logo

logo

logo

logo

logo

الانفجار الكبير (نظرية-)

انفجار كبير (نظريه)

Big bang theory - Théorie du Big bang

الانفجار الكبير (نظرية -)

ظافر موسى

نشأة النظرية
أسس نظرية الانفجار الكبير

التحديات التي تواجه نظرية الانفجار الكبير
مستقبل الكون

 

 

نظرية الانفجار الكبير big bang theory نظرية علمية تصف تطور الكون منذ لحظته الأولى حتى الوقت الحاضر. تعود تسمية النظرية بالانفجار الكبير إلى الفلكي الإنكليزي فريد هويل Fred Hoyle - في عام 1948- الذي مثّل الكون بانفجار نووي هائل، كما هو مبيّن بالشكل (1).

الشكل (1) تصور تخيلي لمراحل تطور الكون منذ الانفجار الكبير.

تصف النظرية تطوّر الكون منذ زمن يزيد على 13.75 مليار سنة؛ عندما كان يتكون من مزيج من الجسيمات والفوتونات- ولا تفاصيل فيه- ذي درجة حرارة هائلة وضغط عظيم ضمن أبعاد فراغية صغيرة جداً، ثم بدأ بعدها بالتوسع وفق معادلات النظرية النسبية العامة التي تحكم الكون؛ واعتماداً على قوانين الفيزياء الإحصائية (التحريك الحراري)؛ وقوانين ميكانيك الكم التي تحكم سيرورة التفاعلات بين الجسيمات الأولية فيما بينها، وكذلك فيما بينها وبين الإشعاع.

نشأة النظرية

تطورت هذه النظرية اعتماداً على أعمال كل من الرياضي والفلكي الروسي ألكسندر فريدمان
Alexander Friedmann في عام 1922، والفيزيائي والفلكي البلجيكي جورج لومتر Georges Lemaître في عام 1927. وقد دُعّمت النظرية بالقياسات التي أجراها الفلكي الأمريكي إدوين هابل Edwin Hubble عام 1929 عن ظاهرة هروب المجرات. وقد قام الفيزيائي الروسي الأصل جورج غامو George Gamow في عام 1948 بنشر مقالة تنبأ فيها بأن الكون قد بدأ بالتوسع انطلاقاً من حالة مرتفعة درجة الحرارة تبرد تدريجياً، وربط بين الفيزياء النسبية وفيزياء التفاعلات النووية، ودفع بوجود إشعاع خلفية مِكروي متبقٍ من المراحل الأولى لتوسع الكون. واكتُشفت هذه الخلفية- وعلى نحو مستقل- من قبل كل من العالمين الأمريكيين أرنو بنزياس Arno Penzias وروبرت ويلسون Robert Wilson في عام 1965 في أثناء عملهما على تطوير هوائي للأمواج المِكروية في مخابر شركة بلBell .

أسس نظرية الانفجار الكبير

تستند نظرية الانفجار الكبير إلى فرضيتين أساسيتين: الأولى هي صلاحية القوانين الفيزيائية المعروفة (النظرية النسبية العامة وميكانيك الكم على نحو رئيسي)، والثانية هي المبدأ الكوني cosmological principle الذي يفترض أنه ما من ميزة لنقطة على أخرى في الكون، وأن الكون لا مركز له، ومن ثمَّ فإن الكون متجانس ومتماثل المناحي على النطاق الواسع (من مرتبة الأبعاد التي تفوق بكثير المسافات بين المجرات). يمكن القول إن الأساس الفيزيائي للانفجار الكبير هو تنافس بين ضغط المادة المتحركة والإشعاع الذي يدفع التوسع من جهة، وبين قوى الجاذبية التي تقاوم هذا التوسع من جهة أخرى.

وتفسر نظرية الانفجار الكبير عدداً من الحقائق الفلكية الناجمة عن رصد عدد من الظواهر ومنها:

1- ظاهرة هروب المجرات التي اكتشفها هابل: حيث وجد اعتماداً على رصد المجرات البعيدة وقياس مسافاتها الفلكية بوساطة المقراب (التلسكوب) أن الأطياف الذرية لهذه المجرات كلها تنحرف نحو الأحمر، وبحسب مفعول دوبلر Doppler effect فإن كل المجرات تبتعد عن الأرض. كما اكتشف هابل أن انحراف المجرات يزداد بازدياد المسافة التي تفصل الأرض عنها، وهذا يعني أن سرعة ابتعاد المجرات تزداد كلما كانت أبعد. وقد وجد أن التفسير الأكثر اتساقاً لهذه الظاهرة هي أن الكون يتمدد وأن المجرات كانت أقرب في الماضي بعضها من بعض. ويمكن تشبيه العملية بكون المجرات نقاطاً على سطح «بالون» كروي يتمدد الغاز ضمنه، فكلما ازداد قطر «البالون» ازدادت المسافة بين أي نقطتين على سطحه. كما أن معدل تزايد المسافة (سرعة الابتعاد) يزداد كلما كانت النقطتان أبعد عن بعضهما. وتتغير سرعة المجرات وفق قانون توسع هابل المعطى بالعلاقة (1).

وتمثل فيها ν سرعة ابتعاد المجرة، وD بعدها عن الأرض، و H0 ثابت هابل، والتي تُقدَّر بالقيمة 70.4 km/s)/Mpc) (بارتياب قدره %10). والميغابارسك Mpc وحدة طول مستخدمة في الفلك وتساوي 3.26 مليون سنة ضوئية (الشكل 2).

الشكل(2) تمثيل قانون هابل لهروب المجرات.

2- إشعاع الخلفية المِكروي الكوني Cosmic Microwave

(Background Radiation (CMBR): هو إشعاع حراري منتظم يملأ الكون في جميع الاتجاهات، اكتُشف في عام 1965. ويُقصد بالخلفية الفضاء بين النجوم والمجرات. أُطلق الساتل كوب Cosmic Background

(Explorer (COBE في عام 1988 لإجراء قياس دقيق لهذا الإشعاع، وتبيّن أن هذا الإشعاع المِكروي صادر عن جسم أسود درجة حرارته 2.725 درجة كِلڤن، وتقع ذروته في جزء الأمواج المِكروية من الطيف، كما هو مبيّن في الشكل (3). وتتوافق نتائج القياسات مع نظرية الانفجار الكبير لغامو وزملائه. كان هذا الإشعاع في حالة توازن حراري مع المادة عندما كان عمر الكون 379000 سنة، ثم انفصل عندما انخفضت درجة حرارة الكون إلى عدة آلاف من الدرجات المطلقة، فتشكلت الذرات وأصبح الكون شفافاً للإشعاع. بعدها برد هذا الإشعاع تدريجياً بسبب التوسع حتى وصل إلى درجة حرارته الحالية وهي 2.723 درجة كلڤن. من جهة أخرى تبين وجود اضطرابات ضئيلة المطال من مرتبة 18 مكروكلڤن في التوزع الفراغي لهذا الإشعاع. وهذا أيضاً ما تنبأت به نظرية الانفجار الكبير، كاضطرابات حدثت قبل انفصال إشعاع الخلفية عن المادة - ليقوم لاحقاً بدور المولد للمجرات- التي تتكون من تجمع المادة حول مراكز محلية وهو ما لا يمكن أن يحدث في كون فائق التجانس.

الشكل(3) توزع طيف إشعاع الخلفية المِكروي الكوني.

3- وفرة النوى الذرية الخفيفة: تتنبأ نظرية الانفجار الكبير بحدوث عملية توليد للنوى الأثقل من الهدروجين - مثل الديتريوم (الهدروجين الثقيل) D، والهليوم 3، والهليوم 4، والليثيوم 7- في المراحل الأولى بعد الانفجار الكبير، وذلك ما بين الدقيقة 3 والدقيقة 20. وتتنبأ أيضاً بنسبة هذه العناصر مقارنة بالهدروجين- وهو العنصر الأكثر توفراً في الطبيعة- اعتماداً على عدد وحيد هو نسبة الباريونات baryons في الكون، والبالغة باريون واحد لكل مليار فوتون photon. وتبلغ هذه النسب- بحسب النظرية- 57% هدروجين، و%25 هليوم 4، و%0.01 ديتريوم، وآثار من الليثيوم 7. وقد بيّنت القياسات التي أُجريت أن كمية الهليوم مختلفة قليلاً عن هذه التوقعات، وأنها دقيقة بامتياز فيما يخص الديتريوم وأكثر بمرتين من القيمة المتوقعة بالنسبة إلى الليثيوم 7. ويُعدّ ذلك نجاحاً لهذه النظرية.

الشكل(4) تطور نسب النوى الخفيفة مع تطور الكون معبَّراً عنه بالنسبة بين الباريونات والفوتونات.

4- تطور المجرَّات وتوزّعها: الكون فضاء هائل واسع الانفتاح wide-open، يشتمل على كل شيء من أصغر جزيء إلى أكبر مجرة. ومن بين مكوّناته الكوازارات quasars - أو الأجسام شبه النجمية Quasi-Stellar

(Object (QSO - وكلمة كوازار مشتقة من مصطلح منبع راديوي شبه نجمي Quasi Stellar Radio Source

(QSRS)؛ والتي لا توجد إلا على مسافات تزيد على مئات ملايين السنين الضوئية بعداً عن الأرض، ولكن معظمها يتركز بين 10 و 14 مليار سنة ضوئية. تمتاز الكوازارات بأنها شديدة السطوع، وتبلغ كتلتها مليار ضعف كتلة الشمس، وشدة إضاءتها ألف ضعف إضاءة مجرة درب التبانة Milky Way بأكملها، وأبعادها لا تزيد على أبعاد المجموعة الشمسية. يُعتقد أن في مركز كل كوازار ثقباً أسود هائل الحجم. يعود سبب عدم وجود الكوازارات على مسافات قريبة من الأرض إلى أنها تمثل مرحلة من مراحل تطور الكون قريبة من بداياته الأولى، وهي مرحلة تشكل المجرات- التي بدأت بحسب نظرية الانفجار الكبير بعد نحو 200 مليون سنة من بدء توسع الكون- وذلك عندما بدأت المادة بالتجمع في مجرات، وذلك في عملية معاكسة لعملية توسع الكون، ولكن على المستوى المحلي؛ نتيجة ظهور تأثير قوة الجاذبية بسبب تغيرات الكثافة. ونتيجةً لذلك ارتفعت درجة حرارة مراكز هذه المجرات، وبدأت عملية الانصهار النووي التي حرقت الهدروجين وحولته إلى هليوم وعناصر أثقل، مثل البِريليوم
beryllium والكربون، وهذا ما أدى إلى منعها من الانهيار وتشكيل الثقوب السوداء. ومن هذه المجرات ما كانت كتلتها كبيرة إلى درجة أن عملية التفاعلات النووية كانت أسرع بكثير فيها، وهذا أدى إلى انتهائها خلال ملايين السنين فقط، ومن ثم انفجر محيطها، وأما مركزها فتحول إلى ثقب أسود هائل شكّل قلب هذه الكوازارات. تفسر نظرية الانفجار الكبير ظهور هذه الكوازارات على نحو طبيعي في سياق تطور الكون خلال الزمن. في حين تعجز النظرية المقابلة - وهي نظرية الكون ذي الحالة المستقرة steady state- عن تفسير هذا التوزع للمجرات والكوازارات.

التحديات التي تواجه نظرية الانفجار الكبير

لاقت نظرية الانفجار الكبير قبولاً واسعاً من العاملين في مجال علم الكون وذلك بعد اكتشاف إشعاع الخلفية المِكروي الكوني، ومعطيات النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات Standard Model of Particle Physics الذي يأخذ بالحسبان التفاعلات بين الجسيمات الأولية، بيد أنه توجد قضايا تحتاج إلى حل في إطار هذه النظرية ومنها:

1- اعتماد سرعة توسع الكون وتطوره- بحسب النظرية النسبية العامة- على كتلته. ويمكن لمقدار انحناء مترية الزمكان space-time metric أن يكون صفراً- وهو ما يقابل الكتلة الحرجة- أو موجباً أو سالباً. كما أن أي انحراف عن الكتلة الحرجة للكون- ولو بمقدار 10-14 كقيمة نسبية، وذلك عند الدقائق الأولى من عمر الكون- يؤدي إلى توسعه سريعاً وموته الحراري، أو إلى تباطئه بسرعة وعودته إلى حالة مشابهة لحالته عند بدء الانفجار الكبير، وهو ما يعرف بالانسحاق الشديد Big Crunch، لكن وجود الكون في الظروف الحالية يدل على أنه في البدايات لم تختلف كتلته عن الكتلة الحرجة إلا بمقدار ضئيل جداً؛ وأن الكون مسطح لدرجة عالية وهو ما يحتاج إلى تفسير.

2- مشكلة التجانس الكبير في طيف إشعاع الخلفية المِكروي الكوني، مع أن الكون في البداية توسع أسرع من الحد الذي يسمح للمناطق البعيدة بتبادل التأثير فيما بينها، وهذا يتطلب مبرراً، فالتفاعل المتبادل والتوازن الحراري هي مبررات التجانس.

3- متطلب إحدى نتائج النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات الأولية - وهو أحد دعائم نظرية الانفجار الكبير- وجود أحاديات القطب المغنطيسي magnetic monopoles ، وهو ما لم يُلحظ حتى الآن.

4- عدم القدرة على تبرير عدم التناظر بين المادة والمادة المضادة antimatter (أي إن العدد الباريوني للكون ليس صفراً)، مع أنه في بدايات الكون كان هناك توليد للمادة المضادة على نحو كبير بوساطة الفوتونات العالية الطاقة، فإن هذه الفوتونات تولِّد القدر نفسه من المادة أيضاً، ومن ثمَّ فإنها لا تغير العدد الباريوني.

5- عدم توافق سرعة توسع الكون المقيسة مع كمية المادة المرئية فيه، والتي تقاس بوساطة حساب المجرات المضيئة. ويدل ذلك على وجود مادة غير مرئية بوساطة المقاريب تسمى المادة المظلمة dark matter، هي المسؤولة عن هذه الظاهرة. كما لوحظ ازدياد سرعة توسع الكون منذ ما يقارب منتصف الزمن الذي يفصل عن الانفجار الكبير، وهذا يدل على أن محتوى الكون من الطاقة أكبر مما يمكن قياسه بالطرائق الفلكية المباشرة، وهو يدل على وجود ما يعرف أيضاً بالطاقة المظلمة.

ولكن ثمة دلائل على وجود المادة المظلمة من قياس سرعة دوران المجرات بعضها بالنسبة إلى بعض؛ إذ تبين أن سرعتها أكبر مما تقتضيه كتلتها الظاهرة، ولا بد من وجود مادة مظلمة لا تُعرف طبيعتها لحصول ذلك.

ويمكن من ذلك تقدير المادة المظلمة، ولكن ذلك لا يكفي لكي يكون الكون مسطحاً؛ وتبرير تسارع عملية التوسع. ويتوقع أن نسبة 73% من كتلة الكون هي بشكل طاقة مظلمة، و%23 مادة مظلمة، والمتبقي وهو 4% يتوزع بين الفوتونات والمادة المرئية في الكون.

وقد أُضيفت إلى النظرية مرحلة من التضخم الكوني inflation السريع- بين 10-36 ثانية و10-32 ثانية بعد بدء الانفجار- لتفسير حدوث التجانس الأولي، وعدم وجود أحاديات القطب المغنطيسية. كما أُضيف ثابت كوني cosmological constant في معادلة النسبية العامة ضمن إطار نموذج المادة المظلمة الباردة لامدا lambda-Cold Dark Matter ( CDM)، وهو أحد نماذج نظرية الانفجار الكبير- والمعتمد حالياً- لتفسير وجود الطاقة والمادة المظلمتين، ولكن قيمة هذا الثابت أصغر بكثير من المتوقع استناداً إلى تقديرات أولية من نظرية الثقالة الكمومية.

مستقبل الكون

تتوفر عدة احتمالات ممكنة تعتمد على مدى انحراف الكون عن الكتلة الحرجة، فمن أجل كتلة أكبر سوف يتوقف توسع الكون ويعاود الانكماش وصولاً إلى حالة مشابهة لحالته الأولية، وهو ما يُعرف بالانسحاق الشديد. أما إن كانت الكتلة أقل فسوف يتباطأ التوسع ولكنه لن يتوقف، وسوف تتحول المجرات - بعد انتهاء طاقتها النووية- إلى أقزام بيضاء ونجوم نيوترونية وثقوب سوداء، وهذه لاحقاً ستتصادم لتعطي ثقوباً سوداء أكبر، وبدورها ستتبخر، وتزداد أنتروبية الكون ويموت موتاً حرارياً. كما أن وجود مناطق متباعدة من الكون- فيما وراء أفق الحدث لكل منها- قد يقود إلى حالة غير معروفة.

مراجع للاستزادة:

- S. G. Brush, Making 20th Century Science How Theories Became Knowledge, Oxford University press, 2015

- G. Gamow, The Creation of the Universe, Courier Dover Publications, 2004.

- M. Gasperini, The universe Before the Big Bang: Cosmology and String Theory, Springer, 2008.

- S. Singh, Big Bang: The Origin of the Universe, Harper Perennial, 2005.

- P. Teerikorpi et al., The Evolving Universe and the Origin of Life, Springer, 2009.

 


التصنيف :
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58491283
اليوم : 63797

الآثار الكهرحرارية

أصول المحاكمات   أصول المحاكمات la procédure تعبير يطلق على مختلف القواعد المتعلقة بتحديد الاختصاص القضائي ورفع الدعوى وسيرها أمام المحاكم والطلبات والدفوع التي تقدم في أثنائها، والأحكام التي تصدر بشأنها وطرق الطعن بهذه الأحكام، وتنفيذها. ولهذه القواعد أثرها في زيادة المعاملات وتنشيط الحياة الاجتماعية في المجتمع لأنها من العوامل المهمة في استقرار المعاملات بين الناس وفي اطمئنانهم على حقوقهم، كما أنها تؤدي إلى ضمان وصول الحق إلى صاحبه من غير مشقة ذاتية ولا كبير عناء مما يقوي الائتمان ويزيد الضمان.
المزيد »