اوزيريس (اله)
Osiris -

أوزيريس (الإله -)

محمود عبد الحميد

تاريخ أوزيريس الأسطوري

أسطورة أوزيريس الدنيوية

أسطورة أوزيريس الدينية

الإله حورس يخلف أباه أوزيريس

هيئة أوزيريس الملكية

 

يعد الإله أوزيريس Osiris من أقدم الآلهة وأشهرها التي عبدت في مصر الفرعونية منذ عصور ما قبل الأُسر إلى ظهور المسيحية في مصر.

وقد تغلغلت أسطورة أوزيريس في العقيدة الدينية المصرية منذئذٍ، وأحبها الناس، وصارت جزءاً من التراث الأدبي المصري. والأسطورة بسيطة في أصلها فهي تقدم للناس قصة ملك طيب قتله أخوه الشرير، ورمى بجثته ضمن تابوت في البحر المتوسط، ولكن أخته وزوجته إيزيس الوفية الطيبة، بذلت جهوداً عظيمة، وأعادت جثته إلى مصر من جبيل، ونجحت في أن ترد إليه الحياة، ثم عكفت على تربية ابنها في كتمان مطلق، ولما صار شاباً، قاتَل عمه - قاتِلُ أبيه - وانتصر عليه، وبذلك انتصر الخير على الشر والعدل على الظلم.

تاريخ أوزيريس الأسطوري:

تعدّ مدينة "أونو" (عين شمس الحالية- شمال شرقيّ القاهرة) من أقدم المدن المصرية التي ازدهرت فيها عبادة الشمس في عصر ما قبل الأُسر. وقد نَسَب كهنة هذه المدينة إلى معبودهم إله الشمس "رع" خلق الكون. فقد جاء ذِكرُه في أسطورة استوحوا أحداثها من البيئة المصرية التي يعدّ نهر النيل منشأ الحياة فيها، فهو يغمر الأرض بفيضانه في نهاية الشهر السادس من كل عام، ثم ينحسر رويداً رويداً، فيصل إلى أدنى مستوياته في شهر كانون الأول/ديسمبر، فيزرع الفلاحون الأرض بالحبوب، ثم يحصدونها في شهر آذار/مارس، وبناء على هذا ظن المصري أن الكون كان في بدء الحياة محيطاً عظيماً، بزغ في وسطه التل الأزلي، فوقف عليه الإله "رع" الذي خلق نفسه بنفسه، وأخصب نفسه بنفسه، فخلق الآلهة ثم البشر وغيرهم. فخلق الإله "جب" (إله الأرض) وإلهة السماء "نوت"، فأنجبا إله الهواء "شو" وإلهة الرطوبة "تفنوت"، وجاء منهما الآلهة الإخوة "أوزيريس وإيزيس وست ونفتيس". وبذلك يكون أوزيريس أخاً لإيزيس، وهما من أقدم الآلهة التي عبدت في مصر.

ومن كتابة اسم الإله أوزيريس بالكرسي والعين يتبادر للذهن أن صوت العين كان يدخل في اسمه، وبمرور الزمن بدّل المصري صوت العين بصوت الألف - ولاسيما أن ظهور الإله أوزيريس يرجع إلى عصور ما قبل الأسر- وهكذا يمكن القول: ربما كان اسم الإله ينطق "عزر" بمعنى أعان ونصر وقوى. ومما يؤيد هذا الاحتمال أن صورة العين رمز للصوت (ع) في الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة.

أسطورة أوزيريس الدنيوية:

يرى كثير من الباحثين المحدثين أن أوزيريس كان ملكاً مؤلهاً في المنطقة المحيطة ببلدة أبو صير الحالية بالدلتا (التي اشتق اسمها من اسم الإله "أوزير"، فصارت تعرف باسم "برأوزيريس"’ أي معبد الإله أوزيريس). وقد حل أوزيريس في هذه المنطقة محل إلهها "عندجتي" (إله الخصوبة)، وأخذ منه شاراته الإلهية. واستطاع توحيد الدلتا تحت حكمه في عصر ما قبل الأسر، ثم مد حكمه، فشمل الصعيد، وزين رأسه بتاج الصعيد الأبيض. ويدعم هذا الرأي أنشودة مصرية يرجع تاريخها إلى عصر الدولة المصرية الحديثة (1580 - 1087 ق.م) جاء فيها ما يلي:

"نشر العدل (أوزيريس) على كلا الضفتين (نهر النيل).

ووضع الابن مكان أبيه.

وتخلص من معارضيه بقوة وجبروت.

ولما رأت الأرض عظيم كفاءته؛ منحته الملكية.

كي تحيا الأرضان في رخاء.

تاجه يخترق السماء، ويعانق النجوم".

ويستنتج الباحثون من القصيدة السابقة أن عصر أوزيريس كان عصراً ذهبياً، حقق تطلعات المصريين الذين كانوا يحلمون بمثله.

