logo

logo

logo

logo

logo

الاحتكاك

احتكاك

friction - Friction

الاحتكاك

هيثم الكاتب 

جهاز قياس معامل الاحتكاك أنواع الاحتكاك
الاحتكاك على المستوى المكروي إيجابيات الاحتكاك وسلبياته
الاحتكاك صلب - مائع قوانين الاحتكاك
الاحتكاك على المستوى الذري (النانوي)ء معامل الاحتكاك
 

الاحتكاك  Friction ظاهرة طبيعية تَظهر بين سطوح تماس الأجسام الصلبة لدى حركة بعضها بالنسبة إلى بعضها الآخر حركةً انسحابية أو دورانية، وكذلك تظهر لدى حركة جسم صلب في سائل أو غاز، وتكون مقاومـة للحركة. أما إعاقة حركة طبقة سائل أو غاز لحركة طبقة أخرى منه؛ فيعبر عنه بدلالة لزوجة السائل أو الغاز، ويعدّ أيضاً نوعاً من أنواع الاحتكاك. يوصف الاحتكاك عادةً بتوصيف قوى الاحتكاك؛ أي القوى المتبادلة الفاعلة بين السطوح أو بين السطح وجزيئات السائل أو الغاز.

أنواع الاحتكاك:

يُصنَّف الاحتكاك عند تناوله كمّياً والتعبير عنه بمعادلات رياضية في احتكاك:

1- غاز مع صلب  solid-gas، وعندها يسمى الاحتكاك احتكاكاً هوائياً  aerodynamic friction.

2- سائل مع صلب  solid-liquid، وعندها يسمى الاحتكاك احتكاكاً سائلاً   liquid friction. ويُدمج عادة بين هذين النوعين تحت اسم مشترك، هو احتكاك صلب مع مائع fluid-solid friction.

3- صلب مع صلب  solid-solid، وعندها يسمى الاحتكاك احتكاكاً صلباً  solid friction.

4- ناجم عن تشوهات داخلية في الجسم، كما في حالة الموائع، وعندها يسمى الاحتكاك احتكاكاً داخلياً  internal friction، ويحدث هذا في حالة الأجسام الصلبة واللدائن، فيُعالج معالجة مستقلة تبحث في الخواص اللدنة لهذه الأجسام

إن أهم اكتشافين للإنسان القديم كان لهما أثر كبير في حياته على صلة بالاحتكاك هما: تعلُّم كيف يستفيد من حرارة الاحتكاك لإشعال النار؛ إذ إن الطاقة المصروفة للتغلب على قوى الاحتكاك تظهر على شكل حرارة. وإن الاحتكاك الدوراني التدحرجي أقل بكثير من الاحتكاك الانزلاقي عندما استَعمل جذوع الأشجار تحت الأجسام الثقيلة عند نقلها من مكان إلى آخر؛ وهو ما أدى إلى اختراع الدولاب.

إيجابيات الاحتكاك وسلبياته:

الشكل (1)ء

إن للاحتكاك دوراً مهماً وإيجابياً في عدد كبير من النشاطات اليومية وفي الكثير من العمليات التصنيعية؛ لأنه يساعد على تحريك الأجسام وتغيير اتجاه حركتها وإيقافها. ومن دونه لا يمكن ربط حبلين معاً، ولا تحريك الطواحين الهوائية، ولا سماع أصوات الموسيقى أو صرير مكابح العجلات. وعلى النقيض من ذلك، فإن للاحتكاك دوراً سلبيَّاً في ضياع الطاقة واهتراء المواد؛ إذ يبدِّد الاحتكاك جزءاً كبيراً من الطاقة الحركية في المكنات والآلات المتحركة. وقد قدّرت الطاقة المبدَّدة للتغلب على الاحتكاك بـ 10 % من معدل استهلاك الوقود. وهي تتحول إلى حرارة تنتشر في الآلة، ويجب إزالتها عن طريق التبريد لإزالة آثارها الضارة. إضافة إلى أن جزءاً من هذه الطاقة الحرارية تضيع في عمليات تخريبية ينجم عنها تأكل  سطوح التماس المنزلقة في الأجسام المتحركة واهتراؤها إلى أن تصل إلى حالة لا بد من استبدالها.

قوانين الاحتكاك:

صاغ كولومب Coulomb قوانين تجريبية كيفيّة تَحكُم الاحتكاك بين الأجسام الصُّلبة عام 1785، وبنى عمله على مشاهدات سابقة، صنَّفها كل من أمونتونس  Amontons وليوناردو دافنشي  Leonardo da Vinci ، فقدمها بالصيغ العامة التالية:

- الاحتكاك السكوني static أكبر من الاحتكاك الحركي (الديناميكي (dynamic؛ أي إن القوة اللازمة لجعل الجسم يبدأ في الحركة أكبر من القوة اللازمة للحفاظ على الجسم متحركاً بسرعة منتظمة.

- الاحتكاك لا يتعلق بسرعة الانزلاق.

- قوة الاحتكاك متناسبة طرداً مع الحمل المطبق.

- قوة الاحتكاك لا تتعلق بمساحة سطح التماس.

وتشير الدراسات الكمّية اللاحقة إلى أن هذه القوانين قوانين تقريبية تصح ضمن شروط معيّنة فقط. إذ إن تعلق قوة الاحتكاك بسرعة الانزلاق يصح في حالة السرعات الصغيرة فقط، وكذلك مسألة عدم تعلق القوة بالسطح؛ إذ إن ذلك يعتمد على درجة خشونة السطح. فيوصف الاحتكاك بين سطحي جسمين صُلْبين كَمِّياً بمعامل الاحتكاك، أما الاحتكاك بين سطح صلب وسائل فيُعطى بقوانين تدخل فيها سرعة الجسم ولزوجة المائع.  

معامل الاحتكاك

يعرَّف معامل الاحتكاك السكوني  (friction ƒs coefficient or µs)   بأنه نسبة قوة الاحتكاك  F - وهي القوة اللازمة لبدء حركة الجسم - إلى القوة الناظمية المطبَّقة على سطحه. ويلاحظ أنه إذا طُبِّقت على جسم قوة محرِّكة أقل من هذه القيمة فإن الجسم لن يتحرك. وبعد أن يبدأ الجسم حركته يجب إنقاص القوة F؛ لكي يتحرك الجسم حركة منتظمة، فيُعرَّف معامل الاحتكاك الحركي µK  أنه نسبة القوة الجديدة إلى القوة الناظمية المطبَّقة. ومن ثم فإن

 µs > µk. وعليه فإن ما يعرف بقوة الاحتكاك المعوقة للحركة تعطى بمتراجحة، أما قوة الاحتكاك الحركية فتعطى بقيمة معيّنة واحدة.

 

 

يقاس معامل الاحتكاك بطريقتين: الأولى موضحةٌ تخطيطياً بالشكل (1- آ)، أما الجهاز المستعمل فهو الظاهر في الشكل (1- ب). فعندما يوضع جسم وزنه w على سطح أفقي، وهذا يمثل القوة الناظمية، ثم يمال السطح تدريجيّاً حتى يبدأ الجسم بالحركة، فيكون ظل الزاوية - الذي يساوي نسبة مركبتي الثقل الأولى الموازية للسطح أي قوة الاحتكاك إلى المركبة الثانية الناظمية على السطح- مساوياً معامل الاحتكاك السكوني، وتسمى  θ friction angle (الشكل- 1) أي:

 

 

جهاز قياس معامل الاحتكاك

الشكل (2) جهاز قياس معامل الاحتكاك

تمثل هذه العملية طريقة بسيطة لقياس معامل الاحتكاك السكوني  ms. غير أن التحكم في الزاوية لقياس معامل الاحتكاك الحركي يكون صعباً. لذلك تُستعمل الطريقة الثانية الممثلة تخطيطياً في (الشكل 1- ب)، المعتمدة على قياس القوى لتقدير معامل الاحتكاك السكوني والديناميكي (الشكل  2).

تعتمد نتائج هذه القياسات اعتماداً كبيراً على طبيعة سطوح التماس ونظافتها وخواص مواد السطوح المتماسة؛ إذ إن معامل الاحتكاك ليس إلا تعبيراً ماكروياً macroscopic عن أفعال مِكرويَّة  microscopic متبادلة بين ذرات كل من الجسمين إضافة إلى الذرات الموجودة بينهما، فهي انعكاس للروابط التي تربط ذرات كل منها بالأخرى وتكسُّرها أو تكوينها.

