بحاريه (تل)

Al-Bahariya (Tell) - Al-Bahariya (Tell)

البَحَّارِيَّة (تل -)

غادة سليمان

العمـارة

يقع تل البحارية قرب النشابية في الغوطة الشرقية، ويبعد عن دمشق نحو ٤٥كم، ويأخذ التل شكلاً بيضوياً أبعاده (٢٥٠×٣٥٠م)، وارتفاعه عن سطح البحر 617.7م.

بدأت البعثة الوطنية بإدارة غادة سليمان أعمال التنقيب في تل البحارية عام ١٩٩٦م، ومازالت مستمرة حتى تاريخه، وقد أسفرت عن وجود ثلاث طبقات أثرية متتالية تاريخياً:

الطبقة الأولى يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث الفخاري Pottery Neolithic أي الألف السادس ق.م، أما الثانية والثالثة فهما تعودان إلى فترتي العصر الحجري النحاسي Chalcolithic، وانتهت الأولى بحريق كبير؛ مما دفع بالسكان إلى هجر الموقع فترة من الزمن، ثم أعيد السكن فيه في مطلع الألف الرابع ق.م.

العمـارة:

تميزت عمارة الطبقة الأولى (أي الألف السادس) ببيوت مستطيلة الشكل مبنية من اللَّبِن المقولب، وأسقفها من الخشب والطين، أما عمارة الطبقة الثانية فقد اعتمدت نموذج عمارة التولوي Tholoi، وهي العمارة المميزة للثقافة الحلفية التي يكون المدخل فيها على شكل ممر مستطيل، ومن ثم غرفة دائرية الشكل وربما مقسمة من الداخل . وكانت أرضيات البيوت في النموذج الأول من الكلس أو من الطين المدكوك، وضمت كذلك حجيرات مستطيلة الشكل، وفيها جرار لتخزين حبوب القمح. وعُثِر على بيت دائري أرضيته من الكلس، وله مدخل يبلغ عرضه (١٢٥سم) شيدت جوانبه باللبن المقولب، وهذا النموذج عرف بنموذج تولوي.

إناء ناقوسي	تنقيبات تل البحارية
دمية تجريدية من الطين	دمية الإلهة الأم

وعُثِر في هذه الطبقة على دمية للإلهة الأم؛ تظهر عليها الملامح الأنثوية كالصدر، وترتدي ثوباً عليه زخارف طينية منفذة بتقنية جيدة، كما عثر أيضاً على دمى؛ بعضها ذات رأس متطاول وكأنها تزيين للشعر، أو قبعة طويلة، والعيون مثل حب القهوة، والأنف بارز وكذلك الشفتان، وتظهر التعابير القاسية في الوجه. ومن المكتشفات دمى حيوانية تمثل الخنزير البري والثور والكلب والماعز، وأدوات صوانية وحجر الأوبسيديان [ر] Obsidian أو السَّبَج. وتمَّ الكشف عن بذور القمح والزيتون وبعض بذور الأشجار المثمرة.

قرون الثور ضمن جدران المعبد	فخار حلف
دمية رأس طائر من الطين	قلادة من حجر الأوبسيديان

أما الفخار فهو من الفخار الأسود المطلي المصقول، والفخار الأحمر المصقول الذي يعاصر فخار سهل العمق في شمال غربي سورية.

دمية حيوانية من الطين

ومن المكتشفات المهمة بناء مستطيل ينتهي بقوسين يفصل بينهما أرضية من الطين. ويعتقد أن هذا البناء قد شيد لممارسة الطقوس والشعائر الدينية؛ وذلك لوجود جمجمتين للثور المقدس وقرونه التي توضعت في أساسات المبنى للحماية من الأخطار الطبيعية والبشرية ولاسيما أن عبادة الثور انتشرت في بلاد الشام، وعُثر في هذا المبنى على دمى طينية تمثل الثور والغزال. وفي هذه الطبقة تمَّ الكشف عن مقبرة فيها مجموعة من الهياكل العظمية المدفونة بوضعية الجنين، أو بوضع مخدةٍ من الطين تحت الرأس، إضافة إلى نصلة صوانية وجدت على الجمجمة.

ويُلاحظ إنتاج الفخار وفق معطيات معاصرة وفنية وتقنية عالية حيث تمَّ العثور على الفخار الأسود المصقول، وفخار حلف المزخرف، وكذلك على أدوات مصنوعة من حجر الأوبسيديان الأسود اللماع، وعلى قلادة من الأوبسيديان الأبيض الشفاف المستورد من الأناضول، وهو دليل على التبادل التجاري ما بين الشمال والجنوب.

طبعة ختم من الألف الخامس ق.م		حلي رافقت الأموات
تنور		توزع الغرف في الألف الخامس ق.م

 وأقيمت الطبقة الثالثة على أنقاض الطبقة الثانية، وهناك طبقة ترميم واضحة في التوضع الطبقي حيث توجد بقايا جدران ضخمة مبنية من اللبن المقولب؛ مما يدل على وجود جدران دفاعية لمنشأة معمارية تهدمت ولم يبق منها إلا بعض أساسات الجدران وبقايا من الأرضيات. وعُثر في هذه المنشأة على غرف ذات توزيع منظم، احتوت إحداها على فرن لشي الفخار، وبجانبه مصطبة لوضع الأواني الفخارية بعد إخراجها من الفرن، واستخدمت الغرفة الثانية مطبخاً، وخصصت غرف أخرى للسكن. وأهم اللقى الفخارية هي الإناء الناقوسي الذي يوجد ما يماثله في تل براك في الحسكة وتل حبوبة الكبيرة، والحصوات الطينية والكرات الطينية التي استخدمت للعمليات الحسابية قبل اختراع الكتابة في هذه المرحلة التاريخية. هذه العمارة مشابهة للعمارة المكتشفة في تل خزامى في الطبقة التي يعود تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد.