بعلبك في العصور الإسلامية
بعلبك في عصور اسلاميه
-
نجدة خماش
يُعدُّ تاريخ بعلبك تاريخاً حافلاً لسيطرتها على المناطق المحيطة بها وعلى الطريق الرئيسي دمشق - حمص، ولكن أهميتها الأساسية كانت عسكرية منذ أن قضت المسيحية على الأوابد الوثنية قضاء يكاد يكون مبرماً، وبعد الفتح العربي أحاط العرب هذه الأوابد وحصنوها وأطلقوا عليها اسم القلعة.
في سنة 16هـ/637م وبعد فتح دمشق استسلمت بعلبك للصحابي القائد أبي عبيدة الجراح، وأضحت في العصر الأموي تابعة لجند دمشق الذي يحق لحاكمها تعيين والي هذه المدينة، واستمر وضعها هذا في العصر العباسي حتى استولى المعز لدين الله الفاطمي عليها سنة 361هـ/972م وعين عليها والياً من قبله، ولكنّ البيزنطيين بقيادة الامبراطور John Tzimisces استولوا عليها سنة 363هـ/974م لتخضع بعدها لأمير حلب صالح بن مرداس سنة 416هـ /1025م، ولتتش السلجوقي وأبنائه سنة 468هـ /1075م، ثم دخلت بعلبك ضمن نطاق سيطرة البوريين حكام دمشق (497-549هـ / 1104-1154م) ليستولي عليها نور الدين محمود بن زنكي سنة 549هـ/1154م الذي أعاد بناء أسوارها التي تهدّمت نتيجة للزلزال القوي الذي أصابها سنة 565هـ/1170م.
في سنة 570هـ /1174م استولى صلاح الدين على بعلبك وأعطاها إقطاعاً لأفراد من حاشيته أو عائلته، وكان الملك الأمجد بهرام شاه أطولهم حكماً لها، فقد استمر حاكماً لها من سنة 578هـ/1182م إلى سنة 628هـ/1230م عندما استخلصها منه الملك الأشرف موسى الأيوبي حاكم دمشق، واستمر الصراع عليها من قبل الأمراء الأيوبيين حتى استولى عليها المغول سنة 658هـ/1260م قبل توجههم إلى مصر.
في عصر المماليك أضحت بعلبك المدينة الرئيسة في المنطقة الواقعة إلى الشمال من ولاية دمشق، ولكن سلطة واليها لم تكن تمتد لتشمل كل منطقة البقاع، وكان تابعاً مباشرة لنائب السلطنة في سورية، ويبدو أن المدينة بدأت تخسر بعضاً من أهميتها بعد أن تحوّلت عنها طرق البريد بين دمشق - حمص ، دمشق - طرابلس.
القلعة العربية |
البرج المملوكي في القلعة |
في سنة 922هـ/1516م دخلت بعلبك ضمن نطاق السلطة العثمانية مع بلاد الشام كلها، وبقيت تحكم من قبل ولاة محليين ولاسيما من عائلة حرفوش، حتى أقام الباب العالي سنة 1267هـ/ 1850م إدارة منظمة فيها.
إنّ الصراع حول ملكية بعلبك بين البوريين والزنكيين والأيوبيين كان صراعاً حول السيطرة على جنوبي بلاد الشام، وهذا يفسر أن ما بناه العرب كان محاولة لتطوير نظام الدفاع عنها، منها مثلاً نقل المدخل المحصن من الغرب إلى الجنوب، الذي يمكن أن يعود إلى عصر محمد بن بوري الذي كان مهتماً بتحصين بعلبك أو إلى عصر الزنكيين، حيث تبين النقوش والوثائق المكتوبة أنهم اتخذوا إجراءات لتطوير وضع القلعة وتحسينه. ففي عهد بهرام شاه بنيت أبراج جديدة، وإلى عهد الملك المنصور سيف الدين قلاوون (678-689هـ / 1279-1290م) يعود ذلك البرج الضخم في الزاوية الجنوبية الشرقية إلى المعبد الصغير.
مسجد النهر |
الجامع الكبير: شيّد في العصر الأموي 97هـ / 715م من الحجر الكلسي الكبير، وجُعل له مدخلان غربي رئيسي و شرقي. تبلغ مساحته نحو 2900م2، و يتألف من حرم مستطيل ؛ وصحن ذي محراب، و ثلاثة أروقة، و ميضأة تتوسطه، و مئذنة في زاويته الشمالية الغربية بارتفاع 20م، وهـي ذات جذع مربع ينتهـي بجوسق مثمن. يغطي الحرم أربعة أسقف سنامية خشبية ترتكز بينهـا على ثلاث بوائك ذات عقود حجرية مدببة ترتكز بدورهـا على أعمدة أسطوانية غرانيتية ذات تيجان كورنثية.
الواجهة الغربية للجامع الأموي الكبير في بعلبك |
حرم الجامع الأموي الكبير في بعلبك |
مسجد إبراهـيم الخليل: يقع ضمن قلعة بعلبك، شيّده المسلمون عقب فتحهـم لبعلبك سنة 15هـ/ 635م في عهـد الخليفة عمر بن الخطاب (ر) ، و لذلك يعدّ أقدم أثر إسلامي في لبنان. والمسجد ذو مسقط مستطيل تبلغ مساحته نحو 600م2، شُيّد من الحجر الكلسي الكبير و غُطي بقبوات متقاطعة ترتكز على دعامات حجرية ضخمة. و هـو يتألف من حرم ؛ و صحن ذي بركة ميضأة دائرية ومدخل شمالي. جُدّد في عهـد السلطان المملوكي قلاوون سنة 681هـ / 1282م.
صحن مسجد إبراهيم الخليل وحرمه |
مسجد الملك الصالح أبي الفداء: يقع جنوبي القلعة، شيده الملك الصالح إسماعيل سنة 638هـ / 1240م في العصر الايوبي من الحجر الكلسي الكبير. اندثر المسجد و بقيت مئذنته الأيوبية ذات القاعدة المربعة والجذع المثمن و المظلة الخشبية و الخوذة البصلية المضلّعة. و قد استُعيض عنه بمسجد عثماني مشيد من الحجر الكلسي، يتألف من صحن ذي بركة مسدّسة ورواق ذي عقدين مدببين يرتكزان على أعمدة أسطوانية حجرية ثم حرم مستطيل مغطى بسقف خشبي بسيط.
الواجهة الشرقية لمسجد الملك الصالح أبي الفداء |
رواق مسجد الملك الصالح أبي الفداء |
جامع رأس العين: مشيدة مملوكية أنشأهـا السلطان الظاهـر بيبرس من الحجر الكلسي الكبير. تبلغ مساحته 1645م2، و يتألف من حرم مستطيل؛ و صحن واسع تحفّه الأروقة ذات الأعمدة الحجرية الأسطوانية و تخترقه
قناة مياه من رأس العين جُعلت ميضأة؛ و مدخل شمالي ذي قوصرة ذات حنية بعقد مدبب تحوي مدخلاً يعلوه شريط زخرفي مزرر و لوحة تأريخية. يتألف الحرم من رواق قبلي؛ ورواق شمالي ذي واجهـة معقودة بعقود مدببة ترتكز على دعامات حجرية ؛ تفصل بينهـما بائكة ذات عقود ترتكز على أعمدة حجرية كلسية.
مدخل جامع رأس العين |
صحن جامع رأس العين وحرمه |
جامع الحنابلة: مشيدة مملوكية، بُنيت من الحجر الكلسي و جُعل مدخلهـا من الواجهـة الغربية. والجامع بسيط ذو مسقط مؤلف من أربعة أروقة ذات أعمدة حجرية أسطوانية وتيجان كورنثية. تتوضع المئذنة في الزاوية الشمالية الشرقية للجامع، وهـي ترتفع عن سطحه بجذع مثمن وشرفة ذات مقرنصات ومظلة خشبية مثمنة تعلوهـا قلنسوة مخروطية مضلعة ومتوّجة بالهـلال.
مئذنة جامع الحنابلة |
قبة الأمجد: تسمى بذلك على الرغم من أنها تتألف من مسجد صغير وزاوية، وفيها قبر الشيخ عبد الله اليونيني الذي تعرف التلة باسمه، وقد أقيمت هذه القبة في أيام الملك الأمجد بهرام شاه حفيد صلاح الدين الذي ولي بعلبك بين سنتي 578-627هـ/1182 - 1229م، وبنيت من حجارة هيكل عطارد القديم.
قبة السعيدين: على مسافة من البوابة الرومانية التي تقع إلى الشمال الغربي من القلعة، وهي ضريح مقبب يـتألف من حجرتين، بني سنة 812هـ/ 1409م زمن السلطان الناصر فرج ليكون مدفناً لنواب السلطنة في بعلبك.
قبة السعيدين |
قبة دورس: يرجع تاريخ هذا الضريح إلى العصر الأيوبي، وكانت له قبة فوق ثمانية أعمدة من الغرانيت الأحمر، وتقع إلى اليسار من مدخل المدينة الجنوبي في منطقة أصبحت اليوم عامرة بالبنايات.
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :