logo

logo

logo

logo

logo

الاحتباس الحراري العالمي

احتباس حراري عالمي

Global warming - Réchauffement de la planète

الاحتباس الحراري العالمي

محمد العودات 

غازات الاحتباس الحراري

تأثيرات الاحتباس الحراري

بعض توقعات التغيرات المناخية في سورية

 

كان يُعتقد أن تغير المناخ (وهو متوسط حركة الطقس مدَّة طويلة) قليلاً ما كان يتأثر بالنشاطات البشرية، ولكن الأمر تغير مع التقدم الصناعي الذي بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأصبح تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الأخرى يزداد في الغلاف الجوي مسبباً ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض.

تتميز غازات الاحتباس الحراري كافة بأنها تمتص الأشعة تحت الحمراء، وتعمل بذلك عمل البيت الزجاجي  greenhouse effect، إذ تسمح للطاقة الشمسية (الضوء المرئي (visible light  بالوصول إلى سطح الأرض، إلاّ أنها تمتص الأشعة الحرارية الطويلة الموجة (الأشعة تحت الحمراء ( infrared  المنعكسة عن سطح الأرض، وبذلك تبقى هذه الأشعة حبيسة جو الأرض، ونظراً لأن درجة حرارة الأرض هي محصلة لتوازن دقيق بين ما يقع عليها من أشعة ومقدار ما ينعكس عنها، فإن زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري، وخاصة ثنائي أكسيد الكربون والميتان تؤدي إلى زيادة امتصاص بعض الإشعاعات الحرارية المنعكسة عن سطح الأرض والاحتفاظ بها، مسببة بذلك زيادة درجة حرارة الأرض.

غازات الاحتباس الحراري:

كان الاعتقاد السائد أن ثنائي أكسيد الكربون هو وحده المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري، ثم تبين أن هذا الغاز مسؤول عن نحو 64 % من مشكلة الاحتباس الحراري، أما الـ 36 % الباقية فمسؤولة عنها غازات أخرى لها خصائص الاحتباس الحراري وأهمها الميتان CH4 وأكسيد الآزوت  N2O ومركبات الكلوروفلوروكربون والأوزون O3.

1- ثنائي أكسيد الكربون:

تشير المعطيات إلى أن مستويات ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت قبل الثورة الصناعية ( 1750م -1800م) لا تزيد على 280 جزءاً في المليون، وبدأت هذه المستويات بالزيادة المتسارعة منذ نحو قرنين، حتى وصلت حالياً إلى قرابة 400 جزء في المليون، أي بزيادة قدرها نحو 34 %. وقد كان مجمل إطلاقات ثنائي أكسيد الكربون السنوية - الناتجة من النشاطات البشرية عام 1755م - لا يتجاوز 11 مليون طن، ووصل إلى 29 مليون طن عام 1800م، وإلى 1960 مليون طن عام 1950م، ويزيد حالياً على 24000 مليون طن، وإذا بقيت إطلاقات هذا الغاز عند معدلاتها الحالية فسوف يزداد تركيزه ليصل إلى 560 - 600 جزء في المليون في نهاية القرن الحادي والعشرين.

 2- غاز الميتان  :methane (CH4)

ينطلق غاز الميتان بفعل التفكك اللاهوائي للكتلة الحية في أماكن إلقاء مخلفات الصرف الصحي ومن المستنقعات وحقول الأرز، ومن الأجهزة الهضمية للحيوانات المجترة، كما يتسرب من آبار الغاز الطبيعي ومن مناجم الفحم والصناعات النفطية وغيرها. وقد بينت تحاليل الهواء المحتبس في الجليديات أن تركيز الميتان في الغلاف الجوي يزداد متوازياً مع زيادة سكان الأرض، إذ ارتفع تركيزه من 0.7 جزء في المليون قبل الثورة الصناعية ليصل إلى نحو 1.7 جزءاً في المليون حالياً، ويحتبس جزيء الميتان ما يعادل 25 ضعفاً من الأشعة الحرارية أكثر مما يحتبس جزيء ثنائي أكسيد الكربون، وتقدر الزيادة السنوية الحالية في تركيز غاز الميتان بـ 10 أجزاء في البليون، وبهذا فهو من الغازات المهمة في زيادة درجة حرارة الأرض، ويساهم بنحو 20 % من الاحتباس الحراري.

3- أكسيد الآزوت  :nitrous oxide (N2O)

ينطلق غاز أكسيد الآزوت نتيجة لنشاط البكتريا في التربة، ومن استعمال الأسمدة الآزوتية في الزراعة، ومن حرق الوقود الأُحفوري والأخشاب وبقايا المحاصيل وغيرها، وتقدر مدة بقائه في الغلاف الجوي بـ 150 سنة، لذلك فإن مستوياته في الغلاف الجوي تزداد باستمرار ولن تنخفض خلال القرن الحادي والعشرين، حتى لو توقفت الزيادة في انبعاثه، وازداد تركيزه من 270 إلى 319 جزءاً في البليون، ويحتبس جزيء أكسيد الآزوت ما يعادل 206 أضعاف، من الأشعة الحرارية، أكثر مما يحتبس جزيء ثنائي أكسيد الكربون.

4 – الكلوروفلوروكربون:chlorofluorocarbon

 يستعمل الكلوروفلوروكربون سائلاً للتبريد ودافعاً في علب الرذاذ وعاملَ نَفْخٍ في صناعة الإسفنج الصناعي وغيرها. وخلافاً لغازات الاحتباس الحراري، فإنه لا يوجد بحالة طبيعية، وإن وجوده في الغلاف الجوي ناتج برمته من تصنيعه، وإن كامل إنتاج هذه المواد ينتهي إلى الغلاف الجوي.

أصبحت غازات الكلوروفلوروكربون بسبب استنزافها للأوزون في طبقات الجو العليا موضوع اتفاقية دولية (بروتوكول مونتريال عام 1987م)، إذ جرى خفض إنتاجها بحلول عام 2000 م بمعدل نحو 85 %. ولكن بسبب طول مدة بقاء الكلوروفلوروكربون في الغلاف الجوي التي تصل إلى 75- 110 أعوام، وبسبب مقدرتها العالية على احتباس الأشعة الحرارية، إذ يحتبس الجزيء الواحد منها أكثر مما يحتبس جزيء ثنائي أكسيد الكربون بنحو 10 آلاف مرة، لذلك فإن تأثيرها سيبقى مدّة طويلة.

تأثيرات الاحتباس الحراري:

 الشكل (1) تغير متوسط درجة حرارة الأرض من عام 1950م حتى عام 2010م 

1- ارتفاع درجة حرارة الأرض:

تشير التحاليل التفصيلية لبيانات درجة حرارة الأرض خلال السنوات المئة الماضية إلى أن متوسط درجة حرارة الأرض قد ارتفع بمعدل 0.74 درجة مئوية (الشكل 1)، وإذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري - وخاصة ثنائي أكسيد الكربون - فمن المحتمل أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل يقع بين 1.5 و6 درجات مئوية بحلول عام 2100، علماً بأن الاتجاه السائد بين العلماء يرجح ارتفاع درجة حرارة الأرض ثلاث درجات مئوية، أي سيكون معدل الزيادة في درجة الحرارة بمعدل 0.3 درجة مئوية في العقد الواحد.

وقد أوضحت تحاليل المعطيات المستقاة من حلقات نمو الأشجار، ومن الشعاب المرجانية وعينات جليدية عميقة، والسجلات التاريخية لنصف الكرة الأرضية الشمالي أن القرن العشرين كان الأدفأ خلال الألفية المنصرمة، وكان عقد التسعينيات الأدفأ خلال القرن المذكور.

لن يكون ارتفاع متوسط درجة الحرارة واحداً في نطاقات الكرة الأرضية المختلفة، إذ سيكون أعلى في خطوط العرض العليا وأقل في المناطق الاستوائية، فمثلاً قد ترتفع درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة عند خط الاستواء وبنحو 6 - 10 درجات في العروض الشمالية الباردة. وقد ارتفعت درجة الحرارة في ألاسكا وشمالي كندا وشمال شرقي روسيا بمعدل 3 – 4 ْم، وسيصل الارتفاع إلى أكثر من 7 ْم، وبالتالي ستكون هناك فروق إقليمية كبيرة في كيفية تأثر الناس والنظم البيئية بارتفاع درجة الحرارة. وعلى الرغم من الآراء المختلفة حول تأثير ارتفاع درجة الحرارة يتوقع معظم المختصين حدوث الآتي:

2- انخفاض كمية الهطل:

تشير التوقعات إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل ثلاث درجات مئوية سيترافق بانخفاض في كميات الهطل بمعدل نحو 10 %، وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، وسينخفض مخزون المياه السطحية والجوفية ليس بسبب انخفاض كميات الهطل فحسب، وإنما بسبب زيادة التبخر التي ستؤدي إلى انخفاض في كمية مياه الجريان السطحي وفي مخزون المياه اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب، وستسوء نوعية المياه بسبب زيادة ملوحتها. ويُتوقع أيضاً أن يزداد الجفاف في المناطق الجافة وشبه الجافة في كل من نصفي الكرة الأرضية، التي تمتد من المكسيك عبر شمالي إفريقيا والجزيرة العربية، وجنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه، وجنوبي آسيا حتى باكستان، وشمال غربي الهند وبعض مناطق الصين. وسيرافق انخفاض كميات الهطل زيادة التذبذب في الهطل، وستزداد فترة انقطاع الأمطار، مما يُحدث تدهوراً سريعاً في الغطاء النباتي وزيادة معدل التصحر.

 3- الانتقال المكاني للأقاليم المناخية الزراعية:

يتوقع أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض - الذي سيكون أكثر وضوحاً في خطوط العرض العليا- إلى انتقال عام للنطاقات الزراعية باتجاه القطبين، ففي المناطق الباردة قد تطول المدَّة من السنة الخالية من الصقيع مما يجعل بالإمكان امتداد حدود الزراعة أكثر نحو الشمال، وخاصة في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وتشير المصادر العالمية إلى أن كل ارتفاع في متوسط درجة حرارة الأرض بمعدل درجة مئوية واحدة سيزيح حدود الزراعة باتجاه الشمال (المناطق الباردة) بمعدل 150 كم، وعندها ستصبح مناطق مثل شمالي سيبيريا والتوندرا Tundra في أوراسيا وأمريكا مناطق رعوية عالية الإنتاج.

 4- تسارع وتيرة ذوبان الجليديات:

سيؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ذوبان قسم من الجليديات القطبية والجليديات في المحيطات، وستنخفض كثيراً كمية الأشعة الشمسية التي تعكسها الجليديات إلى الفضاء الخارجي، التي ستُمتص عندها من قبل الأرض. وقد بينت الدراسات أن مساحة بحر الجليد القطبي الصيفي قد تقلصت بنحو 27 % خلال الـ 50 سنة الأخيرة، وازداد فَقْدُ بحر الجليد القطبي الشمالي بنسبة 20 % في الثلاثين عاماً الأخيرة. وقد قلَّت سماكة بحر الجليد في العقدين الأخيرين بمعدل يُراوح بين 7 و9 % في العقد الواحد. وستنخفض سماكة الجليد في غرينلاند بمعدل 7 أمتار، وزادت مساحة الجليد التي تذوب في الفصل الدافئ (الشكل 2). وطالت مدَّة ذوبان الجليد بين عامي 1985م و2000م بمعدل تغير بين 9 و17 يوماً في العقد الواحد. وإذا استمرت اتجاهات الدفء السائدة فقد يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد في أثناء الصيف في نهاية هذا القرن.

5- ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات:

 الشكل (2) اتساع الذوبان الفصلي للجليديات في غرينلاند بين عامي 1992م و 2012م 

سيتجلى ذوبان قسم من الجليديات القطبية والجليديات في المحيطات في ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات بمعدلات قد تصل إلى 95 سم في نهاية القرن الحادي والعشرين. ويُعتقد أن مستوى سطح البحار والمحيطات قد ارتفع خلال القرن العشرين بمعدل يفوق الـ 10سم. سيُحدث ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات تأثيراً بالغاً، ذلك أن ثلث سكان الأرض تقريباً يعيشون ضمن الـ 60 كم من السواحل، لذلك فإن ارتفاع مستوى البحار والمحيطات سيؤدي إلى هجرات جماعية ومشاكل حادة للمدن الساحلية، فمثلاً سيؤدي ارتفاع مستوى البحار بمعدل 50 سم إلى إغراق مساحات شاسعة من الدلتا في مصر - ذات الكثافة السكانية العالية - وبنغلادش والصين والهند وغيرها، ويبدو أن الدول النامية التي أسهمت بالجزء اليسير من غازات الاحتباس الحراري ستعاني أكثر الآثار سوءاً، وستغمر الأمواج العاتية ما يقارب من 300 جزيرة في المحيط الهادئ، وسيزداد عنف وتواتر العواصف التي ستدفع مياه البحار إلى أراضٍ داخلية، مُهدِرة بذلك الممتلكات والأراضي الخصبة، كما ستختفي ملايين الهكتارات من المستنقعات الشاطئية wetlands، وغابات المانغروف mangrove (التي تمثل الغطاء النباتي الشجري في شواطئ البحار الدافئة كالبحر الأحمر والخليج العربي وفلوريدا) والتي هي مواقع تكاثر عديد من أنواع الأسماك والطيور وغيرها، وحاجز طبيعي لصد أهوال الأعاصير البحرية. هذا وسَتُهَدد المنشآت الساحلية كالجسور ومصدات المياه ومرافق المرافئ، وستكلف حمايتها نفقات باهظة، كما سيزداد تأكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية.

تشير التوقعات إلى أن ارتفاع مستوى البحار بمعدل متر واحد سوف يؤثر في مساحات واسعة من الأراضي الشاطئية في الوطن العربي تقدر بـ 41500 كم2، وأكثر الدول العربية تضرراً هي مصر والجزائر والكويت وقطر والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة، وتشير التوقعات أيضاً إلى أن هذه الدول العربية السبع ستكون من بين الدول الاثنتي عشرة الأكثر تضرراً في العالم.

6- الكوارث الطبيعية:

يُتوقع أن تزداد وتيرة الكوارث المائية والمناخية كالعواصف والأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف ازدياداً مثيراً، فبنغلادش كانت تعاني الفيضانات الكاسحة مرة كل نصف قرن تقريباً، أما الآن فتعاني كارثة كاسحة في كل أربع سنوات تقريباً، وقد ازدادت المنطقة المعرضة للفيضانات في الهند من 25 مليون هكتار في أواخر الستينيات من القرن العشرين إلى 59 مليون هكتار في أواخر القرن العشرين.

7- التأثير في التنوع الحيوي:

من النباتات الغازية   Solanum elaeagnifolium  الشكل (3)ء

سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى تغيرات عميقة في المنظومات البيئية  ecosystems مما سيظهر أثره في الكائنات الحية التي تعيش فيها، فالكائنات الحية يمكن أن تتكيف مع تغير قدره 0.1 درجة مئوية خلال العقد الواحد، ولكن الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة سيفوق ذلك بثلاث إلى أربع مرات، وهذا ما لا يمكن للكائنات الحية التكيف معه. وستؤدي زيادة الإجهادات المائية  water stresses إلى انخفاض حاد في الإنتاج النباتي الطبيعي، كما حدث في أوربا في عام 2003م، إذ انخفض الإنتاج النباتي في بعض المواقع إلى 30 %.

يعتقد أن أنماطاً مختلفة من الغابات ستتدهور وستكون معرضة للانقراض مثل غابات الشوح  Abies cilicica والأرز Cedrus libani التي توجد في قمم المناطق الجبلية الساحلية في بلاد الشام، وكذلك غابات اللزاب Juniperus excelsa التي توجد بقاياها في جبال لبنان الشرقية وجبل الشيخ، وستتدهور أو ستنقرض بعض الأنواع الألبية مثل الغملول اللبناني Acantholimon libanoticum الذي انقرض فعلياً في المناطق غير المرتفعة من جبل الشيخ. ستنقرض أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات وخاصة التي تستوطن الشعاب المرجانية، وستضطرب هجرة الطيور.

إن التغيرات البيئية العالمية قد تخلق بيئات جديدة ملائمة لعديد من الحشرات الناقلة للأمراض، تَحُول درجات الحرارة والمناخ الحاليان دون الاستيطان فيها طبيعياً، وهكذا يتوسع انتشارها وتزداد احتمالات الإصابة بالأمراض التي تنقلها.

سيزداد بدرجة ملحوظة عدد الأنواع الغازِيَة invasive species للمجتمعات النباتية، وذلك لأن هذه الأنواع تتميز بتكيفها للتغيرات المناخية، وسيؤدي انتقالها إلى مواطن جديدة إلى اضطراب النظم البيئية وخفض التنوع الحيوي، ومن أمثلة ذلك نبات الباذنجان فضي (زيزفوني) الورق Solanum elaeagnifolium الشديد السمية (الشكل 3) الذي غزا منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وخاصة المناطق الجافة وشبه الجافة وأصبح سائداً في كثير من هذه المناطق.

8- التأثير في الشعاب المرجانية: coral reefs

تعد الشعاب المرجانية من أكثر النظم البيئية تأثراً بارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للبحار والمحيطات، فقد بيَّن تقرير حالة الشعاب المرجانية في عام 2008م أن 19 % من الشعاب المرجانية على مستوى العالم فُقدت كلياً، نتيجة الضغوط البشرية والمناخية، ويتوقع أن يفقد 35 % أخرى خلال السنوات الأربعين القادمة إذا استمرت الضغوط بالوتيرة نفسها. وتتمثل أبرز التداعيات المتوقعة في تنامي ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية نتيجة لارتفاع درجة حرارة المياه السطحية وزيادة حموضة البحار والمحيطات، بسبب ذوبان نسب متزايدة من ثنائي أكسيد الكربون الموجود في الجو في مياه البحار والمحيطات، هذا ويحدث الابيضاض إذا تجاوز متوسط درجة حرارة المياه القصوى درجة مئوية واحدة، مما يؤدي إلى هجرة الطحالب (الأشنات)   Algae التي تتعايش مع الهياكل المرجانية وتضفي عليها ألواناً زاهية وتمدها بالغذاء، فتتحول المرجانيات إلى مجرد حجارة مصمتة لا جمال فيها، ولا يخفى ما في ذلك من خسارة هائلة في عائدات السياحة ورياضة الغطس في عديد من الدول ومنها 13دولة عربية مشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي.

9 - التغير المناخي وصحة الإنسان:

يتوقع أن تزداد موجات الحر التي تجتاح المدن الكبرى وخاصة في دول العالم المتطور أو الصناعي، فمدينة واشنطن التي تشهد حالياً يوماً واحداً تزيد فيه درجة الحرارة على 38 درجة مئوية، و35 يوماً تزيد فيه على 32 درجة، يتوقع أن يصل عدد الأيام التي تزيد فيها درجة الحرارة على 38 درجة إلى 12 يوماً، وعدد الأيام التي تزيد فيها درجة الحرارة عن 32 درجة إلى 85 يوماً. ومن المؤكد أن درجات الحرارة المتزايدة ستؤدي إلى ضغوط نفسية وجسدية وإلى ضحايا بشرية، وقد مات آلاف الأشخاص في موجات الحر التي اجتاحت بعض مناطق الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا في السنوات الأخيرة. وأكثر السكان تعرضاً للتأثيرات السلبية الناجمة عن الاحتباس الحراري يعيشون في الدول النامية، وهم من المجموعات ذات الدخل المنخفض، وسكان المناطق الساحلية والمنخفضة والجزر، والفقراء الحضريين في المستوطنات العشوائية ومدن الأكواخ والصفيح في المدن الكبرى.

وعند زيادة درجة حرارة الأرض ستتوسع حدود المناطق الاستوائية والمدارية، كما يمكن أن تتحول بعض أجزاء من المناطق المعتدلة إلى مناطق شبه مدارية، مما يعني إمكان انتشار أمراض المناطق الاستوائية والمدارية إلى مناطق جديدة لم تعرف فيها من قبل، كما يتوقع أن ينتشر البعوض والحشرات الناقلة للأمراض إلى مناطق جديدة، كان يَحُول انخفاضُ درجة الحرارة دون انتقالها إليها، وستزداد مثلاً أمراض الملاريا والبلهارسيا في كثير من البلدان. وأخيراً يمكن للتغيرات المتوقعة أن تؤدي إلى اضطرابات في توفير الغذاء والماء وأن تدفع السكان إلى الهجرة، مما يؤدي إلى مزيد من الاكتظاظ والمشاكل الاجتماعية وعدم الاستقرار.

بعض توقعات التغيرات المناخية في سورية:

يبين البلاغ الوطني الأول للتغيرات المناخية في سورية 2010م أن انخفاض كمية الهطل بمعدل 5.1 % في عام 2040م من شأنه أن يؤدي إلى تناقص مستمر في تصريف عَيْن الفيجة، وتلاشٍ متدرج لأزمان الجريان الدنيا بحيث يظهر المنبع بصورة رئيسية في أزمان الذروة فقط، وسيؤدي أيضاً إلى انخفاض في قيم التصريف قد تصل إلى 37 % في عام 2039م. كما تشير التوقعات أيضاً إلى انخفاض كمية الهطل السنوي في أعالي حوض الفرات ودجلة بمعدل 40 -50 مم، مما سيؤثر في انخفاض الجريان السطحي في أعالي حوض الفرات ودجلة بمعدل 10- 25 % في عام 2070م، مقارنة بعام 2000م.

ستؤدي التغيرات المناخية ولاسيما كمية الهطل، إلى انخفاض متوسط إنتاج القمح البعلي من 1.4 إلى 1.1 طن/هـ، مما سيؤثر في الأمن الغذائي، كما سينخفض إنتاج القطن بمعدل 5.7 %، وإنتاج الزيتون المَرْوِي بمعدل 17 %، إذا لم تُقدَّم كميات إضافية من مياه الري.

وسيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى غمر مناطق شاطئية تصل مساحتها إلى 17 كم2 تبعاً «للسيناريو» المنخفض جداً، وسيترتب على ارتفاع مستوى مياه سطح البحر غمر الأراضي المنخفضة، وزيادة ملوحة المياه الجوفية الساحلية وتَأَكُّل السواحل.

قد يتسبب ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض كمية الهطل إلى انزياح تصاعدي في نطاق أحزمة الغابات الساحلية بمعدل 200 م، كما قد تختفي بعض الأنواع النباتية في المناطق الجبلية.

مراجع للاستزادة:

- وزارة الدولة لشؤون البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومرفق البيئة العالمي، البلاغ الوطني الأول للتغيرات المناخية في سورية، دمشق 2010.

 - B. Hawkins, S. Sharrock, Plants Havens And Climate Change: Which Future Botanic Gardens Conservation International, Richmond, Uk,. 2008.

 - C. Wilkinson, (Ed.), Status of Coral Reefs Of The World 2008 (Australian Institute of Marine Science, Townsville, Australia, 2008).

 - N. Wards, G. Masters, Linking Climate Change And Species Invasion. Global Change Biology, 13 (8): 1605-1615.2007.

 - P. Ciais,  Et Al., Europe - Wide Reduction In Primary Productivity Caused By The Heat and Drought In 2003, Nature, 437: 22. 2003.

-R. Bisgrove, P. Hardley, Gardening In The Global Greenhouse. Technical Report, Ukcip, Oxford, Uk. 2002. 

- R. K. Pachauri, A. Reisinger, (Eds) Ipcc., Climate Changes. Synthesis Report Ipcc, Geneva, Switzerland, 2007.

 


التصنيف :
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 305
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58492101
اليوم : 64615

آثار الحقول المغناطيسية والكهربايئة في الخطوط الطيفية

 تتأثر أطياف الذرات أو الجزيئات المصدرة للضوء أو التي تمتصه بالحقول الكهربائية أو المغنطيسية المطبقة عليها، فتنزاح الخطوط الطيفية عن مواقعها التي كانت عليها قبل تطبيق الحقول، أو تنفصم لتظهر خطوط طيفية جديدة وفق أنواع الذرات أو الجزيئات وشدة الحقول المطبقة، وتسمى هذه الانزياحات...

المزيد »