logo

logo

logo

logo

logo

إنسان نياندرتال

انسان نياندرتال

Neandertal man - Homme de Neandertal

إنسان نياندرتال

بشير الزالق

صفاته وعاداته

انقراض إنسان نياندرتال

 

نوع من البشر أخذ اسمه من المنطقة التي وُجد فيها أول مرة في وادي نياندر Neander قرب دوسلدورف في ألمانيا. ثم وُجد بعدها في غربي فرنسا وشرقي إسبانيا وإيطاليا وشمالي إفريقيا وفلسطين. لهذا الإنسان مشية منتصبة، قليل الانحناء، نتيجة السير على طرفين محرر اليدين، مرن الأصابع، اشتركت يده في وظائف جديدة أكثر ارتباطاً بمركز التفكير في الدماغ. إنه إنسان صانعٌ مبتكِر، صنع الأسلحة والأدوات الحجرية، عرف بقوته الجسدية ومهارته بصيد الحيوانات الضخمة، وبمعتقدات روحية وممارسة شعائر دينية (الشكل 1).

الشكل (1): شكل إنسان نياندرتال وعائلة نياندرتالية كما يتصورها الباحثون

كان ظهوره على الأرض قبل نحو 200,000 سنة خلت في ألمانيا، ثم انتشر في مناطق أخرى من أوربا، ووصل إلى شمالي إفريقيا حتى وصل إلى فلسطين والشرق الأوسط (النياندرتال المشرقي).

تحدر إنسان نياندرتال من سلفه الإنسان المنتصب Homo erectus الذي كان قد ظهر منذ نحو 1,5 مليون سنة، علماً أنه لاتوجد علاقة تطورية بين إنسان نياندرتال والإنسان العاقل Homo Sapiens، بل تطور الأخيران من أصل مشترك هو الإنسان المنتصب، فالإنسان العاقل ظهر في إفريقيا ثم هاجر إلى الشرق الأوسط في مرحلة مبكرة تعود لنحو 100,000 سنة خلت قبل أن ينتقل إلى أوربا في وقت متأخر جداً، أي يعود إلى نحو 35,000 سنة.
أما إنسان نياندرتال فقد ظهر في أوربا، ومنها- في مرحلة لاحقة- أتى إلى الشرق الأوسط.

حصل تعاصر وتعايش بين نوعي الإنسان العاقل وإنسان نياندرتال في منطقة الشرق الأوسط، والحقيقة أن إنسان نياندرتال لم يكن أصلاً للإنسان العاقل، بل كانا فرعين تطوريين من الإنسان المنتصب، لكن نياندرتال انقرض في حين تابع العاقل طريقه التطوري.

صفاته وعاداته:

إنسان نياندرتال ضخم الجثة، قصير القامة، كانت السعة القحفية عنده تساوي أو تفوق الإنسان الحديث، وقد راوحت بين 1200-1690 سم3، بمتوسط يقدر ﺒ 1500 سم3 مقابل حجم الدماغ للإنسان الحديث 1350 سم3 (الشكل 2) .

جمجمة إنسان نياندرتال  صورة طفل نياندرتال 

الشكل (2)

لأسنانه مظهر إنساني، ولكن قياسها أكبر، فهي عالية التاج وتتكون من قواطع عريضة متسعة السطوح، وأنياب كانت أصغر من أنياب إنسان جاوا (الإنسان المنتصب). وجهه مسطح وأقل بروزاً إلى الأمام، حواجبه أخف غلاظة من سلفه، وجمجمته أكثر تدويراً وجبهته أقل تراجعاً نحو الخلف، وله ذقن واضح. وقد عثر في جبل الكرمل في فلسطين على جماجم نياندرتال ذات صفات شبيهة بالإنسان الحالي. وكان هذا النياندرتال المشرقي يصنع أدوات حجرية أكثر دقة وأكثر تطوراً من أدوات إنسان نياندرتال الأوربي.

كان نياندرتال يقف على طرفين منثنيين بعض الشيء، وكان يستطيع الجري والرمي، ويخرج بشكل جماعي لصيد الحيوانات المتوحشة الكبيرة وصنع الفراء. كان النياندرتاليون يعيشون حياة اجتماعية، وانتشروا انتشاراً واسعاً في مناطق جديدة وباردة في نصف الكرة الشمالي لم تُسكَن من قبل، فوصلوا حتى سيبريا بعد أن أتقنوا صناعة الجلود وارتدوها. واستغلوا المغاور والملاجئ الطبيعية على أكمل وجه، فقاموا بتكييفها وإعادة تنظيمها وتقسيمها إلى مصاطب وأقاموا الجدران فيها ووَسَّعوا مداخلها وضَيَّقوها بحسب الحاجة. وطوروا الاستفادة من النار التي عرفوا كيف يوقدونها بطرائق مختلفة ومتى، كالقدح والحك، متحررين بذلك من الاعتماد على النار الطبيعية. وقد عُثِرَ على العديد من المواقد المنتظمة في المواقع التي أقاموا فيها (الشكل 3).

الشكل (3): إشعال النار وصنع الرماح أدوات للصيد لدى النياندرتال

كان نياندرتال صياداً ماهراً، فقد قتل حيوانات قوية وخطرة كالماموت ووحيد القرن، مستفيداً من لحمها وجلدها وعظمها. كما ابتكر أسلحة حجرية (الشكل4) وطرائقَ صُنعٍ جديدة، فاستخدم لأول مرة الأحجار الصوانية (النوى) المحضرة تحضيراً جيداً ليصنع منها مختلف أنواع المقاحف والسكاكين والمخارز التي تنسب إلى ما يسمى بالحضارة الفلوازية - الموسترية.

 

الشكل (4): إنسان نياندرتال يقوم بصنع بعض الأدوات الحجرية ونماذج منها

وقد صنع إنسان نياندرتال الأدوات المركبة ذات القبضات الخشبية أو العظمية، والنصلة الحجرية الحادة، والأدوات الخشبية والعظمية الخاصة. وكان أول من مارس المعتقدات الروحية والشعائر الدينية التي كرست إنسانيته، فهو لم يترك موتاه تنهشهم الوحوش والطيور الجارحة، بل اهتم بهم ودفنهم بعناية، فقد عثر على قبور نياندرتالية ضمن المغاور والملاجئ أو في المواقع المكشوفة في العديد من المناطق كفلسطين والعراق وفرنسا وروسيا، وكان معظمها قبوراً فردية وأحياناً جماعية، وُضعت فيها الجثث منثنية أو على جانبها (الشكل 5) أو مقلوبة، وطُلِيَت بالألوان وزُوِّدَت بالأسلحة والأدوات والأطعمة وغيرها، ما يدل على أن إنسان نياندرتال كان إنساناً عميق المشاعر. لقد تأثر بالموت واتخذ منه موقفاً محدداً واعتقد أن هذا الموت لا ينهي حياة إخوانه وأفراد أسرته فزودهم بكل ما يحتاجون إليه.

 

الشكل (5): طريقة دفن الموتى لدى إنسان نياندرتال

أضيف إلى الاهتمامات الروحية لإنسان النياندرتال عبادة الدب، ففي مغاور مرتفعة في جبال الألب في سويسرا، أو بافاريا، عُثِرَ على اكتشافات غريبة. فالأجزاء الغربية من مغارة دراخن لوخ Drachenloch احتوت على طمائر عظام طويلة لدب المغاور، موضوعة في صناديق حجرية، احتوى أحدها سبع جماجم دببة، كما وُضِعَت جماجم أخرى على بلاطات حجرية على امتداد الجدران وفي الأعشاش الطبيعية للمغارة. وهناك جمجمة صغيرة وُضِعت فوق عظمين طويلين يعودان لدب كبير، وهناك أيضاً عظم فخذ لدب صغير وضع مع جمجمته. ويعتقد بعضهم أن الأمر يتعلق بممارسات جنائزية ذات صلة بعبادة الدب، كما تفعل شعوب الآينوس Aïnous الحالية (في شمالي اليابان).

انقراض إنسان نياندرتال:

إن موضوع انقراض نياندرتال غاية في التعقيد ولا سيما أن المكتشفات قليلة والطروحات نظرية، سواء حول تطور النياندرتال أم انقراضه، وهي أكثر مما يحمله الواقع العلمي. ففيما يتعلق بالانقراض ليس من دليل قاطع على سببه، هل هو تغير مناخي مدمر أطاح بهذا الإنسان؟ أو كوارث طبيعية؟ أو أوبئة شاملة أو مذابح جماعية مسحته عن وجه الأرض؟

ومهما يكن السبب فهناك من يقول إن النياندرتال الفلسطيني هو الذي انتقل فيزيولوجياً وحضارياً نحو الإنسان العاقل الجد المباشر للإنسان الحالي صانع الحضارة بمعناها الشامل. لكن هناك من يرفض هذه النظرية، ويصعب عليه أن يكون أصله من المشرق العربي القديم، على الرغم من الدراسات والمكتشفات الجديدة التي أتت من فلسطين أو من إفريقيا. فقد أعيد تأريخ الهياكل العظمية التي وُجِدَت في السهول وفي جبل قفزة في فلسطين، ووجد أنها تعود إلى نحو 100,000 سنة خلت، ونُسِبَت إلى نوع قديم من الإنسان العاقل القديم الذي يُعتَقَد أنه من أصل إفريقي سبق ظهور إنسان كرومانيون بنحو 60,000 سنة، وتشير إلى وجود إنسان النياندرتال في أوربا في حقبة تعود إلى نحو 250,000 سنة خلت.

مراجع للاستزادة:

- بشير الزالق، التطور ونشأة الحياة على الأرض، منشورات جامعة دمشق، 1987.

- أور فرنسيس، حضارات العصر الحجري القديم، تعريب سلطان محيسن، مطابع ألف باء- الأديب، دمشق 1989.

- سلطان محيسن، عصور ما قبل التاريخ، منشورات جامعة دمشق، 2004


التصنيف : التطور
النوع : التطور
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1053
الكل : 58492145
اليوم : 64659

آثار الحقول المغناطيسية والكهربايئة في الخطوط الطيفية

 تتأثر أطياف الذرات أو الجزيئات المصدرة للضوء أو التي تمتصه بالحقول الكهربائية أو المغنطيسية المطبقة عليها، فتنزاح الخطوط الطيفية عن مواقعها التي كانت عليها قبل تطبيق الحقول، أو تنفصم لتظهر خطوط طيفية جديدة وفق أنواع الذرات أو الجزيئات وشدة الحقول المطبقة، وتسمى هذه الانزياحات...

المزيد »