطرتهم.

ولاحقاً عام ٣٤م؛ أصبحت أم قيس على إثر معركة جمالا بين الحارث الرابع ملك الأنباط وأنتيباس؛ ضمن مناطق نفوذ الأنباط.

أعمال البحث الأثري وأهم الآثار المكتشفة:

زار الموقع الأثري الرحالة الألماني ستزنUlrich J. Seetzen سنة ١٨٠٦ ميلادية؛ حيث قام بتحديد موقع أم قيس على أنها هي آثار مدينة جدارا إحدى المدن اليونانية العشر، كما وصف الرحالة يوهان غوتفريد Consul Johann Gottfried Wetzstein في القرن التاسع عشر القناة الصخرية التي كانت تغذي المدينة من ماء عين التراب على بعد ١٢ كم إلى الشرق من جدارا، وما زال القطع الحجري الذي يسمى لدى الأهالي بقناة فرعون ماثلاً على طول الطريق الإسفلتي الحديث.

أشار الرحالة السويسري جون بيركهارت J.Burckhardt في كتابه عن رحلته التي قام بها سنة ١٨١٢ ميلادية إلى سورية والأردن وفلسطين- إلى موقع أم قيس، وكتب عن وجود مسرحين في هذا الموقع. وزار الموقع ويليم بانك سنة ١٨١٦ ميلادية، ووصف الموقع، وعدّ أم قيس مدينة جمالا.

قام شوماخر سنة ١٨٨٦ ميلادية بمسح أثري للمدينة، فحدد موقعها بأنها إحدى البلدتين الرئيسيتين في منطقة السرو، وهما أم قيس وملكا، وأنها تسمى لدى أهل البلدة باسم مكيس، ووثق مسحه للموقع الأثري في كتابه «شمال عجلون»، ووصف معالمه الجغرافية والديموغرافية والأثرية، ووصف البيانات القائمة؛ ولاسيما المسرح الغربي والأعمدة والأقواس وصفاً دقيقاً، ورسم مواقعها على الخريطة.

بدأت أعمال الحفر والترميم في أم قيس سنة ١٩٣٠ ميلادية من قبل دائرة الآثار العامة الأردنية، ثم قام ميتمان S. Mittman بالمسح الأثري والحفر في منطقة الحمام، التي اكتشفها شمال- غربي القرية سنة ١٩٥٩ ميلادية، ووصف ما وجده من نقوش وفسيفساء، ووصف الطريق المؤدي من درعا إلى جدارا، والساحات والمباني.

وابتدأت الحفريات الأثرية والمسوحات في أم قيس في سنة ١٩٦١ ميلادية عند فتح طريق الحمة، حيث قامت دائرة الآثار العامة بالكشف عن أرضية فسيفسائية بيزنطية في الجزء الغربي من قرية أم قيس، احتوت على رسومات وزخارف هندسية.

وفي سنة ١٩٨٦ ميلادية قام توماس فيبر Th.Wieber - من المعهد الألماني للآثار في برلين- بمسح أثري شامل للموقع، وفي سنة ١٩٨٦ -١٩٨٧ ميلادية أجرت البعثة تنقيبات في الضريح الأرضي، وتابعت سوزان كرنر S. Kerner وأدولف هوفمان A. Hofman- من البعثة الأثرية الألمانية أيضاً- التنقيب خلال عامي ١٩٩١ و١٩٩٢ في موقع البوابة التذكارية إلى الغرب من المدينة، وفي عام ١٩٩٢ تركزت الحفريات في منطقة الكنيسة والبنايات الجنوبية وشمال المسرح الغربي، وخلال السنوات ١٩٩٢ – ١٩٩٦ تم التنقيب عن الآثار-من قبل جنى وملدر وفريزن من البعثة الألمانية-في المنطقة المسماة (A)؛ وهي منطقة تقاطع الشارع الكبير مع الشارع الفرعي المتجه شمالاً جنوباً عند الزاوية الشمالية الغربية للأكروبول، وقد عثر على مجموعة من المباني وأرضيات الغرف.

تتميز أم قيس بآثارها المحافظة على شكلها الأساسي لغاية اليوم. وتضم المدينة الكثير من المعالم الأثرية، ومنها:

المسرح الغربي:

يُعدّ من أهم الآثار المتبقية من مخلفات الحضارة الرومانية في أم قيس، وهو يقع عند النهاية الجنوبية الغربية لتلة الأكروبول، وقد تم الانتهاء من بنائه في القرن الثاني الميلادي، وقد استخدم في بنائه الحجارة البازلتية الصلبة، وهو صغير بالمقارنة بالمسرح الشمالي؛ حيث إنه يتسع لثلاثة آلاف شخص. وقد عثر في أثناء التنقيب بهذا المسرح على تمثال من الرخام الأبيض بحجم أكبر من الحجم الطبيعي للإلهة تيكهTyche إلهة الحظ والسعادة عند اليونان والرومان، وهي تظهر جالسة على عرشها، وتحمل بيدها اليسرى قرن الرخا دليلاً على ازدهار المدينة.

المسرح الغربي

الكنيسة المركزية أو الكنيسة المثمنة:

إحدى الكنائس المهمة في مدينة أم قيس، وتقع إلى الغرب من تلة الأكروبول، وقد بنيت بطريقة البازيليكا، حيث يظهر مدخلها في الجهة الغربية الذي يفضي إلى كنيسة مثمنة، تظهر فيها الأعمدة الكورنثية المقطوعة من حجر البازلت والتي تعود إلى بقايا معبد روماني، ولها أرضية مبلطة بأشكال هندسية، ويظهر في نهايتها الشرقية المذبح، وعلى يسارها تقع ساحة الكنائس، وعلى يمينها تقع كنيستان صغيرتان.

بقايا كنيسة بيزنطية

الدكاكين المقنطرة:

إن الشرفة المقام عليها مجمع الكنائس في الجهة الغربية-مدعومة بأبنيةمقنطرة في الجهة السفلية- كانت تستعمل كدكاكين خلال الفترة الرومانية. وكانت هذه الدكاكين أقلانخفاضاً بقليل من مستوى الشرفة، وكانت الطريق التي تمر من أمام هذه الدكاكين مرصوفة بحجارة البازلت، وكان في المنطقة أيضاً رصيفللمشاة.

حوانيت رومانية عند جانب الشارع الرئيسي

نافورة الماء Nymphaeum:

هي نافورة لها أحواض ومحاريب، ويزينها عادة تماثيل صغيرة من الرخام، تقع على الشارع الذي يقع شرق غرب (الديكومانوس) بالقرب من تقاطعالشارعين الرئيسيين المبلطين ( الكاردَو Cardo والديكومانوس) في الجهة المقابلة للشرفة، ويعتقدأن هذا النصب التذكاري قد بُني لآلهة المياه القديمة.

مجمع الحمامات الرومانية:

يمكن مشاهدة آثار مجمع حمامات يعود إلى القرن الرابع الميلاديبالاتجاه شرقاً على طريق ترابي صغير يبعد نحو ١٠٠ متر من تقاطع الشوارعالمبلطة. وتستطيع أيضاً الوصول إلى الأجزاء السفلية للحمامات بسلوك طريق ترابيمقابل للمسرح الغربي. وهي حمامات رومانية تقليدية. وفيها غرف تحتوي على الماءالساخن والدافئ والبارد؛ وكذلك غرفة لتغيير الملابس. ويبدو أن هذه الغرفة قدتوقف استعمالها في أوائل القرن السابع الميلادي.

 

ساحة الكنيسة
جدارا من جهة الشمال

إن موقع مدينة أم قيس (جدارا) يؤكد أهميتها التاريخية عبر العصور، وهي من المدن العشر المعروفة بالديكابوليس، وتم تنظيمها على الطراز الروماني، وعلى الرغم من ازدحام منطقة الآثار بالمباني السكنية منذ مئات السنين؛ فإن دائرة الآثار العامة قد تملّكت البلدة بكاملها، وبدأت بعدد من المشاريع الخاصة بالتنقيب وكذلك مشاريع الترميم في المدرج الروماني في وسط المنطقة الأثرية خاصة. وقد ضم متحف الآثار فيها مجموعة ممتازة من لوحات الفسيفساء الملونة وأنواع الفخار والمسكوكات والزجاج والرخام الذي يمثل الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية.

زيدون محيسن

 

مراجع للاستزادة:

- زيدون محيسن، المدن العشر (الديكابوليس والفترة الرومانية في الأردن) بحث غير منشور، جامعة اليرموك (الأردن- إربد ١٩٩٤).

- بديع عطية، عدنان الحديدي، الأردن وفلسطين تاريخ وحضارة ، الموسوعة الأردنية ، الجزء الأول، المرحلة اليونانية – الرومانية والبيزنطية.


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق