logo

logo

logo

logo

logo

التقانات الحيوية في الغذاء

تقانات حيويه في غذاء

Biotechnology in Food -

التقانات الحيوية في الغذاء

سمير سليق

 

الأغذية والأعلاف المعدلة وراثياً نشأة التقانات الحيوية النباتية وتطورها
مواصفات الجودة والسلامة الغذائية في الأغذية الناتجة  دور التقانات الحيوية في زيادة الإنتاج الغذائي العالمي
السلامة في التقانة الحيوية الغذائية تطبيقات التقانات الحيوية في الغذاء
 

تعد التقانة الحيوية الغذائية   biotechnology food  أحد الفروع الحديثة لعلوم الأغذية وتُستعمل فيها مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات العلمية، وتتعامل مع الكائنات الحية على المستويين الخلوي وتحت الخلوي (الجزيئي) بهدف تطوير منتجات غذائية جديدة؛ مما جعلها من العلوم الواعدة التي تُبنى عليها آمال كبيرة في حل مشكلات مستعصية ذات تأثير فعال في الأمن الغذائي العالمي .

ويتوقع الخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية أن عدد سكان العالم سيصل إلى قرابة 9.8 مليار شخص في عام 2050؛ مما يشير إلى حدوث ازدياد في النمو السكاني مع ثبات المساحة التي يقطنها السكان، وينبئ بالحاجة إلى زيادة عائدات محاصيل الأراضي المزروعة حالياً، ولذا بدأت بلدان عدة في إفريقيا وآسيا والكثير من المناطق الأخرى تفكر في كيفية توفير الغذاء، وتحاول الاستفادة أكثر فأكثر من المصادر الحالية المتاحة.

وتشير الدراسات إلى أن النمو السكاني وازدياد متوسط دخل الفرد سيؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية بمقدار الضعف مع حلول عام 2050؛ ما يتطلب زيادة الجهود العلمية والفنية، وخاصةً في أكثر دول العالم فقراً؛ للمحافظة على وتيرة زيادة إنتاج الغذاء؛ ولضمان توفير الاحتياجات السكانية المتزايدة، ورأب الفجوة الغذائية food gap.  ولا بد هنا من الإشارة إلى العوامل المحددة لزيادة الإنتاج الزراعي في دول العالم التي تُعاني الجوع بالنقاط الآتية:

1.     ازدياد وتيرة تكرار الجفاف، وشدته بسبب التغير المناخي climate change.

2.    شح الموارد المائية العذبة، وتدني كفاية استعمال المياه (إنتاجية المياه).

3.     فقد التربة، وتدهور الأراضي الزراعية (التملح، والتغدق water logging، والانجراف erosion )، وتدني كفايتها الإنتاجية.

4.    تدني استعمال الأسمدة، وانخفاض فرص الحصول على القروض الزراعية.

5.    استفحال الإصابة بالمُمرضات والآفات الحشرية، وصعوبة مكافحتها.

6.    سياسات التسعير السيئة للمنتجات الزراعية.

7.    تفتت الحيازات الزراعية.

8.    انخفاض حجم الاستثمار في  البحوث الزراعية.

9.   ضعف الوصول إلى الأسواق وتدني الكفاية التسويقية للمنتجات الزراعية.

مما سبق تبرز أهمية التقانة الحيوية لتزويد الباحثين بمفتاح الحل بهدف زيادة عائدات المحاصيل الرئيسة من طريق السماح للمزارعين بحصاد أكثر للأراضي المزروعة مع بقاء استمرارية قدرة الأرض وصلاحيتها للزراعة؛ ولذلك فإن زيادة غلة المحاصيل ومرونة التحمل لبيئات النمو المختلفة واستعمالاً أقل للمبيدات الكيميائية وتحسين المحتوى الغذائي جعل التقانة الحيوية الزراعية هي مستقبلاً الإمداد الغذائي للعالم.

  وتُستعمل زراعة النسج والخلايا النباتية لإنتاج النباتات المهمة اقتصادياً بسرعة، وكذلك للحصول على نباتات خالية من الأمراض والڤيروسات، كما تُستعمل تقنيات الهندسة الوراثية لإنتاج نباتات معدلة وراثياً بجينات مرغوبة مثل مقاومة الأمراض. كما تُستعمل التقانة الحيوية لمكافحة سوء التغذية في البلدان النامية؛ حيث تتبنَّى مؤسسة روكفلر Rockefeller مشروع الرز الذهبي، وهو محصول صُمِّم باستعمال التقانة الحيوية لتحسين التغذية في البلدان النامية، حيث يُزود الرز بفيتامين (أ) A لأن نقص هذا الفيتامين مشكلة شائعة في البلدان الفقيرة، وتكون المرحلة الثانية من هذا المشروع؛ زيادة محتوى الرز من الحديد لمعالجة فقر الدم الذي يعدّ مشكلة شائعة الانتشار في البلدان النامية أيضاً. ويعتقد الباحثون أن إنتاج الرز الذهبي سيقدم تحسينات كبيرة في مجال التغذية والصحة للملايين من الناس مع تكاليف قليلة للمستهلكين. وثمّة مبادرات مماثلة للتلاعب الجيني في المحاصيل الزراعية بهدف تحسين الإنتاج والتقليل من الاعتماد على استعمال المبيدات والأسمدة والري وزيادة قدرة النبات على مقاومة الأمراض النباتية.

نشأة التقانات الحيوية النباتية وتطورها

يعود استخدام التقانة الحيوية للأغذية إلى آلاف السنين منذ زمن السومريين والبابليين الذين استخدموا الخميرة لعمل مشروبات مخمرة مثل الجعة.  وأتاح اختراع المجهر اكتشاف الكائنات الحية الدقيقة التي استُعملت لاحقاً في إنتاج الغذاء، وحدث تقدم أكبر عندما تبين للويس باستورLouis Pasteur عام 1871 أن تسخين العصائر إلى درجة حرارة معينة يقتل البكتريا الضارة التي تؤثر في التخمير وفي إطالة مدة حفظ الحليب. واستُعملت الخمائر والفطريات والبكتريا في عمليات التخمير لإنتاج البيرة والنبيذ ومنتجات الألبان مثل الجبن واللبن الرائب، ثم اكتُشفت الإنزيمات وعُرف دورها في التخمير وهضم الأغذية. وعزلت الإنزيمات الصنعية من مستخلصات نباتية وحيوانية، واستُبدل ببعضها لاحقاً الإنزيمات الجرثومية، مثل: استخدام إنزيم الكيموسين فى إنتاج الجبن الذي كان يصنَّع عادة باستخدام منفحة الإنزيم التي تُستخرج من بطانة معدة الأبقار. ثم بدأ العلماء باستخدام الكيموسين المأشوب من أجل تخثر الحليب وتحويله إلى جبن، ويعد إنتاج الإنزيمات الغذائية باستخدام الإنزيمات المكروبية أول تطبيق للكائنات الحية المعدلة وراثياً.

دور التقانات الحيوية في زيادة الإنتاج الغذائي العالمي

تُساعد التقانات الحيوية على زيادة الإنتاج الزراعي وإطعام الجياع في العالم من خلال:

1.    زيادة إنتاجية أنواع المحاصيل المزروعة باستعمال كمياتٍ أقل من مُدخلات الإنتاج الزراعي.

2.    تقليل الاعتماد على مُدخلات الإنتاج الزراعي الكيميائية (الأسمدة المعدنية، والمبيدات) الخارجية؛ ما يقلل من تلوث التربة والمياه والهواء.

3.    زراعة أقل أنواع المحاصيل المحوَّرة وراثياً احتياجاً إلى مبيدات الآفات، ولا تتطلب عمليات فلاحة قبل الزراعة والتي تستجيب للزراعة الحافظة conservative agriculture.

4.    تطوير بعض الأصناف التي تحتوي على بعض العناصر الغذائية، والفيتامينات المهمة؛ ما يُساعد على حل مشكلات نقص التغذية والفيتامينات.

5.    إنتاج الأطعمة الخالية من المواد المسبِّبة للحساسية والسموم، مثل السموم الفطرية.

6.    تحسين نوعية منتجات المحاصيل الغذائية -مثل نوعية الزيت- للمساعدة على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية.

تطبيقات التقانات الحيوية في الغذاء

-          التخمر: وهو من أقدم التطبيقات على المواد الغذائية، حيث تستخدم البكتريا لهضم بعض أنواع الكربوهدرات وإنتاج الكحول والأحماض وثنائي أكسيد الكربون. و يُستعمل التخمر لتصنيع العديد من المنتجات الغذائية مثل الجبن والخبز واللبن الرائب. وحديثاً طورت طرائق التخمير باستعمال التخمير المستمر، وابتكار وسائل جديدة تجعل الكائنات الدقيقة القائمة بالتخمير أكثر كفاءة، والاستفادة من تطور علم الهندسة الوراثية للحصول على كائنات دقيقة لها القدرة على تحمل ظروف التخمير غير المناسبة؛ وكذلك اكتشاف أحياء دقيقة microorganisms جديدة لها القدرة على تخمير بعض المواد التي ظلت فترة طويلة غير قابلة للتخمر.

-         إنتاج البروتينات والإنزيمات المستخدمة في المواد الغذائية.

-       إنتاج  الأغذية المعدلة وراثياً وذلك بنقل جين من نوع واحد إلى نوع آخر؛ بحيث ينقل جين لديه سمة مرغوبة، مثل إطالة فترة الحفظ أو الوقاية من الأمراض. وبدأت تجارة الأغذية المعدلة وراثياً في عام 1994 عندما قامت شركة كالجين Calgene الأمريكية بتسويق البندورة  المعدلة وراثياً المعروفة باسم  Flavr Savr أو حافظ النكهة، وتتميز بتأخر نضجها. وكذلك جرى تسويق الأغذية التي تدخل فيها تلك النباتات المعدلة كالذرة وفول الصويا والكانولا (بذور اللفت) وزيت بذور القطن وغيرها، إذ أظهرت زيادة في سرعة النمو ومقاومة الآفات الممرضة وإنتاج المغذيات الإضافية أو أي مادة أخرى مرغوبة تجارياً.

-        إنتاج أغذية البروبيوتك Probiotics   التي تحتوي على كائنات حية دقيقة لها تأثير مفيد في الصحة؛ إضافة إلى خصائصها الغذائية، ومن أهمها وأكثرها استعمالاً العصيّات اللبنية وبكتريا ثنائية الشعبةbifidobacteria  التي تستخدم في الأطعمة المخمَّرة مثل اللبن الرائب، وكذلك في منتجات اللحوم (الشكل1).

الشكل (1) .

الأغذية والأعلاف المعدلة وراثياً

     تحتوي بذور فول الصويا المعدلة وراثياً على 19% زيتاً نباتياً. أما الجزء الباقي فيحتوي على بروتينات بنسبة 50%، لذا يُستعمل منها 98% علفاً للأبقار في الولايات المتحدة الأمريكية. ويُستعمل بروتين فول الصويا الناجم عن  تغيير هيكله- بحيث يشكل مادة ليفية إسفنجية شبيهة من حيث المظهر باللحم- مادةً منخفضة التكلفة تضاف إلى منتجات اللحوم والدواجن.

وتُعدّ الذرة الصفراء maize المحصول الوحيد المُحوَّر وراثياً والمتداول تجارياً في دول الاتحاد الأوربي. ويُستعمل في تغذية الحيوانات، ومادة أولية لتصنيع النشاء الذي يُشكل الأساس لكثير من الصناعات الغذائية. وقد توسعت زراعتها عالمياً لتصل إلى قرابة 35 مليون هكتار، وحالياً فإنّ أكثر من 80% من الذرة المنتجة في الولايات المتحدة الأمريكية مُحوَّرة وراثياً، وتزرع أيضاً على نطاقٍ واسع في العديد من دول أمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وآسيا. ومعظم الأصناف المُحوَّرة وراثياً مقاومة للحشرات، ومتحملة لمبيدات الأعشاب الضارة، وخير مثال على ذلك الذرة الصفراء المُحوَّرة وراثياً المقاومة لحشرة حفار ساق الذرة الأوربيّة، حيث تُصنّع هذه النباتات مادة تقتل يرقات هذه الحشرة التي تحفر في الساق، وتتغذى على محتوياته؛ ما يؤدي إلى موت النباتات، ويمكن أن يصل الضرر إلى العرانيس (الشكل 2). وتُساعد زراعة مثل هذه الأصناف ليس فقط على الحد من فقد الغلة الحبية؛ وإنّما على تقليل الحاجة إلى استعمال المبيدات الكيميائية؛ ما يُقلل من تكاليف الإنتاج الزراعي. 

الشكل (2) إنتاج أصناف الذرة الصفراء المُحوَّرة وراثياً المقاومة لحشرة حفار ساق الذرة الأوربيّة.

أما القمح فليس ثمة قمح مُحوَّر وراثياً إلى الآن مزروع على نطاق تجاري في أي مكان من العالم، ويخشى المزارعون أن ترفض منتجاتهم إذا كانت مُحوَّرة وراثياً في الأسواق الأوربية والآسيوية؛ بسبب الشكوك التي ما تزال تُحيط بسلامة المنتجات الغذائية المُحوَّرة وراثياً. وهناك توجه كبير نحو أهمية إنتاج القمح المُحوَّر وراثياً المقاوم لمبيدات الأعشاب بغية تقليل نفقات المكافحة اليدوية والآلية، وزيادة هامش الربح الاقتصادي بنحو 10 – 15%. ويمكن أن تُسهم التقانات الحيوية في تطوير أصناف من القمح مقاومة لأكثر الأمراض شيوعاً على القمح -مثل الذبول fusarium، والتبقع السبتوري septoria- التي تؤثر سلباً في الغلة الحبية، وتلوث الحبوب بالسموم الفطرية mycotoxins الضارة بصحة الإنسان والحيوان.

    وقد تحقق أيضاً تعديل وراثي للثروة الحيوانية؛ إذ ظهرت بعض الأنواع المعدلة في الأسواق بدءاً من تموز/يوليو 2010، وفي مقدمتها سمك السلمون والأرانب وغيرها. وعلى الرغم من تقدم طرائق التحليل الكيميائي فإنها لم تتمكن من إظهار فروق تذكر في الحليب واللحوم سواء كانت الحيوانات تعلف بمواد طبيعية أم معدلة وراثياً. والطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي القيام بتحليل المواد المستعملة في التغذية؛ وليس المنتج. ومن جهة ثانية فقد وافقت بعض الدول على قيام مربي الأبقار باستعمال الهرمون البقري المعروف باسم هرمون نمو الأبقار  Bovine Growth Hormone (BGH) في تغذية الأبقار الحلوب لزيادة إنتاج الحليب وعلى الرغم من إمكان بقاء الهرمون في الحليب؛ فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية والجمعيات الطبية الأمريكية والمعهد الوطني للصحة أكدوا أن منتجات الألبان واللحوم من الأبقار المعاملة بهرمون النمو هي آمنة لغذاء البشر.

مواصفات الجودة والسلامة الغذائية في الأغذية الناتجة

أثار استخدام التكنولوجيا الحيوية الغذائية بعض الجدل حول سلامة الأغذية المنتجة من هذه التقنيات؛ ولا سيما الأغذية المعدلة وراثياً وآثارها الصحية والبيئية على المدى الطويل،  وحول ما إذا كانت مفيدة للمستهلكين وإمكان الاتجار بها بين الدول. لذلك ومن أجل تقييم سلامة الأغذية المعدلة وراثياً لا بد من معرفة ما يلي:

 1- البيانات الحيوية (البيولوجية) الجزيئية التي تصف التغير الجيني.

 2-  المعلومات الغذائية عن الطعام المحوَّر مقارنة بغير المحوَّر من النوع ذاته.

 3- إمكان إنتاج سموم جديدة في الغذاء المحوَّر.

 4-  احتمال أن تسبب هذه الأغذية الحساسية  allergy .

 5- احتمال حدوث أي آثار ثانوية.

 6- معرفة المكونات الرئيسة مثل: الدهون والبروتينات والكربوهدرات، والمكونات الثانوية مثل: المعادن والفيتامينات، والسلامة البيولوجية والكيميائية للغذاء.

ولمعرفة أن الأغذية المحوَّرة آمنة تُشَكَّل سلطات وطنية علمية مسؤولة عن دراسة سلامتها.  

مواقف الجمهور من استخدامها:

تعد الأغذية المعدلة وراثياً من الموضوعات الساخنة ما بين معارض ومؤيد، وهناك أبحاث ودراسات حديثة كانت أيضاً محل خلاف وجدل عن تأثيرات الهندسة الوراثية في الأغذية وعواقبها، مما أثار اهتمامات الناس ومشاعرهم وشكوكهم في الأغذية المعدلة، وتساؤلات واستفسارات ومطالبات بتكثيف الأبحاث والدراسات للتأكد من سلامة استخدام هذه الأغذية، ومطالبات أخرى بإنشاء نظم وإجراءات جديدة لتقنين التعامل مع الأغذية المعدلة بأمان وانقسم العلماء حيال استخدام النباتات والأغذية المعدلة وراثياً إلى فريقين: فريق يؤيد استخدامها حتى في الدول المنتجة لها، ويرى أن فيها خصائص صحية وبيئية واقتصادية لا تكاد توجد في النباتات غير المعدلة جينياً، ويرى هذا الفريق أن الطرائق الحديثة لتربية النباتات المبنية على علم البيولوجيا الجزيئية تفتح الطريق أمام تحسين كمية الأغذية المتوفرة ونوعيتها، وهذه التقنية لا تنتج غذاء أقل سلامة للإنسان أو البيئة من الأغذية المنتجة بالطرائق التقليدية؛ إذ أجريت الأبحاث على هذه النباتات الغذائية خلال خمسة عشر عاماً مضت، لتنتهي إلى أنها ليست مختلفة عن النباتات المهجَّنة بالطرائق التقليدية أو أكثر خطراً منها على الإنسان أو البيئة.

 وفريق آخر يرى أن هذه المزروعات تمثل خطراً على الإنسان والحيوان والبيئة، ويمثل هذا الفريق جماعة الخضر، وجماعة المحافظة على البيئة الذين أطلقوا على بذور النباتات المحوَّرة جينياً "بذور الشيطان"، وجماعة من إدارة المستهلكين الأمريكيين، ووكالة English Nature البريطانية الحكومية التي حذرت من مخاطر هذا التحوير على الإنسان والبيئة، ويقول المناهضون البريطانيون عن المحاصيل المحوَّرة وراثياً، ومنهم وزير البيئة السابق مايكل ميتشر Michael Mitscher: "إن تلك المحاصيل والأغذية لم تخضع لاختبارات كافية، ولذا فلا يمكن القول: إنها آمنة تماماً"·

وأظهرت جمعيات حماية المستهلك والمنظمات الأخرى غير الحكومية في أوربا نشاطاً كبيراً في إطلاع الجمهور على كثير من الحقائق التي تتعلق بالأغذية المعدلة وراثياً التي يتناولونها، وكان دور هذه الجمعيات والمنظمات حاسماً في إطلاع المستهلكين على الأمور التي تتعلق بالأمان الحيوي للأغذية. كذلك كان لهذه الجمعيات والمنظمات الدور الأكبر في إثارة قضية الأغذية المعدلة، بل هي التي أدت إلى تأجيج الرأي العام الأوربي ضد الأغذية المعدلة وراثياً. وقد أثر ذلك في قبول المستهلكين والأسواق الأوربية لهذا النوع من الأغذية، بل إن هذه الجمعيات والمنظمات قامت بمنع تجربة المحاصيل المعدلة وراثياً في بعض الدول الأوربية. ومع ذلك تظهر الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في أوربا تشدداً ومعارضة كبيرة، بل إنها تبالغ في بعض الأحيان في موقفها من الأغذية المعدلة.

وفي مقابل نشاط جمعيات حماية المستهلك والمنظمات الأخرى غير الحكومية في أوربا شنت شركات التكنولوجيا الحيوية حملات دعائية ممولة كان الغرض منها الوقوف بالمرصاد لهذه الجمعيات والمنظمات محاولة كسب موقف إيجابي تجاه الأغذية المعدلة. ولم تجد هذه الحملات الدعائية أي استجابة من الجمهور الأوربي؛ ولكنها تركت الشعوب العربية أكثر بلبلة تجاه الأغذية المعدلة.

وإن تجربة جمعيات حماية المستهلك في الدول العربية حديثة العهد وتفتقر إلى الخبرة والفعالية في توعية المستهلك بشأن الأغذية التي يستهلكها، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الجمعيات مظهراً ديمقراطياً أو حضارياً.

 عموماً إن المعلومات المشوشة التي تصل إلى الجمهور بخصوص الأغذية المعدلة ستجعله غير راضٍ عن أي قرار يُتخذ في المستقبل بهذا الشأن حتى إن كان هذا القرار جاداً ويهدف إلى حماية المستهلك. وكذلك عدم الوعي بطبيعة هذه الأغذية ومدى الاستهلاك منها في المنطقة العربية يجعل هذه القضية ساكنة وبمنأى عن المواجهة، ويعد ذلك السبب الرئيس في عدم تشكل رأي عام في المنطقة العربية تجاه تلك الأغذية. وبلا شك يؤدي عدم الوعي بقضية الأغذية المعدلة إلى جعلها غير محددة المعالم والأبعاد؛ مما سيكون لها آثار خطرة؛ ولا سيما أن القضية تتعلق بالأمن الغذائي وبمخاطر لا يمكن تداركها في المستقبل.

فوائدها ومخاطرها

 أكدت الدراسات أن اكتشافات التقنية الحيوية ستعمل على زيادة كمية المحاصيل الزراعية إلى ثلاثة أضعاف من دون الحاجة إلى أراضٍ زراعية إضافية؛ ومع الحفاظ على الثروة المائية والغابات وأماكن تربية الحيوانات. وإن الاكتشافات الجديدة الأخرى يمكن أن تقلل من الاعتماد على المبيدات الحشرية والعشبية التي تسهم في تدمير البيئة، ووافق معظم الخبراء على أن مصلحة البشرية تفرض البدء منذ الآن بوضع التقانة الحيوية والبنية التحتية اللازمتين لمواجهة الحاجة المستقبلية من الغذاء لإطعام سكان العالم لقرون قادمة، والسعي إلى تحسين نوعية حياة الناس في العالم، فالتحدي الأكبر خلال السنوات القادمة هو توفير الموارد الغــذائية لمواجهة الزيادة الكبيرة في سكان العالم. وإن الأغذية المعدلة وراثياً -إضافة إلى فوائدها- يمكن أن تَعد بمواجهة هذا الاحتياج بوساطة إنتاج محاصيل زراعية مقاومة للأمراض والأعشاب، وتتحمل الجفاف والملوحة، ومقاومة للبرد والصقيع، وصديقة للبيئة، ومقاومة لأمراض الحيوان.

     وفي المقابل يرى آخرون أن نقل جين واحد إلى نبات ما قد يؤدي إلى حدوث كارثة بيئية خلال عشر سنوات نتيجة ظهور بذور عالية القدرة في نشر الكثير من الصفات الوراثية الصنعية للنظام البيئي مسببة اختلاله، ومن المتوقع أن تنقل الطيور والحشرات والرياح البذور المعدلة وراثياً أو غبار الطلع الخاص بهذه المحاصيل إلى الحقول المجاورة والدول القريبة؛ مما قد ينذر بحدوث تلوث جيني، وظهور أعشاب قوية يصعب القضاء عليها، وأكثر مقاومة لمبيدات الأعشاب، وهذا بدوره يؤدي إلى مضاعفة مقدار المبيدات العشبية اللازمة للقضاء على الأعشاب؛ مما يؤثر في البيئة وصحة الإنسان تأثيراً شديداً، ويؤدي إلى إدخال المزيد من نسبة السموم في الغذاء. وقد تحدث تقنيات التحوير الوراثي في النباتات المحوَّرة طفرات وراثية غير متوقعة، تنطوي على اصطناع مستويات جديدة عالية من السموم في الغذاء، وقد تؤدي إلى حدوث حالات من الحساسية غير المعروفة، لا يمكن التنبؤ بها عند تناول تلك الأغذية المحورة وراثياً، وإذا كانت النباتات المحوَّرة جينياً قد نقل إليها جين أو أكثر من حمض الدنا؛ فإن ذلك يحتمل أن يكون الجين المنقول إليها من إنسان أو حيوان أو نبات، فيؤدي نقله إلى اضطراب في عمل الجينات المجاورة له في النبات، أو إلى قيام الجين الجديد بإنتاج نوع من البروتين الذي يكون غالباً غريباً عن النبات المحوَّر، مما قد يترتب عليه اضطراب في عمليتي الهدم والبناء في الكائن الحي، وإنتاج مواد غير متوقعة تسبب التسمم أو الحساسية، أو تجعل هذا النبات غير صالح للاستهلاك البَشري.

 ويختلف إنتاج المواد غير المتوقعة تبعاً لوسيلة التحوير المستخدمة، كما تختلف من كائن إلى آخر ومن نوع إلى آخر. ويرى الأطباء الغربيون احتمال إصابة الإنسان بالخلل الجيني نتيجة تناوله لهذه الأغذية، وحذر تقرير صادر عن الجمعية الملكية البريطانية من هذه الأغذية، وذكر أنه نظرياً قد تكون أقل في قيمتها الغذائية من تلك التي لم تحوَّر وراثياً، وأنها قد تسمح بتسرب مواد كيمياوية من شأنها التسبب في الحساسية والتسمم. وتوجست منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة خيفة من هذه المزروعات، ورأت أنه يجب الحذر من استخدام التقنية الحيوية لإنتاج الغذاء لتأثيرها في صحة الإنسان والحيوان والبيئة لاحتمال تسببها في نقل المركبات السامة من كائن إلى آخر، أو إيجاد مواد سامة جديدة، أو نقل مركبات تسبب الحساسية من كائن إلى آخر؛ إضافة إلى المخاطر البيئية التي يمكن أن تحدثها، مثل: التهجين الذاتي الذي يجري بين هذه النباتات المحوَّرة وبين غيرها، وإنتاج أعشاب ضارة ذات مقاومة عالية للأمراض، وغير ذلك من الصعوبات البيئية الأخرى التي تؤثر في الاتزان البيئي بين الكائنات، وكذلك استبعاد سلالات النباتات المزروعة بالطرائق التقليدية لإفساح المجال لزراعة النباتات المحوَّرة من شأنه أن يقلل من فرص التنوع البيئي للمزروعات.

السلامة في التقانة الحيوية الغذائية

تعني السلامة في التقانة الحيوية بصورة عامة safety in biotechnology توفير الأمان والسلامة في كل ما له علاقة بالتقانة الحيوية؛ ومن ذلك سلامة استعمال النظم البيولوجية والكائنات الحية الخاضعة للتقانة الحيوية من نباتات أو حيوانات أو أحياء دقيقة microorganisms بهدف تقديم منتجات مفيدة أو أي تطبيقات تقنية تستعمل تلك النظم والكائنات الحية أو أجزاءها أو مشتقاتها  وما يمكن أن تسببه للإنسان أو الحيوان أو البيئة من أضرار مباشرة أو غير مباشرة. وكذلك تبحث السلامة في كيفية التعامل مع الكائنات بدءاً من اختيار السلالة –أو السلالات- التي سيجري التعامل معها، والشروط الواجب توفرها في مخابر الدراسة ومراكز البحوث للحيلولة دون خروج بعض هذه الكائنات عن السيطرة؛ إضافة إلى عمليات إكثار الأنواع المختلفة وتوزيع بذور الأصناف المعدلة وراثياً (GM)  Genetically Modified في جميع أرجاء العالم مع إعطاء الأدلة الكافية على سلامة أيّ منتج قبل طرحه في الأسواق للاستهلاك البشري أو علفاً للحيوانات وفقاً لما تنصّ عليه القوانين والأنظمة المعمول بها في أغلب دول العالم والتي يشدّد عليها العديد من المنظمات الدولية؛ وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية  World Health Organization (WHO) والمنظمة الدولية للغذاء والزراعة (FAO) Food and Agriculture Organization والمجلس الدولي للغذاء والتقانة الحيوية (IFBC) International Food Biotechnology Council. وأيضاً تشمل السلامة في التقانة الحيوية  التدريب لاستعمال معدات متخصصة ومواد كيميائية وإنزيمات وهرمونات وغيرها، وخاصة المنتجات أو العمليات المتعلقة باستعمالات نوعية كالهندسة الحيوية والهندسة الطبية الحيوية biomedical engineering  وأهميتها في صناعة المشتقات الغذائية والطبية والعديد من المستحضرات الصيدلانية والتجميلية.

استعمال التقانة الحيوية لإنقاص المستأرجات (مسببات التحسس) في الغذاء

المستأرج allergen هو نمط من مولدات الضد antigen التي تُنتج نوعاً من الاستجابة المناعية القوية وغير الطبيعية في جهاز المناعة يقاوم تهديداً محتملاً، ومن شأنه – بخلاف ذلك -  أن يكون غير مؤذٍ للجسم، وتعرف ردود الفعل هذه بالحساسية allergies.

     وتُعدّ المستأرجات – من الناحية التقنية – مضادات أجسام قادرة على تحفيز ردود فعل فرط الحساسية من النمط 1 في الأفراد ذوي الاستعداد من خلال استجابة الغلوبولين المناعيimmunoglobulin E  . ويُظهر أغلب البشر استجابة مناعية للغلوبولين المناعي E بوصفه وسيلة دفاع ضد الالتهابات الطفيلية. وثمّة بعض الأشخاص القادرين على  الاستجابة لعدد من مولدات الضد.

    وتختلف الحساسية كثيراً بين شخص وآخر وحتى بين حيوان وآخر؛ وهناك مواد عديدة تُصنف بوصفها مستأرجات للأشخاص ذوي الحساسية العالية، مثل مفرزات عث الغبار dust mite والأبواغ وحبوب الطلع ووبر بعض الحيوانات الأليفة وغيرها. وتعترف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية United  States Food and Drug Administration (FDA) بثماني مواد مغذية بوصفها مستأرجات عامة لأعداد كبيرة من الأشخاص الحسّاسين، هي: الفول السوداني والمكسرات tree nuts والبيض والحليب والقشريات shellfish والسمك والقمح ومشتقاته وفول الصويا soybean ومشتقاتها ومركّبات السلفيت sulfites، التي تُعدّ الأساس لعدد من المركّبات الكيميائية الممكن إضافتها إلى بعض الأغذية لإضفاء الطعم أو اللون، وتُعدّ من المستأرجات بمجرد تجاوز تركيزها 10 ppm أو أكثر. ونظراً لاختلاف السلالة الوراثية والعادات الغذائية المتباينة في دول أخرى؛ فإن كندا مثلاً تضيف إلى قائمة المستأرجات المعتمدة من الولايات المتحدة الأمريكية بذور السمسم والخردل في حين يضع الاتحاد الأوربي إضافة إلى ما سبق نبات الكرفس celery والراتنج resin الناجم عن اللبلاب السام  poison   ivy والبلوط السام poison oak والمسبب للطفح الجلدي skin rash المعروف باسم الطفح الجلدي التماسي الناجم عن الاحتكاك بأوراق تلك النباتات أو جذورها أو سوقها. وهكذا يمكن للمستأرجات الوصول من طريق الغذاء أو التنفس كحبوب الطلع ووبر الحيوانات الأليفة وبعض العطور أو اللمس نتيجة استخدام بعض أنواع الصابون؛ كما يمكن للسعة الدبور أو النحل أو النمل الناري وحقن البنسلين واللبن النباتي latex أن تتسبب بحالات تحسسية؛ مما يتطلب –في بعض الحالات– النقل إلى المشفى لتلقي العلاج.    

      ويتساءل الباحثون عما إذا كانت وسائل التقانة الحيوية لها القدرة على توصيف المستأرجات وعلى الحد من هذه المواد المسببة للحساسية وتأثيرها الاستشرائي atopic reaction تمهيداً لإزالتها كلياً. ولقد تركزت أغلب الدراسات على فول الصويا وتعديله وراثياً للحد من المستأرجات في الأغذية والأعلاف food and feed.

التقانة الحيوية لإنقاص مستأرجات فول الصويا:

 أثارت عمليات التعديل الوراثي لفول الصويا genetically modified soybean المخاوف من بعض المستأرجات المدخلة نتيجة لتلك التقانة؛ ذلك أن بروتينات فول الصويا تستعمل على نطاق واسع في الآلاف من الأطعمة المصنعة في جميع أنحاء العالم الصناعي، والمساحات المزروعة في ازدياد مستمر في عدد من دول العالم. ويُعدّ محصول فول الصويا المعدل وراثياً واحداً من المحاصيل الكبرى في العالم، وجرى تعديله في أمريكا لمقاومة المبيدات العشبية herbicides . ويتمتع الصويا بإمكانات كبيرة تسمح بهندسته وراثياً لإنتاج بروتينات وزيوت مختلفة أو جديدة، ولا تستعمل هذه المواد لتوفير الغذاء للبشر والعلف للحيوانات فحسب؛ وإنما تستعمل موادَّ طليعية precursory في العديد من الصناعات كحليب الصويا ومشتقاته البديلة من الألبان dairy التي تلقى قبولاً من المستهلكين؛ وهي لا تقتصر على الأشخاص ذوي الحساسية من سكر اللاكتوز وبروتينات الحليب، وإنما لاعتبارات صحية أخرى؛ ذلك أن منتجات زيت فول الصويا والمارغرين لا تحتوي على البروتين؛ ومن ثمّ لا تثير ردود فعل تحسسية من الأشخاص الحسّاسين لفول الصويا. وقد ادعى بعض من ينتقدون التقانة الحيوية حدوث ارتفاع واضح في عدد الأشخاص الذين يعانون الحساسية من فول الصويا في المملكة المتحدة، وقد زاد هذا العدد نتيجة زيادة عمليات التعديل الوراثي لفول الصويا المطروح في الأسواق الأمريكية، وعلى الأشخاص الحساسين الابتعاد عن المستأرجات للحد من ردود الفعل التحسسية.

    وحين اختُبر الصويا المقاوم لمبيدات الأعشاب المعدل وراثياً بالاعتماد على الاختبارات المناعية مع عينات من الناس الحساسة تجاهه، أظهرت تلك الاختبارات أن فول الصويا المعدل لا يختلف على نحو ملموس - في ما يخص الحساسية - مقارنة بفول الصويا؛ أي إن مستوى الحساسية سيبقى من دون تغيير بالنسبة إلى الأشخاص الحسّاسين سواء تناولوا مواد مأخوذة من فول صويا معدل وراثياً أم غير معدل من دون وجود أي خطر إضافي نتيجة لذلك. كما أن بذور فول الصويا فقيرة ببعض الحموض الأمينية الضرورية مثل الميتيونين methionine، لذلك يضاف إلى فول الصويا - المُقدَّم أعلافاً - مواد تتضمن هذا النقص. وقد اهتمت الدراسات الأولى الخاصة بالتغيرات المطلوبة بالنباتات المعدلة وراثياً بزيادة المركّبات الأمينية في البذور لتوفير المواصفات المرغوبة من المستهلكين، مثل إضافة الميتيونين إلى البقوليات legumes والليزين lysine إلى الحبوب cereals.

     وبينت دراسات أُجريت على بذور نموذجية كبذور التبغ أن الجينات التي ترمِّز encoding  بروتينات البذور وتزيد محتواها من الميتيونين تحتوي على البرولامينات prolamins  والألبومينات 2 كبريت 2S albumins، ويمكن نقل هذه الجينات إلى فول الصويا لزيادة المحتوى الكلي من الحموض الأمينية. كما وُجدت الألبومينات 2 كبريت في ثمار الجوز البرازيلي Brazil nut الغنية بالميتيونين. ولقد أظهرت نتائج استعمال التقانة الحيوية لنقل الجين المسؤول إلى فول الصويا- بهدف زيادة محتوى البذور من الميتيونين- نجاحاً كبيراً من الناحية التقنية،؛ غير أن البروتينات 2S الواردة من جوز البرازيل تتسبب بحساسية خطرة، وجرى التخلي عن تطوير هذا المنتج وعدم تسويقه؛ كيلا يصاب أحد بسوء.

     وقد لُجِئ إلى التقانة الحيوية لإنتاج فول صويا بمحتوى أقل من المواد المحسسة  hypoallergenic soybean لاحتواء بذوره على المستأرجات؛ وهذا ما يجعلها سلعة مرغوبة لوجود بروتين في جزء كبير من الأغذية المصنعة منه في الدول المتقدمة. وإنتاج الأنماط المحتوية على كمية أقل من المستأرجات تسمح بزيادة الاستهلاك، وتقلل مخاطر ردود الفعل السلبية والمثيرة للحساسية فيما عدا  الأشخاص الفائقي الحساسية.

       تحتوي بذور فول الصويا على  15بروتيناً عرفت من طريق اختبارات الغلوتين المناعي E (IgEs) للأشخاص الحساسين، وتبين أن المستأرجات المناعية السائدة في تلك البذور تتمثل في بتا تحت وحدات الكونغلايسينين β–subunit of conglycinin ومركّب من زمرة البابائين papain، وهو إنزيم السيستينبروتياز، ويرمز إليها بالرمز P34 أو (Gly m Bd 30 K). والبروتين P34 هو المركب الفريد في زمرة البابائين التي تفتقر إلى بقايا السيستيئين المحفزة catalytic cysteine residue التي يُستبدل بها الغلايسين. وهذان المستأرجان مسؤولان عن غالبية ردود الفعل المتصالبة مع الاختبارات المناعية للغلوبولينE  لدى الأشخاص الحساسين لفول الصويا بتأثير البروتين P34/Gly m Bd 30K، الذي يمثل ثلثي نتائج الاختبارات السابقة لدى المجموعتين المدروستين لمواطنين يابانيين وأطفال مقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية. والمقاربة البديلة للتعديل الوراثي هو القضاء على المستأرجات بوساطة تقنية الكبح  الجيني gene suppression technology.

     وقد جرت محاولات عديدة للحدّ من المستأرجات أو إزالتها باستخدام تلك التقانة، وشملت تلك التجارب استعمال الكبح الجيني لإزالة مستأرجات حبوب الطلع في نبات السجادة ragweed  والجودار rye وانخفاضها إلى مستوى أقل بخمس مرات مما تحويه حبوب الرز من مواد مسببة للحساسية. ولم تقتصر التجارب على النباتات لإنقاص المستأرجات بتقانة الكبح الجيني، وإنما سبق ذلك استعمال تلك التقنية للتخلص من المستأرجات الموجودة في الجمبري والتي تعد خطراً على الأشخاص الحساسين، كما استعملت هذه التقنية لنزع المستأرجات الأولية في الهِرر المنزلية. وقد تمكن هيرمان  Herman ورفاقه عام 2003 من إنتاج فول صويا خالٍ من المستأرجات المناعية السائدة عند البشر والمعروفة باسم P34/Gly m Bd30K باستعمال تقنيات الإسكات الجيني gene-silencing techniques. وكذلك قادت عمليات الكبح الجيني المسببة للتحسس إلى الحصول على بذور فول صويا نوعية خالية كلياً من P34/Gly m Bd 30K. وقد استمرت هذه الصفة في نباتات فول الصويا لغاية الجيل الثالث المتماثل الأليلات homozygous، وتبين للباحثين أنها أضحت صفة ثابتة، وأن قمع المادة المستأرجة لا يبدل أي شيء في عمليتي النمو والتنامي growth and development للنبات أو البذور سواء على مستوى النمو الإجمالي أم تحت الخلوي subcellular . ولمقارنة فول الصويا المقموع P34 بالنمط البري؛ أُجري تحليل البروتين على نطاق واسع large scale proteomic analysis إضافة إلى استعمال المطياف الكتلوي، وقد تبين أن التغيير الوحيد الذي حدث لفول الصويا المعدل  وراثياً هو قمع البروتين P34/Gly m Bd 30K من دون إدخال بروتينات أخرى أو قمعها.

مراجع للاستزادة:

-     Johnson-Green، Perry, Introduction to Food Biotechnology. United States، CRC Press, 2018.

-   S.C. Bhatia, G.N. Foster, S. C. Bhatia, Food Biotechnology, CBS Publishers & Distributors Pvt Ltd, 2020.

-   P.B. Thompson, Food and Agricultural Biotechnology in Ethical Perspective (The International Library of Environmental, Agricultural and Food Ethics, 32) Springer,  2020.

 


التصنيف : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
النوع : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1032
الكل : 58491828
اليوم : 64342

البستنة في الدفيئات

التنوير (عصر ـ)   التنوير enlightment اتجاه ثقافي ساد أوربة الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير طبقة من المثقفين والمفكرين، عُرفوا باسم الفلاسفة philosophers، وكانوا صحفيين وكتاباً ونقاداً ورواد صالونات أدبية أمثال فولتير، ديدرو، كوندورسيه، هولباخ، بيكاريه، ولكن هؤلاء المفكرين أخذوا عن الفلاسفة العقليين ديكارت واسبينوزا وليبتنز ولوك الذين طبعوا القرنين السابع عشر والثامن عشر بطابعهم الثقافي حتى أُطلق على هذه الفترة عصر العقل age of reason، وكان التنوير نتاجه.
المزيد »