اريوسيه
The Arianism - L'Arianisme

الأريوسية

 كميت عبد الله

مضاعفات الأزمة الأريوسية

تطور العقيدة الأريوسية

 

الأريوسية Arianism عقيدة دينية مسيحية، نشأت في القرن الرابع الميلادي، وأثارت جدلاً حاداً في الأوساط الكهنوتية المسيحية، وقد أدينت في مجمع نيقية المسكوني ووصمت بالهرطقة. تنسب الأريوسية إلى أريوس أحد كهنة الإسكندرية الذي عين قساً فيها سنة 311/312م، وكان شهيراً بالورع وبارعاً في الجدل والكلام. وقد تأثر بمدرسة أنطاكية اللاهوتية وبمؤسسها لوكيانوس Lukianos، وتبنى مبدأ التبعية الذي نادى به حول علاقة الابن يسوع بالآب حيث يقول على الرغم من أن المسيح له وجود سابق إلا أن وجوده لم يكن من قبل الأزل. كما تأثر ببطريرك الإسكندرية ديونيسيوس Dionysios ت(246 - 264م) في جدله مع السابليين Sabelliens (القائلين أن الابن هو شكل أو ظهور لله الآب) حول طبيعة السيد المسيح حيث يقول مع أن المسيح كان شكلاً لظهور الله الآب فإن ابن الله لم يكن واحداً مع الآب بل كان كائناً آخر مختلفاً عنه كل الاختلاف.

تعتمد فكرة أريوس على المحافظة ضمن الأقانيم الثلاثة على أفضلية الآب فهو الوحيد الذي يكون غير مولود وغير متغير والأزلي(agennetos) ، الوحيد في الكينونة، الوحيد الذي لا بنية له، و هو الإله الوحيد الحقيقي لأنه هو الكائن الوحيد arkhé الذي خلق كل الكائنات. أما الابن فقد انتشلته إرادة الله من العدم وخلقته، وعلى هذا فإن الابن خليقة لاغير، وقد خلق الله الابن في دقة بالغة جعلته صورة كاملة حية للآب، ورقته إلى درجة الألوهية فأضحى خليقة متألهة، فهذا الابن ليس ابن الله ولا هو ابنه بالطبيعة أو بالولادة الروحية، بل هو ابنه بالتبني والإرادة، وقد منحه الله سلطاناً فائقا ًيبدع به الكائنات فينتشلها من العدم ليضعها في الوجود، والخليقة الأولى التي أبدعها الابن هي الروح القدس، والأقانيم الثلاثة ليست واحدة بالطبيعة بل واحدة بالإرادة.

دعا أسقف الإسكندرية إلى مجمع إقليمي للتباحث في آرا أريوس، حيث حكم آبا المجمع وكانوا من مصر وليبيا على تعاليم أريوس بالهرطقة ورشقوه بالحرم. رفض أريوس قرارات هذا المجمع، وهرب إلى فلسطين يطلب مساعدة يوسابيوس Eusebios أسقف نيكوميدية (حليف لوكيانوس أسقف أنطاكية السابق)، ودعا إلى مجمع في فلسطين وآخر في بيثينا في آسيا الصغرى، فتصدى المجتمعون في كلا المجمعين إلى قرارات مجمع الإسكندرية، وأقروا بأرثوذكسية أريوس (إيمانه الصحيح).

لم تقف أسقفية الإسكندرية مكتوفة الأيدي بل حاولت الدفاع عن موقفها في رسائل إلى أساقفة المقاطعات اليونانية. وفي هذه الأثنا أرسل الامبراطور قسطنطين[ر]  Konstantinos  أسقف قرطبة هوسيوس  Hosios مستشاره للأمور الكنسية لحل هذا الخلاف غير أن هوسيوس أدرك عمق الخلاف وأقنع الامبراطور بضرورة أخذ خطوة حاسمة في هذا الموضوع. وهذا ما دعا الامبراطور قسطنطين الكبير إلى دعوة أساقفة العالم المسيحي إلى المجمع المسكوني الأول في نيقية (انسيك في تركيا) سنة  325م، وقد حضره الامبراطور بنفسه. افتتح الاجتماع في حزيران سنة 325م. تختلف التقارير في تقدير عدد الحاضرين، وربما كانت أعدادهم تراوح بين 250 و318 رجل دين، و قد حضر نحو100 أسقف من اَسيا الصغرى، 30 من سورية وفينيقيا، و20 من مصر وفلسطين، وثلاثة أو أربعة من الغرب اللاتيني.

وقد تبنوا مبدأ الصيغة العقائدية التي أعطاها يوسابيوس أسقف قيصرية وهي "إله من إله، نور من نور" وأضيف إلى هذا النص صيغ أكثر وضوحاً للدلالة على ألوهية المسيح المتأنس "إله حقيقي من إله حقيقي، مولود غير مخلوق ومساو للاَب بالجوهر homoousios". لقد كان الامبراطور مرتاحاً لهذه النتيجة وتبناها بسرعة وأصدر أوامره: بإرسال أريوس إلى المنفى مع أسقفين قالوا قوله ورفضوا تعاليم المجمع.

مضاعفات الأزمة الأريوسية:

 -1  تداعيات قرارات مجمع نيقية: لقد أثار مصطلح هوموسيوس homoousios حفيظة بعض الأساقفة، فمنهم من رأى فيه تعبيراً حرفياً مادياً، وبعض الآخر وعلى رأسهم يوسابيوس أسقف قيصرية أبدى تخوفه من هذا التعبير لأنه كما يقولون سيقود إلى الوقوع في البدعة السابليانية التي تذيب طبيعة الآب في طبيعة الابن، وكانوا قد وجهوا هذه التهمة إلى أسقف أنطاكية المتمسك بهذا التعبير وتوالت التهم وامتدت الفوضى الفكرية حتى عام 381م. كان العالم المسيحي الغربي ذو الثقافة اللاتينية ومعه مصر يرون أن التعبير هوموسيوس وحده يؤدي المعنى الذي يريدون، وفي المقابل فإن العالم المسيحي الشرقي ذو الثقافة اليونانية كان يرفض هذا التعبير لأنه وجد فيه وجهاً آخر للبدعة السابليانية.

بعد ثلاث سنوات من النفي قام أريوس وأتباعه بمناشدة الامبراطور للصفح عنهم، ويقال إن أخت الامبراطور قسطنطينا كانت تساندهم، ولما كان الإمبراطور مقتنعاً بوجوب إعادة النظر في القرار؛ فقد دعا إلى انعقاد مجمع في نيقية سنة 327م وكان معظم من حضره من الأريوسيين وأنصاف الأريوسيين. وأعد أريوس قانون إيمان مشابهاً لقانون إيمان نيقية، لكنه حذف الكثير من التعبيرات المتنازع عليها، وأعيد إلى مركزه الأول مع زميليه.

 -2  ردة فعل الأريوسيين: تحرك حلف مناصر للأريوسية ضم يوسابيوس أسقف قيصرية ويوسابيوس أسقف نيكوميديا وعقدت مجامع صغيرة بين عامي 326م و335م، ووصلت هذه السياسة إلى الانتصار عبر عزل يوستاثيوس أسقف أنطاكية، حيث قام الامبراطور بنفيه بعد أن اتهم بتبني الأفكار السابليانية و بممارسات غير أخلاقية. أما الانتصار الأكبر فقد حصل في مجمع صور- القدس في عام 335م، والذي قضى بنفي أثناسيوس  Athanasios أسقف الإسكندرية، المتبني للعقيدة النيقاوية إلى بلاد الغال. وانتهز الأريوسيون الفرصة لإقصا عدو آخر للأريوسية، هو مارسيليوس (أسقف أنقرة) الذي رفض إقالة أثناسيوس وإرجاع أريوس إلى مكانه، وقد أقنعوا الامبراطور بعزله ونفيه، وبذلك تم التخلص من أبطال القانون النيقاوي، وعلى الرغم من ذلك فإن الامبراطور بقي متمسكاً بفكر نيقية.

وبعد وفاة قسطنطين في سنة 337م حكم الشرق ابنه كونستانس Constans الثاني الذي كان أريوسياً، وقد سيطر على الغرب بعد موت أخيه كونستانتيوس Constantius، وبذلك تبع الأساقفة امبراطوراً أريوسياً رغماً عنهم، ولم يبق في الشرق والغرب إلا بعض الأصوات المعارضة التي كان نصيبها النفي. وفي هذه الفترة مات أريوس في 335م، و يوسابيوس أسقف قيصرية في 340م، ويوسابيوس أسقف نيكوميديا في 341م.

تم السماح لأثناسيوس ومارسيليوس في عام 337م بالعودة إلى كرسيهما الإكليركي، ولكن ليس لفترة طويلة حيث تمكن الأريوسيون من إقناع الامبراطور الجديد بأنهما أدينا من قبل مجمع صور/القدس فقام الامبراطور بعزل أثناسيوس الذي هرب إلى روما، واستمر من هناك في حملته ضد الأريوسيين، وقد كسب تأييد أساقفة الغرب مثل هوسيوس أسقف قرطبة، وسانده أيضاً بابا روما يوليوس.

ما يميز المرحلة التالية هي المحاولات العبثية لإحلال الاستقرار العقائدي في وجه الغربيين المتمسكين بعقيدة نيقية، وقد حاول الشرقيون عدة مرات استبدال تعريف مرضٍ لهم برمز مجمع نيقية. في مجمع أنطاكية الذي عقد في سنة 341م جرت محاولة الالتفاف حول المشكلة من دون مواجهتها، حيث تم رد أكثر الصيغ الأريوسية المستفزة.

ضغط الامبراطور كونستانس الثاني عقب مجمع سارديكا (بلغاريا) الذي عقد سنة 344م، بشدة للوصول إلى حل وسط بين الغرب والشرق المسيحيين، فتم الاتفاق على إسقاط مسألة أسقف أنقرة مارسيليوس من النقاش، والسماح فقط لأثناسيوس بالعودة إلى منصبه في الإسكندرية.

تطور العقيدة الأريوسية:

ظهرت نحو عام 350م في كنيسة أنطاكية عقيدة جديدة سميت بالأريوسية الجديدة تقوم فكرتها على أن الابن ليس من جوهر الآب، وأنه مخلوق من مرتبة المخلوقات، مستخدمة التعبير أنومويوس anomoios أي غير مشابه بالجوهر. كما ظهرت مجموعة أخرى أطلق عليها أشباه الأريوسيين، وكان محركها باسيليوس أسقف أنقرة، وتعتمد فكرتهم على أن الكلمة logos أي الابن مساو للآب في كل شي ، فهو من طبيعة وجوهر مشابه للآب homoiousios، وأطلق عليهم الهومويوسيون.

وقد تعاقبت الصيغ وميولها في السنوات الأخيرة (355-361 م) من حكم  كونستان ، حيث عقد في سيرميوم (يوغسلافيا) مجمعان سنة 357م و 358م، تمخض عنهما في النهاية صيغة قريبة من صيغة مجمع نيقية، اقترحها باسيلوس أسقف أنقرة و قبلها بابا روما ليباريوس،  وهي تقول إن الابن مشابه للآب في كل شي .

في عام 359م عقد مجمع في ريميني (إيطاليا)، وآخر عقد في سلوقية الإيسورية (آسيا الصغرى) حيث تم اعتماد صيغة هوميوس "الابن مشابه للآب ولكن ليس في الجوهر وليس في كل شي ، وكيفية التشابه فوق قوة العقل" وقد قام الامبراطور بفرض هذه الصيغة بالقوة أو بالإقناع في مجمع القسطنطينية عام 360م.

وفي هذه الفترة ظهرت فئة اَخرى تبنت تعليماً منبثقاً من الأريوسية: ألا وهو إنكار ألوهية الروح القدس.

وقد بقيت الاضطرابات على حالها مع وصول يوليانوس Julianus الجاحد الوثني العقيدة إلى الحكم سنة 361/362م، إذ اتبع سياسة متسامحة مع كل التيارات الفكرية.

