التقانات النانوية (تطبيقات-)

تقانات نانويه (تطبيقات)

Nanotechnology applications -

التقانات النانوية (تطبيقات ـ)

                     إبراهيم الغريبي

 يتوقع أن تدخل التقانات النانوية  nanotechnologies مجالات الحياة جميعها، مثل الطب والصناعات الدوائية والبيئة وتخزين الطاقة والزراعة والغذاء وموادّ البناء والنسيج والمجال العسكري والحواسيب والصناعات الإلكترونية والاتصالات، بل يتوقع أن تُحدث تلك التقانة منافسة إيجابية في الأسواق العالمية وذلك بإنتاج أجهزة ومعدات أصغر وأرخص وأسرع وأكفأ وأقل استهلاكاً للطاقة وأكثر ديمومة. يُذكر فيما يلي أهم المجالات التي استُعملت  فيها تقانة النانو.

تطبيقات التقانات النانوية مجال الحواسيب

 أمكن باستعمال التقانة النانوية تصنيع ما يسمى بالذرّة الصناعية أو النقط الكموميّة  .quantum dot حيث تستعمل الآن على نطاق واسع في صناعة الليزرات النانوية التي تستعمل غالباً في المجال العسكري والطبي وكشف الملوثات في الجو. إضافة إلى إمكان صناعة ديودات باعثة للضوء  Light Emitting Diodes (LEDs)، ومشغلات أقراص الفيديو الرقمية Digital Video Disks (DVDs)  وقراءتها بالليزرات الزرقاء التي تسمح بتخزين معلومات هائلة قد تصل إلى أكثر من ألفي فيلم سينمائي، وصولاً إلى صناعة حواسيب كمومية  quantum computers  تمثل قفزة تقانية غير مسبوقة يمكنها تحسين القدرة الحاسوبية للقيام بمهمات خاصة عسكرية وفضائية، ويمكنها أيضاً القيام بخزن معلومات الكرة الأرضية كلها، وإنجاز عمليات حاسوبية معقدة جداً. وقد اتجه فعلاً عدد من الشركات من ضمنها شركة أي بي إم  IBM إلى تصنيع مجموعة من الحواسيب اعتماداً على هذه التقانة، وذلك بتطوير بدائل للترانزستورات الحالية، وصنع ترانزستورات من أنابيب نانوية دقيقة جداً تسمى ألياف الكربون النانوية carbon nanotubes، وهذه أرفع بـ 10000 مرّة من قطر الشعرة. وقد صرحت شركة إنتل Intel  أنها ستتمكن قريباً من طرح معالج نانوي للحواسيب nano processor طوله جزء من المليار(10⁹/1) من المتر، وعرضه يساوي ثلاث ذرات مصفوفة الواحدة بجانب الأخرى؛ بحيث تكون هذه الأبعاد قادرة على استيعاب 400 مليون ترانزستور نانوي في رقاقة تمكنها من الوصول إلى سرعة GHz10 (عشرة غيغاهرتز)، وسعة تخزين تحاكي عمليات تخزين الطاقة في الخلايا الحية.

تطبيقات التقانات النانوية في مجال هندسة الاتصالات

تؤدي التقانة النانوية دوراً مهماً في مجال هندسة الاتصالات، وتحقق ثورة عظيمة في الكثير من الجوانب المرتبطة بتقانات الاتصالات. وللتقانة النانوية طيف واسع من التطبيقات، منها:

- التقانة اللاسلكية: إن ظهور مفاهيم التقانة الذكية والنانوية في التجهيزات النقالة سيساعد على تضمين embedding التجهيزات ضمن البيئات البشرية. وسيضاف إلى الهواتف الخَلَوِيّة أنابيب نانوية كربونية لتعزيز أدائها. كما أدرجت تجهيزات نانوية في المنظومات النقالة من الجيل الخامس.

- تقانة إنترنت الأشياء: ستوفر التقانة النانوية وإنترنت الأشياء Internet of Things (IoT) معاً أشياء من السلم النانوي قادرة على التواصل فيما بينها مع القدرة على التفاعل مع البشر أو الآلات بطريقة فعالة. كما ستوفر الأشياء الذكية النانوية أساليب ذكية للربط الدينامي بالإنترنت أو بمنظومات نانوية أخرى.

- الشبكات جسدية النطاق: غدا بالإمكان بفضل التقانة النانوية تنسيق تجهيزات الشبكة جسدية النطاق Body Area Network (BAN) داخل الثوب أو الجسم. وأمكن استخدام المحسّات sensors المضمّنة من حجم حبة الرز داخل جسم الإنسان لقياس الكثير من المؤشرات الحيوية كقياس معدل دفق الدم في الشرايين، والمسح الداخلي لأجزاء مهمّة من الجسم، وكذلك للمعالجة الدوائية للأعصاب والنسج.

- التجهيزات اللاسلكية والنقالة: حظيت التجهيزات المحمولة لغايات الحساب والتحسّس بأهمية كبيرة للأعمال من بعد للحصول على معرفة بالبيئة المحيطة؛ مما يسمح بخدمة الزبون بصورة مناسبة. ويمكن ربط هذه التجهيزات بموقع الإنسان، مثل المنزل أو المكتب بوساطة الهواتف الخلويّة. 

تطبيقات التقانات النانوية في مجال الفضاء والفلك

ستؤدي المواد النانوية nanomaterials دوراً مهماً في دعم مهمات الفضاء المستقبلية للوصول إلى كوكب المريخ وما هو أبعد منه. وتشمل الأبحاث الجارية المعنية بتطويع المواد النانوية على سبيل المثال لا الحصر البذلات الفضائية النانوية الحيوية، والتدريع الإشعاعي، ووسائط سفر فضائية جديدة. ويمكن للتقانة النانوية المساهمة في تحسين المركبات الفضائية في الوقت ذاته الذي تؤمن به حماية رواد الفضاء والمعدات. كما يمكن للمواد المركَّبة composites من الأنابيب الكربونية Carbon NanoTubes (CNTs) إنقاص وزن المركبة الفضائية؛ وذلك بتوفير أغلفة وبنىً داخلية خفيفة الوزن مع المحافظة على متانة الهيكل أو تعزيزها. ويمكن أن تُنتج في المستقبل القريب مركبات فضائية ذاتية الشفاء self-healing تستخدم التقانة النانوية لإصلاح الأضرار الناجمة عن النيازك التي تصدم المركبة على سبيل المثال.

من ناحية أخرى تحتاج المعدات الإلكترونية على متن المركبات والمسابر والمقاريب والمراصد الفلكية الفضائية إلى حماية. ولأن التجهيزات الإلكترونية تصبح أكثر تحملاً للإشعاع كلما صغر حجمها، فإن التجهيزات النقطية الكمومية تتحمل الإشعاعات بصورة أفضل من التجهيزات الأكبر حجماً.

تطبيقات التقانات النانوية في المجال الطبي

 تُعدُّ التطبيقات الطبية من أهم التطبيقات الواعدة على الإطلاق (الشكل 1)  فهي تمكِّن من الحصول على مَركبات جزيئية نانوية تدخل جسم الإنسان؛ لترصد مواقع الأمراض وتشخصها بدقة، ويمكنها أيضاً القضاء على أنواع الخلايا السرطانية واستئصالها ومنع انتشارها، وملاحقة الفيروسات وتدميرها من دون إحداث أي تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها، وتُعدّ حبيبات الذهب النانوية أكثر الموادّ النانوية استعمالاً لهذا الغرض. فعند حقن حبيبات الذهب داخل الجسم تلتصق تلقائياً بالخلايا السرطانية، ثم تعرَّض لأشعة ليزرية تحت حمراء تقوم بدورها بتسخين حبيبات الذهب ورفع درجة حرارتها؛ وهذا يؤدي إلى احتراق تلك الخلايا فقط وموتها من دون إصابات تذكر في الخلايا السليمة. ويمكن أيضاً تعقب مواقع الخلايا السرطانية بحقن الجسم بواسمات بيولوجية من نقاط سلينيد الكادميوم CdSe الكمومية التي تجتمع تلقائياً بالخلايا السرطانية، وعند تعريض هذه الخلايا للضوء فوق البنفسجي تضيء الجسيمات؛ فيساعد ذلك على الكشف المبكر عن وجود الأورام والخلايا السرطانية وإزالتها بدقة. وأصبح بالإمكان حقن مواد نانوية تتجمع داخل الورم السرطاني، ثم يجري تنشيطها بالأمواج فوق الصوتية. يمكن لهذه الطريقة التأثير حتى عمق بضعة سنتيمترات بدل طريقة التنشيط الضوئية التي تتغلغل فقط عدة ميليمترات. ومن التطبيقات الطبية الواعدة استعمال ألياف نانوية من بوليمرات طبيعية لإجراء جراحات ترقيعية للأوعية الدموية، ولعلاج الجروح والحروق الشديدة. وكذلك أتاحت تقانة النانو إنتاج أنواع مبتكرة من المحسّات البيولوجية biosensors، تُستعمل في الكشف عن وجود أي خلل في وظائف الجسم الحيوية. وقد بادرت إحدى الشركات السويسرية إلى إنتاج مضخة صغيرة لا تتعدى أبعادها شريحة الجوال الخلوي، توضع تحت الثياب بمنطقة الفخذ مثلاً، فيعمل هذا الجهاز النانومتري على مراقبة تركيز السكر في دم المريض، وإذا ما انخفضت هذه النسبة عن حد معيّن يقوم الجهاز بضخ جرعة الإنسولين المطلوبة منه؛ فَيَسْلم الكثير من مرضى سكر الدم من خطر التعرض لغيبوبة نقص السكر الناجم عن نسيان تعاطي جرعات الإنسولين اليومية. ويمكن استخدام الحبيبات والجزيئات الدقيقة في ترميم سطح العين عند تعرضه للخدش أو التلف، ومعالجة داء الزرق (جلوكوما) في العينين الذي يسبب العمى، وذلك عن طريق ربط جزيء دقيق من أكسيد السيرسيوم بمركّب يعرف بقدرته على كبت إنزيم  HCAII الذي يُعتقد أنه يؤدي دوراً مهماً في الإصابة بالزرق. وتستعمل الأغشية النانوية في تغشية العدسات الطبية؛ وذلك لجعلها أقل جذباً للجراثيم، وأقل قابلية للخدش. وتم توظيف بعض المواد المتناهية في الصِّغر في التصوير والتشخيص والكشف المبكر عن الأمراض، وفي هندسة الأنسجة، وكذلك في الجراحة العامة والتجميل وجراحة الأوعية الدموية، وفي تصحيح التلف في الأجهزة السمعية والبصرية والحسية عند الإنسان، وذلك بزراعة أجهزة نانوية بديلة داخل الجسم.

الشكل (1) مجالات تطبيقات التقانات النانوية في الطب.

ولطب الأسنان نصيب في التقانة النانوية، فقد تمَّ التوصل إلى تقانة نانو جديدة لإطالة عمر حشوات الأسنان بإضافة مواد نانوية من فسفات الكلسيوم الملائمة لتركيب الأسنان والعظام والقادرة على تعبئة القنوات المتناهية في الصِّغر في طبقة مينا السن. كما تستعمل الموادّ الخزفية (السيراميكية) النانوية في صناعة الأسنان الصنعية.

تطبيقات التقانات النانوية في مجال الصيدلة

إن استعمالات تقانة النانو كثيرة جداً بدءاً من طرائق إنتاج الدواء ومروراً بوسائل حفظه، وانتهاءً بكيفية إعطائه للمريض. يُعدّ توصيل الدواء drug delivery إلى الأنسجة إحدى أولويات البحث في علم الصيدلة pharmacology، حيث يعتمد على تصنيع موادّ نانوية دقيقة تعمل على تحسين التوفر الحيوي للدواء وتوجيهه إلى المنطقة المصابة تحديداً، ومن ثمّ تعمل على إنقاص معدل استهلاك الدواء والتقليل من أعراضه الجانبية وحالات التسمم الناجمة عن الجرعات الزائدة من الدواء، وكذلك التقليل من التكلفة الإجمالية للعلاج. وتُعدّ النانويات الحيوية nanobiotics البديل الجديد للمضادات الحيوية antibiotics. مثال ذلك حبيبات الفضة النانوية التي تتميز بقدرة كبيرة على قتل أعداد كبيرة من الجراثيم (البكتريا) خلال دقائق معدودة. كما استعملت أكاسيد التيتانيوم وحبيبات الفضة النانوية موادّ تعقيم للأدوات وغرف العمليات والمرضى وتطهيرها.

واستخدم الدوكسوروبيسين الشحمي liposomal doxorubicin في علاج مرض السرطان، وهي تركيبة دوائية تزيد من المؤشر العلاجي للعامل النشط من خلال الجمع بين الاستهداف السلبي للورم  passive tumor targeting وتقليل السمية. إذ يؤدي في هذه الحالة تغطية الجسيمات الشحمية liposomes بـالبولي إتلين غليكول إلى تقليل بلعمتها من قبل الخلايا البلعمية بشكل كبير، ويسمح لها بالتجمع والتركيز في الأورام عن طريق الهروب من الأوعية الدموية المحيطة بالأورام الصلبة، وتُعرف هذه الظاهرة باسم تأثير التغلغل والاحتفاظ المعزز  Enhanced Permeation and Retention (EPR)، ويوضح الشكل (2) هذه الظاهرة؛ إذ إنه من المعروف أن أنسجة الورم لديها القدرة على تشكيل أوعية دموية مقارنة بالأنسجة الطبيعية. يمكن للأدوية المرتبطة بالجسيمات النانوية أن تستهدف أنسجة الجهاز الشبكي البطاني reticuloendothelial system استهدافاً سلبياً. وبالتالي يحصل نمط توزيع منفصل مقارنة بالأدوية التقليدية، ويفترض أن يرافق ذلك انخفاض في التأثيرات الجانبية الضارة. تؤدي هذه الظاهرة إلى تراكم سلبي للجسيمات النانوية. كما يمكن أيضاً للجسيمات النانوية ذات الربائط أو الجزيئات المرتبطة بسطحها أن تستهدف الخلايا السرطانية أكثر من الخلايا السليمة.

الشكل (2) تأثير التغلغل والاحتفاظ المعزز.

وقد دخلت تقانة النانو فعلاً حيز التطبيق في بعض منتجات التجميل، كالمراهم المضادة لأشعة الشمس، وبعض الأدوية والمنتجات الطبية النانوية المتوافرة حاليّاً بالصيدليات، مثل بخاخ الشعر من صنع شركة النانوجين Nanogen الذي يحتوي على ألياف كيراتين نانوية وغيرها للتخلص من مظهر الشعر الخفيف والصلع خلال ثلاثين ثانية بعد رشه على الشعر.

إن القدرة الأساسية التي توفرها تقنية النانو، والحرية غير المسبوقة في تصميم المواد النانوية وتعديلها وربطها بأسطح قابلة للتعديل كيميائيًا لربط مجموعة متنوعة من الربائط ligands التي يمكن أن تحول هذه المواد النانوية إلى محسات حيوية، وعلامات مفلورة على المستوى الجزيئي،  ومركبات توصيل جزيئية مستهدفة، وأدوات بيولوجية أخرى مفيدة،  بهدف الاستهداف النوعي للخلايا، والأدوية المرافقة، وتوجيه الإجراءات الجراحية وغيرها من التطبيقات تَعد بالمساهمة في تطوير الأدوية والتشخيص الطبي والتطبيقات السريرية المتنوعة تطويراً مذهلاً. يوضح الشكل (3) جسيم نانوي متعدد الوظائف. إذ يمكن للجسيمات النانوية أن تصبح وظيفية باستخدام بوليمرات محبة للماء، أو جزيئات مستهدفة، وكذلك الأدوية العلاجية، أو عوامل تباين لجعل الصور أكثر وضوحاً. ويمكن أن يكون اللب الداخلي صلبًا (على سبيل المثال: النقاط الكمومية quantum dots)، أو سائلًا (على سبيل المثال: الجسيمات الدهنية).

الشكل (3)

تطبيقات التقانات النانوية في مجال الطاقة والبيئة

 أعطت تقانة النانو الكثير من الآمال في مجالي البيئة والطاقة المتجددة ممثلة في تخفيض النفايات الصناعية، والتخلص من التلوث الصناعي، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية المتاحة. فعن طريقها يمكن تحويل النفط الخام الثقيل إلى نفط خفيف؛ ومن ثمّ زيادة المردود الاقتصادي للبلدان المنتجة للنفط الثقيل، وكذلك الاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية، مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم بمصادر الطاقة النظيفة والبديلة وغير الضارة بالبيئة، مثل تحسين كفاءة الخلايا الشمسية، وتوليد جيل جديد منها. ومن مصادر الطاقة البديلة خلايا الوقود fuel cell التي تقوم بتحسين كفاءة الاحتراق الداخلي للمحركات بالتحويل المباشر للطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية من دون المرور بالطاقة الحرارية عن طريق بعض التفاعلات الكهركيميائية، إضافة إلى أن خلايا الوقود تُعدّ صديقة للبيئة؛ فهي تعوق انبعاث غاز ثنائي أكسيد الكربون CO₂ من المَركبات التي تعمل بخلايا الوقود. وقد تمكن العديد من الشركات، مثل تويوتا ومرسيدس من إنتاج العديد منها. وكذلك يمكن تزويد الطاقة الكهربائية (من استطاعة واحد حتى مليون ميلي واط) لعدد كبير من الأجهزة الكهربائية، مثل الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة ومركبات الفضاء باستخدام خلايا الوقود. وساهمت تقانة النانو في تطوير مصادر الطاقة البديلة والنظيفة وذلك بتخزين الهدروجين واستعماله وقوداً بحرقه للاستفادة من الطاقة الهدروجينية وتحويلها إلى كهرباء. ويمكن تقليل معدل استهلاك الوقود، وتخفيض النفايات الصناعية الناجمة عنه بإضافة بعض المحفزات النانوية إليها، ومن ثمّ الحدّ من عملية الاحتباس الحراري. وباستعمال التقانة النانوية يمكن معالجة التربة والمياه الجوفية الملوثة والمياه المالحة، وتوفير مصادر آمنة لمياه الشرب عن طريق معالجتها وتحليتها بوساطة مرشحات نانوية. وقد اكتشف في أمريكا أن للتقانة النانوية القدرة على إحداث تأثير مغنطيسي بين حبيبات الصدأ للمساعدة على تخليص الماء من الزرنيخ بغية توفير مياه صالحة للشرب. كذلك يستعمل النانو في أساليب الإنتاج الزراعي، وتخزين الأغذية وتعبئتها وتغطيتها والمحافظة على قيمتها الغذائية وفائدتها الصحية عن طريق إضافة بعض المحفزات النانوية إليها، أو تغليفها بمكونات نانوية مضادة للميكروبات ونمو الجراثيم مثل الطين النانوي nanoclay الذي يستعمل في صناعة أغلفة لدائنية (بلاستيكية) متينة وخفيفة ومقاومة للبكتريا والمكروبات والجراثيم وللحرارة والكسر، وقادرة على منع الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون من الدخول وإفساد الأطعمة. وقد توصلت الأبحاث مؤخراً إلى إنتاج مواد نانوية ذاتية التجمُّع تمتص الطاقة الحرارية من الشمس بفاعلية عالية لتحويلها إلى طاقة كهربائية بوساطة محوِّل حراري كهربائي. وقد ابتكر أيضاً بعض الباحثين طريقة تعتمد على تقانة النانو من أجل تخفيض الطاقة المستخدمة في عمليات حماية الهياكل المعدنية للأجسام المغمورة بماء البحر من الأكسدة الكهركيميائية.

 تطبيقات التقانات النانوية في مجال الزراعة

 يمكن عن طريق التقانات النانوية صنع أدوات تساعد على زيادة خصوبة التربة ورفع إنتاجية المحاصيل، إضافة إلى توفير المياه أفضل مما هو في حالة الري بالتنقيط؛ وذلك باستخدام بعض المواد النانوية التي تتميز بشراهة عالية للماء، حيث تمتص هذه المواد كمية كبيرة من الماء، فتكبر حبيبات هذه المادة شيئاً فشيئاً لتصبح على شكل هلام يضاف إلى النبتة، ويعطي كمية الماء اللازمة تدريجياً لها، ويمكن أن تستمر هذه العملية عدة أسابيع. ومن أحد الحلول التي قدمتها التقانة النانوية للمزارعين عدم الحاجة إلى تغيير الغطاء للبيوت البلاستيكية على نحو مستمر بعد مدة معيّنة نتيجة تعرضه للشمس؛ وهو ما يؤدي إلى تمزقه وإتلافه بسرعة. ولكن بإضافة بعض المواد النانوية إلى الغطاء فإنه يقوم بعكس الأشعة فوق البنفسجية، ويمنع اختراقها؛ فيطيل عمر الغطاء ومدة استخدامه لعدد كبير من السنوات من دون أن يتعرض لأي أذى.

يذكر أنه في الآونة الآخيرة ساهمت تقنية تعديل الجينومGenome editing  في إنتاج نباتات ذات غلات محسنة وقيمة غذائية عالية إضافة إلى حساسية أعلى لمبيدات الأعشاب والحشرات والأمراض. ويعد أسلوب التقانات النانوية أسلوباً رائداً وحديثاً في هذا المجال؛ اذ يتفوق ادخال الجينات بوساطة الجسيمات النانوية على الأساليب الجزيئية الحيوية التقليدية؛ لأنه يعزز كفاءة التحويل لكل من التعديلات الجينية الزمنية (العابرة) والدائمة (المستقرة) في الأنواع النباتية المختلفة، كما تعد طريقة فعالة لتسريع برامج تحسين المحاصيل من خلال الجمع بين التقنيات الحالية، مثل  CRISPR/Cas وبين التقانات النانوية.

إن أداء الأسمدة النانوية أفضل من تلك التقليدية، وكما تعمل المبيدات الحشرية النانوية على التقليل من أمراض النبات إلى حد كبير. وتؤدي المستشعرات النانوية دوراً مهماً في الزراعة الدقيقة.

تطبيقات التقانات النانوية مجال البناء وأساسات المنزل

 استعملت مواد نانوية، مثل السليكا وألياف الكربون النانوية في مواد البناء وإنشاء منازل تعتمد النانو، حيث تعالَج الجدران بجزيئات النانو لتقويتها وللزيادة من صلابتها ومتانتها وقوة تحملها؛ فتصبح الأبنية والجسور والأنفاق أمتن وأكثر تحملاً للكوارث والزلازل، ويمكن طلاء سطحها الخارجي بمواد نانوية تمنحها القدرة على مقاومة العوامل البيئية من رطوبة وحرارة وبرودة، وإمكان عزلها جيداً، وعدم تأثرها بالحرائق. وأما من الداخل فتطلى بأنواع خاصة من الدهان الذي يحتوي على مواد من الفضة النانوية القاتلة للبكتريا، وكذلك استخدام زجاج النوافذ المطلي بموادّ نانوية (مثل ثاني أكسيد التيتانيوم TiO₂) عاكسة للضوء ومقاومة للضباب والمطر وتتصف بالتنظيف الذاتي. إضافة إلى اختيار مفروشات للمنزل مقاومة للبقع والتعرق والاحتراق، ومضادة للجراثيم، وسهلة التنظيف.

ابتُكر أيضاً طلاء طويل الأمد مستوحىً من الفراشات. فبدلاً من استخدام جزيئات الصباغ المركبة صناعياً، يستخدم الطلاء البلاسموني plasmonic تركيبات هيكلية نانوية لمواد عديمة اللون، مثل أكسيد الألمنيوم والألمنيوم؛ لإنتاج الألوان بإضافة الأصبغة المناسبة. هذا اللون الهيكلي صديق للبيئة فيما يتعلَّق باستخدام الطاقة؛ لأنه يعكس طيف الأشعة تحت الحمراء بأكمله، مما يحافظ على برودة الأسطح، ويحتمل أن يقلل من الحاجة لاستخدام تكييف الهواء. كما أن الطلاء خفيف الوزن للغاية، وكانت سماكة 150 نانومتراً من الطلاء كافية للحصول على لون كامل؛ مما يجعله أخف طلاء في العالم. ستركز الأبحاث المستقبلية على زيادة الإنتاج واستكشاف إمكانات توفيره للطاقة في التطبيقات التجارية وتقليل الاحتباس الحراري.

ويمكن أن تشكِّل المواد النانوية مواد مالئة رائعة للمواد التي تعتمد على الإسمنت. وقد أمكنت بعض الإضافات النانوية من تحسين خصائص التحفيز الضوئي للإسمنت. أيضاً تقليل الانكماش الكلي للمواد التي تعتمد على الإسمنت، وتعزيز ليونة الانحناء وتحمُّل العزوم.

تطبيقات التقانات النانوية المجال العسكري

 قامت كل من أمريكا وبريطانيا بتطبيق التقانة النانوية في ملابس الجنود؛ إذ تجعلها تتمتع بقساوة عالية جداً لتصبح مضادة للرصاص والشظايا، وتضمن لهم التبريد في الصيف والدفء في الشتاء، إضافة إلى إمكان تغيير لونها وفق البيئة المحيطة. فضلاً عن استعمالهم جسيمات نانوية في طلاء طائرات الشبح أو السيارات؛ لتصبح غير مرئية من قبل الرادار، واستعمالها في بحوث سرية عديدة.

تطبيقات التقانات النانوية مجال الميكانيك الإلكتروني

يهدف المهندسون وعلماء الميكانيك إلى تطوير آلات ومحركات متناهية في الصغر يمكن التحكم في درجة حرارتها، وذلك بالاعتماد على موادّ نانوية مضادة للحرارة، ولا تتأثر بمدة عملها. ويسعى الباحثون أيضاً إلى تطوير أنواع من المحركات التي تعتمد في عملها على تقانة النانو؛ بحيث تكون قادرة على إعادة تشغيل نفسها تلقائيّاً؛ وهذا يعني أنها ستكون قادرة على الاستمرار في العمل من دون توقف لسنوات عديدة، وهذا من شأنه أن يعزز استخدامها في صناعة محركات المركبات الفضائية. وقد تم إضافة موادّ نانوية بوليمرية إلى هياكل السيارات والطائرات وسفن الفضاء لمنحها خواص ميكانيكية عالية، مثل الصلابة ومقاومة الصدأ والتأكل وخفة الوزن والقدرة على امتصاص الصدمات. كذلك تستعمل تقانة النانو في تحسين خواص إطارات المركبات، مثل مقاومتها للاحتكاك والتلف وخفتها ومرونتها؛ فيزيد من ديمومتها واقتصادها للوقود وإنقاصها للضجيج.

وعلى صعيد آخر تستخدم التقانة النانوية في الكثير من المنتجات التجارية الرياضية، حيث تستخدم المواد النانوية الآن على سبيل المثال في مضارب التنس والبيسبول والدراجات الهوائية الرياضية؛ وذلك لجعلها أكثر تحملاً للشد وأخف وزناً.

تطبيقات التقانات النانوية مجال الصناعة

 أمكن تصنيع المواد النانوية الجزيئية وتوصيفها باستخدام عدد من المنهجيات بما فيها الطرق البيولوجية والفيزيائية والكيميائية. استخدمت في الطرائق البيولوجية الكائنات الحية الدقيقة، مثل البكتريا والفطريات والطحالب لتحضير المواد النانوية. ففي هذه الحالة تم تحضير جزيئات نانوية من الذهب بحجم 10-20 نانومتراً باستخدام بكتريا ضوئية، مثل كبسولة رودوبسودوموناس Rhodopseudomonas capsulate، وهناك أمثلة أخرى.

أدت الجزيئات النانوية في صناعة المنسوجات دوراً مهماً في تحسين مميزاتها، وهي النعومة والمتانة والتهوية وصد الماء وتثبيط الحريق وخصائص مضادة للمكروبات. وهناك استخدامات أخرى للمواد النانوية في صناعة المنسوجات، مثل المرشحات المنسوجة، الرقع المضادة للبكتريا، بدلات الرؤية الليلية، المنسوجات الواقية من المواد الكيميائية. وقد أمكن أيضاً صناعة أقمشة غير منسوجة ناقلة جيدة للكهرباء وعازلة للحرارة في الوقت نفسه.

وفي صناعة الآلات يمكن صناعة آلات نانوية يمكن تشغيلها بأصابع مكروية. في الواقع يعد مجال الميكانيك الدقيق، والأدوات السيراميكية لتشغيل المعادن، والمحركات والمولدات النانوية، والزيوت النانوية ذات فائدة كبيرة في الصناعة. صنِّعت أيضاً مدارج مايكرو نانوية تتحمل درجات الحرارة العالية وتقاوم الاهتراء. تعمل جزيئات نتريد التيتانيوم النانوية على زيادة مقاومة المواد وقساوتها والصلابة على الكسر. وكان لهذه المواد أيضاً فضلٌ على صناعة البترول والغاز؛ إذ ساهمت في تحسين الناقلية الحرارية، وتطوير مواد مضادة للصدأ. وإن للأنابيب النانوية تطبيقات عديدة في صناعة البترول. ويمكن للجزيئات النانوية المساعدة على فصل البترول عن الغاز، وهناك فوائد أخرى لهذه التقنية في هذه الصناعة.

وقد أمكن صناعة جسيمات نانوية ثنائية البعد ذات إمكانات تحفيزية كبيرة؛ إذ أصبح بالإمكان إنتاج الهدروجين من تحليل الماء من دون اللجوء لاستخدام معدن البلاتين ذي الكلفة المرتفعة، وبدرجات حرارة أخفض، ومن دون استخدام مواد سامة. فقط هناك حاجة لتغيير التركيز وتنظيم درجة الحرارة. ويبدو أن لهذه الجسيمات ثنائية البعد تطبيقات أخرى واعدة.

توصل العلماء أيضاً مخبرياً لصناعة مدخرة عمرها التخزيني المحتمل قرابة 100عام، تعتمد في عملها على البكتريا. الهدف هو إنتاج خلية وقود جرثومية قابلة للحمل والتخزين مدة طويلة من دون تدهور نشاطها الحيوي التحفيزي، ولها إمكانات توليد الطاقة عند الطلب بسرعة بجعلها تمتص الرطوبة من الهواء. ولم يبق إلا تطبيق الفكرة صناعياً.

يذكر مقابل ما ورد آنفاً بعض التحذيرات من استعمال المواد النانوية ولا سيما عند تصنيعها؛ إذ يجب على العاملين استعمال كمامات خاصة وأحياناً ملابس خاصة لتجنب بعض الأمراض التنفسية وأعراضها.

التصنيف : الكيمياء والفيزياء

النوع : الكيمياء والفيزياء

المجلد: المجلد التاسع

رقم الصفحة ضمن المجلد : 0

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

اصدارات الموسوعة العربية

أسماء الباحثين

هل تعلم ؟؟

• - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات

• - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،

• - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.

• - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش

• هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب

• - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين

• - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك

شراء النسخة الورقية