logo

logo

logo

logo

logo

احتراق الوقود في سرير مميع

احتراق وقود في سرير مميع

Fluidized-bed combustion - Combustion à lit fluidisé

احتراق الوقود في سرير مميع

محمد سمير الفقير 

منظومات احتراق الوقود في سرير مميع 

الفوائد البيئية لاستخدام منظومات حرق الوقود في سرير مميع باسترجاع الطاقة من النفايات 

 

يعرف أكثر الناس بالفطرة والخبرة اليومية معظم العوامل المؤثرة في فعالية حرق جسم صلب، فيقومون بتهوية الفحم المحترق لزيادة وصول الهواء (الأكسجين)، ويستخدم الحداد الكير bellows ليدفع الهواء من أسفل الفحم لزيادة فاعلية احتراقه، ويرفع درجة حرارة الجمر المحترق.

الشكل (1) مرجل يعمل بحرق مسحوق الفحم الحجري
 
الشكل (2) مرجل السرير الفقاعي المميع
 
الشكل (3) العمليات الكيميائية المحفزة في السرير المميع الدوامي
 
الشكل (4) مخطط الجيل الأول لدورة عنفة غازية لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام احتراق الوقود فس سرير مميع مضغوط ودوامي
 (CBFP
)

في 16 كانون الأول/ديسمبر من عام 1921 توصل فريتز ونكلر Fritz Winkler من ألمانيا إلى ابتكار جديد في تاريخ صناعات الطاقة والقدرة؛ عندما أدخل نواتج الاحتراق من أسفل بوتقة تحتوي على جسيمات فحم الكوك؛ مولِّداً بذلك نموذجاً يساعد على تغويز gasification فحم الكوك (أي تحويله إلى غاز)، وهو ما يسمى اليوم بالسرير أو القعر المميع fluidized bed . وكلمة مميع هنا مشتقة من كلمة مائع  fluid، وتعني جسماً ليس له شكل ثابت، ويمكن أن يكون غازاً أو سائلاً. وقد لاحظ ونكلر أن كتلة الجسيمات الصلبة التي تركت تتسحب وتتحرك تحت تأثير تدفق الغازات من خلالها مباشرة تبدو وكأنها سائل بحالة غليان. وقد أدت هذه التجربة إلى البدء باستخدام عملية جديدة في الاحتراق تسمى التمييع fluidization، أو فن جعل كتلة من الجسيمات الصلبة تبدو وكأنها سائل يغلي. تُستخدم هذه التقنية عندما تكون أَسِرَّة المواد الصلبة فيها على تماس مع جريان الموائع الصاعدة. وفي هذه الشروط؛ يبقى الضغط الخفيف عبر السرير ثابتاً مهما كانت سرعة تدفق المائع. وقد أمكن استخدام هذه العملية لرفع فاعلية تغويز الجسم والاحتراق والتحكم فيهما. وقد تمكن ونكلر من صنع أجهزة تغويز ذات سرير مميع يصل قطرها إلى 12 متراً مربعاً، ويبين الشكل (1) مرجلاً يعمل بحرق مسحوق الفحم الحجري  pulverized coal (PC) استُخدم عام 1911. وظل يُستخدم حتى ظهور مراجل السرير الفقاعي المميع  BFB boilers المبينة في الشكلين (1و2).

وقد استخدمت فيما بعد الصناعات البتروكيميائية عمليات السرير المميع الدوامي  circulating fluidized bed process (FBC) (الشكل 3)، ولاسيما في حالات التكسير المائع المحفِّز لمعالجة الأجسام الصلبة بسرعات عالية جداً.

ولكي يكون الاحتراق كاملاً عند حرق الوقود في الهواء؛ يجب توفير كمية كافية من الهواء وفقاً للمعادلات الكيميائية الموافقة لعملية الاحتراق. ويُسمى المزيج المثالي بين الهواء اللازم والوقود المحترق مزيجاً مركّباً متكافئاً أو قياسياً (ستويكيومتري)  stoichiometric mixture، أي إن نسبة الهواء إلى الوقود المحترق موافقة تماماً للاحتراق الكامل. وتحكم عمليات احتراق الوقود مع تدفق الغازات عموماً مجموعة من المعادلات الرياضية تؤثر في ميزان الطاقة والكتلة، ويمكن بوساطتها التوصل إلى قيمة معدل الاحتراق، وتحديد فعاليته. وتشمل تلك المعادلات مجموعة تتحكم في انتشار المواد والنقل الحراري بالإشعاع والحمل وانتقال الكتلة  mass transfer في الأوساط المشاركة في عملية الاحتراق، والعوامل المؤثرة التي تتحكم في سرعة تفاعلات الاحتراق، مثل الضغط ودرجات الحرارة (درجة حرارة السطح، درجة حرارة اللهب)، وسرعة تدفق الغازات والطبيعة الإعصارية أو الرقائقية للمجرى الغازي. ويحكم معدل الاحتراق عادةً المراحل الأقل سرعة في ظاهرة الاحتراق؛ إذ يكون معدل الاحتراق في السرعات المنخفضة لتدفق المواد محكوماً بسرعة انتشارها. أما في السرعات العالية لتدفق المواد، فإنه يكون محكوماً بسرعات التفاعلات الكيميائية التي تتأثر بقيم الضغط المطبَّق. ومن ثَمَّ يمكن تنشيط ظاهرة احتراق الوقود والتحكم فيها من خلال بعض العوامل المذكورة.

بدأت عمليات تطوير أجهزة الحرق في السرير المميع منذ عام 1950 بهدف تحسين الاحتراق بموثوقية عالية واقتصادية مع تجنب انطلاق ثنائي أكسيد الكبريت SO2، حيث يمكن أن يكون التماس بين الوقود والهواء فعالاً نتيجة الحالة المميعة الإعصارية  fluidized turbulent state التي تسهم بتحفيز النقل الحراري والكتلي في أثناء الاحتراق. كما تسهم بتقليص زمن التفاعل وحجم المنشأة اللازمة والطاقة المستهلكة. ويسمح احتراق الوقود في سرير مميع بحرق الوقود بدرجات حرارة منخفضة وبفعالية احتراق عالية.

منظومات احتراق الوقود في سرير مميع 

يمكن تعريف احتراق الوقود في سرير مميع fluidized bed combustion (FBC) على أنه إنتاج الحرارة بحرق الوقود الصلب معلقاً (متطايراً) في الحيز المشتعل بفضل حركة الغاز أو تيار الهواء الصاعد.

وهي تقانة حرق تُستخدم في منشآت الطاقة؛ إذ يتألف السرير المميع من وقود صلب مجزأ إلى أجزاء صغيرة بما يكفي لتتطاير في الهواء تحت تأثير اندفاع تيارات الهواء الصاعدة من الأسفل خلال عملية الاحتراق. وبنتيجة ذلك تحصل عملية مزج إعصاريturbulent mixing   بين الغاز والوقود الصلب، فتتحرك الأجزاء الصلبة تحت تأثير تيار الهواء وكأنها سائل في حالة غليان، وهذا يؤدي إلى زيادة فاعلية التفاعلات الكيميائية المرافقة لظاهرة الاحتراق وزيادة فاعلية النقل الحراري heat transfer. ويمكن لغلايات السرير المميع أن تعمل باستخدام أنواع مختلفة من الأجسام الصلبة القابلة للاحتراق؛ بما في ذلك الفحم الحجري والخشب والنفايات الصلبة واللدائن (البلاستيك). وقد أصبحت هذه الطريقة من الطرائق الواعدة في حرق الفحم الحجري والنفايات الصلبة حرقاً نظيفاً وفعالاً لاستعادة الطاقة منها. ولمنع الغازات الكبريتية من الانطلاق عند حرق الفحم الحجري؛ يُخلط الفحم المسحوق بالحجر الكلسي، ويُحرق الخليط فوق وسادة من الهواء. ويمكن للحجر الكلسي أن يمتص في هذه الطريقة نحو 90 - 95 % من ثنائي أكسيد الكبريت الناتج، كما يمكن لمثل هذه الغلايات أن تحرق الوقود بدرجات حرارة (750-900 ْس) تقل عن درجات حرارة تشكل أكسيد الآزوت من آزوت الهواء، فتحول دون انطلاق هذه الأكاسيد. ومن ثَمَّ يعوق ذلك تشكل هذه الأكاسيد، وتغدو نواتج الاحتراق بالنتيجة نظيفة (احتراق كامل)، وهذا ما يسمح بتجنب تلويث البيئة. ويشار هنا إلى إمكان استخدام حجر الدولوميت  dolomite لامتصاص ثنائي أكسيد الكربون، وهو حجر يضم تركيبه مزيجاً من كربونات الكلسيوم والمغنزيوم  CaMg(CO3)2. ونتيجة لتفاعل أكسيد الكلسيوم مع الكبريت؛ يمكن الحصول على كبريتات الكلسيوم القابلة للفصل كجسم صلب والاستفادة منها تجارياً.

إلى جانب نظامي السرير المميع الفقاعي والدوّامي تصنف مفاعلات احتراق الوقود في سرير مميع في مجموعتين رئيسيتين: المجموعة الأولى تعمل في شروط الضغط الجوي، ويُرمز لها بالحروف  FBC، وتعمل المجموعة الثانية في شروط ضغط مرتفعة، وتُسمى الاحتراق بالسرير المميع المضغوط  pressured fluidized bed combustion (PFBC) .

تعمل المنظومات المضغوطة تحت ضغط مرتفع عادةً، وتنتج غازات مضغوطة بدرجات حرارة مناسبة. ويسمح ذلك بالحصول على طاقة حركية تُستخدم في تدوير عنفة غازية gas turbine لتشغيل مولدة الطاقة الكهربائية. ويبين الشكل (4 ) المخطط العام للجيل الأول من المنظومة. ويمكن إذاً الاستفادة من احتراق الوقود في سرير مميع مضغوط ودوّامي في اتجاهين: الأول لتوليد الكهرباء بالطاقة الحركية، والثاني لاستثمار الطاقة الحرارية الناجمة عن الاحتراق في مبادلات حرارية.

وفي النموذج المتقدم من الجيل الأول - أي الجيل الثاني  (APFB) advanced second generation - تضاف مرحلة متقدمة لمعالجة الفحم الحجري، وهي جهاز كربنة مضغوط pressurized carbonizer يحوله إلى خليط من فحم وغازات قابلة للاحتراق. ومن ثَمَّ يمكن إدخال الخليط إلى سرير الاحتراق المميع بدلاً من الفحم الحجري، وهذا ما يزيد من فعالية الاحتراق وإنتاج غازات مناسبة لإدارة عنفة غازية (الشكل 4).

الفوائد البيئية لاستخدام منظومات حرق الوقود في سرير مميع باسترجاع الطاقة من النفايات 

تتميز مفاعلات حرق الوقود في سرير مميع بإيجاد الشروط التي تسمح بتغويز الوقود الصلب في أثناء الاحتراق، وبالآلية التي تجعل عملية الحرق فعالة وعالية الكفاءة؛ لتقود إلى الاحتراق الكامل. ويسمح ذلك باستخدام هذه التفاعلات مع أنواع متعددة من الوقود، بما في ذلك الفحم الحجري الرديء المحتوي على كميات كبيرة من الكبريت، وكذلك النفايات الصلبة والسائلة والغازية القابلة للاحتراق. وقد أمكن في الواقع استخدام منظومات حرق الوقود في سرير مميع لحرق نفايات ذات طيف واسع لتراكيبها الكيميائية وخواصها الفيزيائية. وأمكن تطبيق هذه العمليات على منظومات مدمجة لتوليد الطاقة الكهربائية من النفايات بالاستفادة من الطاقة الحرارية والكهربائية معاً cogeneration. ويُشار هنا إلى أن لحراقات الوقود في سرير مميع القدرة على حرق نفايات waste ذات محتوى عالٍ من الرطوبة.

وقد تمكنت مؤسسة مركز البيئة الشامل Global Environment Centre Foundation في اليابان من إنشاء حراق للنفايات incinerator (الشكل 5)، يحرق النفايات في سرير مميع بدوامة داخلية internal circulation incinerator وقادر على توليد الطاقة بفاعلية عالية.

 
 الشكل (6) مرمدة النفايات الأمريكية
EPI
باستخدام السرير المميع بتصميم يمكن من سحب المخلفات الغير قابلة للاحتراق على نحو مستمر من الأسفل   
  الشكل (5) حراق نفايات يعمل بسرير مميع ذي دوران داخلي

جرى تطوير هذا الحراق نتيجة أعمال البحث والتطوير على المستوى الوطني في اليابان، إذ تمكنت منشأة كاواساكي للمنظومات الصناعية Kawasaki Plant Systems من تطوير طريقة مناسبة لحرق النفايات حرقاً فعالاً وسليماً بيئياً، ويتطلب رفع فعالية توليد الطاقة بهذه الطريقة بلوغ قيم مناسبة لدرجة الحرارة وضغط البخار في مدخل العنفة. وبهذه الطريقة تُفصل خلايا احتراق النفايات في سرير مميع عن خلايا التبادل الحراري، وتُدخل النفايات إلى حجرة الاحتراق لحرقها وترميدها بحركة الهواء. أما سرعة الهواء المتحرك في خلايا امتصاص الحرارة فهي أقل من سـرعة الهواء في خلايا الاحتراق، وهذا ما يؤدي إلى  تحريض الوسـط المائع fluidizing media لحركة داخلية في الحراق. ويستفاد من الحرارة المنتقلة من الوسط الدوّام (الرمل) برفع درجة الحرارة في أنابيب المرجل boiler tubes وفي خـلية امتصاص الحرارة؛ مولدة بذلك قيماً عـالـيـة لـدرجة الحرارة والضغط تبلغ O500س، وMPa 8.1 ، عند حرق الوقود المشتق من نفايات القمامة  refuse-derived fuel. وقد تمكنت شركة أيداهو لمنتجات الطاقة  Energy Products of Idaho (EPIبالولايات المتحدة الأمريكية من تصنيع عدد من محارق النفايات وتطويرها باستخدام مراجل السرير المميع، ومنها نموذج يسمح بسحب مخلفات الاحتراق الصلبة غير القابلة للاحتراق، أي المواد الخاملة inert material، كالأسلاك المعدنية والرماد والزجاج والأتربة من أسفل المفاعل (الشكل 6) بشكل مستمر من دون الحاجة إلى إيقاف الحراق. يسمح ذلك بالوصول إلى إمكان حرق طيف واسع جداً من أنواع النفايات، بما فيها الوقود المشتق من نفايات إطارات السيارات  tire derived fuel (TDF) التي يصعب عملياً حرقها في الكثير من المحارق الأخرى بفاعلية كافية، وكذلك الوقود المشتق من نفايات القمامة RDF. كما يمكن التوصل إلى استخدام نفايات صلبة أو سائلة تراوح رطوبتها بين 5 % و 65 %، وبنسبة مخلفات من الرماد تصل إلى 50 %. ويعني ذلك قبول معظم النفايات للحرق واسترجاع الطاقة منها استرجاعاً سليماً وآمناً بيئياً.

مراجع للاستزادة:

- P. Basu, Combustion And Gasification In Fluidized Beds,Crc Press Taylor & Francis Group, 2006.

- F. El-Mahallawy And S. El-Din Habik, Fundamentals And Technology Of Combustion, Cairo University, Egypt, Elsevier Science Ltd, Oxford, Uk, 2002.

Fluidized-Bed Combustion Program, http://www.netl.doe.gov/technologies/coalpower/combustion/FBC/fbc-overview.html.


التصنيف :
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 310
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1056
الكل : 58492493
اليوم : 65007

البستنة في الدفيئات

التنوير (عصر ـ)   التنوير enlightment اتجاه ثقافي ساد أوربة الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير طبقة من المثقفين والمفكرين، عُرفوا باسم الفلاسفة philosophers، وكانوا صحفيين وكتاباً ونقاداً ورواد صالونات أدبية أمثال فولتير، ديدرو، كوندورسيه، هولباخ، بيكاريه، ولكن هؤلاء المفكرين أخذوا عن الفلاسفة العقليين ديكارت واسبينوزا وليبتنز ولوك الذين طبعوا القرنين السابع عشر والثامن عشر بطابعهم الثقافي حتى أُطلق على هذه الفترة عصر العقل age of reason، وكان التنوير نتاجه.
المزيد »