اوغاريت (اثار)
Ugarit (Archaeology) -

أوغاريت (آثار -)

نبال محيسن

المعالم المكتشفة في أوغاريت من العصر البرونزي الحديث

أهم اللقى الأثرية في أوغاريت

 

يعرف موقع مدينة أوغاريت Ugarit القديمة اليوم باسم تل رأس الشمرة وقد أطلق عليه هذا الاسم بسبب انتشار نبات الشمرة عليه. وهذا الموقع على بعد (9)كم شمال مدينة اللاذقية على الساحل السوري بين نهري شبيب والدلبة اليوم، وللموقع شكل شبه منحرف بمساحة تقريبية قدرها 30 هكتاراً، ويبلغ ارتفاعه 20 م فوق مستوى سطح البحر. تمثل أوغاريت مركزاً مهماً من المراكز الحضارية السورية ذات المساهمة الاستثنائية في تطور الحضارة الإنسانية كما دلت عليه نتائج التنقيب الأثري الذي زاد عدد مواسمه على الثمانين.

من ناحية المناخ يتميز مناخ أوغاريت بأنه "متوسطي"؛ أي يتناوب فيه فصلان: صيف طويل وجاف وشتاء رطب، وتتسم درجات الحرارة بالاعتدال فيما يكون الهطل المطري غزيراً. ساعدت هذه العوامل الطبيعية على ممارسة الزراعة وخاصةً زراعة الحبوب مثل القمح والشعير؛ فضلاً عن الكروم، كما دل اكتشاف عدد من معاصر الزيتون في الموقع على أهمية صناعة الزيوت بالنسبة إلى المدينة.

منظر لرأس الشمرة يوضح أقسام مدينة أوغاريت بحسب ما كشفت عنه التنقيبات الأثرية

يعود تاريخ الأعمال الأثرية في الموقع إلى الثلاثينيات من القرن الماضي وتحديداً في عام 1929م حينما تم إخبار السلطات الأثرية السورية - الواقعة تحت الانتداب الفرنسي في حينه - عن وجود حجر كبير ظهر في أثناء قيام أحد المزارعين بحراثة حقله، وذلك في منطقة خليج مينة البيضا بقرب التل في جهة الغرب. كشفت التحريات السريعة التي أُجريت في المنطقة أنه يمثل بقايا المرفأ القديم، وسرعان ما بوشرت الأعمال الأثرية في رأس الشمرة الواقع شرق المرفأ.

مدينة أوغاريت

أولى التنقيبات كانت بإشراف الباحث الفرنسي كلود شيفر C. F. A. Schaefferواستمرت في الأعوام 1929-1939م، واستؤنفت - بعد انقطاع نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية- في عام 1948م. تعاقب لاحقاً على إدارة الحفريات كل من: هنري دو كنتسون H. de Contenson في الأعوام 1972-1973م، وجان كلود مارغرون J. Cl. Margueron في العامين 1975-٦٧٩١م. في عام 1977م أشرف على الحفريات عدنان البني وجاك لاغارس J. Lagarce. وتولّت مارغريت يون M.Yon رئاسة البعثة الأثرية منذ عام 1978م، وأعقبتها ڤاليري ماتويان V. Matoïan في مهمة الإشراف على البعثة التي تحولت في عام 1998م إلى بعثة مشتركة سورية - فرنسية برئاسة بسام جاموس وايڤ كالڤيه Y. Calvet، وما زالت أعمال البحث والتحري المشترك قائمة حتى هذا اليوم.

بوابة أوغاريت

يرد ذكر أوغاريت في الوثائق الكتابية للمرة الأولى في منتصف الألف الثالث ق.م، وذلك في نصوص "أبو صلابيخ"[ر] في جنوبي العراق وإيبلا في سورية، ويرد ظهورها في النصف الأول من الألف الثاني ق.م في محفوظات القصر الملكي في ماري وفي محفوظات ألالاخ وفي مراسلات العمارنة.

بوابة القصر الملكي

يضم موقع رأس الشمرة عدداً من الطبقات الأثرية تدل بمجملها على عمليات استيطان مستمر تقريباً منذ عصور ما قبل التاريخ حتى منتصف الألف الأول ق.م. ويدور نقاش بين الباحثين حول مدى صواب طريقة التنقيبات المتبعة من قبل المنقبين الأوائل؛ إذ إنهم فضلوا المجسّات الأثرية العمودية على كشف مساحات أفقية واسعة؛ مما سبب في أن تكون العلاقات بين طبقات الموقع غير واضحة تماماً. وقد نجم عن تلك الطريقة المتبعة في الحفريات التباس في تحديد تاريخ بعض منشآت العصر البرونزي الحديث، وعلى الرغم من هذا يمكن تحديد خمس طبقات أثرية في الموقع؛ وتعرض هنا من الأقدم حتى الأحدث على النحو الآتي:

> الطبقة الخامسة (العصر الحجري الحديث من 7500 حتى6000 ق.م):

تعود بواكير الاستقرار البشري في الموقع إلى مرحلة ما قبل الفخار من العصر الحجري الحديث؛ حينما قامت أولى المنشآت الزراعية ومورست زراعة الحبوب والزيتون ورُبّيت حيوانات الماعز والغنم واصطيدت الغزلان، وقد وجدت بعض البيوت وورشات تصنيع الأدوات الصوانية التي تركزت في وسط التل والقسم الغربي منه، وفي المرحلة اللاحقة ظهر الفخار من نمط "فخار العمق المصقول A" العادي والخشن، وظهرت الأبنية الحجرية ذات الغرف المتعددة، وانتشرت رؤوس الأسهم من نمط "العمق" مع العديد من الأدوات الحجرية والعظمية، وظهر فيما بعد نمط "فخار العمق المصقول B" الذي تميز بلونه الأحمر وزخارفه فضلاً عن نوع جديد من الأواني الكلسية تعرف بالأواني البيضاء Vaisselles blanches. أما البيوت فقد تألفت في هذه المرحلة من غرفة واحدة ذات جدران حجرية وأرضيات مفروشة بالجص، وفي المراحل اللاحقة تركز الاستيطان في الجزء الشمالي الشرقي الذي كون القلعة لاحقاً، وكشف هنا عن بيوت ذات أساسات حجرية متعددة الغرف؛ نُصبت أسقفها على أعمدة خشبية واستُخدم في بنائها الطين المضغوط pisé، وانتشر أيضاً نمط "فخار العمق المزخرف C"، وعثر هنا على عدة أدوات مثل الفؤوس ورؤوس السهام والسكاكين، لكن الأمر اللافت للانتباه هو انتشار الأدوات المصنوعة من الأوبسيديان obsidian بكثرة؛ فضلاً عن بعض الأختام المسطحة المصنوعة من الحجر الصابوني والأحجار الكريمة.

> الطبقة الرابعة (العصر الحجري - النحاسي من 4500- 4000 ق.م):

مع نهاية العصر الحجري الحديث بدأت تتجلى في أوغاريت تأثيرات ثقافة حلف؛ إذ تم العثور على مساكن حجرية ذات غرف مستطيلة الشكل، وانتشر نوع من الفخار تميز بزخارفه وعجينته الناعمة وأشكاله الأنيقة. ويمكن القول: إن الفخار بمجمله يعبر هنا عن المرحلة الانتقالية بين أدوار حلف والعُبيد.

يلاحظ أيضاً اقتصار البناء فوق المساحة المشغولة في المرحلة السابقة، وقد وجدت بعض الغرف المبلطة إلى جانب بعض الصوامع الدائرية Silos، وانتشر نوع من فخار "العبيد المتأخر" وظهرت النصال الكنعانية مع أولى الدلائل على وجود صناعات تعدينية metallurgy.

> الطبقة الثالثة (العصر البرونزي المبكر من 3000-2000 ق.م):

هجر الموقع بعد العصر الحجري - النحاسي لفترة قد تكون امتدت لعدة قرون وأُعيد استيطانه مجدداً مع بدايات الألف الثالث ق.م، وقد تطورت العمارة في هذه المرحلة نتيجةً لاستخدام اللبن واستمر تشييد الأبنية على أساسات حجرية، أما الفخار فيشمل "فخار العمق H-J". ومن الجدير بالذكر أنه كانت لأوغاريت حينذاك صلات وطيدة مع مواقع سورية أخرى في حوض نهر العاصي وفي فلسطين، وهذا ما دل عليه اكتشاف عينات من فخار "خربة الكرك" في الموقع، ولابد من الإشارة إلى ظهور أولى رؤوس الحِراب المعدنية والدبابيس.

> الطبقة الثانية (العصر البرونزي الوسيط من 2000-1600 ق.م):

في هذه الطبقة توسعت المدينة توسعاً ملحوظاً وأُحيطت بسورٍ حجري ضخم ما زالت بقاياه واضحة في بعض الأماكن، وقد غطت السكنى التل بأكمله فيما تحول القسم الشرقي منه إلى القلعة (أكروبول)، وقد ظهرت في شمال شرقي التل، بقايا معمارية مهمة لوحدات سكنية ومعابد مثل معبدي الإلهين بعل ودجان اللذين بُنيا على قمة القلعة وأشرفا على المدينة السفلى، وعلى الرغم من أن إنشاءهما كان في العصر البرونزي الوسيط فقد بقيا قيد الاستخدام حتى القرن الحادي عشر ق.م، وقد أُقيما فوق مصاطب حجرية متينة، وتألف كل منهما من مدخل جنوبي يفضي إلى رواق يقود إلى موضع العبادة، وهذا ما يمثل تجسيداً للنمط السوري التقليدي في بناء المعابد المعروف باسم" المعبد ذو الواجهة والغرفة الطويلة". ويدل وجود بقايا أدراج في المعبدين على وجود طابق ثانٍ، مما جعل المنقبين يعدّونهما معابد برجية، ومن اللافت وجود ركائز لمسلات حجرية بالقرب من معبد بعل؛ فضلاً عن مراسٍ حجرية ربما تكون قُدمت نذوراً من قبل البحارة الذين ارتادوا الموقع.

مشهد تمثيلي لمعبد بعل

كشفت التنقيبات في هذه الطبقة عن بقايا تحصينات، ففي أواخر العصر البرونزي الوسيط أحيطت المدينة بجدار يبلغ سمكه مترين ونصف، وأُقيم منحدر مبني من الحجارة الصلبة غرب معبد بعل في موضع السور الذي أحاط بالمدينة في العصر الحجري - النحاسي، وكُشف عن عدة مواد أثرية وأنواع مختلفة من المنتوجات الفخارية التي كان بعضها محلي الصنع وبعضها الآخر مستورداً، ومن المكتشفات الأخرى هناك الأسلحة والجواهر وقطع الزينة والمنحوتات الحجرية وبعض الأختام الأسطوانية. ويبدو أن منشآت العصر البرونزي الوسيط كانت متطورة ومعقدة التصميم، وقد دلت المجسات الأثرية الاختبارية المنفذة - إلى الشرق من معبد بعل - على تعرض المنشآت هناك للتخريب والتشويه نتيجة حفر أساسات أبنية العصر اللاحق - أي البرونزي الحديث - فيها. ومما يجدر ذكره أن المنقبين أشاروا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة تصحيح تأريخ بعض المنشآت؛ مثل معابد القلعة و"حي القصور" والقصر الشمالي التي اعتُقد أنها تعود إلى أواخر العصر البرونزي الوسيط، في حين اتضح أنها تعود إلى تاريخ أحدث في العصر البرونزي الحديث. هناك أيضاً بعض المواد التي تحمل كتابات هيروغليفية ووثائق كتابية عدة توّضح العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة بين أوغاريت وممالك يمخد (حلب) وماري وإيبلا في ذلك الوقت.

مشهد تمثيلي لمعبد دجن

> الطبقة الأولى (العصر البرونزي الحديث من 1600- 1200 ق.م):

كانت أوغاريت محاطة بسور دفاعي ضخم كشف عن جزء مهم منه في الجهة الغربية من المدينة، وهو النوع المسمى بالسور المغمور ذي القاعدة العريضة تدعمه الأبراج القوية وتخترقه البوابات من نوع الكماشة التي يعتقد أنه كان منها في أوغاريت أربع على غرار المدن الأمورية الكنعانية، وقد كانت البوابة المكتشفة في غربي المدينة من مدخلين: واحد للمشاة وآخر للعربات.

تعد هذه الطبقة أهم الطبقات المكتشفة في موقع أوغاريت، وقد دل التنقيب فيها على الأهمية الاستثنائية للمدينة في العصر البرونزي الحديث، وهو العصر الذي غطت فيه المدينة جميع أرجاء الموقع، غير أن التنقيبات لم تكشف حتى الآن عن أجزاء المدينة كلها، ولا يتعدى ما كشف عنه ثلث مساحة المدينة من هذا العصر، ويقدر أن مساحة أوغاريت في هذا العصر بلغت زهاء 20 هكتاراً، ويبدو أن الأجزاء الشمالية من الموقع تعرضت للحت النهري. يمتد قسم كبير من المدينة تحت بساتين الليمون الحديثة مما يعوق عمليات التنقيب، وعلى الرغم من هذا فإن ما كشف عنه من المدينة يسمح بتكوين فكرة عن التنظيم العام لها، وكذلك الاستدلال على أن هذه المدينة كانت ذات كثافة سكانية عالية، ويقدر عدد سكانها بنحو 8000 نسمة استناداً إلى النصوص، ولكن مما لا شك فيه أن العدد الإجمالي للسكان كان أكثر من ذلك.

تبرز أوغاريت في هذا العصر مملكة تمتد حدودها من جبل الأقرع (صفون قديماً) شمالاً حتى نهر السن جنوباً، ومن المؤكد أنها استفادت من مواردها الزراعية الوفيرة فضلاً عن تحكمها بطرق التجارة البرية والبحرية التي ربطت ساحل البحر المتوسط بالأراضي السورية الداخلية، وبوساطة هذه الطرق صدَّرت أوغاريت الزيتون والزيت والأقمشة واستوردت المعادن - خصوصاً النحاس - من قبرص [ر]. وفي أواخر مراحل استيطانها تحولت أوغاريت إلى مستوطنة صغيرة شغلت الجزء الغربي من القلعة، وكان ذلك في العهود الهيلنستية والرومانية.

قدمت النصوص المكتشفة في أوغاريت قائمة بأسماء الملوك الذين تعاقبوا على حكم المدينة ابتداءً من القرن الرابع عشر قبل الميلاد حتى تدميرها من قبل شعوب البحر، وهؤلاء الملوك هم:

< عمشتمرو الأول Ammishtamru I: حكم في نحو 1400-1370/1350ق.م.

< نقمادّو الثاني Niqmaddu II: 1350-1315 ق.م.

< أرخالبو Arhalbu: في نحو 1315-1313 ق.م.

< نقميبا N. qmepa: في نحو 1313-1260 ق.م.

< عمشتمرو الثاني Ammishtamru II: 1260-1235ق.م.

< ايبيرانو Ibiranu: نحو 1235-1225/1220 ق.م.

< نقمادّو الثالث Niqmaddu III: نحو 1225/1220-1215ق.م.

< عمّورابي Ammurapi: نحو 1215-1185 ق.م.

تنازع ملوك ميتاني [ر] والدولة الحثية ومصر السيطرة على مملكة أوغاريت، فخضعت المملكة في البداية لنفوذ الفراعنة مع بدايات القرن الرابع عشر ق.م، ثم وقعت تحت السيطرة الحثية مع حلول منتصف القرن الثالث عشر ق.م. وثمة عدة معاهدات معقودة بين حكام أوغاريت والملوك الحثيين مختومة بالختم الملكي الرسمي لأوغاريت، وأهمها معاهدة التحالف المبرمة بين نقمادو الأول والملك الحثي شوبيلوليوما الأول Shuppiluliuma I في نحو 1350 ق.م؛ وبين أوغاريت ومصر بخصوص تبادل الهدايا النفيسة أو البضائع العادية وتنظيم التجارة ما بين المملكتين. كانت أوغاريت خلال تلك المرحلة تحت سيطرة الامبراطورية الحثية، وكان الملك في أوغاريت يتبع أوامر نائب الملك الحثي المقيم في مدينة كركميش [ر] على الفرات السوري.

انتشر عدد من المدن في الجهات الشمالية والجنوبية من المدينة المركز أوغاريت؛ وذلك في مواقع: رأس البسيط وسيانو وتويني وسوكاس، وعلى الرغم من عدم التنقيب في هذه المواقع على نحو كامل وعدم التوصل إلى معرفة أسمائها القديمة يمكن القول: إنها كانت تابعة سياسياً واقتصادياً لأوغاريت.

المعالم المكتشفة في أوغاريت من العصر البرونزي الحديث

شملت التنقيبات الأثرية في طبقة العصر البرونزي الحديث في أوغاريت عدة قطاعات وأحياء ضمت مباني مختلفة يمكن عرضها على النحو الآتي:

القصور الملكية: تشغل القسم الشمالي - الغربي من المدينة، ويرتبط بها من جهة الغرب بناء محصن له بوابة في السور ما تزال معالمها واضحة حتى اليوم، وأهم هذه القصور:

> القصر الملكي الكبير: شيّد في وسط القطاع، ويتألف من مجمع أبنية يغطي مساحة هكتار تقريباً، ويعتقد أن تشييده تم في القرن الرابع عشر ق.م، وقد حافظت بعض جدرانه على ارتفاعات تصل إلى ثلاثة أمتار في بعض الأماكن. ينفتح القصر باتجاه الغرب حيث الطريق المؤدية إلى البوابة المحصنة الهائلة الواقعة عند السور الغربي باتجاه مرفأ "مينة البيضا"، ويضم القصر ساحة مرصوفة بالحجارة ذات بوابات تؤدي إلى داخل المدينة، وتطل عليها على غرف صغيرة للحرس مع برج حصين وممر متعرج يؤدي إلى قاعة العرش، وكشف في القصر أيضاً عن بعض الحجرات التي تحتوي على محفوظات كتابية archives متفرقة. أما الجهة الشرقية من القصر ففيها باحتان بأروقة تحف بهما صفوف من الغرف الصغيرة والسلالم والحجرات التي يصعب تحديد دورها بدقة، وقد عثر تحت غرف الجزء الجنوبي من القصر على مدافن كبيرة منهوبة منذ القدم، ويُعتقد أنها المدافن الملكية. وفي الباحة الجنوبية للقصر بركة مزودة بشبكة من القنوات، وفرن عُثر بداخله على رقم طينية مشوية ترجع إلى زمن التدمير النهائي للقصر بسبب حريق كبير في القرن الثاني عشر ق.م، كما أن العثور على أكثر من اثني عشر درجاً- موزعة في أرجاء القصر- يشهد بوضوح على وجود طابق علوي واحد على الأقل. إن فخامة الأثاث والقطع الفنية ونوعيتها في هذا القصر واضحة على الرغم من الحريق الهائل الذي تعرض له، ومن بين هذه القطع كسر العاج التي عثر عليها، وهي تشير إلى رفاهية عالية عاشها سكان القصر ونخبة القوم الذين سكنوا بقربه.

مدفن أوغاريتي

> القصر الجنوبي: يقع إلى جنوب القصر الملكي الرئيسي ويعرف باسم بيت يبنينو Yabninu، وهو بيت واسع يفصله عن القصر الملكي شارع، ويشتمل على نحو ثلاثين غرفة تحيط بباحتين رئيستين، ويعتقد أن غرفاً أخرى كانت موجودة في الطابق الثاني، وقد تم بناء هذا القصر في نهاية العصر البرونزي الوسيط في نحو 1600 ق.م، ويبدو أنه هجر في القرن الرابع عشر واستخدم مشغلاً لعملية بناء القصر الملكي الجديد الذي يقع إلى الشمال منه.

> القصر الشمالي: سمي بهذا الاسم لوقوعه إلى الشمال من القصر الملكي الرئيسي، ويعود بناؤه إلى مطلع عصر البرونز الحديث، وقد صمم على شكل مستطيل 36*46م، ويتألف من جناحين: جنوبي ويمثل القسم الإداري، وشمالي خاص بالإقامة. في القصر باحتان رئيستان مستطيلتان: واحدة في الجناح الشمالي؛ والثانية في الجنوبي، وتتوزع حولهما بقية غرف القصر البالغ عددها زهاء الثلاثين. هُجر هذا القصر في القرن الخامس عشر ق.م، وأُخليت منه ممتلكاته، واستخدمت أحجاره في بناء القصر الملكي الكبير.

الحي السكني يقع في شرق حي القصور ويمتد إلى شمال القلعة وجنوبها. وقد تباينت البيوت في مدينة أوغاريت بحسب المستوى الاجتماعي والاقتصادي لساكنيها، لكن هذه البيوت كانت عموماً تتألف من طابقين يربط بما بينهما درج من الحجر أو الخشب. وتختلف طبيعة استخدام الطابقين؛ إذ كان الطابق الأرضي مخصصاً لتخزين البضائع والمؤونة أو لممارسة بعض الحِرف، فيما كانت غرف الإقامة أو النوم في الطابق العلوي، وغالباً ما كان هذا الطابق يضم المكتبة أو المحفوظات الخاصة. من البيوت المهمة في أوغاريت رشب أبو Rashap’abu؛ وبيت رابانو Rapanu. ويظهر صاحبا هذين البيتين من خلال النصوص المكتشفة على أنهما كانا تاجرين كبيرين مرتبطين بالقصر الملكي. ومن البيوت المهمة أيضاً بيت كبير الكهنة الذي كشف عنه بين معبدي بعل ودجان، وقد وجدت فيه مكتبة ضخمة ضمت النصوص الأوغاريتية ذات الطابع الأدبي. وفي الجهة الشرقية من الموقع توجد بقايا معبدي بعل ودجان فضلاً عن مجموعة من البيوت المتجاورة، وهناك الحي التجاري الذي يغطي القسم الشمالي الشرقي من التل حيث وجدت بيوت عدة ومشاغل خاصة بالحرف اليدوية والمحلات التجارية.

منحوتة عاجية تظهر عناة وهي تطعم عنزتين

تعرضت أوغاريت لنهاية مفاجئة افترض أنها كانت بسبب الكوارث الطبيعية - مثل زلزال مدمر- أو نتيجة لغزوات أجنبية. وتتطرق المراسلات الملكية بين حكام أوغاريت والدولة الحثية وفراعنة مصر إلى وجود تهديد مشترك من نوعٍ جديد يتمثل بانطلاق جماعات بشرية من مناطق شمال غربي حوض البحر المتوسط باتجاه الجزء الشرقي منه؛ أي على امتداد ساحل الأناضول ومناطق الهلال الخصيب وجزيرة قبرص، وذلك على دفعات وفي سنوات متلاحقة، ويطلق اسم "شعوب البحر" على تلك الجماعات التي كانت تنتقل في قوارب بحسب الإشارات الواردة في الكتابات المصرية القديمة، ويورد الفرعون المصري رمسيس الثاني في نصب له أنه انتصر على تلك القبائل في عام 1182ق.م، ومن المحتمل أن غزوات شعوب البحر كانت السبب في الكارثة التي ألمت بأوغاريت ودمرتها وأشعلت النار في قصرها وأحيائها السكنية، وهذا ما تعرضت له أيضاً مدن مثل صيدا وصور وكذلك عاصمة الحثيين في موقع بوغازكوي [ر]. إن زمن غزوات شعوب البحر يمتد من أوائل القرن الثالث عشر حتى أواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد. أخيراً: يعتقد الباحثون أن السكن لم ينقطع نهائياً في أوغاريت بعد ذلك التاريخ؛ إذ إن بعض المعطيات المعمارية والفخارية تدل على دلائل استيطان محدود في منطقة رأس ابن هانئ التابعة لأوغاريت.

أهم اللقى الأثرية في أوغاريت

يمثل الفخار السوري المحلي الأغلبية الساحقة من مجمل المنتجات الفخارية المؤرخة من العصر البرونزي الحديث التي وُجدت سواء في البيوت أم ضمن الأثاث الجنائزي في القبور، وهو فخار يتميز بكونه خشن السطح؛ غير مصقول غالباً؛ وخالياً من الزخارف، بيد أن بعض نماذج الفخار تميزت بلونها البني وبتزيينات مختلفة مثل الأشكال الهندسية المختلفة ورسوم بعض الحيوانات والطيور وبعض المشاهد الفنية، وتم العثور أيضاً على الكثير من الجرار الصغيرة والكبيرة التي استخدمت لنقل البضائع التجارية والمواد مثل الزيت والخمر والعطورات، وفيما يتعلق بالفخار المستورد وجدت كميات كبيرة من مناطق بحر إيجة وجزيرة قبرص (آلاشيا Alashia) كما ذكرتها النصوص في أوغاريت. ويمكن القول: إن تلك المنتوجات كانت أكثر نعومةً وأغنى بالزخارف الفنية. ومن المكتشفات المهمة التي أسفرت عنها التنقيبات في أوغاريت يمكن ذكر ما يأتي:

منحوتة لبعل يغرس نصلة رمحه في الأرض

> الرقم المسمارية التي كشف عن معظمها في القصر الملكي وبعض البيوت؛ خصوصاً بيت كبير الكهنة. حملت هذه الرقم الطينية مئات النصوص المسمارية، وقد كُتب بعضها بالأبجدية الأوغاريتية، أما النسبة الأكبر من هذه النصوص فقد دونت باللغة الأكادية، وهناك نصوص مدونة بالسومرية والحثية والحورية الميتانية. تتنوع مواضيع هذه النصوص وتشمل المواضيع الدينية والسياسية والقضائية والإدارية وعمليات البيع والشراء، ومن النصوص المهمة التي كشف عنها في أوغاريت النصوص الأدبية التي تتضمن الأساطير والملاحم الأوغاريتية ونصوص المعاهدات الدولية؛ فضلاً عن المعاجم.

رقيم موسيقي 23

> القطع العاجية الرائعة مثل قطع "السرير الجنائزي" وقطعة "وجه الأمير" التي تمثل مشاهد ملكية مختلفة عن الصيد والعبادة؛ فضلاً عن منحوتات أخرى مثل منحوتة الإلهة عشتار أو أشتارته، وتتميز بخصائص التصوير السوري المحلي وبواقعيتها.

> قطع الحلي والجواهر والأوزان[ر] الحجرية الخاصة بمنطقة أوغاريت ومجموعة من الأواني الذهبية.

قصعة من الذهب

> الأختام بأنواعها؛ الأسطوانية والمسطحة والجعران Scarabs المصرية التي تمثل عصوراً مختلفة وتقاليد فنية متنوعة، منها السورية الشمالية ذات الصلة بطرز حلب؛ أو المتصلة بتقاليد رافدينية أومصرية قديمة. تمثل المشاهد الفنية على الأختام مشاهد مختلفة بعضها مستوحى من الأساطير السورية، وبعضها يصور مشاهد نشاطات الحياة اليومية في ممارسة الزراعة ومشاهد الصلاة.

> الأواني الخزفية سواء المحلية أم المستوردة من قبرص ومناطق بحر إيجة، وهناك أيضاً الأواني الحجرية المتنوعة (المصرية و الحثية).

جرة من أوغاريت 25

> المنحوتات الحجرية وتماثيل البشر والآلهة مثل تمثال رب الأرباب إيل الجالس على عرشه؛ المصنوع من الحجر الكلسي، وتبدو عليه علامات الألوهية والكهولة بواقعية متميزة في فنون الشرق الأدنى القديم. وتجدر الإشارة إلى نصب بعل الذي يصوره واقفاً وهو مدجج بالسلاح ويحمل رمز الصاعقة.

تمثال إيل من أوغاريت

> التماثيل البرونزية ومنها المطلية بطبقة من الذهب مثل تمثال الإله إيل الذي يرتدي التاج المصري وتمثال الإله بعل الذي يبدو في وضعية قتالية و هو يتأهب لرمي سلاحٍ ما.

> الكثير من الأدوات البرونزية ومنها الفؤوس التي يحمل بعضها كتابات، الأسلحة، الأدوات الزراعية مثل المناجل وغيرها.

من المواقع المهمة القريبة من أوغاريت رأس ابن هانئ، على بعد 4 كم جنوب المدينة، وقد كشفت التنقيبات الأثرية فيه عن وجود قصرين ملكيين؛ شمالي وجنوبي، يعودان إلى عهد الملك الأوغاريتي عمشتمرو الثاني. ومن أهم مكتشفات القصر الشمالي قالب لصب السبائك المعدنية يدل على التطور الذي بلغته الصناعات المعدنية في ذلك الوقت.

مراجع للاستزادة:

- V. MATOÏAN, “Le mobilier du palais royal d Ougarit. Un nouveau programme de recherche”, in Y. Calvet et M. Yon (éds), Ougarit au IIe millénaire av. J.-C. Etat des recherches, TMO 47, (Lyon, 2008) pp. 127- 149.

- Y. CALVET et H. DE CONTENSON “Ougarit”, in Y. Calvet et G. Galliano (éds), Le Royaume d’Ougarit, aux origines de l’alphabet, Dijon, 2004), pp. 36- 37.

- P. AKKERMANS and G. SCHWARTZ, The Ar­chae­ology of Syria: from Complex Hunter-gath­erers to Early Urban So­ci­eties (ca. 16¨000-300 BC), (Cam­bridge, 2003).

- M. YON, La Cité d Ougarit sur le Tell de Ras Shamra, Éditions Recherche sur les civilisations, (Paris, 1997).


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق