logo

logo

logo

logo

logo

البلوغ الجنسي

بلوغ جنسي

sexual puberty -

البلوغ الجنسي

سليمان عبد الرحمن سلهب

أسباب حدوث البلوغ

عمر البلوغ الجنسي ومعالمه

كيفية حصول البلوغ الجنسي

العوامل المؤثرة في البلوغ الجنسي

 

يعد البلوغ الجنسي sexual puberty مرحلة من العمر تتغير عندها الكثير من معالم الأفراد وسلوكهم. وقد تعددت تعاريفه، فبعضهم عرَّفه عند الإناث بأنه عمر الأنثى عند إظهارها الحيض (الفتاة) أو أول شبق (الحيوانات)، أو عند حدوث أول إباضة، أو عندما تصبح الأنثى قادرة على الحمل؛ وعُرِّف عند الذكور بأنه المرحلة من العمر التي يبدأ الذكر عندها إظهار سلوك معين (القفز على الغير، امتداد العضو التناسلي وانتصابه.....)، أو عندما يعطي أول قذفة منوية، أو عند ظهور النطاف في القذفة المنوية، أو في البول. على أي حال مهما تعددت التعاريف يميل المختصون إلى تعريف البلوغ الجنسي وظيفياً بأنه المرحلة من العمر التي يظهر واضحاً فيها تبادل التأثير ما بين المحور الدماغي -ممثلاً بالوطاء hypothalamus- والنخامية hypophysis مع المناسل gonads (الخصى والمبايض)، من خلال إفراز كل منها هرمونات معنية بمستويات طبيعية مميزة للنوع وللجنس في النوع الواحد.

أسباب حدوث البلوغ

البلوغ عملية طبيعية تحدث لكل الأفراد الطبيعيين خلال مرحلة نموهم، وتتحكم في إظهارها العوامل الثلاثة الرئيسة التالية:

1- الوراثة: تساهم الجينات بنحو 46% في تفسير التباين في موعد حدوث البلوغ الجنسي في المجتمعات البشرية، وقد تبين وجود جين يطلق عليه اسم kiss1 يكون مسؤولاً عن إحداث البلوغ في الإنسان والفئران. وسمي بـ Kiss1 لأنه استنسخ أول مرة في مدينة هارشي في بنسلفانيا المشهورة بنوع من الشوكولا اسمه Kisses. يقوم هذا الجين باستنساخ الـ Kiss1 mRNA الذي تترجم معلوماته بصورة سلسلة ببتيدية تتألف من 145 حمضاً أمينياً يسمى kisspeptin-145 أو الـببتين Kiss1. يرتبط هذا الببتين بمستقبلاته المعروفة بـ GPR 54 (protein-coupled receptor -54) الموجودة في عصبون النواة المقوسة arcuat neurone في الوطاء، فتستجيب لذلك بإفراز نوع من الببتيدات يطلق عليها اسم neurokinin B الذي ينظم عليها إفراز الـ kisspeptin المسؤول بصورة مباشرة عن إفراز (الـهرمون المحرر للهرمونات الموجهة للقند في المنسل) الـ Gonadotropin-releasing hormone (GnRH) وبصورة غير مباشرة عن هرمون اللوتين Luteinizing Hormone (LH)والهرمون المحفز للجريب Follicle-stimulating hormone (FSH). كما وجد أن النواة المقوسة للوطاء تتأثر بإثارات عصبية من مناطق أخرى من الدماغ ومن هرمونات أخرى من المناسل والنسيج الدهني فتزيد من إفرازها للـGnRH بشكله النبضي وتحريره في الجهاز الوعائي البوابي للغدة النخامية.

2- الهرمونات: إن الـ GnRH الذي يفرز من الوطاء، وLH والـ FSH اللذين يفرزان من الفص الأمامي للغدة النخامية adenohypophysis، وهرمون الإستراديول (في الإناث) الذي يفرز من المبيض، والتستسترون والإستراديول اللذين يفرزان من الخصى، والستروئيدات الكظرية؛ تؤدي دوراً مهماً في إحداث التغيرات الجسمية والسلوكية الدالة على البلوغ الجنسي. وغالباً ما يكون التغير في المستوى الهرموني أبكر بنحو 1-2 سنة من التغيرات الجسمية.

3- عوامل خارجية: يعتقد أن عوامل بيئية غذائية واجتماعية تساهم أيضاً في إحداث البلوغ الجنسي.

وتشير الدراسات إلى أنه ينشأ تباين وظيفي بين منطقة الوطاء في إناث الأنواع الحيوانية ونظيرتها في الذكور خلال مرحلة التطور الجنيني، ويستمر طوال الحياة التناسلية للجنسين مؤدياً دوراً مهماً في التحكم الهرموني في إحداث البلوغ، ومن ثم في النشاطات التناسلية طوال الحياة.

التمايز الوظيفي للوطاء:

يتصف الوطاء وراثياً بأنه أنثوي في الإناث والذكور، ولكن خلال تطور الجنين الذكـري يزيل هرمـون التستسترون الذي يفـرز مـن الخصيـة صفة الأنوثة defeminize عن الوطاء في الأجنة الذكرية، أما في الأجنة الأنثوية التي لا تمتلك خصى، ولا تنتج تستسترون فيتطور لديها المركز المسؤول عن إفراز هرمون الـ GnRH بمستواه الأعظمي أو الذروي GnRH - surge center في منطقة الوطاء. ولكي يستطيع هرمون التستسترون إزالة الأنوثة الوظيفية عن الوطاء في الأجنة الذكرية لابد أن يتحول إلى إستراديول؛ ما أوجد تساؤلاً، لماذا لا تُزال الأنوثة الوظيفية عن الوطاء في الأجنة الأنثوية علماً أنها تنتج إستراديول؟ فتبين لاحقاً، أن هرمون الإستراديول في الأجنة المؤنثة يرتبط ببروتين يسمى alpha- fetoprotein (بروتين ألفا الجنيني)، يمنعه من اختراق حاجز الدم في الدماغ، وبالتالي لا يصل الإستراديول إلى منطقة الوطاء (الشكل 1).

 

الشكل (1) آلية عمل البروتين الجنيني ألفا في تمايز المركز الذروي في الوطاء.

وعرف البروتين GnRH بأنه بروتين سكري يُصنع في كيس الصفار الجنيني خلال المرحلة المبكرة من حياة الجنين، ومن ثم في كبد الجنين لاحقاً، ويعمل منظماُ لضغط الدم في الأجنة، وناقلاً للحموض الدهنية. أما في الأجنة الذكرية، يَعبر هرمون التستسترون أولاً حاجز الدم في الخصية، ومن ثم يتحول إلى إستراديول مانعاً المركز الذروي لهرمون الـGnRH من القيام بوظيفته. وتبين أن إجراء عملية خصي للثيران بعد الولادة مباشرة قد يعطيها الإمكانية لتنشيط عمل ذلك المركز، وإنتاج مستويات عالية من هرمون الـ GnRH؛ ما يؤكد ضرورة تعرض الذكور بعد الولادة لفترة من الزمن لتأثير الأندروجينات لضمان استمرار فشل المركز الذروي لهرمون الـ GnRH من القيام بوظيفته. ولهذا فإن الذكور البالغة تمتلك وظيفياً فقط المركز القاعدي basic center وليس الذروي لإفراز هرمون الـ GnRH، أما الإناث فتمتلك المركزين معاً؛ ما يؤثر أيضاً في مستوى إفراز هرمون الـ LH من النخامية الغدية، إذ يفرز بمستوياته العظمى في الإناث قبل الإباضة في كل دورة تناسلية، ويشاهد بمستوياته القاعدية المنخفضة بين كل ذروتين والتي تختلف في تكرارها ومطالاتها باختلاف الحيوانات الزراعية ودورتها التناسلية. في حين تحافظ الذكور على مستوى ثابت يومي، وتظهر فقط ذرا صغيرة كل 2-6 ساعات يومياً، وتليها ذرا مناظرة لهرمون الـتستسترون (الشكل 2).

 

الشكل (2) التباين الجنسي في إفراز هرمون الـ LH.

عمر البلوغ الجنسي ومعالمه

يختلف موعد البلوغ الجنسي بين الأنواع، وبين الجنسين في النوع الواحد (الجدول1)، وغالباً ما يكون في الإناث أبكر منه في الذكور. فقد تبين أن متوسط عمر البلوغ الجنسي عند البشر في القرن الحادي والعشرين هو 11 و13 سنة مقارنة مع ماكان عليه في القرن التاسع عشر والبالغ 15 و16 سنة للفتيات والصبيان على التوالي. وعُزي ذلك إلى طبيعة الغذاء ونوعيته. كما أن الفتيات يستكملن فترة البلوغ بعمر 15-17 سنة وبمدة 4 سنوات، ولكنه يُستكمل في الذكور إلى مابعد العمر 16-18 سنة ويستغرق نحو 6 سنوات بسبب أن تعاظم نمو الصبيان يبدأ بعد الفتيات، وبمعدل نمو أبطأ بنحو2 سم منه في الفتيات، ما يستغرق فترة أطول. ولكن يبقى متوسط طول الرجل بعد استكمال البلوغ أكبر بنحو 13 سم من المرأة البالغة.

النوع

الذكر

الأنثى

الإنسان (سنة)

13

11

الأبقار (شهر)

7-18

9-24

الأغنام (شهر)

6-9

4-14

الإبل (سنة)

3-5

3

الخيول (شهر)

10-24

12-19

الكلاب (شهر)

5-12

6-24

الخنازير (شهر)

5-8

5-7

تظهر على الأفراد من البشر عند البلوغ معالم مرئية وأخرى داخلية غير مرئية دالة في مجموعها على انتقالهم جسمياً وعقلياً من مرحلة الطفولة إلى الرجولة أو الرشد، ومن أهم تلك المعالم عند الصبيان: نمو الأعضاء التناسلية (الخصى، العضو التناسلي، الصفن)، تكوُّن الأعراس، إفراز الهرمونات التناسلية، حدوث حالات انتصاب عشوائية من دون رؤى جنسية، مشاهدة أحلام مبلولة (انتصاب وقذف ليلي)، ثخانة الصوت وعمقه، نمو الثديين والشعر الجسمي (الذقن والعانة وتحت الإبط والأيدي والأرجل...)، ظهور حب الشباب، التأرجح المزاجي، التغيرات العاطفية والعقلية (الغضب المفاجئ) بعمر 11-15 سنة، ويحدث البلوغ عند الفتيات قبل الصبيان بنحو سنة إلى سنتين، كما تكتمل معالم البلوغ بصورة أبكر منه في الصبيان. ومن أهم معالم البلوغ الحيض، نمو الأعضاء التناسلية (البظر، الشفرين، الرحم)، اتساع الصدر وكبر الثديين وبروزهما، التغير في معالم الجسم بصورة أكبر من الصبيان (نمو الحوض، كبر المعدة، تكدس الدهن، زيادة الوزن والحجم. نمو الشعر العاني وتحت الإبط، ظهور حب الشباب، تغيرات عاطفية ومزاجية وخاصة خلال الدورة، الغرابة في الأطوار خاصة ما قبل الطمث، الانفجار والجيش العاطفي.

أما عند الحيوانات ونظراً لعدم إمكانية ظهور معظم تلك المعالم فتتضح معالم البلوغ من خلال البدء في تكوين النطاف في الذكور (50 مليون نطفة/القذفة، فقط 10% منها تكون ذات حركة تقدمية)، وتمر الإناث بأول دورة شبق، تنمو خلالها الجريبات المبيضية، وتظهر علامات الشبق، وتحدث إباضة. وطبعاً يجب أن يكون الحيوان وصل إلى حجم يساوي 40% من متوسط وزن العرق الذي يتبع له. ويختلف عادة البلوغ الجنسي -الذي هو بالنتيجة القدرة على التناسل- عن النضج الجنسي sexual maturity الذي هو القدرة على الإنجاب؛ إذ يصل عندها الحيوان إلى مرحلة من النضج الجسمي والاكتمال في النمو لدرجة تصبح الأنثى قادرة على الحمل وإعطاء مواليد سليمة، وللذكر القدرة على إنتاج نطاف عالية الإخصاب. ويجب ألا تُستعمل الحيوانات البالغة في التلقيح ما لم يصل وزنها على الأقل إلى نحو ثلثي متوسط وزن الحيوانات تامة النمو من العرق نفسه. وغالباً ما تصل البواكير إلى ذلك الوزن وهي بعمر 12-18 شهراً، والنعاج بعمر 8-10 أشهر، والأفراس بعمر 2-4 سنوات، والنوق بعمر 2-3 سنوات.

كيفية حصول البلوغ الجنسي

يعتقد المختصون أن العامل الأهم المحدد لبدء البلوغ هو قدرة عصبونات ما قبل المشبك العصبي على نقل المعلومات إلى العصبونات المسؤولة عن إفراز الـ GnRH في الوطاء، وبالتالي إفرازها الكميات المناسبة من
الـ GnRH. وتبين أن وظيفة تلك العصبونات تتأثر بصورة رئيسة بمستوى التغذية الذي يقدم للحيوان خلال مرحلة نموه، ومن ثم وصوله إلى حجم البلوغ الجنسي، والنضج الجسمي في الموعد اللازم، والظروف البيئية والاجتماعية (فصل الولادة، والفترة الضوئية، مثل الأغنام والمعز: وجود الجنس الآخر أو غيابه في حظيرة التربية؛ عدد الحيوانات في وحدة المساحة) التي يتعرض لها، إضافة إلى العامل الوراثي.

فعند الإناث وجد أنه ليس للنخامية الغدية والمبايض دور في إحداث البلوغ الجنسي، بدليل أن النخامية الغدية تفرز هرموني الـ FSH والـ LH استجابة لحقن الـ GnRH، كما أن المبايض تنمو فيها الجريبات ويتحرر الإستروجين استجابة لحقن هرموني الـ FSH والـ LH في الحيوانات غير البالغة prepuberty. ولهذا فالعامل الأهم هو متى يكتسب المركز الذروي قدرته الكاملة على تحرير الـ GnRH بمستواه الأعظمي. وعادة يتم ذلك عندما يصبح إفراز الـ GnRH بشكل اندفاعات نبضية ذات مطالات عالية تسمى بذروة GnRH ما قبل الإباضة preovulatory surge، الكافية للتأثير في النخامية الغدية adenohypophysis وحثها على إفراز هرمون الـ LH بمستواه الأعظمي اللازم لإحداث الإباضة. وتبين أنه لا يجب على المركز الذروي للـ GnRH أن يصبح نشطاً فحسب، بل إن المركز المساند لإفرازه بالمستوى القاعدي يجب أن يصل إلى حالة وظيفية محددة تؤدي عندها دور المنظم لعدد مرات إفراز الـ GnRH ونبضاته بمستواه القاعدي (الشكل 3).

الشكل (3) التغيرات في إفراز الوطاء لـ GnRH قبل البلوغ وبعده.

وعلى الرغم من أن المركز القاعدي يكون نشطاً في الإناث غير البالغة، ويفرز الـ GnRH بمستويات نبضية ذات ذرا صغيرة كافية لتحرير الـ LH من النخامية الغدية وبمطالات مشابهة لما هو موجود في الإناث البالغة، ويبقى عددها أو تكرارها أقل بكثير منه في الإناث البالغة (الشكلان 3 و4)، ولا تساعد على تنشيط النخامية الغدية لتحرير كميات كافية من الـ LH والـ FSH؛ ما ينجم عنه نمو أقل للجريبات المبيضية، يكون إفرازها من الإستروجين غير كافٍ لتنشيط المركز الذروي لإفراز الـ GnRH بمستويات تكفي لإحداث الإباضة. ولكن مع نمو الحيوان واقترابه من سن البلوغ تقل حساسية المركز القاعدي للإستروجين، ما ينجم عنه تحرير كميات أكبر من الـ GnRH، ومن ثم كميات أكبر من الـ LH والـ FSH، ما يزيد من نمو الجريبات وزيادة إفرازها للإستروجين، وعندما يصل هذا الأخير في مستواه إلى عتبة محددة يسبب تنشيط المركز الذروي، فتتحرر منه كميات أكبر وأكبر من الـ GnRH، مسببة إفراز كميات أيضاً أكبر من الـ LH والـ FSH، ما يسبب الإباضة وحدوث البلوغ.

الشكل (4) عدد ذرا إفراز الـ LH قبل البلوغ وبعده.

وفي الذكور لا يحدث كما أُشير سابقاً تطور وظيفي للمركز الذروي للـ GnRH، كما أن عصبونات إفراز الـ GnRH تتأثر سلباً بالتستسترون الذي يتحول إلى إستروجين في الدماغ ويثبط إفراز الـ GnRH. ولكي يحدث البلوغ لابد أن تستجيب عصبونات إفراز الـ GnRH بصورة كاملة للتأثرات الإيجابية والسلبية التي تتعرض لها من الخصى. ومع اقتراب الحيوان من البلوغ تقل تلك الحساسية تجاه التستسترون/الإستروجين، ولهذا فإن كميات أكبر تفرز من الـ GnRH تقود إلى إفراز كميات أكبر من الـ LH والـ FSH تكون كافية لتنشيط تكون النطاف وإحداث البلوغ.

العوامل المؤثرة في البلوغ الجنسي

1- التغذية: يتطلب حدوث البلوغ الوصول خلال مرحلة النمــو إلى عتبـة من السمنة (لم يحدد مقدارها بعد). ومن المعلوم أن المولود الجديد يوجه كل المواد الغذائية التي يتناولها لصيانة جسمه وتوفير الطاقة اللازمة لعمل أجهزته الفيزيولوجية الأكثر أهمية، مستبعداً بذلك الجهاز التناسلي من أولوياته، ولكن مع تقدم النمو، واحتياجاته المتزايدة من الطاقة تزداد كتلة الجسم، وبالمقابل تتناقص نسبياً مساحته السطحية، ما يسمح بحدوث تغير في توجيه صرف الطاقة في الجسم، كما ينخفض معدل الاستقلاب الكلي، ويصبح قسم من الطاقة الداخلية متوفراً لمصلحة أجهزة الجسم الأخرى غير الأساسية، فتخزن الطاقة الداخلية الزائدة عن حاجة الجسم مخزوناً دهنياً. وعند هذه المرحلة يترجم هذا المخزون الدهني بشكل إشارات للدماغ بوصفه مصدراً لتحفيز البلوغ، فيبدأ الجسم بإعطاء أولوية للجهاز التناسلي ليحصل على حاجته من الطاقة، ويبدأ البلوغ الجنسي. وتشير البيانات خلال العقود الأخيرة إلى أن توفر الغذاء ونوعه يعدُ سبب التباين في موعد البلوغ بين المجتمعات وبين مستويات اجتماعية معينة في المجتع الواحد. فمثلاً: إن الاستهلاك الواسع والمتزايد للبروتين الحيواني يزيد السمنة عند المراهقين ويؤدى إلى تبكير العمر الجنسي، وانخفاضه مع زيادة تناول الألياف في الغذاء (كما في النباتيين) يرافقهما تأخر في موعد البلوغ الجنسي. ويربط الباحثون بين السمنة المبكرة مع مظاهر البلوغ المبكر في الفتيات، مثل ظهور الثدي قبل سن التاسعة ومعالم الحيض قبل 12 سنة. وما يجب علمه أن السمنة وحدها لا تكفي لإحداث البلوغ، بل لابد أن يصل الجسم في بنيته إلى درجة من النمو قرابة 40% من متوسط وزن العرق، إضافة إلى درجة السمنة المطلوبة. وضمن هذا المفهوم طرح السؤال التالي في أذهان المختصين، كيف تُحفز الحالة الاستقلابية في الجسم الحيوانَ من أجل الوصول إلى البلوغ؟ وما العوامل الاستقلابية التي تؤثر في العصبونات المفرزة للـ GnRH؟ وكيف تميز هذه العصبونات تلك العوامل؟ فتبين أن إفراز العصبونات لهرمون الـ GnRH بمستويات نبضية عالية يكون تحت تأثير مستوى سكر الغلوكوز، والحموض الدهنية، وهرمون اللبتين leptin في الدم (هرمون ببتيدي، يفرز من النسيج الدهني وله مستقبلات خاصة في الكبد والكلى والقلب والخلايا العضلية الهيكلية، والمعثكلة (البنكرياس)، والمبيض، إضافة إلى النخامية الغدية والوطاء)، وأن هذه المواد الاستقلابية، ومن خلال مستوياتها تؤدي دور الرسل للدماغ، أو مؤشرات دموية تظهر مستوى الدهن في الجسم، وبالتالي مستوى التغذية. أما عن آلية عملها فتبين أن تلك المواد الاستقلابية تؤثر بصـورة مباشــرة (الغلوكوز، والحموض الدهنية) في العصبونات المفرزة للـ GnRH (الشكل5)، أو بصورة مباشرة وغير مباشرة (اللبتين)، عن طريق عصبونات ماقبل المشبك العصبي المسماة neuropeptide Y المغذية لعصبونات إفراز  الـ GnRH، فتنشطها، وتستجيب هذه الأخيرة بإفراز
الـ GnRH بمستويات كافية أو غير كافية، فتستجيب لها النخامية الغدية بإفراز كميات مناظرة من الـ LH والـ FSH، تقود بالتالي إلى إظهار البلوغ الجنسي في الوقت المناسب، أو في وقت متأخر.

وتشير الدراسات إلى أن إعطاء الحيوانات مواد مثبطة للغلوكوز 2-deoxyglucose، أو للحموض الدهنية methylpalmoxorate أدى إلى انخفاض مباشر في مستوى هرمون الـ LH، في حين أن حقن الحيوانات نفسها بـ GnRH أدى إلى إعادة استئناف إفراز الـ LH بمستوياته العالية (الشكل 6). كما أن مستوى التمارين الرياضية اليومية تؤثر في موعد البلوغ خاصة في الإناث؛ لأنها تؤدي إلى نقص الطاقة اللازمة للتناسل مما يؤخر البلوغ.

كما تبين أن تعرض الصبيان والفتيات لمنتجات الاعتناء بالشعر التي تحتوي الإستروجين أو منتجات مشيمية، أومواد كيمياوية، مثل phthalates التي تستعمل في العديد من مستحضرات التجميل، وألعاب الأطفال، أو لـ (PCBs) Polychlorinated Biphenyl التي تنشط مستقبلات الإستروجين والأندروجينات، أو الـ bisphenol A (BPA) التي تستعمل مادة كيمياوية لصناعة زجاجات حليب الأطفال أو زجاجات الماء، ومعدات الرياضة والأدوات الطبية وطلاء لعلب الغذاء والشراب التي ترشح خارج المواد اللدائنية (البلاستيكية) عند غلي السوائل وتسخين الأغذية أو عند تسخين زجاجة الأطفال، أو تسخين الأغذية في فرن الأمواج المكروية (المكرويف) تؤثر في غدة البروستات والثدي، وتسبب البلوغ المبكر.

الشكل (5) التأثير المحتمل للمؤشرات الاستقلابية في عصبونات
الـ GnRH.
الشكل (6) تحكم الغلوكوز في إفراز الـ GnRH.

ومن الأمثلة العملية التي تؤكد دور التغذية في إيصال بواكير الأبقار إلى عمر البلوغ الجنسي في وقته المناسب ما يمكن توضيحه في الشكل (7). إذ يتبين أن العِجْلات التي قدمت لها علائق ساعدتها على النمو بمعدل 900غ/يوم (المنحنى A) و670 غ/ يوم (المنحنى B)، و550غ/ يوم (المنحنى C)، وصلت البلوغ الجنسي (الشبق الأول) بعمر 6-8 أشهر، و9-11 شهراً، و12 شهراً على التوالي، ما يؤكد أهمية التغذية في إيصال الحيوانات إلى بلوغها الجنسي في العمر المناسب، ومدى تأثيرها في الأداء الإنتاجي لتلك الحيوانات، والجدوى الاقتصادية في المزرعة.

الشكل (7) العلاقة بين التغذية والنمو، ومعدل الزيادة اليومية مع البلوغ الجنسي في عجلات أبقار الحليب.

2- تأثير العوامل البيئية: تؤثر العوامل البيئية التي يتعرض لها أو يعيشها الحيوان بصورة كبيرة في موعد وصوله لمرحلة البلوغ الجنسي، وعادة تنتقل المعلومات البيئية للحيوان عن طريق عصبونات حاستي الشم والرؤية عبر الجهاز العصبي المركزي إلى عصبونات إفراز الـ GnRH في الوطاء. وتكتسب منطقة الوطاء قدرتها على تكوين الـGnRH وتحريره بشكل اندفاعات متكررة وعالية وفاعلة في إحداث بلوغ مبكر إذا كان الحيوان يعيش ظروف بيئية واجتماعية مناسبة. فمثلاً، يؤثر شهر الولادة في موعد وصول الحيوان إلى البلوغ الجنسي في عروق الحيوانات فصلية التناسل (الأغنام، والمعز التي تظهر نشاطاً تناسلياً مع بدء قِصَر طول النهار، والخيول التي تظهر نشاطاً تناسلياً مع بدء زيادة طول النهار، في المناطق الباردة والمعتدلة). فمثلاً في سورية، إن حدوث ولادات مبكرة للأغنام (الأشهر تشرين الثاني/ نوفمبر – شباط/ فبراير) والسماح لمواليدها في الوصول إلى حجم مناسب (40% من متوسط وزن العرق) مع بدء الفصل التناسلي (منتصف حزيران/يونيو) يسمح لها أن تصل إلى سن البلوغ وهي بعمر 6-8 أشهر، ويمكن إدخالها في برامج التربية (التلقيح) وهي بعمر أقل من سنة، إذا ما وصلت في حجمها لثلثي متوسط وزن عرق العواس في النظام الإنتاجي المحدد.

وتبين أن حملان الأغنام تصل للبلوغ الجنسي بعمر أبكر من الفطائم المولودة معها في الشهر نفسه. كما وجد أن فصل الولادة يؤثر في موعد البلوغ الجنسي في بواكير الأبقار. فقد وجد في أوربا أن البواكير التي تلد في الخريف تصل البلوغ الجنسي بعمر أبكر من نظيراتها التي ولدت في الربيع ضمن ظروف التغذية المطلوبة، وعُزي ذلك إلى أن مواليد الخريف يسمح لها أن تتعرض لفترة ستة أشهر من الإضاءة الطويلة، ولحرارة الربيع والصيف اللتين تساعدان معاً على تسريع وصول البواكير للبلوغ الجنسي بصور مبكرة.

3- التأثيرات الاجتماعية: وُجد أن التأثيرات الاجتماعية في موعد البلوغ الجنسي، تحدث من خلال الفرمونات التي تفرز وتنتشر في الهواء أو توجد في البول، وتنقل عبر الأعصاب الشمية إلى الحهاز العصبي المركزي، ومنه إلى الوطاء لتؤثر في مركز إفراز GnRH. ويُعد التأثير الاجتماعي في موعد البلوغ قليلاً لا يتجاوز عدة أشهر بدل السنين. فقد وجد أن مجموعة الفتيات اللواتي يكنّ على تواصل مع الشباب يظهر لديهن البلوغ بصورة أبكر من زميلاتهن اللواتي لم يكنّ على تواصل مع الجنس الآخر، كما تبين أن وجود الذكر عند القوارض، وفي قطعان الأغنام والمعز والأبقار يبكر في الوصول لمرحلة البلوغ الجنسي في الإناث التي وصلت إلى حجم النضج الجسمي المناسب. وتبين في قطعان اللحم أن تربية العجول مع بواكير عروق اللحم يبكر في الأخيرة لعمر البلوغ الجنسي بمدة لا تقل عن 50 يوماً تحت ظروف التغذية الجيدة (الشكل 8). وأشارت أغلب الدراسات إلى أن بدء الحيض ممكن أن يحدث أبكر بنحو عدة أشهر في الفتيات اللواتي يعشن في منازل يسودها الإجهاد.

الشكل (8) تأثير معدل النمو ووجود الثور في موعد ظهور البلوغ الجنسي في بواكير أبقار اللحم.

كما وجد أن عدد الخنازير في الحظيرة الواحدة يؤثر في موعد وصولها إلى مرحلة البلوغ الجنسي. إذ تبين أن تنشئة الخنازير في مجموعات عددها 10 أو أكثر يبكر في وصولها البلوغ الجنسي بنحو شهر من نظيراتها التي تم رعايتها في مجموعات تحوي 2 إلى 3 رؤوس في الحظيرة الواحدة (الشكل 9)، كما أن وجود الذكر في قطيع إناث الخنازير النامية، أو معزولاً عنها بحاجز يسمح بالرؤية يبكر في إحداث البلوغ الجنسي في الإناث رغم قلة عددها.

الشكل (9) تأثير عدد الحيوانات ووجود الذكر في موعد البلوغ الجنسي في قطعان الخنازير.

إضافة إلى ما سبق هنالك حاجة إلى دراسات أخرى تشمل التأثيرات الاجتماعية على مدار العام، وفقاً للنوع الحيواني، كما أن دراسة تأثير وجود الأنثى في موعد بلوغ الذكور، وتأثير الأنثى البالغة في إحداث البلوغ الجنسي في الإناث النامية، وتأثير وجود الذكر في موعد البلوغ الجنسي في الذكور الأخرى تعد مواضيع جديرة بالاهتمام في مجالات البحث العلمي.

4- العوامل الوراثية: رغم معرفة أن ظهور البلوغ الجنسي يتطلب اكتساب عصبونات الوطاء القدرة على إفراز هرمون الـ GnRH بشكل اندفاعات عالية وذات تردد كبير ومتسع، وأن هذه المقدرة تتأثر بوصول الحيوان إلى درجة من السمنة، وضرورة التعرض لظروف بيئية واجتماعية مناسبة، تبقى العوامل الوراثية صاحبة الدور الأكبر في تحديد موعد البلوغ الجنسي في كل نوع حيواني، بل في كل عرق في النوع الحيواني الواحد، وذلك من خلال تحكمها بالعوامل الداخلية (المؤشرات الاستقلابية، الآلية التي تمكن الإستراديول أو التأثيرات البيئية أو الاجتماعية من التحكم بـ GnRH)، وما زال التحدي الكبير أمام المختصين يكمن في فهم آلية التعبير الوراثي التي تتحكم في إظهار المواد الاستقلابية الموجودة في الدم (الغلوكوز، والحموض الدهنية، واللبتين)، أو الفرمونات المفرزة من كلا الجنسين وتأثيرها في تطور الوطاء.

وفي الوقت الذي تتجه الأنظار فيه حالياً إلى إيجاد وسائل تؤخر موعد وصول الحيوانات المنزلية (الكلاب، القطط...) إلى البلوغ الجنسي؛ بهدف الإقلال من أعدادها في المستقبل، تتجه أنظار أخرى نحو التبكير في إيصال الحيوانات الزراعية إليه، بهدف زيادة أعدادها ووضعها في برامج الاستثمار بغية زيادة مساهمتها في توفير المواد الغذائية للبشرية أمام تزايد أعداد السكان.

ويُفضِّل العلماء إيجاد السبل اللازمة للتبكير في إحداث البلوغ الجنسي في ذكور الحيوانات الزراعية أكثر منه في إناثها لأسباب فيزيولوجية تتعلق بضرورة وصول الأنثى إلى حجم جسمي معين لتصبح قادرة على الحمل وصيانته وإنتاج مواليد سليمة، وضرورة مرورها بفترة الإدرار، أما إذا تمكن العلماء من ابتكار تقانة معينة تفيد في تبكير بدء تكون النطاف، وليكن مثلاً بعمر 4-6 أشهر بدلاً من 9-11 شهراً في الثيران فهذا سيساعد في التبكير في وضع الذكور في برامج التلقيح الاصطناعي وفي تقصير فترة الجيل والإقلال من فترة رعاية الذكور تحت الاختبار، وفي الإسراع في برامج التحسين الوراثي، ما يؤثر إيجاباً في الأداء الإنتاجي وزيادة المساهمة في توفير المواد الغذائية للحياة البشرية.

مراجع للاستزادة:

- D. L. Foster, Puberty in The Sheep in The Physiology of Reproduction. Knobil and J. D. Neill. Eds, Raven Press, Ltd., New York, 1994.

- A. E. Herbison, Genetics of Puberty, Horm. Res. Vol. 68 (Supp. 5): 75-79, 2007.

- P. L. Senger, Pathways to Pregnancy and Parturition. Current Conception Inc. Pullman, WA, 2003.

- G. L. Williams, Nutritional Factors and Reproduction in Encyclopedia of Reproduction, Vol.3, p. 412-421. E. Knobil and J. D. Neill. Eds., Academic Press, San Diego, 1999.


التصنيف : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
النوع : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1041
الكل : 58491980
اليوم : 64494

البروج (دائرة-)

آلان (إميل كارتييه ـ) (1868 ـ 1951)   إميل كارتييه Emil Chartier المعروف باسم آلان Alain فيلسوف فرنسي ولد في مورتاني أوبرش (مقاطعة أورن) وتوفي في الفيزينيه Le Vésinet (من ضواحي باريس). كان ابن طبيب بيطري، قضى طفولة عادية، رأى أنها كانت ضرباً من الحماقة. فقد إيمانه بالدين وهو بعد طالب في الثانوية من غير أزمة روحية، لمع في دراسته الثانوية في الرياضيات، حتى إنه كان يحلم بدخول مدرسة البوليتكنيك لكن حلمه لم يتحقق، إذ إن إخفاقه في امتحانات الشهادة الثانوية بفرعها العلمي جعله يستعد لدخول المعهد العالي للمعلمين سنة 1889، إذ انصرف إلى قراءة أعمال كبار الفلاسفة، مثل أفلاطون وأرسطو وأوغست كونت، ولكنه أولى الفيلسوف الألماني كَنت اهتماماً خاصاً طبع تفكيره بطابع دائم.
المزيد »