logo

logo

logo

logo

logo

الإنسان العاقل

انسان عاقل

Homo sapiens - Homo sapiens

الإنسان العاقل

بشير الزالق

أصل الإنسان العاقل

صفات الإنسان العاقل

حضارته  

 

أصل الإنسان العاقل

تُوِّجَ الدور الجيولوجي الرابع بظهور الإنسان، بِدأً من سلف قديم عرف باسم رامابيثيكوس Ramapithecus الذي يرجع وجوده على الأرض إلى أكثر من مليوني سنة، ثم تلاه السلف الثاني المتحدر من الأول هو الأسترالوبيثيكوس Australopithecus. وقد كونت هذه الكائنات مجموعة كبيرة من الأشكال الراقية من رتبة الرئيسيات Primata، أُطلِق عليها اسم أشباه البشر Hominoida التي كانت تختلف عن قردة العالم القديم.

كانت صفات الأسترالوبتيكوس أقرب إلى المظهر الإنساني، واكتشفت مستحاثاته في إفريقيا عام 1924 في منطقتي ترانسفال Transvaal وألدوفيه Olduvai وفي الحبشة (إثيوبيا). ثم تعدد اكتشاف جماجم عدة وأجزاء أخرى من الهيكل العظمي مثل عظام الحوض. والحقيقة أن الصفات التي كانت تحملها بقايا أشباه البشر قريبة من صفات البشر، مثل الأسنان التي تشبه أسنان البشر (الأنياب القصيرة وشبه المستقيمة)، مع الوجه البارز للأمام، وزيادة حجم الدماغ. لقد كان الأسترالوبيثيكوس الكائن الوحيد من الرئيسيات الذي كان يمشي منتصب القامة على قدمين مع انحناء قليل، فهو غير كامل المشية المنتصبة.

كانت أشباه البشر هذه تقوم بالصيد وصنع بعض الأدوات الحجرية، الأمر الذي يشير إلى تطورها الفكري. تعود مستحاثات هذه الكائنات إلى العهد الأقرب (البليستوسين)، أي إلى نحو 2.5 مليون سنة. وقد انقرضت هذه الفئة بعد أن أعطت فرعاً تطورياً تَمَثَّلَ بظهور إنسان كان يمشي منتصباً على قدمين أطلق عليه اسم الإنسان المنتصب Homo erectus الذي ظهر في إفريقيا، وفي الجزائر وإفريقيا الجنوبية منذ 1.8 مليون سنة. كما اكتُشِفَت بقاياه في جزيرة جاوا، حيث أَطلقَ عليه دوبوا اسم بيثيكانتروبوس إرِكتوس Pithecanthropus erectus، أو إنسان جاوا Java man. أما الإنسان المنتصب الآخر فكان إنسان الصين الذي اكتُشِف قرب بكين، وقد أُطلِقَ عليه اسم سينانثروبوس Sinanthropus.

كان هؤلاء البشر ذوي مشية منتصبة اكتسبوها نتيجة تعديلات تشريحية متطورة في هياكلها، وخاصة الوضع التشريحي للجمجمة إذ أصبح الثقب الجمجمي الكبير أكثر أماميةً مما هو عليه عند الأسترالوبيثيكوس (أشباه البشر)، مما ساعده على المشية المنتصبة الكاملة. كما لوحظ ازدياد في حجم الدماغ لدى هذا الإنسان، بحيث أصبح وسطاً بين الأسترالوبيثيكوس والإنسان العاقل Homo sapiens (الشكل 1).

 

الشكل(1): إلى اليمين جمجمة الإنسان العاقل، وإلى اليسار مظهره الخارجي.

عَرَف الإنسان المنتصب استخدام النار وصُنع الأدوات الحجرية. وانتشرت هذه السلالة البشرية في كل أنحاء العالم، وقد عدّ علماء المستحاثات هذا الإنسان سلفاً مباشراً للإنسان العاقل وأصلاً له، لما يتمتع به من صفات متطورة تُقَرِّبه منه، وهي تختلف في تطورها وتفصيلاتها عن سلالة إنسان نياندرتال Neanderthal التي كانت تواكب ظهور الإنسان العاقل. إن الدليل على أن الإنسان المنتصب هو السلف المباشر للإنسان العاقل هو انتقال صفاته إلى الإنسان العاقل، كما ظهر ذلك في عدة مناطق من أوربا.

كما يمكن عدّ الإنسان العاقل قد تطور من الإنسان المنتصب من دون المرور بمرحلة إنسان نياندرتال، بمعنى أن تطور الإنسان العاقل قد جرى بخط تطوري موازٍ لتطور إنسان نياندرتال. ويرى الباحثون أن فرع إنسان نياندرتال قد انقرض، في حين تابع الإنسان العاقل طريقه التطوري.

كان ظهور الإنسان العاقل في جنوبي إفريقيا وشماليها منذ نحو 100,000 سنة، ومن هناك كانت الهجرات البشرية الأولى إلى أوربا وآسيا والشرق الأقصى. أما تاريخ وجوده في أوربا فيعود إلى نحو 40,000 سنة، وفقاً لفرضية «الخروج من إفريقيا» (الشكل 2) التي صاغها سترينغر Stringer. إن سلف الإنسان العاقل يعود إلى السلف الإفريقي الممثل بالإنسان المنتصب الذي خرج من إفريقيا منذ زمن مبكر أي منذ 1,8 مليون سنة وفق هجرات مختلفة طالت القارات الأخرى.

 

الشكل(2) الأصل المباشر للإنسان العاقل هو الإنسان المنتصب (فرضية الخروج من إفريقيا)

أكدت دراسات الجينوم البشري صحة الفرضية السابقة؛ بأن أصل البشرية الحالية يعود إلى الإنسان المنتصب الإفريقي الذي انتشر بعد ذلك في أوربا وآسيا. وقد لاقت هذه الفرضية إجماعاً كبيراً من قبل الباحثين، بعكس فرضية أخرى تقول إن الجماعات البشرية قد نشأت من أماكن متعددة في العالم. وإن الإكتشافات الجينية الأصلية لكل من الإنسان العاقل وإنسان نياندرتال لا تشير إلى حصول انتقال للدنا بين هاتين السلالتين البشريتين وإن كان لا يمكن استبعاد ذلك نهائياً. وهكذا تبين أن التنوع الوراثي الكبير الحالي للسلالات الإفريقية كان إفريقيا من دون القارات الأخرى.

صفات الإنسان العاقل

ظهر الإنسان العاقل منذ نحو 35-40 ألف سنة، مُحدِثاً انعطافاً كبيراً في مسيرة التطور البيولوجي والحضاري للإنسان. وقد عُثِر على النوع الأول عام 1868 في موقع كرومانيون Cro-Magnon في مقاطعة دوردون Dordogne في فرنسا، ومنه أُطلِق عليه اسم إنسان كرومانيون. للإنسان العاقل صفات فيزيولوجية واجتماعية أقرب إلى الإنسان الحالي. وأُطلِق على الإنسان العاقل الأول اسم العاقل القديم (أو المستحاث)، وكان يتصف بطول قامة تراوح بين 160 و170 سم وجمجمة كاملة التدوير وذات عظام أقل سماكة من جمجمة إنسان نياندرتال، ولا تُظهِرُ الجمجمة بروزاً لأن الكتلة الجبهية منخفضة وعريضة (الشكل 3).

 

الشكل (3)

كان وجه هذا الإنسان مسطحاً، وفتحات الحجاج عنده دائرية الشكل، ولا تحمل ثنيات فوق عينيه (محاجر). كما لا تُشَكِّل المنطقةُ القفوية كعيكة ولكنها تكون دائرية منتظمة، والنتوء الخشائي في العظم الصدغي شكله هرمي عند الإنسان العاقل البالغ، كما يلاحظ العرض الكبير للجمجمة (القحف). كانت ذقنه بارزة، وحجم دماغه يصل إلى مستوى دماغ الإنسان الحالي، أي يراوح بين 1400 و1500 سم3. وتعود الاختلافات في السعة القحفية إلى اختلافات في القامة مع المحافظة على التقارب في الذكاء. كما أن أسنانه أصغر من أسنان إنسان جاوا وإنسان نياندرتال. إن هيكل أطرافه خشنة وعظامه الطويلة من الأطراف لا تُظهِر انحناءات. أما ما يتعلق ببقايا الإنسان العاقل المستحاث (أو القديم) فهي قليلة جداً.

ويلخص الشكل (4) تاريخ الأنواع المختلفة للإنسان بدءاً من الإنسان الأسترالي وحتى الإنسان العاقل (الشكل 4).

 

الشكل (4)

حضارته

دفع الإنسان العاقل الحضارة إلى الأمام على نحوٍ لم يسبق له مثيل، إذ تقدم كثيراً بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي المتنوع، وتجسد ذلك في العديد من الابتكارات الجديدة كالأسلحة والأدوات الحجرية والعظمية، مروراً بالبناء والفن والمعتقدات، وانتهاءً بالاستقرار والزراعة والتدجين. وقد انتشر هذا الإنسان في مناطق واسعة من العالم، وكان أول من سكن القارة الأمريكية والأسترالية حتى استأثر بالعالم أجمع.

تشير دراسات آثار الإنسان القديم إلى أنه سكن في المناطق التي توفرت فيها الظروف التي تساعد على الحياة، كالماء والنباتات والحيوانات وحجارة الصوان silex التي صنع منها أدواتَه الأولى وأسلحتَه، وهذه المناطق على أنواع، إما مكشوفة وإما ملاجئ صخرية ومغاور غالباً ما سكنها في الفصول الباردة. وتختلف الإقامة فيها، فمنها ما توقفت فيها الجماعات البشرية الأولى لبضع ساعات أو أيام أو شهور ومواسم، ومنها مناطق تردد عليها الناس آلاف السنين بفعل ارتباطهم ببيئتها الغنية. وهذا النوع من المواقع الكبيرة هو خاصة في المغاور أو ملاجئ قريبة من مراكز المياه والموارد الطبيعية. وفي عصور ما قبل التاريخ هذه ظهر نمط آخر من المواقع هو التلال الأثرية، فالطبقات الدنيا من هذه التلال كانت تضم آثاراً من العصر الحجري الوسيط أو الحديث عندما استقر فيها الإنسان وبدأ بالبناء وارتبط بمناطق محددة لم يغيرها في الحقب اللاحقة.

قام الإنسان العاقل الأول بصنع الأدوات التي كانت بشكل شرائح صوانية رقيقة ودقيقة تدل على مهارة عالية، طُوِّرَت منها السكاكين والمثاقب والأزاميل (الشكل 5) استخدمها هؤلاء البشر في الصيد وحَفّ الجلود، كما كانت تستخدمها شعوب الأسكيمو والفوجين في القرن الماضي. وكان التحسين الجذري للأدوات في بداية العصر البرونزي عندما صنع نصلات طويلة جداً مدببة. وكان الإنسان العاقل من أروع صُنّاع الحجارة؛ إذ صنع الحراب ذات المقابض التي استخدمها في الرماح. كما استخدم قرون حيوانات الرنة فصنع منها شرائح عظمية ومثاقب وحلياً وأطواقاً للتعليق في العنق. كما استخدم عظام الأضلاع ملاعقَ لتناول الطعام، أما العظام الضخمة لحيوان الماموث (الفيل الضخم) فكانت تستخدم طاولةً لتفصيل الملابس الجلدية. كما كان يخيط الجلود بوساطة خيوط نباتية من لحاء الشجر أو من أوتار أعصاب الحيوانات. وقد استعمل الإنسان العاقل جلود الدببة والضباع مفارش أرضية وأغطية، ومواد ملونة كالمغر الأحمر، وهو عبارة عن أصبغة حديدية، ليُعَبِّر عن فِكْرِه في تزيين المساكن، ورسَمَ الحيوانات التي كان يصادفها في محيطه، في رسوم حائطية تشاهد في الكهوف؛ مثل رسوم كهف لاسكو (الشكل 6) في فرنسا، وفي كهوف إسبانيا التي تقارب الفن الكلاسيكي الذي يتمثل بالخطوط الرقيقة التي ترافقها خطوط مملوءة.

الشكل(5) أدوات استعملها الإنسان العاقل الأول

الشكل(6) رسوم الإنسان العاقل على جدران كهف لاسكو في فرنسا

كان الإنسان العاقل يقوم بدفن موتاه أيضاً، فقد عُثِر على عدة قبور في أوربا في زمن حيوان الرنة، يُثْنَى الميت ويوضع في حفرة ويحاط رأسه بحجارة وتُدفَن معه حلي وأصداف وأطواق وبعض الأدوات العظمية أو الصوانية (أدواته الشخصية) اعتقاداً منهم بإمكانية استخدامها في أثناء الموت، أو أنها تعدّ معداته في العالم الآخر.

كانت بداية تدجين الحيوانات في زمن حيوان الرنة، حيث يعتقد الباحثون أنه حدث في عصور ما قبل التاريخ ارتباط بعض المجموعات الإنسانية في بعض أوقات السنة بقطعان الرنة التي يلاحقونها في مناطقها واعتمدوا على صيدها في غذائهم، وربما مَكَّنَهم الصيد من التدجين الكامل.

وبالنسبة إلى الزراعة فقد قام الإنسان العاقل بحفظ جزئي للخضار السطحية التي تنمو برياً، وإبعاد النباتات الغريبة (الطفيلية) عنها، كما كان يجمع الحبوب ويخزنها. ومن خلال دراسة غبار الطلع الذي عُثِر عليه من بقايا ذلك الوقت، يعتقد الباحثون أن بيئة التوندرا الشمالية التي كانت تضم أشجار الأكاسيا والسرو والسندر ونباتات مدارية والأبصال والزنبقيات البرية كانت سائدة، ومن هذه الأشجار أخذ لحاءها، وتناول النباتات الصغيرة والخضراء وأوراق السندر الفتية. وهكذا يمكن تخيل أن هؤلاء البشر لم يمارسوا الزراعة فقط بل كانوا يجمعون النباتات ويحفظونها. كما كانوا أيضاً يعتمدون على الصيد البري (الرنة والماموث ووحيد القرن) والصيد المائي (الأسماك مثل السلمون) ويقومون بإشعال النار وشي اللحم. وكان الصيد عملهم اليومي، ويستخدمون الرماح في مهاجمة الحيوانات وقتلها.

مراجع للإستزادة:

- بشير الزالق، التطور ونشأة الحياة على الأرض، جامعة دمشق، 1987.

- ج. ستيكس،» أصول بشرية، آثار ماض بعيد»، ترجمة أحمد الرحمون، مجلة العلوم

Scientific American المجلد 25، العددان 5 و6، الكويت 2009.

- لورا كوران أندريه، الكهوف مسرح الحياة الأول، (صيادو ما قبل التاريخ)، ترجمة يسرى الكجك، دار شمأل، دمشق 1995.

- سلطان محيسن، عصور ما قبل التاريخ، جامعة دمشق، 2004.


التصنيف : التطور
النوع : التطور
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58491941
اليوم : 64455

البروج (دائرة-)

آلان (إميل كارتييه ـ) (1868 ـ 1951)   إميل كارتييه Emil Chartier المعروف باسم آلان Alain فيلسوف فرنسي ولد في مورتاني أوبرش (مقاطعة أورن) وتوفي في الفيزينيه Le Vésinet (من ضواحي باريس). كان ابن طبيب بيطري، قضى طفولة عادية، رأى أنها كانت ضرباً من الحماقة. فقد إيمانه بالدين وهو بعد طالب في الثانوية من غير أزمة روحية، لمع في دراسته الثانوية في الرياضيات، حتى إنه كان يحلم بدخول مدرسة البوليتكنيك لكن حلمه لم يتحقق، إذ إن إخفاقه في امتحانات الشهادة الثانوية بفرعها العلمي جعله يستعد لدخول المعهد العالي للمعلمين سنة 1889، إذ انصرف إلى قراءة أعمال كبار الفلاسفة، مثل أفلاطون وأرسطو وأوغست كونت، ولكنه أولى الفيلسوف الألماني كَنت اهتماماً خاصاً طبع تفكيره بطابع دائم.
المزيد »