تمثال من البرونز للإله أوزيريس

أسطورة أوزيريس الدينية:

لا شك في أن للأساطير الدينية الشرقية القديمة جذوراً دنيوية، ولكن أبطال الأساطير أُلِّهوا بمرور الزمن، ولقد أدى الخيال والتخيل في عقول البشر على مر السنين دوراً عظيماً في هذا التأليه. وفيما يخص أسطورة أوزيريس الدينية، فعلى الرغم من تناقلها منذ عصر ما قبل الأُسَر من جيل إلى جيل؛ فإنها لم تصل مكتوبة إلا عن طريق المؤرّخ الإغريقي بلوتارخوس Plutarch (50- 120م). وقد جاء فيها أن أوزيريس كان ملكاً عادلاً حكم مملكة مزدهرة في شماليّ مصر؛ مما جعل أخاه "ست" يحقد عليه بدافع الغيرة، فسعى إلى تدمير مملكة أخيه وقتله عن طريق الخدعة والمكيدة، ولذلك أقام "ست" حفلاً، دعا إليه أخاه "أوزيريس" الذي لبّى الدعوة، وأعلن "ست" للمدعوين أنه سيهدي صندوقاً جميلاً صنعه خصوصاً - بمناسبة هذا الحفل - لمن يكون جسمه مناسباً للصندوق. وجرب الحضور قياس الصندوق، لكن لم يوافق جسم أحد منهم، ثم جاء دور أوزيريس، فوافق حجم الصندوق جسم أوزيريس تماماً. وهنا أسرع "ست" وأعوانه إلى إغلاق الصندوق (التابوت) وإلقائه في نهر النيل، الذي حمله إلى البحر الأبيض المتوسط.

حزنت إيزيس أخت الإله أوزيريس وزوجته حزناً شديداً على زوجها وأخيها، وأخذت تجوب البلاد بحثاً عنه، ودلَّها بعض الأطفال على الجهة التي انساق إليها الصندوق (التابوت) الذي حوى جثمان أوزيريس؛ فقد رأوا بطريق المصادفة كيف ألقى أتباع "ست" الصندوق بالنهر. وعرفت إيزيس بقدرتها الإلهية أن أمواج البحر قذفت الصندوق إلى ساحل مدينة جبيل شمالي بيروت، واستقر الصندوق داخل جذع شجرة قريبة من القصر الملكي. وقد نمت تلك الشجرة نمواً عظيماً أثار دهشة الملك، وأُعجِب بضخامة جذعها، فأمر بقطعه واتخذه عموداً يدعم سقف قصره. وجاء في الأسطورة أن الريح المقدسة أخبرت الأخت والزوجة المفجوعة إيزيس بكل ما حدث، فرحلت إيزيس بعد سماعها الخبر إلى جبيل، وأحضرت جثة أوزيريس إلى مصر؛ ولكن "ست" اكتشف جثة أخيه، فقطعها ورمى أشلاءها في أنحاء مصر؛ إلا أن إيزيس تمكنت من جمع الأشلاء وبنت معبداً في مكان كل شلو، فقامت المعابد أو القرى، وسميت معابد الإله أوزيريس، وأقيمت كلها في الدلتا (مملكة أوزيريس) ما عدا موقعاً واحداً في الصعيد.

معبد أوزيريس في أبيدوس

الإله حورس يخلف أباه أوزيريس:

استطاعت الإلهة "نوت" (إلهة السماء) أن تضم أشلاء الإله أوزيريس إلى بعضها وتعيده إلى الحياة، وحملت "إيزيس" منه بـ "حورس"، وعند ولادته خبأته في أحراش الدلتا خوفاً من "ست". وعندما بلغ سن الشباب تقاتل "حورس" مع قاتل أبيه، وانتصر عليه، واجتمعت الآلهة المصرية في قصر الأمراء للمحاكمة، وكان على رأسها "جب" (إله الأرض) وإلهتا الحق اللتان قررتا أن عرش "جب" للإله "حورس". أما أوزيريس فقد أنف من العيش في هذه الدنيا الممتلئة بالحقد والقتل، وفضّل العيش في العالم السفلي ملكاً على الأموات، وترك الدنيا لابنه "حورس"؛ ليكون ملكاً فيها (مصر). وهكذا صار المصريون يطلقون على الملك المتوفى أوزيريس وعلى الملك الذي يعتلي عرش مصر "حور". وقد دفن رأس أوزيريس في أبيدوس (مقبرة ثني في الجنوب)، ولذلك كان المصريون يقدسون هذا المكان، ويحجون إليه.

هيئة أوزيريس الملكية:

توحي الهيئة التي ظهر بها أوزيريس في تماثيله المصرية ما كان عليه في ماضيه البعيد؛ إذ تدل تماثيله على أنه كان ملكاً على مصر، فكان يُجسّد على هيئة الملك المصري صاحب الهيئة الرزينة، المتوج بتاج الجنوب الأبيض، الذي تحف به من الجانبين ريشتا العدالة، وتزينه أفعى الكوبرا، شأنه في هذا شأن تيجان الملوك المصرية، ويستر جسمه لباس ضيق طويل، ويقبض بإحدى يديه على عصا معقوفة (رمز الراعي الصالح)، وباليد الأخرى على سوط "النخنخ" (رمز القوة)، وله لحية طويلة معروفة، ولقبه "عظيم إقليمه"، وكل ما سلف كان يزين هامات ملوك مصر، وأيديهم تقبض على رموز القوة الموجودة في تماثيل أوزيريس.

تعدّ أسطورة أوزيريس وإيزيس مصدراً عظيماً يدل على إيمان المصريين القدماء بالحياة بعد الموت، فقد أصبحت هذه الأسطورة بمنزلة المثل الواضح الذي تبلورت فيه العقيدة الدينية المصرية التي آمن بها المصريون إيماناً مطلقاً، وجعلتهم يعملون في دنياهم؛ ليضمنوا آخرة سعيدة كآخرة أوزيريس وإيزيس.

مراجع للاستزادة:

- أدولف إرمان، ديانة مصر القديمة، ترجمة عبد المنعم أبو بكر (القاهرة).

- برستد، فجر الضمير، ترجمة سليم حسن (القاهرة).

- جورج بوزنر، معجم الحضارة المصرية القديمة، ترجمة أمين سلامة (القاهرة 1993).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق