تعليم
Education - Education

التعليم

أمين قداحة

تاريخ التعليم عبر العصور

المؤسسات التعليمية

 

تعددت طرق التعليم قديماً بتعدد المراحل التعليمية التي كان يمر بها المتعلم. إذ كان الطالب المبتدئ يبدأ بتعلم الإمساك «بالقلم» بيده، وتحضير الرقم الطينية وتهيئتها للكتابة، وكانت هذه الرقم غالباً دائرية الشكل. ثم يتم تعليمه العلامات الكتابية ابتداءً بالعلامات الأولية البسيطة والعلامات المركّبة. وبعدها يتعلم الطالب كيفية تكوين الكلمات ليصل إلى مرحلة تدوين الأسماء والمصطلحات وغيرها. وكان كل ذلك يتم من خلال الدروس الشفهية والعملية.
وفي أوغاريت تبدو الصورة أجلى، حيث تظهر بوضوح محاولات الأستاذ الأوغاريتي تعليم حروف الأبجدية لطلابه. فبعد أن يرتب لهم الأحرف الثلاثين بحسب تسلسل ثابت يساعد الطلاب على حفظها بسهولة أكبر يقوم الأستاذ بتعليم طلابه كيفية كتابة الأحرف، وذلك من خلال قيامه بنقش كامل الأبجدية بخط جميل؛ لتكون مثالاً للتداول بين الطلاب الذين يتوجب عليهم أن يبذلوا جهداً في نسخها على دفعات في البدء، ثم نسخ الأبجدية كاملة دفعة واحدة. وبعد أن يكون الأستاذ قد علّم تلاميذه أحرف الأبجدية يبدأ بتعليمهم كيفية استخدامها في كتابة الكلمات، ومن ثم كتابة الجمل، كما في أحد التمارين المدرسية المكتشفة الذي يتضمن أربعة أحرف أوغاريتية تفصل بينها خطوط عمودية، ثم كان على الطالب تركيبها وتأليف كلمة منها.
كانت هذه المراحل المبتدئة تستغرق من التدريب ما بين أربع سنوات إلى ست ، أما المراحل المتقدمة في كتابة النصوص الأكثر صعوبة، التي تتضمن نسخ الأمثال والأساطير والتراث الديني والثقافي والترجمة إلى لغات أخرى؛ فإن الدارسين يحتاجون إلى عدد آخر مماثل من سنوات الدراسة. وتعتمد هذه المرحلة المتقدمة على عدة طرق في التعليم، أهمها الجداول والمعاجم اللغوية التي أملتها ضرورات اقتصادية وسياسية وعسكرية. وفي سبيل ذلك كانت الأبجدية الأوغاريتية ترتب في أعمدة، ثم يكتب مقابل كل حرف المقطع الصوتي الأكادي المطابق له باللفظ، وهذه الطريقة تطبق على جميع اللغات التي كانت ضمن المناهج الدراسية في أوغاريت مثل الأكادية، الحورية، والسومرية وغيرها. في إيبلا يتم التعليم من خلال المعاجم اللغوية والجغرافية، وأهمها المعجم (الإيبلائي– السومري) بكتابة الكلمات الإيبلائية وما يقابلها من الكلمات السومرية، مع توضيح كيفية نطق الكلمات السومرية في بعض الأحيان. وقد كان على الطلاب دراسة هذه المعاجم بعد اجتيازهم للمراحل الابتدائية عن طريق كتابة النصوص ونسخها والتمرن عليها تحت مراقبة الأستاذ لوظائفهم المدرسية التي كانت غالباً تذيّل باسم الطالب مع توقيع أستاذه ومدير المدرسة بعد تدقيقها. والطالب لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى، ولا يتخرج إلا بعد خضوعه لنظام امتحاني شفهي وكتابي صارم.
تاريخ التعليم عبر العصور
ترافق ظهور التعليم وظهور الإنسان القديم، الذي بدأ حياته بالتعليم الغريزي منذ الطفولة ضمن نطاق التجمعات البدائية من خلال الملاحظة والتقليد ومشاركة الجماعة في نشاطها وأعمالها. أي إن العملية التعليمية كانت من مسؤوليات الأسرة، وبالتالي فإن المجتمعات البدائية لم تعرف المدرسة والكتب الدراسية أو المعلمين. ومع تطور الثقافة في مراكز الحضارات الكبرى، مثل وادي الرافدين ووادي النيل؛ ظهرت الحاجة إلى التنظيم الاجتماعي وابتكار وسائل جديدة لتأمين حياة الناس وحفظ تراثهم وحماية كيانهم؛ مما أدى إلى اختراع الكتابة وما تلاها من محاولات تطوير أساليبها؛ وبالتالي التطور في أسلوب الفن والأدب وأنماط الثقافة الأخرى التي رافقت نشوء التعليم الفني والعملي وتطورهما. وهذا التعليم كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إعداد تجار وكتّاب وأصحاب حرف أخرى. وظهرت الحاجة إلى المربين والمعلمين، فكان نشوء المدارس لمواجهة هذه الحاجة. وتغيرت النظم التربوية من مجرد عملية عارضة إلى عملية منظمة في الإطار الديني، بل تعداه إلى التعليم العلمي بكل مجالاته (الرياضي والفلكي واللغوي وغيرها).
على أن التعليم لم يكن عاماً أو إلزامياً، فكان الطلاب عادةً من الأسر الغنية لما يحتاج إليه التعليم من الوقت والمال. ففي بلاد الرافدين كانت المدارس ملحقة بالمعابد والقصور، ويبدو أنها كانت خاصة، وكان التعليم فيها لقاء أجر؛ عدا الهدايا الإضافية إلى المعلمين، وكان مدير المدرسة في السومرية يدعى أومّيا Ummia أي الخبير أو الأستاذ، ومن ألقابه أبو المدرسة. ووجد بالمدرسة موظفون، منهم: الأخ الأكبر الذي يكتب الألواح للتلاميذ كي ينسخوها، والمشرف على الرسم، والمشرف على «اللغة السومرية»، والمراقب الموكل «بالسوط». وكانت المناهج المقررة في هذه المدارس تشمل الكتابة المسمارية واللغتين البابلية والسومرية. وكان التعليم يشمل المعارف الرياضية والموسيقى والفلك والطب وشؤون القانون. وكانت المناهج تحث الطلبة على التعليم، وكان الكاتب يفخر بعلمه أمام الجميع.
المؤسسات التعليمية
إن أهمية التعليم غير مرتبطة بالبناء الذي يجري فيه، فقد كانت أولى المدارس في العصور المبكرة ملحقة بالمعابد التي انحصرت مهمتها الأساسية في تخريج عدد من الكتّاب، سواء كانوا من الكهنة أم غيرهم؛ بغية القيام بالأعمال الكتابية المطلوبة في خدمة قطاعات المعابد المختلفة، وكان الكهنة فيها هم المعلمين الأوائل والمؤسسين الفعليين. وكان هذا النوع من المدارس خارج إشراف الدولة. وفي نحو منتصف الألف الثالث ق.م صارت المدارس تلحق بالقصور أيضاً تحت إشراف الدولة لتخريج الكوادر المطلوبة في تسيير شؤون الدولة الإدارية والاقتصادية، وغيرها. ومن الأمثلة عن المدارس تلك التي كشفت عنها البعثة الفرنسية - بين عامي 1934– 1935 م- ضمن القصر الملكي في تل الحريري (مملكة ماري)، وهي مؤلفة من قاعتين بين الجناح الملكي والجناح الإداري. وتتميز هاتان القاعتان بوجود مصاطب صغيرة مرتبة مثل ترتيب مقاعد صف المدرسة الحالي، ومشيدة بالآجر، يتسع الواحد منها لأكثر من طالب. وعثر بين هذه المقاعد على عدد من الألواح والمعدات المدرسية التي تشبه الزوارق في شكلها، وهي علب لأدوات الكتابة تحوي أصدافاً صغيرة بيضاء، كانت الغاية منها تعليم العمليات الحسابية.
وظهر نوع من المدارس الخاصة نتيجة انتشار الكتابة وتزايد عدد الكتّاب، وقد اتخذت هذه المدارس من ساحات البيوت مركزاً لنشاطاتها التعليمية. فضلاً عن هذه المؤسسات؛ كانت العمليات التعليمية تجري في قاعات المحفوظات في بعض الأحيان، كما هو الحال في أوغاريت، حيث كان الكاتب الأوغاريتي يقضي معظم وقته في نسخ الرقم وممارسة النشاط المدرسي المكثف.
ومن أهم المراكز التعليمية في سورية:
1ـ إيبلا: إن النصوص المكتشفة في تل مرديخ - موقع مدينة إيبلا القديمة- لا تدع مجالاً للشك بوجود مدارس (أكاديمية) خلال الألف الثالث ق.م، وكانت مركزاً متقدماً على نحو كبير بحيث كانت تنافس المدارس المعاصرة في أوروك و»أبو صلابيخ»، وقد كانت على صلات وثيقة بهذه المدارس، حتى إنها كانت تستقبل مدرسيها لعقد مؤتمرات علمية أو زيارة مدارسها. ويُقرأ في رقيم مسماري إيبلائي عن أستاذ اسمه (أشما– يا) من كيش وضع كتيباً في مادة الرياضيات في إيبلا. وكانت مدارس إيبلا تستقبل بعض الطلاب من مدن أخرى كانوا يرغبون في إكمال علومهم العليا؛ إذ يقرأ في الحاشية الختامية لأحد الرقم الإيبلائية: «عندما وصل الكتبة الناشئون من ماري ومن إيمار».
2ـ ماري: تُعدّ ماري من أهم المراكز التعليمية في سورية قديماً بما شهدته من قاعات للدراسة اكتشفت في القصر الملكي، والتي احتوت على أدوات صدفية كانت تستخدم في العمليات التعليمية، إضافة إلى ثمانية رقم تتضمن شروحات حسابية تعليمية تعود بتاريخها إلى عصر سلالة أور الثالثة.
3ـ أوغاريت: وهي من المراكز التعليمية المتقدمة في سورية، إذ تؤكد نصوصها المسمارية النشاط التعليمي الكبير، وخاصة في مجال الترجمة من عدة لغات وإليها، على رأسها اللغة الأكادية.
4ـ قطنة: وتتجلى أهمية هذا المركز التعليمي من خلال موقعه المهم وسط سورية، ويؤكد نشاط هذا المركز التعليمي اكتشاف الألواح الطينية التعليمية المؤرخة من أواخر الألف الثالث ق.م، والتي توضح وظائف مدرسية مُعدّة من قبل أساتذة لتلاميذهم.
5ـ ومن المراكز التعليمية القديمة في سورية أيضاً إيمار ونابادا (تل بيدر).

مراجع للاستزادة:
- أندريه بارو، ماري، ترجمة رباح نفاخ (دمشق 1979م).


- C. I. GADD, Teachers and Students in the Oldest School’s, (London, 1956).


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق