logo

logo

logo

logo

logo

التقانات الحيوية (الاختبارات المخبرية الحديثة)

تقانات حيويه (اختبارات مخبريه حديثه)

Modern tests for biotechnologies -



التقانات الحيوية (الاختبارات المخبرية الحديثة)

                                                                         مجد الجمالي

الاختبارات المناعية

الاختبارات الجزيئية المعتمدة على الدنا

التطبيقات الحديثة للاختبارات المناعية والجزيئية

 

انعكس التطور التقاني الهائل إيجاباً في مجال تطوير الفحوص المخبرية، وقاد إلى اكتشاف العديد من الواسمات الحيوية biomarkers الجديدة، كما شهدت العقود الأخيرة تحسينات مهمة في كفاءة الأجهزة المستخدمة وفي نوعية الاختبارات المختلفة وحساسيتها. ولعلّ أهم ما يميز الاتجاهات الحديثة في التحليل الحيوي bioanalysis هو إمكان تقصي عدد كبير من الواسمات التي تسهم بمجموعها في تعزيز صوابيّة التشخيص والقرار العلاجي المتّخذ. ومع إتمام مشروع المجين (الجينوم) البشري human genome project  في مطلع القرن الحالي، ونشوء علم المجين (الجينوم) genomics؛ تطور مفهوم التشخيص المخبري إلى تحليل العلاقة بين مستوى العديد من الواسمات المخبرية واستقرائها، بهدف الوصول إلى التشخيص الدقيق بدلاً من الاعتماد على عدد قليل من الواسمات؛ الأمر الذي لا يُعدّ كافياً في بعض الحالات المرضيّة المعقّدة مثل السرطانات.

  وشملت التطورات التقانية الحديثة حقلين رئيسين يضمّان اختبارات التنميط المناعي وتلك المعتمدة على تحليل المادة الوراثية.

الاختبارات المناعية

1-التنميط المناعي بالجريان الخلوي  immunotyping by flow cytometry

يعتمد هذا النوع من المقايسات على استخدام أضداد antibodies قادرة على الارتباط بنوعية وإلفة عاليتين بمستضدات سطحية surface antigens، تُعرف بعناقيد التمايز(CD)  Clusters of Differentiation؛ بحيث يمكن التمييز بين مجموعات مختلفة من الخلايا في العينة بناءً على تعبيرها المتباين عن تلك المستضدات. ويمكن وسم هذه الأضداد بصباغات مفلورة تُمكِّن من الكشف عن المعقّد المناعي (ضد- مستضد) بعد تعرضه لشعاع الليزر. وتمر الخلايا عبر قناة ضيقة تسمح بمرور خلية واحدة فقط أمام شعاع الليزر الذي يتبعثر بعد اصطدامه بها بشكل يرتبط بحجمها وحُبَيْبِياتها granularity. إضافةً إلى ذلك، وفي حال امتلاك الخلية مستضدات سطحية ترتبط بها أضداد موسومة بمادة مفلورة؛ فإن اصطدام شعاع الليزر بها ينتج إشارةً مفلورةً تُبيّن إيجابيّة تلك الخلية في حين لا تعطي الخلايا التي لا تعبّر عن هذا المستضد النوعي أي إشارة. وهكذا يمكن مثلاً حساب تعداد الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة helper T lymphocytes في عينة من الدم الكامل. فاللمفاويات عموماً تمتلك أحجاماً وحُبَيْبِيات تمكّن من تمييزها من خلايا الدم الأخرى. وهذه الخلايا التائية المساعدة تمتلك أيضاً مستضداً سطحياً يُرمز إليه بعنقود التمايز 4 أو CD4. ولدى حضن عينة الدم الكامل مع ضدٍّ نوعي لـ CD4 فإنّ هذا الضدّ سيرتبط بصورة حصريّة بالخلايا التائية المساعدة، ومن ثم يمكن بسهولة حساب نسبتها في الدم. وتُستخدم هذه الطريقة على سبيل المثال لحساب نسبة الخلايا التائية المساعدة في عينة مريض مصاب بنقص المناعة المكتسب (الإيدز)  Acquired Immunodeficiency Syndrome (AIDS) حيث ينخفض عدد تلك الخلايا على نحو كبير جداً؛ مما يدعم التشخيص. ويبين الشكل (1) أن نسبة الخلايا التائية المساعدة  التي تعبر عن المستضد CD4 (CD4+) هي 7% فقط من كامل الخلايا التائية التي تعبر جميعها عن مستضد  CD3 (CD3+)، في حين بلغت نسبة الخلايا القاتلة التي تعبر عن المستضد CD8 (CD8+) نحو 49% من كامل الخلايا التائية. وتبلغ نسبة CD4+  إلى CD8+ لدى الأصحاء نحو 1.5، وقد تصل في مريض نقص المناعة إلى  0.14.

الشكل (1) توزع الخلايا التائية المساعدة نسبةً إلى العدد الكلي للخلايا التائية في عينة مريض مصاب  بنقص المناعة المكتسب (الإيدز).

تتمثّل إحدى التطبيقات المهمة لتقانة الجريان الخلوي بإمكان فرز/فصل مجموعات populations مختلفة من الخلايا من خلال فتح بوابات خاصة تسمح بفصل الخلايا الموسومة عن الخلايا غير الموسومة. وهكذا مثلاً يمكن فصل جميع الخلايا التائية المساعدة المرتبطة بالضد إثر إعطائها إشارة الفلورة من خلال مرورها عبر بوابةٍ خاصةٍ إلى أنابيب الجمع، في حين تمر خلايا الدم الأخرى التي لم ترتبط بضد الـ CD4 إلى أنبوب جمع مختلف بسبب إغلاق تلك البوابة، وتُمكّن هذه الطريقة من الحصول على جمهرة عالية النقاوة من الخلايا التائية المساعدة لدراستها مخبرياً على نحو أكثر دقة.  

2- التنميط بالكيمياء النسيجية المناعية Immunohistochemistry (IHC)

تشبه تقانة التنميط المناعي النسيجي تقانة الجريان الخلوي من حيث اعتمادها على ارتباط أضداد موسومة بمستضداتها النوعية على سطح بعض الخلايا، ومن ثم تحديد توزع تلك الخلايا ونسبها؛ إلاّ أنها تختلف عنها بكون العينة المدروسة نسيجاً صلباً؛ حيث تكون الخلايا المُنمَّطة نسيجياً مثبّتة على صفائح عوضاً عن كونها حرّةً في السائل. ولهذه التقانة تطبيقات عدّة مثل دراسة نسبة الخلايا الورمية في نسيج مستأصل من ورم صلب، حيث يحضن النسيج الورمي مع ضد موسوم ونوعي لبروتين مستقبل عامل نمو البشرة البشري 2 Human Epidermal growth factor Receptor 2 (HER2) الذي تعبّر عنه بعض أنواع خلايا سرطان الثدي، ويمكن أن تختلف نسبة الخلايا المعبّرة باختلاف العينة المدروسة . ففي الشكل (2) حضنت عينات النسج المختلفة مع الكمية نفسها من ضد موسوم لبروتين HER2 المعبّر عنه في بعض الخلايا السرطانية، ويظهر بوضوح اختلاف نسبة الخلايا التي تعبّر عن بروتين الـ HER2 بين العينات النسيجية المختلفة (الشكل 2 – ب، ج، د) ويدل (أ) على شاهد سلبي.

 
الشكل (2) التنميط بالكيمياء النسيجية المناعية (IHC) لعينات ورمية مختلفة لسرطان الثدي.

الاختبارات الجزيئية المعتمدة على الدنا

 ينجم عن اختلاف تتالي النوكليوتيدات nucleotides في طاق الدنا اختلاف في تتالي الشيفرة الوراثية في الرنا المرسال messenger RNA، ومن ثم اختلاف في تتالي الحموض الأمينية المكوِّنة للبروتينات المختلفة والبالغ عددها في الإنسان نحو 30000 نوع يختلف التعبير عنها وتوزعها باختلاف أنواع الخلايا والنسج.

يمكن تحديد تتالي النوكليوتيدات - بعد استخلاص الدنا الخلوي - بعدة طرائق، كانت أولاها طريقة سانغر Sanger التي ما تزال متّبَعةً حتى الآن. ومن أهم تطبيقات هذه التقانة  تحديد وجود تبدّل في نوكليوتيد أو أكثر، وهو ما يعبّر عنه بالطفرة mutation. وترتبط بعض أنواع الطفرات بأمراض معينة نتيجة تبدّل شكل البروتين الوظيفي. وهكذا ينجم مرض فقر الدم المنجلي عن تبدل في نوكليوتيد واحد هو الأدينين في جين الغلوبين، من GAG (وهي الشيفرة code  التي ترمز إلى الحمض الأميني الغلوتامي) إلى GTG (شيفرة الفالين)؛ مما يؤدي إلى تحوّل الهيموغلوبين الطبيعي إلى الهيموغلوبينS  وإلى تغير في شكل كريات الدم الحمراء إلى الشكل المنجلي، وما يرافق ذلك من اختلاطات يعانيها المريض.

ومن جهةٍ أخرى لا يؤدِّي كلّ تغيّر في النوكليوتيد إلى تبدل في وظيفة البروتين؛ إذ يمكن أن يؤدي وجود تعدد الأشكال لنوكليوتيد مفرد Single Nucleotide Polymorphism (SNP) في جين مسؤول عن الترميز لمستقبل أحد الأدوية؛ إلى اختلاف استجابة المريض المُتلقّي للدواء عن أقرانه، ويمكن أن يعزى ذلك إلى عدم تمكن الدواء من الارتباط بمستقبِله بالشكل الأمثل. وحديثاً جداً، رُبط العديد من تعددات الأشكال لنوكليوتيد مفرد SNPs باختلاف استجابات المرضى لعدد من الأدوية، وهو ما أسَّس لحقل جديد سُمّي علم الجينوم الدوائي Pharmacogenomics، والذي يهتم بربط الاستجابة للأدوية بالتركيب الجيني لمستقبِلاتها؛ أو الإنزيمات المسؤولة عن تفعيلها أو استقلابها. وهكذا يمكن عن طريق تحديد التسلسل النوكليوتيدي لجين مستقبل دوائي مُعيّن اختيار نوع الدواء وجرعته لتحقيق استجابة دوائية مُثلى.     

ولا تقتصر دراسة الجينات على التحليل النوعي لها وتحديد الطفرات أو الـ SNPs فيها؛ وإنما تشمل كذلك التحليل الكمي الذي يقيس مدى التعبير عنها في النسج المختلفة، ويجرى ذلك باستخلاص الرنا المرسال وتحديد كمية التعبير الجيني لجين محدد أو لعدد كبير منها. ولعدّة عقود خلت كانت تقنية تشرب نورثن Northern blotting أهم طريقة لقياس التعبير الجيني، وهي تعتمد على تهجين hybridization الرنا المرسال مع  مسبار probe موسوم يتكون عادةً من قطعة دنا DNA مؤلفة من تتالٍ متمّم complimentary لتسلسل الرنا RNA المقيس. وقد رُفدت هذه التقانة حديثاً بتفاعل البوليمراز المتسلسل الكمي بالنسخ العكسي وبالزمن الحقيقي Quantitative Real Time Reverse-Transcription Polymerase Chain Reaction (QRT-PCR) والمعتمد على تحديد كمي للرنا المرسال لجين معين بوجود جين شاهد؛ وذلك باستخدام بادئات (مرئسات) primers نوعية لكل من المورثتين وبوجود مسابير موسومة  خاصة. وهكذا، تُحدَّد كمية الرنا المرسال للجين المقيس نسبةً إلى الجين الشاهد بالزمن الحقيقي.

وظهرت في العقد الأخير المصفوفات الدقيقة microarrays وهي تقنية عالية الإنتاج high throughput تُمكِّن من مقايسة التعبير الجيني لعدد كبير جداً من الجينات  قد يصل إلى عدّة آلاف في وقت واحد. يعتمد أحد تنوّعات هذه التقانة على ربط العديد من شُدف الدنا الخاصة بجينات  مختلفة على صفائح زجاجية، وبشكل بقع صِغَريّة micro-spots، ومن ثم تهجينها مع عينات مختلفة وموسومة من الدنا المتمم للرنا المرسال المستخلص أو المكثّر من العيّنة المدروسة، ويلي ذلك إجراء قياس كمي لشدّة الإشارة الصادرة عن جميع الشدف؛ مما يعكس كمية الرنا المرتبطة بالتسلسلات المتمّمة لها، والخاصّة بكل جين منها. وهكذا، يمكن تحديد التعبير الجيني للجينات  المرتبطة بأحد أنواع السرطانات في عينة ما من خلال وسم الرنا المرسال المستخلص من هذه العينة بواسم معين واستخدام رنا عياري (من شخص سليم) موسوم بواسم آخر. ويتبع ذلك تهجين عينتي الرنا المرسال في الوقت نفسه مع الصفيحة المحتوية على شدف الجينات  المقيسة؛ وبحيث ترتبط شدف الرنا الموسوم ارتباطاً تنافسياً مع بقع الدنا. وبعدها يحدد التعبير المورثي التفاضلي differential gene expression لجينات  معينة بعد تحديد كمية الواسمات المرتبطة في كل بقعةٍ على الصفيحة، والتي تمثل إحدى الجينات. فمثلاً في الشكل (3) وُسمت عينتان من الرنا المرسال (عينة عيارية بواسم أخضر وعينة مريض بواسم أحمر). وتمثّل النقاط الحمراء توضع الجينات  ذات التعبير المرتفع في عينة المريض، وتمثّل النقاط الخضراء تلك التي قلَّ التعبير عنها في عينة المريض. وتمثّل النقاط الصفراء الجينات التي لم يختلف التعبير عنها بين عينة المريض والعينة العيارية.

وتجري الآن دراسات تبدلات التعبير الجيني لعدد كبير من الجينات وربط ذلك بأمراض عديدة ومتنوعة كالسرطانات والمتلازمات المختلفة. وأخيراً تجدر الإشارة أن تقنية المصفوفات الدقيقة توسعت حديثاً لتشمل مصفوفات البروتينات protein arrays ومصفوفات النسج tissue arrays  ، حيث تختلف هذه التقنيات بعضها عن بعض بحسب نوع العينة المرتبطة بالصفائح ونوع الكواشف المستخدمة، والتي عادة ما تكون أضداداً موسومةً.

 
الشكل (3): مصفوفة دنا مكروية تبيّن اختلاف التعبير الجيني للجينات  الممثلة على الصفيحة.

التطبيقات الحديثة للاختبارات المناعية والجزيئية

1-       تشخيص العوامل الممرضة pathogen diagnostics

عزّزت الجائحات الحديثة لإنفلونزا الطيور والخنازير والكورونا (كوفيد-19) Coronavirus disease (COVID-19) ضرورة الاهتمام بالتحديد الدقيق والعاجل لأنماط العوامل الممرضة المسببة لها؛ ترتكز الأساليب الحديثة على مقايسات جزيئية  assays molecular ذات دقة وحساسية عاليتين، وأصبحت هذه التقانات مكونات أساسية في برامج ترصد العوامل الممرضة في الإنسان. وتشمل هذه التقانات الجزيئية تفاعل البوليمراز التسلسلي بالنسخ العكسي التقليدي conventional RT-PCR وتفاعل QRT-PCR المذكور آنفاً. 

ولكشف فيروس الإنفلونزا على سبيل المثال تكون البداية بعزل الرنا المرسال للفيروس واستخلاصه متبوعاً بالنسخ العكسي للرنا RNA إلى دنا DNA، ومن ثم تضخيم المادة الوراثية للفيروس باستخدام بادئات نوعية متمّمة للتسلسل النوكليوتيدي لرنا الفيروس بغية الكشف عن وجوده في العينات المختبرة. وهذه التقنيات نوعية جداً؛ مما قد يؤثر سلباً في بعض الأحيان على اكتشاف سلالات طافرة جديدة لفيروس الإنفلونزا بحيث يقل أو حتى ينعدم التطابق بين البادئات المستخدمة ورنا الفيروس الطافر، كما كانت الحال مؤخّراً في بعض سلالات فيروس كورونا وإنفلونزا الطيور. ولتخطي ذلك؛ اعتُمدت حديثاً تقنية تفاعل البوليمراز المتسلسل المتعدد multiplex-PCR، والتي تعتمد -إضافةً إلى ما سبق- على استخدام عدة أنواع من البادئات في أنبوب العينة نفسه المختبرة، ويعتمد تصميم هذه البادئات على ترصيف alignment تتاليات العديد من أنماط فيروس الإنفلونزا التقليدية والطافرة على حدٍ سواء، ومن ثم استنباط التتاليات المشتركة بينها، والتي غالباً ما تمثّل قطعاً من جينات ضرورية حتماً لإتمام دورة حياة أيّ من أنماط الفيروس، ومنها الطافر. وبعد ذلك تصمم بادئات متعددة  بحيث يكون  في بعض مواقعها عدة أسس محتملة degenerate primers تحقق الحد الأدنى من التطابق مع أيٍّ من أنماط الفيروس الموجودة في العينة، وتُستخدم تلك البادئات معاً في تضخيم دنا الفيروس بعد النسخ العكسي لرنا العينة.  

أما فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) Acquired Immunodeficiency Syndrome (AIDS)؛ فقد اعتمدت لكشفه في السابق مقايسات مناعية تعتمد على وجود جسيمات الفيروس viral particles في مصوّرة/بلاسما المرضى. غير أنّ العديد من الأبحاث الحديثة بيّنت وجود طور مستتر لهذا الفيروس يبدأ بعد دمج integration الفيروس مادته الوراثية في دنا الخلية التائية التي يهاجمها، ويكون التعبير عن جسيمات الفيروس أصغرياً في أثناء هذا الطور الذي قد يستمر حتى عشر سنوات. وقد تفشل المقايسات المناعية في أثناء ذلك في الكشف عن الفيروس بسبب محدودية حساسيتها وقلة وجود الفيروس في البلاسما. ولهذا؛ تعدّ المقايسات الجزيئية المعتمدة على تضخيم رنا الفيروس بأحد تنويعات تفاعل الـبوليمراز المتسلسل PCR المذكورة آنفاً الطرائق المثلى وذات المقدار الأكثر حساسيةً للكشف عن الإصابة بفيروس الإيدز.   

أدى انتشار الأعواز المناعية الخلقية والمكتسبة إلى زيادة مطّردة في تواتر الإصابات بالعوامل الممرضة التي تنتهز فرصة غياب الاستجابة المناعية أو نقصها. وهكذا ظهرت حديثاً سلالات من بكتريا السل Mycobacterium tuberculosis مقاومة للأدوية المعيارية لمرض السل. ويستخدم عادة اختبار مناعي اسمه السلّينtest  tuberculin بهدف تشخيص الإصابة بهذا المرض، يعتمد على حقن معقّد من بروتينات بكتريا السل تحت الجلد ومن ثم مراقبة مكان الحقن بعد 48-72 ساعة. تكون نتيجة الاختبار إيجابية عند وجود احمرار شديد في منطقة الحقن، وهي تُفسَّر باستجابة مناعية موضعيّة شديدة لبروتينات السل المحقونة. ويمكن أيضاً الكشف عن وجود جينوم بكتريا السل بتفاعل البوليمراز التقليدي أو بالزمن الحقيقي وباستخدام بادئات خاصة. وظهر حديثاً اختبار عالي الحساسية والنوعية يعتمد على مقايسة تحرر سيتوكين الغاما إنترفيرون  gamma Interferon من الخلايا التائية للمريض بعد تعريضها في الزجاج  in vitro لعدد من بروتينات السل، حيث يزداد تحرر هذا السيتوكين بصورة كبيرة جداً في حال إيجابية الإصابة بالسل. وأخيراً يجري العمل حالياً على تطوير الاختبارات التي تكشف عن تعدد أشكال جينات بكتريا السل، والتي ترتبط بمقاومة الأدوية المتعددة Multi-Drug Resistance (MDR)، وتؤدي إلى إصابات مُعنّدة على المعالجة في العديد من دول العالم المتقدم بعد أن كانت هذه الدّول قد أعلنت سابقاً القضاء على الإصابة بالسل لدى مواطنيها. 

2-تشخيص السرطان cancer diagnostic

إن للمقايسات الحيوية دوراً مهماً جداً في التوصل إلى تشخيص سليم لأنماط السرطان؛ ومن ثمّ اتخاذ القرار العلاجي الملائم. ويعدّ اكتشاف مدى تعقيد السرطانات أحد المعالم الفارقة في حقل بحوث السرطان. فعلى سبيل المثال: ينجم سرطان الثدي - الذي يعدّ السرطان الأكثر شيوعاً لدى الإناث - عن مجموعة من التنشؤات الورمية المتغايرة heterogeneous neoplasms والتي قد تؤدي إلى اختلافٍ جذريٍ في كل من استجابة response مريضات سرطان الثدي للعلاجات وفي إنذار المرض prognosis لديهنّ.

ومن هنا بزغ ما سُمِّي بالطب الفرداني personalized medicine، والذي يُعنى بتطوير أساليب التشخيص والمعالجة بما يتناسب والتكوين الجزيئي molecular makeup للمرض لدى كلّ مريض. وسعياً إلى تحقيق ذلك؛ بدأ إجراء كثير من الدراسات والتجارب السريرية التي تتناول مختلف أنماط السرطانات لمحاولة ربط التكوين الجزيئي لتلك الأنماط المكتشفة عند المرضى مع مدى الاستجابة للعلاج وإنذار المرض. وبالعودة إلى سرطان الثدي؛ فإن استخدام بروتوكولات دوائية مختلفة قد ارتبط حديثاً بنتائج الدراسات الجزيئية والتي صنَّفت المرضى بحسب زيادة التعبير الجيني أو نقصانه للعديد من الجينات المُعَّبر عنها في النسيج السرطاني. فمثلاً؛ تستجيب خلايا الثدي السرطانية المُعبِّرة عن جين مستقبل الإستروجين estrogen receptor للعلاج المساند بالتاموكسيفن، في حين لا تستجيب السرطانات التي لا تعبر عن المستقبل لهذه المقاربة العلاجيّة. ومن جهةٍ أخرى تستجيب خلايا السرطان لدواء تراستوزوماب trastuzumab فقط إذا كانت تُعبِّر عن مستقبل عامل النمو البشري  Human Epidermal growth factor Receptor 2 (HER2)، وبصورة عامة يكون هذا النوع من الخلايا أكثر حساسيةً للعلاج بالعقاقير الكيميائية من الخلايا الأخرى. وهكذا؛ فإن عملاً حثيثاً قد بدأ اليوم لتكوين توقيع جيني gene signature لخلايا النسيج الورمي السرطاني بحيث تستخدم عينة الثدي المستأصلة من الورم للتعريف به جزيئياً وعلى نحو يُمكّن من توقُّع البروتوكول الدوائي الأنجع للتخلص منه وتقييد انتشاره.     

3-التشخيص قبل الولادة Pre-implantation Genetic Diagnosis (PGD)   

تعد الأمراض الوراثية genetic diseases  عبئاً كبيراً على المنظومات الصحية في الدول نظراً لطبيعتها المزمنة وارتفاع تكاليف تدبيرها. لذلك فإن التحدي الأهم يكمن في تطوير أساليب الوقاية منها بما يجنّب وقوع المرض وتحمل عواقبه، ويُعوَّل الكثير في هذا الإطار على تطوير طرائق التشخيص قبل الولادة للحدّ من انتشار تلك الأمراض.

ويجب أن تتمتع هذه الطرائق بالنوعية والحساسية العاليتين بسبب صغر حجم العينات المأخوذة من الأجنة خلال وجودها داخل الرحم. وتعدّ الطرائق الجزيئية المتضمنة الكشف النوعي والكمِّي للأعواز الجينية -كالطفرات والتشوهات الصبغية- السبيل الأمثل والأكثر ملاءمة لتشخيص العديد من الأمراض الوراثية مثل التلاسيميا والناعور والتليف الكيسي والحثل العضلي والأعواز المناعية الخَلقية.     

4-التوافق النسيجي Histocompatibility

غدا نقل الأعضاء ممارسات شائعةً في تدبير عددٍ من الأمراض المزمنة، ولا سيما أمراض الكلية وسرطانات الدم وبعض أمراض الدم الوراثية. ويعدّ إمكان رفض جسم المتلقي للعضو أو النسيج أو الخلايا المنقولة - نتيجة عدم التوافق النسيجي بين المعطي donor والمتلقي recipient - المشكلة الكبرى للسريريين لدى نقل الأعضاء؛ مما ينجم عنه تحريض جملة مناعة المتلقي ضد العضو/النسيج المنقول وتدميره خلال زمن قصير.

 وإن المسؤول عن الرفض النسيجي هو بالدرجة الأولى بروتينات تتمركز على سطوح الخلايا، وتنشِّط مناعة المريض المتلقي، ومن أهمها مستضدات الكريات البيض البشرية Human Leukocyte Antigens (HLA) الموجودة على سطوح جميع خلايا الجسم المُنوَّاة، لاسيما الخلايا المقدّمة للمستضد Antigen Presenting Cells (APC). ولهذا، يقوم الطبيب السريري ببحث دؤوب لإيجاد شخص معطٍ ممن تكون بروتينات HLA لديه متوافقة قدر الإمكان مع بروتينات المستقبل، بحيث تتحمَّلها مناعة هذا الأخير، ولا تتسبب برد فعل مناعي التهابي قد ينتهي برفض النسيج المنقول.

 ويحدد نمط الـ HLA النسيجي عبر مقايسات مناعية تعتمد مبدأ حلّ الكريات البيض التي  تعبّر عن بروتين HLA معيّن بوجود مصل مضاد لهذا البروتين؛ إضافةً إلى البروتينات المتممة. وهكذا يمكن استخدام أمصال مضادة لجميع أنواع بروتينات HLA وتحديد أيها يسبّب حل الكريات المختبرة؛ ومن ثم تحديد نمط HLA في عينة الشخص المعطي والمتلقي على حدٍ سواء، وتحديد التوافق النسيجي بينهما. وحديثاً استخدمت الطرائق الجزيئية المعتمدة على تفاعل البوليمراز بعد اكتشاف وجود تعدد شكلي polymorphism كبير في جينات  بروتينات الـ HLA خاصةً؛ مما حتّم استعمال تقانات تسمح بالكشف عن مدى التعقيد في التكوين المورثي لكل من المُعطي والمتلقي. وتجري في بعض الحالات المعقدة سَلسَلة sequencing لكامل جينات بروتينات الـ HLA للتأكد من درجة التوافق النسيجي.

أما فيما يخص نقل كريات الدم الحمراء؛ فقد دلّت البحوث الحديثة على وجود ما يقارب الـ 300 مستضد نوعي في هذه الخلايا مختلفة عن بروتينات الزمر الدموية الشائعة A وB وO(H) والعامل الريسوسي Rhesus Factor (Rh)؛ مما يحتم إيجاد طرائق أكثر تعقيداً من تفاعلات التراص المناعي hemagglutination المستخدمة حالياً لتحديد التوافق الكلي في الدم بين المُعطي والمُستقبل، ولا سيما في حالات نقل الدم المتكرر. وهنا أيضاً يأتي دور التقانات الجزيئية المعتمدة على تفاعل البوليمراز أو مصفوفات الدنا المكروية، وذلك باستخدام بادئات أو مسابر probes  نوعية لتلك المورثات؛ على الترتيب.

5 - الإرقاء (التخثر) hemostasis (coagulation)

تعد عملية الإرقاء واحدة من أهم الآليات الحيوية في جسم الإنسان، ويؤدي اختلالها إلى عواقب مَرَضِيَّة خطرة قد تنتهي بالموت، سواء ترافق ذلك مع نزف شديد أم مع تشكل خثرات كبيرة تؤدي إلى انقطاع تروية بعض النسج كالقلب والدماغ واحتشائها.

وأسّس الطبيب الألماني رودلف فيرشوف Rudolf Virchow (1821-1902) ثالوثه المشهور Virchow’s triad، والذي يتضمّن ثلاثة عوامل رئيسة تتداخل في آلية التخثر، هي طبيعة الجدار الوعائي، وسرعة جريان الدم، ومكونات الدم المختلفة كعوامل التخثر والصفيحات وعوامل حل الخثرات. وهناك سعيٌ حثيث إلى اختبار كل من هذه المكوّنات الثلاثة لتقدير عمل جملة التخثر داخل الجسم.

ويمكن للعديد من الاختبارات في الزجاج أن تكشف الخلل في عملية الإرقاء؛ بحيث يدل مثلاً قصر زمن البروثرومبين Prothrombin Time (PT) أو زمن تنشيط وقت تجلط الدم الجزئي activated Partial Thromboplastin Time (aPTT) أو تطاولهما على التأهب لحدوث خثرات أو نزوف في الجسم؛ على الترتيب. وإضافةً إلى ذلك يمكن تحريض التخثر في الزجاج باستخدام بلاسما نزع منها عامل التخثر الثامن Factor VIII لتقدير الفعالية المتبقية للعامل الثامن في مصل مريض الناعور (أ) Hemophilia A، ومن ثم تقدير مدى العَوَز في عملية التخثر لدى المريض والمترافق مع كمون لنزوف تلقائية متعددة. ويمكن ذكر اختبار تكدس الصفيحات aggregation test platelet كأحد اختبارات التخثر الشائعة، ويقيس هذا الاختبار مدى استجابة الصفيحات لعوامل منشِّطة مختلفة؛ ومن ثم قابلية تكدس صفيحات المريض داخل الأوعية الدموية وتشكيل خثرات thrombi أو صُمّات emboli قد تكون خطرة.

وجرى حديثاً اعتماد اختبارات شاملة مثل اختبار تَولُّد الثرومبين thrombin generation test، الذي يقيس الكمون لتوليد الثرومبين في العينة المختبرة بوجود الصفيحات أو غيابها. كما شاع استخدام التخطيط الخثري المرن thromboelastography في غرف العمليات الجراحية لقياس التخثر في عينة الدم الكلي whole blood؛ نظراً لقدرته على اختبار العديد من العوامل المتداخلة في تشكيل الخثرة. ومن جهةٍ أخرى دلّت الأبحاث المجراة في السنوات الماضية على وجود مكوّن إضافي مهم في عملية التخثر، هو الجسيمات الصغرية micro-particles، وهي حويصلات مكروية تنفصل عن الغلاف البلاسمي للصفيحات والبالعات الكبيرة والخلايا البطانية. وتتحرر هذه الجسيمات عند موقع الخثرة، وتشارك بتشكيلها على نحو فعّال من طريق العوامل المختلفة التي تحملها؛ إضافةً إلى توفيرها السطح المناسب لتفعيل آلية التخثر، ويمكن كشف هذه الجسيمات نوعياً وكمياً بالجريان الخلوي اعتماداً على حجمها الصغير وعلى استخدام أضداد مفلورة ترتبط بعوامل التخثر التي تتكون على سطحها.  

وأخيراً ظهر العديد من الاختبارات الجزيئية المعتمدة على الدنا لتحديد الطفرات أو تعدد الأشكال في جينات عوامل التخثر، حيث دلّت الأبحاث الحديثة على ارتباط تلك التغيرات الجينية بعَوز أو زيادة في عملية التخثر؛ مما قد يشير إلى العواقب السريرية المتوقعة، أو يُنبِّئ بمدى استجابة المريض الفردانية للمعالجة. فمثلاً؛ تترافق طفرة العامل الخامس لايدن factor V Leiden وطفرات عدّة في البروثرومبين prothrombin مع زيادة القابلية للتخثر، في حين تترافق بعض الطفرات في المعقد البروتيني 1b-IX-V وحدوث متلازمة برنارد سولييه Bernard Soulier syndrome المترافقة مع نزوفات شديدة.

مراجع للاستزادة:

- G. Arrabito et al., Dna Nanotechnology For Bioanalysis: From Hybrid Dna Nanostructures To Functional Devices, World Scientific Publishing Europe Ltd 2017.

- Genomic Applications in Pathology, Germany, Springer International Publishing, 2018.

- S. Müller, Th. Bley, High Resolution Microbial Single Cell Analytics (Advances in Biochemical Engineering), Springer 2011.


التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية
النوع : الوراثة والتقانات الحيوية
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58491450
اليوم : 63964

أثر زيمان

إِبيروس   مقاطعة في شمال غربي اليونان تجاور كلاً من تسالية ومقدونية وتراقية وتفصلها عن تسالية سلسلة جبال البندوس الكلسية التي تمتد من الشمال الغربي إِلى الجنوب الشرقي, وتدعى في اليونانية إِبيروس Epiros ومنها اسمها بالإِنكليزية Epirus وبالفرنسية Epire ويذكر هوميروس أن اسمها يعني «الأرض الصلبة» وهي تتصل بجنوبي ألبانية. وتغطي سلاسل الجبال الكلسية الضخمة التي قد ترتفع إِلى 2600م جزءاً كبيراً من سطحها, وتخترقها الوديان الضيقة العميقة الجميلة. بينما تمتد السهول الفسيحة والمروج في المنطقة الشمالية.
المزيد »