يمكن أيضاً تعريف معامل الاحتكاك الدوراني أو التدحرجي، ولكن يصعب التعبير عنه بقوانين مشابهة للاحتكاك الانزلاقي؛ إذ إنه يضاف إلى الوسطاء التي تحدد الاحتكاك الانزلاقي شكل الجسم لحساب عزم القوة اللازمة لتدويره، ونقطة تطبيق القوة إضافة إلى مركز كتلته. ففي حالة العجلة أو الدولاب، إذا طُبِّقت القوة المحركة وفق مستقيم مار من مركز كتلته كانت الحركة انزلاقية انسحابية، أما إذا طُبِّقت قوة بعيدة عن مركز الكتلة فهناك عزم مطبّق، ومن ثَم محاولة القيام بحركة تدحرجية، وقد تكون الحركة مزيجاً من الحركتين. ومعامل الاحتكاك التدحرجي  الصرف أقل من جميع معاملات الاحتكاك الأخرى عموماً.  

وإن وجود سائل تزليق بين السطحين يغيّر كثيراً من هذا المعامل. فيمكن أن ينقص معامل الاحتكاك من 0,5 للسطوح الجافة في شروط العمل الطبيعية على سطح الأرض ليصل حتى 0,03 للسطوح الجيدة التزليق، ويمكن أن يصل حتى 5 في حالة سطوح المعادن الصقيلة النظيفة والجافة في الخلاء.

ولكي يسير الإنسان على الأرض سيراً مريحاً؛ يجب أن يقع معامل الاحتكاك بين الحذاء والأرض في المجال 0,3- 0,2. وإن المشي على الجليد أصعب بكثير؛ لأن معامل الاحتكاك بين الحذاء والجليد أقل من 0,05، أما معامل احتكاك الحذاء مع الأرض الزلقة فهي في حدود 0,15.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإنسان يتمتع بخاصية تزييت عالية جداً في مفاصله، ولا يتجاوز معامل الاحتكاك بين سطوح التماس 0,02.

تفسّر مسألة خشونة السطح المجال الكبير للقيم المدرجة عادة في الجداول حتى بين أجسام مصنوعة من المادة نفسها،  فإذا كان السطح خشناً جداً كان الأمر أشبه بالمشي على أرض وعرة، وإذا كان السطحان صَقيلَيْن جداً من المادة نفسها فهما أقرب لتكوين مادة واحدة، ومن ثَمّ يصعب زلق أحدهما على الآخر. وهذا ما دعا إلى دراسة ما يحدث على المستوى المِكروي.

الاحتكاك على المستوى المكروي:

الشكل (3)ء
 
الشكل (4)ء

إن السطوح المتماسة ليست مستوية استواء هندسيّاً (الشكل 3)، كما تظهر للعين المجردة. فعندما تُرى تلك السطوح تحت المجهر بتكبير عالٍ، فإنها تظهر على شكل تموجات وخدوش asperities يُعبَّر عنها بخشونة السطح surface roughness. حتى السطوح المصقولة polished تحمل السمات ذاتها؛ إذا ما نُظِر إليها بتكبير كافٍ. وتعدّ الدراسة عند هذا المقاس دراسة تسبق الدراسة على المستوى الذري.

فإذا اقترب سطحان أحدهما من الآخر يحصل تماسٌّ بين عدد محدود من ذُرى التموجات (الشكل 4)، ويتشكل ضغط في نقاط التماس يمكن أن يصل إلى قيمة أعلى من قساوة المعدن الأكثر ليونة بين سطوح التماس، ومن ثَم تحصل تشوهات لدنة عند مستوى الذرا العالية.

أما الذرا المتوسطة الارتفاعات من المعدن الأقسى، فإنها تجرف جزءاً من السطح المقابل من المعدن اللين (تحرث السطح المقابل)، (الجزء ب من الشكل 4)، وينجم عنها تشوهات لدنة ومرنة (خدوش) يحتاج تشكلها وكسرها إلى تطبيق قوة تدعى الجزء الحرثي لقوة الاحتكاك.

يتولد من التشوهات اللدنة ارتفاع في درجة الحرارة الموضعية في مدة قصيرة جداً، وكمية الحرارة المتولدة تعتمد على مدى سرعة توليد هذه الحرارة (شروط التشغيل من سرعة وحمل) وعلى مدى تبدد هذه الحرارة وانتقالها. وقد ينجم عن هذه الحرارة عند نقاط التماس أكاسيد وسيلان معدني لدن وتداخل بين معدني الجسمين يؤدِّي إلى تكوّن وصلات لحامية صلبة بين السطحين المعدنيين (الجزء جـ من الشكل 4). فلكي ينزلق السطحان أحدهما على الآخر لا بد من تطبيق قوة قادرة على تكسير الوصلات اللحامية المتشكلة، ويسمى هذا الجزء من قوة الاحتكاك الجزء الالتصـاقي، وينجم عن تكسـر الوصـلات اللحامية حطام اهتراء wear debris. وقد ينتج جزء ثالث يجب التغلب عليه؛ بسبب تكسر الوصلات اللحامية وانحشار حطام الاهتراء القاسية بين السطحين المنزلقين (الجزء د من الشكل 4). وفي بعض حالات احتكاك معدنين قاسيين؛ يمكن أن يظهر تقطُّع في الحركة (توقف ثم انزلاق متكرر)، وذلك عندما يكون معامـل الاحتكاك السـكوني في بعض الأجزاء أكبر من جزء معـامل الاحتكاك الديناميـكي. وتسمى هذه الظاهـرة “توقفاً أو انزلاقاً stick-slip، حيث يلتصق السطحان المنزلقان أحدهما على الآخر إلى أن تختزن المنظومة (الجسمان المتحركان) طاقة كافية لكي يصبح معامل الاحتكاك الديناميكي الجزئي أكبر من جزء معامل الاحتكاك السكوني الجزئي، فينزلق الجسمان مجدَّداً لمسافة محدودة، ويضيع جزء من الطاقة، فيعاودان الكرّة مرّة أخرى وهكذا. وفي حال استمرار هذه الظاهرة يمكن أن يتولّد اهتزاز النظام، واهتراء السطوح، وضجيج.

لذلك - بسبب العوامل المختلفة المذكورة - لا يمكن عَدُّ معامل الاحتكاك من مواصفات المادة وحدها، ومع ذلك فإن قيمة معامل الاحتكاك µ (التي يتم الحصول عليها ضمن شروط قياس متشابهة وبطرق متعددة وفي عدة مخابر اختصاصية) تنحصر في مجالات ضيقة تقع اختلافاتها ما بين 20 - 30 %. وهكذا فإن قيم معامل الاحتكاك المذكورة في كتب الاحتكاك كلها مرهونة بشروط القياس والمحيط السائد لحظة القياس. وفي حال ضرورة استخدام قيم معامل الاحتكاك في معادلات هندسية لحسابات دقيقة؛ لا بد من قياسه في شروط الاستثمار الفعلية وعلى المنظومة العاملة نفسها.

تُستعمل للتقليل من الاحتكاك وآثاره مواد خاصة على السطوح ذات معامل احتكاك منخفض، مثل النحاس وخلائطه (في الجلب والقشور)، أو مواد لتخفيف الخشونة السطحية إلى درجة كبيرة جداً (في المحاور وعجلات الانزلاق)، أو إلباس السطوح بطبقات من معادن عالية القساوة كالكروم وغيره (في أسطوانات المحركات ومكابسها). ولتقليل الاحتكاك وآثاره الضارة في المنظومات المتحركة يُلجأ أيضاً إلى التزليق على نطاق واسع؛ أي توسط مائع بين السطحين، وهذا يسوغ دراسة الاحتكاك صلب - مائع.

الاحتكاك صلب - مائع

يُدرس الاحتكاك بين الأجسام الصلبة والموائع دراسة مفصلة بالاعتماد على شكل الجسم ونوع المائع، وذلك في ميكانيك الموائع الذي يدرس الأجسام المحددة لحركة المائع في شروطٍ حدّية، مثل الجريان في أنابيب أو الجريان في الأنهار. ويدرس كذلك جريان الأجسام في الموائع مثل جريان السفن في المياه وطيران الطائرات في الهواء. وتعدّ قوى مقاومة الحركة قوى مبدِّدة في الحالتين يجب التغلب عليها. وقد يكون الجسمُ ذو الشكل الكروي أبسطَ الأشكال المدروسة وأوَّلَها . فقد وُجد أن القوةَ المعوقة لحركة كرة في مائع متناسبةٌ مع سرعة الجسم في البدء ومع لزوجة المائع ونصف قطر الكرة. لذلك يُلحظ وصول الكرة الملقاة في مائع إلى سرعة ثابتة بعد قطعها - وهي متسارعة - مسافةً معيّنة لتستمر بعدها بسرعة ثابتة. غير أنه إذا أصبحت سرعة الجسم في المائع في مجال السرعات العالية؛ تصبح قوة الاحتكاك متناسبة مع مربع السرعة، وقد تختلف التبعية عند سرعات أعلى. وتعتمد قوة الاحتكاك بين الصلب والمائع كذلك على نوع الحركة المكوِّنة لطبقة التماس بين الصلب والمائع؛ إذ يُفترض عند السرعات الصغيرة تكوّن طبقة مستمرة تأخذ شكل الجسم تماماً، ولكن عندما تزداد السرعة؛ فإن هذه الطبقة تصبح متقطعة تحوي دوارات من المائع، ولا تأخذ شكل الجسم تماماً.

الاحتكاك على المستوى الذري (النانوي)

تبيَّن أن ما يحدث على المستوى المجهري (المكروي) يحدث أيضاً على المستوى الذري. فهنالك دائماً قوى متبادلة تمثل الروابط بين ذرات سطحين محتكين، وعند الاحتكاك تتكسر تلك الروابط، وتنشأ روابط جديدة مختلفة عن الأولى غالباً، فيتسبب ذلك في تبديد الطاقة. ولدراسة الاحتكاك على المستوى النانوي؛ جرى وضع تمثيل حاسوبي يفترض أن تكون السطوح النانوية صقيلة ونعومتها مثالية، ولكنها في واقع الأمر خشنة، ولها تضاريس كتضاريس الجبال، وكل ذرة أو جزيء منها يمثل نتوءاً على السطح. ولم تُطبَّق هنا نظريات ميكانيك الوسط المستمر، لأنها لا تتوافق مع سلوك الذرات أو الجزيئات وكيفية تأثير بعضها في بعض في الأسطح المنزلقة. لذلك يرى بعض الباحثين أن الاحتكاك على المستوى الذري مختلف عن الاحتكاك المعروف في الحياة اليومية؛ لأن الاحتكاك في الأجسام النانوية الحجم يسبب مشكلة كبيرة، وهذا يعني أن سطوح هذه الأجسام تهترئ بسرعة، أو يلتصق بعضها ببعض عندما تتلامس.

ففي عام 1991 استَعملت الباحثة جاكلين كريم  Jacqueline Krim وفريق بحث من جامعة نورث إيسترن  North Eastern في بوسطن (الولايات المتحدة) جهازَ قياسٍ شديد الحساسية لقياس شدة الاحتكاك النانوي الناجم عن انزلاق طبقة واحدة من الكريبتون على سطح من الذهب، وأظهرت النتائج تدخل الحركات الاهتزازية لذرات الذهب(الفونونات) في تعيين معامل الاحتكاك، وأن قيمته أقل بـ 105 من الاحتكاك الماكروي. وظهرت عبارة النانو ترايبولوجي nanotribology أول مرّة في عرض نتائج هذا البحث. وفي عام 2004 قام الباحث أرنست ميير  Ernst Meyer وزملاؤه في جامعة بازل Basel باستخدام الجهاز المذكور سابقاً لتعيين نقطة تحول ظاهرة الاحتكاك المتدرج stick-slip إلى انزلاق مستمر. كما قام الباحث ألكسندر فيليبوف Alexander Filippov وزملاؤه من معهد دونتسك Donetsk Institute في أوكرانيا بتطوير جهاز احتكاك على المستوى المِكروي يجري فيه تطبيق قوى خارجية لحظية تحقِّق تماسّاً متناوباً بين سطحين، ووجدوا أن ظاهرة الاحتكاك المتدرج تَظهر في حالات تكسر نقاط الالتحام بين السطحين، وأن وجود الاحتكاك السكوني يعتمد على شروط التجربة وزمن التماس

الشكل (5) منظر لنقطة تماس الكربون مع الألماس على مستوى النانوي؛ وبتكبير القياس تبدو السطوح خشنة 

وفي عام 2009  قامت الباحثة إيزابيلا زلوفارسكا  Izabela Szlufarska مع فريق من زملائها في جامعة ماديسون Madison بوضع تمثيل حاسوبي يتعامل مع المادة على المستوى النانوي، وبيَّن فريق العمل أن الاحتكاك على المستوى الذري يتصرف تصرفاً مماثلاً للاحتكاك المتولِّد بين جسمين كبيرين، وقد راقب الباحثون المواقع والتأثيرات المتبادلة بين الذرات السطحية للأجسام المنزلقة بعضها على بعض في منطقة التماس. وكانت هذه هي المرّة الأولى التي يجري فيها التمثيل على المستوى الذري للاحتكاك الانزلاقي (الشكل 5)، وتبيَّن وجود توافق كميٍّ لقيم الاحتكاك مع القيم المستنبطة تجريبياً على المواد المستخدمة في التمثيل (كربون ينزلق على ألماس معالج بالهدروجين) واكتشف فريق العمل القوانين البسيطة للاحتكاك على المستوى النانوي، ووجدوا أن الاحتكاك يتناسب خطياً مع عدد الذرات في منطقة تماس السطوح النانوية.

وقد بيّنت المحاكاة الحاسوبية أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع منع الاحتكاك، أو تصميم مواد بخواص احتكاكية معيّنة؛ بحيث يمكن قياس العديد من معاملات الاحتكاك ولمواد مختلفة، ولكن من غير الواضح كيف يمكن ربطها بخواص تلك المواد، فأصل الاحتكاك ومنبثقه في الحقيقة بحث مفتوح، وينمو باستمرار، والبحوث المتوفرة إلى اليوم لا تعطي إلا القاعدة الأساسية لبناء قوانين احتكاك موحدة على مستويات القياس كافة (الماكرو - المكرو - النانو).

ويُذكر من الاهتمامات البحثية الحالية في هذا المجال:

- البحث عن طرائق دقيقة لقياس معامل الاحتكاك µ وتقدير قيمته في شروط محددة معطاة. والبحث عن إمكان استخدام أي من المؤشرات المختلفة والمتولِّدة من الاحتكاك في التغذية الراجعة للتحكم اللحظي في حركة الروبوتات وعمليات الإنتاج وتزليق المنظومات وغيرها.

- البحث عن مواد وطلاءات ذات معاملات احتكاك منخفضة لاستخدامها في شروط عمل قاسية (درجات حرارة عالية وسرعات مرتفعة) حيث تتحطم طبقات التزليق، إضافة إلى مواد وطلاءات تتمتع بخاصية تقدير معامل احتكاكها µ  وثباته مع ارتفاع درجة حرارتها.

مراجع للاستزادة:

 - M. Abdelmaksoud, J. Bender and J. Krim, Bridging The Gap Between Macro- And Nanotribology: A Quartz Crystal Microbalance Study Of Extreme Environment Lubrication, Phys. Rev. Lett. 2004.

- P. J. Blau,  Friction Science And Technology- From Concept To Application. Crc Press, 2008.

- A. Filippov et al., Friction Through Dynamical Formation and Rupture of Molecular Bonds, Phys. Rev. Lett. 2004.

- I. Szlufarska et al., To Understand Friction on A Very Small Scale, Sciencedaily, Mar. 10, 2009. 

- J. Krim et al., Nanotribology of A Kr Monolayer: A Quartz Crystal Microbalance Study of Atomic-Scale Friction, Phys. Rev. Lett. 1991.

- J. Krim, Friction At - Nano Scale, Issue Of Physics, World Department of Physics, North Carolina State Uni­ver­sity, Raleigh, 2005.


التصنيف : ميكانيك الجسم الصلب
النوع : ميكانيك الجسم الصلب
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 314
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1041
الكل : 58491755
اليوم : 64269

أثر شتارك

الإشعاع بالتألق   الإشعاع بالتألق radiation by luminescence هو الضوء الذي يصدره جسم درجة حرارته عادية، وهو في صدوره عند درجة الحرارة العادية يختلف عن الضوء المرئي الذي يصدره جسم متوهج في درجة حرارة عالية مثل الخشب المحترق أو الحديد المصهور أو سلك المصباح المتوهج [ر. الإشعاع الحراري]. وقد لوحظ إشعاع التألق منذ القدم فجاء ذكره في القصص والأغاني وبهرت الإنسان ألوانه الزاهية التي تصدرها أرومات الأشجار الرطبة وبعض الحشرات مثل اليراعة والدودة المضيئة.
المزيد »