وخلفه الامبراطور ڤالنس Valens ت(363 - 378م)، الذي تبنى فكراً أريوسياً ملطفاً (المسيح شبيه بالآب كما حدد في مجمع القسطنطينية عام 360م). وقد قام بملاحقة الأريوسيين المتزمتين وأولئك القائلين بمساواة المسيح للآب في كل شي وأيضاً أصحاب مذهب نيقية. حيث تم نفيهم ومنهم أسقف الإسكندرية أثناسيوس (الذي نفي للمرة الخامسة). إلا أن الأوضاع سوف تأخذ منحى جديداً في منتصف عهد ڤالنس وسوف تميل نحو فئة جديدة ظهرت على مسرح الأحداث تتبنى العقيدة التي حددها مجمع نيقية، يترأسها الآبا الكبادوكيون الثلاثة باسليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي وغرويغوريوس النصيبي. يمكن القول إن عمل هؤلا يتلخص بالجمع بين العقيدة النيقاوية و بين أولئك الأريوسيين ذوي الأفكار الملطفة جداً والذين يقولون بالتشابه بكل شي بين طبيعة الآب وطبيعة الابن.

فبفضل هؤلا الآبا الثلاثة من الكنيسة الشرقية أصبح الطريق ممهداً للحفاظ على قانون إيمان نيقية، وتأكيد مكانة الروح القدس المساوي للآب والابن. وقد قالوا في الثالوث كل ما كان مشتركاً بين الآب والابن والروح القدس ينبغي أن يسمى جوهر ousios، وما كان خصوصياً لكل واحد منهم يجب أن يشار إليه بعبارة أقنوم hypostasis.

خلف الامبراطور ڤالنس في الشرق قائد عسكري من أصل إسباني متحمس لعقيدة نيقية، هو الامبراطور ثيودوسيوس Theodosios  ت( 379 - 395م)الذي أسهم إلى حدّ كبير في تغيير السياسة الدينية، حيث قام بإعادة الأساقفة الأرثوذكس المنفيين إلى أبرشياتهم وراح يضيق على الأريوسيين ويمنعهم من أي نشاط. وأعلن في سنة 380 م في منشور سالونيك (اليونان) أن الإيمان بألوهية المسيح الابن هو واجب، ولما كان هناك فئة تنكر ألوهية الروح القدس فقد دعا الامبراطور إلى مجمع يعقد في القسطنطينية عام 381 م، هو المجمع المسكوني الثاني، والذي ترأسه رئيس أساقفة أنطاكية ملاتيوس، ومن الجلسة الأولى أقر آبا المجمع بقانون الإيمان النيقاوي وتحريم الأريوسية بكل أشكالها، وأوضحوا التمييز بين الأقانيم الثلاثة، وأكدوا ألوهية الروح القدس (نؤمن بألوهية الروح القدس الذي يملك ويحيي والذي ينبثق من الآب والذي يجب أن يكرم مثل الآب).

تلاشت الآريوسية شيئاً فشيئاً، وبين عامي 381- 394م صدرت قوانين ضد الهرطقة وخصوصاً الأريوسية.

من غير الممكن التقليل من أهمية الدور الذي أدته الأريوسية في تطور الفكر اللاهوتي وصياغة عقيدة المسيحيين عموماً. لم تشغل الأريوسية التعاليم والأساقفة والمجالس فقط، بل انشغل بها الجمهور، فأريوس نفسه من أجل دعم فكرته قام بنشرها ضمن أبيات شعرية كان يغنيها كل الناس.

مراجع للاستزادة:

 - بطرس شلفون، تاريخ الكنيسة وعلم الاَبا (بيروت 1984).

 - جون لوريمير، تاريخ الكنيسة، الجز الثالث، مترجم من الإنكليزية (ترجمة دار الثقافة، القاهرة 1982).

 - متري هاجي أثناسيو، سوريا المسيحية في الألف الأول الميلادي: م1: سوريا الشمالية (دمشق 1997).

 - ميشال أبرص وانطوان عرب، المجمع المسكوني الأول، نيقية الأول (325) (بيروت 1997).

-Henri-Irénée MARROU, L’ Église  de l’Antiquité tardive ( Paris, 1985).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - النوع : عقائد - المجلد : المجلد الأول - رقم الصفحة ضمن المجلد : 370 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق