ايكوشار (ميشيل-)
ايكوشار (ميشيل)
-
(1905- 1985م)
موفق دغمان
مخطط دانجيه - إيكوشار عام 1934م
مخطط إيكوشار وبانشويا (1964-1968م)
ميشيل إيكوشار Michel Ecochard مخطط ومعماري. حاز دبلوم الهندسة عام 1932م بباريس وعمل كثيراً في التطوير العمراني في العديد من الدول مدة طويلة، وعمل في التخطيط المدني من خلال وضعه المصورات التنظيمية للعديد من المدن؛ إضافة إلى تصميمه وتشييده للعديد من المشاريع في مدن مختلفة.
بدأ حياته المهنية في سورية إبان الاستعمار الفرنسي، فقد سافر إليها سنة 1932م ليعمل في المؤسسة الأثرية في سورية وبقي يعمل في هذه المؤسسة حتى عام 1936م، وشارك في هذه الفترة دانجيه في إعداد أول مصور تنظيمي لمدينة دمشق.
ارتأى إيكوشار أن المصورات التنظيمية وأنظمة البناء هي إحدى الأدوات المهمة التي تسعى إلى تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات.
مخطط دانجيه - إيكوشار عام 1934م
تعاقد عدد من بلديات المدن في سورية لإعداد مخططات تنظيمية لها، ومنها بلدية مدينة دمشق حيث تعاقدت مع شركة دانجيه التي أنجزت المخطط بالتعاون مع إيكوشار، وقد هدف المخطط التنظيمي إلى تنظيم مجرى نهر بردى والاهتمام بتنظيم السيارات الداخلة إلى المدينة والخارجة منها، والمحافظة على المساحات المزروعة في الغوطة وزيادتها إن أمكن بسبب ازدياد عدد السكان؛ إذ كان عدد سكان دمشق آنئذ يزيد على 230 ألف نسمة. وأظهرت الدراسات التحضيرية للمخطط العام أن عدد السكان سيزداد 52 ألف نسمة خلال عشر سنوات (حتى عام 1944م)، كذلك هدف المخطط التنظيمي إلى وضع المنجزات الحديثة في العلوم والصحة تحت تصرف الإنسان بهدف تحسين شروط معيشته الصحية، وتقليل الوفيات، وتنمية الإمكانات الجسمية والعقلية للإنسان. وانطلاقاً من هذه الأهداف حدد المخطط التنظيمي نموّ المدينة، وخصص مساحات كبيرة للاستثمار الزراعي، وتابع المخطط اتجاهات التوسع السكني آنذاك: المهاجرين والصالحية والأكراد والميدان، واقترح أربعة طرق باتجاه فلسطين وبيروت وحوران وحمص. كما أولى اهتمامه بأعمال ترميم المباني الأثرية وتأهيلها وخاصة التي تم تدميرها خلال فترة الانتداب الفرنسي؛ إذ عمل في المديرية العامة للآثار والمتاحف على وضع العديد من مشاريع الترميم والـتأهيل كمشروع ترميم التكية السليمانية وغيرها، ويعد مشروع ترميم قصر العظم وتأهيله الذي حاز جائزة الآغا خان بعد إعداد إضبارة الترشيح سنة 1954م من أهم هذه الأعمال حيث بنى لنفسه بيتاً ومكتباً في قصر العظم، ويعدّ من أوائل التجارب الحديثة في المداخلات على المباني التاريخية والأثرية بدمشق، كما ساهم في تأليف العديد من الكتب والمؤلفات التي بحثت في توثيق المباني الأثرية وتحليلها وخاصة مباني الحمامات الدمشقية.
أما مخطط إيكوشار لمدينة حلب عام 1938م فإنه على الرغم من الاختلافات والظروف لم يخرج مخططه عن الخطوط الأساسية المعتمدة في مشروع دانجيه باستثناء بعض التعديلات أهمها: اقتراح فتح شارع رئيسي هو استمرار للشارع التي تمركزت فيه الفعاليات الاقتصادية ليصل هذا الشارع حتى باب الحديد، وفتح مجموعة من الشوارع المحورية المخصصة للسيارات تصل بين الحلقة المحيطة بالمدينة القديمة عبر الأبواب الرئيسية (باب النيرب، باب المقام، باب قنسرين) والحي الإداري الذي ازدادت أهميته ومركزيته بعد إنشاء دار الحكومة وإدارة الأوقاف ودار الفتوى ومديرية التربية.
تعرضت المخططات التنظيمية التي أعدها إيكوشار للمدن السورية للكثير من النقد من قبل المختصين في حماية التراث بسبب تجاوزها المبادئ والقوانين الأثرية وتأثيرها السلبي على البنية الاجتماعية والنسيج العمراني فيها.
وفي عام 1946م تم تعيين إيكوشار مديراً لمصلحة التعمير في المغرب، وقد جاءت المخططات التي أعدها في المدن المغربية بإشرافه متضمنة المبادىء الآتية:
> المحافظة على مبدأ الفصل بين المدينة القديمة والمدينة الحديثة.
> اتباع مبدأ التمايز بين استعمالات الأراضي.
> اتباع استخدام الحزام الأخضر للفصل بين الوحدات العمرانية.
وقد حافظ إيكوشار على هذه المبادىء في معظم مصورات المدن التي قام بتنظيمها، كما أنه قام بالعديد من الأعمال، ويمكن جدولة هذه الأعمال بحسب الأمكنة والتواريخ كما يأتي:
> دراسة بيت refugees في باكستان (1955م).
> المخطط التنظيمي لمدينة صيدا وبيروت (1958-1959م).
> المخطط التنظيمي لمدينة جبيل وجونيه (1959- 1960م).
> المخطط التنظيمي لمدينة بيروت (1963م).
> المخطط التنظيمي لمدينة داكار في السنغال (1963-1967م).
> المخطط التنظيمي لمدينة دمشق (1964-1968م).
> المخطط التنظيمي لمدينة تبريز - إيران (1967م).
> مخطط تنظيمي لكورسيكا في فرنسا (1969م).
> مخطط تطوير مركز مدينة مشهد في إيران (1971م).
> المصور التنظيمي لمدينة عمان (1973م).
> المصور التنظيمي لمركز مدينة طهران (1978م).
إيكوشار في دمشق بعد عام 1964م:
وبعد عام 1963م وخلال زيارته الثانية لسورية كانت دمشق قد شهدت انفتاحاً واسعاً على مستوى التخطيط العمراني؛ حيث شكلت هيئة التخطيط العمراني، وتوافد إلى هذه المؤسسات العديد من الخبرات من بلغاريا واليونان؛ عندها شعر إيكوشار أن هناك مرونة في التعامل مع هيئات التخطيط في سورية، كما قادته المعرفة الدقيقة بدمشق وآثارها إلى العودة ليساهم في المصور التنظيمي العام لدمشق بعد أن انتهى من إنجاز مصور مدينة بيروت.
دامت دراسة المصور العام لمدينة دمشق أربع سنوات ما بين (1964-1968م)، ولعل التحدي الكبير الذي اتسمت فيه استراتيجيات هذا المصور حل مشاكل الانفجار السكاني الذي شهدته دمشق.
مخطط إيكوشار وبانشويا (1964-1968م):
تم التعاقد مع ميشيل إيكوشار لإعداد مخطط تنظيمي جديد لمدينة دمشق بالتعاون مع بانشويا (ياباني)، واستمر العمل في جمع المعطيات اللازمة للمخطط التنظيمي العام وتحليلها؛ وفي إعداد المخطط نفسه ما يقرب من أربع سنوات (1964-1968م).
عمل إيكوشار في ظل ظروف الانفجار السكاني والتوسع الفيزيائي للمدينة على وضع ثوابت أهمها الحفاظ على غوطة دمشق والحياة الزراعية فيها ، لذلك جاء التوسع في مخططه في المناطق الجبلية في شرقي المدينة وغربيها، وقد درس المجاورات السكانية جيداً وربط دمشق بطرق متحلقة تربط دمشق ببيروت والأردن وحلب وبغداد. أما داخل دمشق فقد جاء المصور ليؤكد ربط محور شرقي المدينة بغربيها وشماليها وجنوبيها، مما دعا عند تنفيذ المخطط - بعد تصديقه سنة 1968م - إلى هدم عدد كبير من البيوت التقليدية في منطقة ساروجا والميدان.
حاول إيكوشار في مخططه تطبيق نظريات تخطيط المدن القديمة في أوربا عندما تعرض في مصوره لدمشق القديمة داخل الأسوار، فعمد إلى كشف الأسوار والأوابد وتصميم مواقف سيارات ضمن النسيج التاريخي؛ فكشف الجامع الأموي الكبير؛ واستحدث حديقة بالقرب من ضريح صلاح الدين، كما تم كشف قلعة دمشق من الجهات الشرقية والغربية والشمالية. إن أهم مقولة لمخطط إيكوشار عن دمشق والتي تبين فلسفته في تخطيط المدن القديمة هي: "نعلم أن كل ما جعل لدمشق شهرتها وعظمتها هو كل ما من شأنه أن يخلدها، ويجب أن نتيقن بالأهمية الوحيدة والاستثنائية في تاريخ العالم، أهمية هذا الرباعي الأضلاع لمدينة داخل الأسوار ذي المساحة التي لا تتجاوز بضعة هكتارات".
لكن السلطات السورية أوقفت تنفيذ مصور دمشق المصدّق في دمشق القديمة، فقد تنبهت الجهات العلمية والأثرية والأهلية لخطورة هذا المخطط وشكلت "هيئة حماية دمشق" وسجلت المدينة في قائمة التراث الوطني عام 1976م لتسجل في قائمة التراث العالمي عام 1979م . ومازالت تاثيرات هذا المصور واضحة في عمران مدينة دمشق وعمارتها على الرغم من المحاولات الكثيرة لوضع مصور تنظيمي جديد .
وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي كانت الزيارة الأخيرة لإيكوشار لمدينة دمشق، وقد عَبَّر خلال هذه الزيارة عن أسفه على مخططه في جزئه المتعلق في مدينة دمشق داخل الأسوار والمناطق التاريخية خارجها، وقد جاء هذا التعبير متأخراً لأن مناطق تاريخية واسعة تضررت بهذا المخطط.
مراجع للاستزادة: - S. ABDULAC, “ Damas : les années Ecochard (1932-1982)“. Cahiers de la recherche architecturale, n˚11 (1982), pp. 32-44. - Franck FRIÈS, “ Les plans d’Alep et de Damas, un banc d’essai pour l’urbanisme des frères Danger (1931-37)”, Revue du monde musulman et de la Méditerranée, (1996) n˚ 73-74. |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :