logo

logo

logo

logo

logo

التعرق

تعرق

Sweating transpiration -

 التعرق

التعرق

جرجس ديب

الغدد العرقية الفارزة الغدد العرقية المختلطة
وظيفة الغدد الفارزة آلية إفراز العرق
الغدد العرقية المفترزة أنماط االتعرق
 

التعرق sweating هو إحدى الوظائف الحيوية الفيزيولوجية الطبيعية التي تتمثل بإفراز محلول ملحي هو «العرق» من الغدد العرقية sweat glands في جلد الثدييات. ويناط بهذه العملية وظائف حيوية يأتي على رأسها تنظيم درجة حرارة الجلد، والمحافظة على صحته وسلامته، وطرح الماء والشوارد وبعض الفضلات، إضافة إلى التواصل الاجتماعي.

الغدد العرقية بنى غدية خارجية الإفراز موزعة في مختلف مناطق الجلد، يمكن توصيفها في ثلاثة أنماط، تختلف بنيتها ووظيفتها ومنتجها الإفرازي والمحفزات، إضافة إلى توزعها التشريحي، وهي: الغدد العرقية الفارزة eccrine sweat glands، والغدد العرقية المُفترزة (محرضة الإفراز) apocrine sweat glands، والغدد المختلطة (فارزة - مفترزة) apoeccrine (الشكل1). أما الغدد الصمغية ceruminous glands التي تفرز الشمع في مجرى السمع الخارجي، والغدد الثديية Mammary glands التي تنتج الحليب، والغدد الهدبية ciliary glands في الجفون التي تفرز مادة دهنية في قاعدة الجفون، فتعد غدد عرقية مفترزة محورة للقيام بوظائف متخصصة.

الشكل (1) تمثيل تخطيطي لأنماط الغدد العرقية: الفارزة والمفترزة والمختلطة.

الغدد العرقية الفارزة

تبلغ الغدد العرقية الفارزة قرابة 75% من مجموع الغدد العرقية في جلد الإنسان (قرابة 3 ملايين غدة)، وصفها العالمان بوركنج Purkinje ووينت Wendt أول مرة في عام 1833؛ وأطلق عليها شيفيرديكر Schiefferdecker اسم الغدد الفارزة بعد نحو 100 عام. وهي بنى غدية تتكون من بنية أنبوبية مفرزة بطول 2-5 مم وبقطر 60-80 مكرومتر مكونة ملفاً إفرازياً ملفوفاً بإحكام، تتوضع في عمق أدمة الجلد، ويستمر الملف الإفرازي بقناة أنبوبية مفرغة بطول 2-5 مم، تندمج مع الطبقة الحلمية للأدمة، وتنفتح على سطح الجلد بما يعرف المسام العرقية acrosyringium (الشكل2).

الشكل (2) تمثيل تخطيطي لبنية الغدة العرقية الفارزة.

يتكون الملف الإفرازي من ثلاثة أنماط خلوية، تتمثل بالخلايا القاتمة dark cell (المخاطية)، والخلايا الشفافة clear cell (الإفرازية) والخلايا الظهارية العضلية myoepithelial cell (الشكل3 -أ). تتساوى أعداد الخلايا القاتمة والخلايا الشفافة، لكنها تختلف في التوزع؛ إذ تحد الخلايا القاتمة السطوح اللمعية، في حين تتوضع الخلايا الشفافة على الغشاء القاعدي أو على الخلايا الظهارية العضلية، وتصل مباشرة إلى التجويف عن طريق استطالات خلوية. بالمقابل تأخذ الخلايا الظهارية العضلية شكلاً مغزلياً، وتتوضع على الغشاء القاعدي، وتتاخم الخلايا الشفافة.

تتضمن الخلايا الشفافة متقدرات وافرة وحبيبات ذاتية التألق تعرف بحبيبات الليبوفوسين lipofuscin، ويشكل غشاؤها الإفرازي عدداً من الزغابات وظيفتها إفراز الماء والإيونات (الشوارد). أما الخلايا القاتمة فتتضمن كثيراً من الحبيبات القاتمة، وهي ذات سطح خلوي أملس، ويعتقد أنها تتحكم في اتجاه حركة الإيونات (مثل البوتاسيوم) في الأذن الداخلية وحول البقعة الشبكية. وأما الخلايا الظهارية العضلية فتتضمن خيوط الأكتين، وتعد مسؤولة عن تدفق العرق النبضي.

وتتكون قناة الغدة المفرزة من طبقتين خلويتين: خارجية محيطية أوقاعدية، وداخلية لمعية أو جلدية (الشكل3-ب). وتنحصر وظيفة القناة في عودة امتصاص الشوارد ولاسيما الصوديوم، وطرح عرق منخفض التوتر السطحي.

الشكل (3) تمثيل تخطيطي:

(أ) البنية الخلوية للملف الإفرازي، (ب) القناة المفرغة.

تظهر الغدد الفارزة عند الجنين بداية في الراحتين والأخمصين في منتصف الشهر الرابع، وفي الإبطين في الشهر الخامس، وتنتشر في جميع أنحاء الجلد في الشهر السادس من الحياة الرحمية، أما الخلايا الظهارية العضلية فتتكون بحلول الشهر التاسع.

تتوزع الغدد الفارزة في جميع أنحاء جسم الإنسان باسـتثناء مجرى السمع الخارجي والقلفة والشفاه والشفرين الصغيرين والبظر والحلمات وأسرة الظفر. وتتباين كثافة انتشارها باختلاف مناطق الجلد، فالأكثر كثافة في الراحتين والأخمصين، ثم في الرأس، أما الأقل كثافة ففي الجذع والأطراف. ووفقاً لبعض التقديرات تتضمن راحة اليد نحو 370 غدة عرقية/سم 2، وظهر اليد نحو 200 غدة/سم 2، والجبهة 175غدة/سم 2، والثدي والبطن والساعد 155 غدة/سم 2، والظهر والساقان 60-80 غدة/سم 2.

تبدأ الغدد الفارزة العمل في وقت مبكر بعد الولادة (2-3 سنوات)، وتقل كثافتها مع ازدياد مساحة الجلد المرافق لعملية النمو؛ ولذلك تكون كثافة الغدد أعلى لدى الأطفال مقارنة بالبالغين، وتقل نسبتها مع التقدم بالعمر، كما تقل كثافة الغدد لدى البدينين ومفرطي البدانة مقارنة بذوي الوزن المثالي. وعموماً لاترتبط شدة التعرق بكثافة الغدد العرقية، بل بعدد الغدد النشطة ومعدل نشاطها.

تُنتج الغدد العرقية الفارزة سائلاً (العرق) عديم الرائحة واللون، تراوح درجة حموضته (الباهاء pH) بين 4 -6.8. يتكون العرق من الماء (98-99%) وكلوريد الصوديوم، إضافة إلى أملاح أخرى بتراكيز أقل تتضمن البوتاسيوم والكلسيوم المغنزيوم. يحوي العرق كذلك بعض المعادن بكميات ضئيلة، مثل الزنك والنحاس والحديد والكروم والنيكل والرصاص. كما يحتوي العرق على مركبات عضوية تشمل الفضلات الآزوتية (البولة والأمونيا) وهي التي تسبب الرائحة، وبعض الحموض العضوية، مثل حمض اللبن وحمض الشمع وحمض الأسكوربيك، إضافة إلى البروتينات والببتيدات وخاصة بروتينات السيستين، مثل الدرمسيدين dermcidin، وهو مضاد للبكتريا، وله دور مهم في آليات المناعة الفطرية إلى جانب الدفينسين defensin، يرافق التعرقَ انخفاضُ كثافة البكتريا على سطح جلد الأشخاص الأصحاء بخلاف مرضى التهاب الجلد التأتبي atopic dermatitis لأن عرقهم يفتقد الدرمسيدين.

وظيفة الغدد الفارزة

تتلقى الغدد العرقية الفارزة تعصيباً ودياً عبر ألياف عصبية بعد العقدة من النمط C ، تنشأ عصبوناتها ماقبل العقدة من القرون الجانبية للنخاع الشوكي الصدري والقطني (تعصب القطع الشوكية من T8-T2 جلد الأطراف العلوية، والقطع T4-T1 جلد الوجه، والقطع من T12-T4 جلد الجذع، ومن L2 -T10 جلد الأطراف السفلية). وبخلاف التحكم العصبي الودي بمختلف وظائف الجسم الذي يتم من خلال الوسيط العصبي النورأدرينالين noradrenalin، يتحكم العصب الودي بإفراز الغدد العرقية الفارزة من خلال الوسيط العصبي الأستيل كولين acetylcholine، الذي يرتبط بالمسـتقبلات المسـكارينية muscarinic antagonist، فتستجيب مختلف خلايا الغدد العرقية (يتم حجب التعرق الفعال بواسطة المناهضات المسكارينية). وتجدر الإشارة إلى أن الخلايا الإفرازية يمكن تحفيزها بواسطة الأدرينالين adrenalin (بواسطة المستقبلات B2)، ولكن بدرجة أقل من التحفيز الكوليني. كما تتأثر الخلايا الغدية بالعديد من مستقبلات المركبات الفعالة بيولوجياً والتي تعمل معدلات للإفراز؛ مثل: عامل نمو البشرة Epidermal Growth Factor (EGF)، والببتيد المعوي الفعال في الأوعية Vasoactive Intestinal Peptide (VIP)، والمستقبلات الكولينية النيكوتينية nicotinic acetylcholine receptor، وعامل الإدرار الأذيني Atrial Natriuretic Peptide (ANP)، والببتيد المرتبط بجين الكالسيتوتين Calcitonin gene related peptide (CGRP)، إضافة إلى الغالانين Galanin والناقل العصبي Substance P والأدينوزين ثلاثي الفسفات Adenosine Triphosphate (ATP)‏.

الوظيفة الأهم للغدد الفارزة هي التنظيم الحراري من خلال تبديد الحرارة بالتبخير، والحفاظ على رطوبة الجلد بواسطة المذابات المفرزة مع العرق، وصحته بالبروتينات الدفاعية المضادة للبكتريا، وتوفير بيئة حمضية غير مناسبة لنمو الأحياء الدقيقة الممرضة. كما ينسب للغدد العرقية الفارزة وظيفة إطراحية تتمثل بطرح الماء والأملاح وبعض المخلفات الاستقلابية مثل البولة، بيد أن الوظيفة الاستتبابية المتمثلة بالحفاظ على التوازن المائي والإيوني والتخلص من الفضلات والسموم مازالت موضع نقاش، وتبقى محدودة مقارنة بالوظيفة الكلوية.

الغدد العرقية المفترزة

اكتشف العالم كراوزه K. Krause الغدد المفترزة أول مرة في عام 1844، ولكن الذي سماها هو العالم شيفيرديكر في عام 1922.

توجد الغدد العرقية المفترزة منذ الولادة، وتصبح نشطة فقط في سن البلوغ بفعل التغيرات الهرمونية التي تؤدي إلى زيادة حجمها وتحفيز وظيفتها الإفرازية. تنتشر الغدد المفترزة في المناطق المشعرة فقط ولذك توجد بكثافات متباينة في الإبط والعجان والأذن والجفون. وعموماً يكون عدد الغدد المفترزة عند النساء أقل مما هو عند الرجال.

تبلغ الغدد العرقية المفترزة 25% من مجموع الغدد العرقية لدى الإنسان (نحو 1 مليون). وعلى غرار الغدد الفارزة تتكون من كُبيبة من الأنابيب الإفرازية، وقناة مُفْرِغَة تنفتح في جريب الشعر بخلاف الغدد الفازة التي تنفتح قناتها مباشرة على سطح الجلد (الشكل1). وفي بعض الأحيان تنفتح القناة المُفرِغة على سطح الجلد بجوار الشعر، وتكون الغدة المفترزة كبيرة وإسفنجية، وتقع في منطقة الدهون تحت الجلد في عمق الأدمة، ولها قطر لمعي أكبر من الغدة العَرقية الناتِحة، وعلى النقيض من الأنابيب الإفرازية الناتحة تتكون الأنابيب الإفرازية للغدة المفترزة من طبقة واحدة من الخلايا المفرزة المكعبة أو العمودية التي تستند إلى طبقة من الخلايا الظهارية العضلية. وتؤدي الخلايا الظهارية العضلية عملاً مزدوجاً كما هو في الغدد الفارزة يتمثل في تأمين الدعم الهيكلي وضخ العرق في قناة الغدة.

تفرز الغدد المفترزة عرقاً لزجاً حليبياً عديم الرائحة، يتضمن ثلاثة أنواع من المواد الأولية، تتمثل بالحموض الدهنية، وسلفانيل الكانولات sulfanyl canolates والمنشطات العطرة fragrant stimulants، التي تتحول بفعل وجود البكتريا على سطح الجلد الإبطي إلى مواد عطرية. فقد اكتُشِف اثنان من الجزيئات المفرزة التي تعمل كبروتينات حاملة لجزيئات الرائحة (methyl-2-hexenoic acid و3-hydroxy-3-methyl-hexanoic acid) وعرفت ببروتينات ربط رائحة مفرزات الغدد المفترزة

   Apocrine Secretion Odour-Binding Protein (ASOB2 و ASOB1).

يتحكم البروتين 8 المرتبط بمقاومة الأدوية المتعددة MRP8 في إفراز السلائف ذات الرائحة، وهو بروتين يرمز لدى البشر بواسطة الجين ABCC11 (العيب الولادي في هذا الجين يرافق غياب رائحة العرق).

تتمثل وظيفة الغدد المفترزة لدى العديد من الأنواع بإنتاج الرائحة والمساهمة في إطلاق الفيرمونات pheromones التي لها دور مهم في الانجذاب الجنسي، وعلامات تحذير مناطقية لدى العديد من الأنواع. ومع أن هذه الوظيفة الاجتماعية-الجنسية بدائية لدى البشر، فإن دراسات علماء النفس كشفت عن دور محتمل لرائحة العرق في التواصل ونقل المشاعر لدى البشر.

لايزال تعصيب الغدد المفترزة غير مفهوم جيداً؛ إذ وجد أن الغدد المعزولة تستجيب للتنبيه الأدريناليني وكذلك الكوليني ولكن بدرجة أقل. ولم يتضح بعد فيما إذا كان التنبيه الأدريناليني والنورأدريناليني يتم من خلال التعصيب أو مركبات الكاتيكولامين catecholamine المنتشرة. كما لم يتم تحديد نمط المستقبلات الأدرينالينية التي تتوسط عملية الإفراز لدى البشر.

تستجيب الغدد المفترزة لدى البشر للمنبهات العاطفية، مثل الألم والقلق والإثارة الجنسية بعد سن البلوغ.ويحدث الإفراز بتبرعم قمة الخلايا اللمعية المحرض بالأدرينالين والنورأدرينالين. ويكون الإفراز نبضياً ويعتقد أنه مرتبط بتقلصات الخلايا الظهارية العضلية.

الغدد العرقية المختلطة

وصف الغدد المختلطة أول مرة العالم ساتو Sato في عام 1987، وهي أكبر من الغدد الفارزة وأصغر من الغدد المفترزة، وتوجد في الإبط وحول الشرج. وتنفتح قناتها المفترزة كما الغدد الفارزة على سطح الجلد (الشكل1). تتصف الغدد المختلطة بشكل نبيباتها غير المنتظم وبواسمات خلوية محددة، مثل الفالويدين phalloidin والـ CD15. ويعتقد أن هذه الغدد تتطور خلال فترة البلوغ من الغدد الفازة. تفرز الغدد المختلطة باستمرار سائلاً ملحياً مماثلاً لمفرزات الغدد الفارزة. ومازالت وظيفة هذه الغدد ودورها في الفيزيولوجيا المرضية لفرط التعرق غير واضحة؛ فهي تبلغ 45% من مجموع الغدد العرقية الإبطية لدى مرضى فرط التعرق، وهي تفرز العرق بمعدل أعلى بسبع مرات من الغدد الفارزة، مما يدل على أهمية إسهامها في العرق الإبطي. ومن غير المحتمل أن يكون لهذا الإفراز دور مهم في التنظيم الحراري؛ لأن التبخر غير فعال في منطقة الإبط. ومايزال تعصيب الغدد المختلطة غير مفهوم جيداً، بالمقابل تشير الدراسات المخبرية إلى أن هذه الغدد أكثر حساسية للمنبهات الكولينية مقارنة بالمنبهات الأدرينالينية.

آلية إفراز العرق

يتكون العرق في خطوتين؛ تتمثل الخطوة الأولى بإفراز سائل أولي يحتوي على تركيز كلوريد الصوديوم إسموزي التوتر تقريباً بواسطة الملف الإفرازي، فيما تتمثل الخطوة الثانية بإعادة امتصاص الذوائب ولاسيما كلوريد الصوديوم من السائل الأولي بواسطة القناة المفرغة.

يؤدي التنبيه الودي إلى إطلاق الوسيط العصبي الأستيل كولين من النهايات العصبية الودية، الذي يرتبط بالمستقبلات المسكارينية في الغشاء القاعدي للخلايا الشفافة (الشكل4). يؤدي تفعيل المستقبلات (وهي من نمط المستقبلات المرتبطة بالبروتين G) إلى تحفيز إنزيم الفسفوليباز C الذي يشطر بدوره الشحم الفسفوري الفسفاتيديل إينوزيتول 4،5- ثنائي الفسفات إلى اثنين من المراسيل الثانوية، وهما: الأينوزيتول 1،4،5 ثلاثي الفسفات Inositol trisphosphate (IP3)، وثنائي أسيل الغليسرول Diacylglycerol (DAG). يحفزIP3 ارتفاع تركيز الكلسيوم ضمن بلاسما الخلية نتيجة إطلاقه من مستوعبات الشبكة السيتوبلاسمية بعد ارتباطه بمستقبلاته في أغشية المستوعبات، على حين يحفز ثنائي أسيل الغليسرول كيناز البروتين  (PKC) C الذي يتوسط فسفرة بروتينات وظيفتها تعديل النفوذية الغشائية. يؤدي تحرر الكلسيوم من مستوعبات الشبكة البلاسمية الباطنية وارتفاع تركيزه ضمن البلاسما إلى تنشيط البروتينات الغشائية TMEM16A الخاصة بقناة الكلور (قناة الكلور المرتبطة ببروتين البيئة الدقيقة للورم Tumor Microenvironment of Metastasis)، وتدفق الكلور خارج الخلية في تجويف القناة، ويرافق ذلك نزع استقطاب الخلية، الأمر الذي يمكن أن يعوق نفوذية الخلية لإيونات الكلور، لكن انخفاض تركيز الكلسيوم ضمن تجاويف الشبكة السيتوبلاسمية الداخلية يحفز البروتين STMI1 (جزيء التفاعل اللحمي Stromal Interaction Molecule) في أغشية الشبكة البلاسمية الباطنية الذي يعمل مستشعراً لتركيز الكلسيوم. ويحفز البروتين STMI1 بدوره بروتينات ORAI1 (بروتين قناة الكلسيوم1 المنشط بإطلاق الكلسيوم، ويتم ترميزها بواسطة الجين ORA1) في الغشاء القاعدي للخلية الشفافة كما هو موضح في الشكل (4). يؤدي تدفق الكلسيوم إلى داخل الخلية إلى ارتفاع تركيز الكلسيوم ارتفاعاً حاسماً وفتح قنوات البوتاسيوم في كل من الغشاء القمي والقاعدي للخلايا الإفرازية. يؤدي إفراز البوتاسيوم إلى فرط استقطاب الخلية وانكماشها، وهذا يحرض بدوره منظومة النقل الفعال الثانوي (Na-K-Cl Cotransporter) NKCC في الغشاء القاعدي؛ الذي يتوسط نقل شاردتين موجبتين (Na, K) وشاردتين سالبتين (CL) إلى داخل الخلية؛ مما يسمح باستمرار تدفق الكلور من قنوات الغشاء اللمعي عبر قنوات الكلور Cystic Fibrosis Membrane Channels (CFTR) (قناة الكلور المرتبطة بمنظم توصيل غشاء التليف الكيسي)، والبوتاسيوم من خلال الغشاءين القمي والقاعدي. ويعمل تراكم الكلور في التجويف على إيجاد تدرج كهركيميائي يجذب إيونات الصوديوم من خلال الفضوات بين الخلوية؛ الأمر الذي يؤدي إلى وجود ضغط أسموزي (حلولي) تناضحي لحركة الماء عبر قنوات غشائية في الغشاء القاعدي والقمي تعرف بالقنوات المائية (الأكوابورين) aquaporin-5 (يرافق العيب الولادي في الجين المرمز لبروتينات الأكوابورين توقف إفراز العرق).

الشكل (4) تمثيل تخطيطي لآلية إفراز العرق من الغدد العرقية الفارزة.

يكون الضغط الحلولي للعرق الذي تفرزه خلايا الملف الإفرازي أسموزي التوتر (معادلاً للضغط الحلولي للمصورة الدموية)، على حين يكون الضغط الحلولي للعرق على سطح الجلد منخفض التوتر؛ مما يشير إلى عودة امتصاص كلوريد الصوديوم في أثناء مروره في قناة الغدة العرقية. وكما هو موضح في الشكل (5) تعمل مضخة الصوديوم–البوتاسيوم في الغشاء القاعدي لخلايا القناة على ضخ الصوديوم عبر الغشاء القاعدي إلى الفضوات الخلالية بالتبادل مع إيونات البوتاسيوم، وتضمن بذلك تدرج تركيز الصوديوم؛ مما يسمح له بالانتشار من الغشاء اللمعي إلى داخل الخلية عبر قناة الصوديوم الظهارية Epithelial Sodium Channel (ENaC). تسمح عودة امتصاص الصوديوم وفق هذه الآلية بإيجاد تدرج تركيز كهركيميائي لإيونات الكلور التي تنقل من الغشاء اللمعي والقاعدي عبر قنوات الكلور CFTR. ومن المعروف أن الطفرة في المورثة المسؤولة عن التعبير عن بروتين قناة الكلور CFTR يرافقها انخفاض نقل الكلور وارتفاع محتوى العرق من إيونات الكلور لدى مرضى التليف الكيسي cystic fibrosis (يستخدم ارتفاع مستوى الكلور في العرق في التشخيص المبكر لداء التليف الكيسي).

الشكل (5) آلية عودة امتصاص كلوريد الصوديوم في قناة الغدة العرقية الفارزة.

يؤثر معدل إفراز العرق في امتصاص الكلور؛ إذ يزداد معدل الامتصاص بالتوازي مع انخفاض معدل الإفراز. كما يعتقد أن امتصاص الكلور مرتبط بآلية إضافية على علاقة بدرجة حموضة العرق؛ إذ يزداد معدل امتصاص الكلور وينخفض تركيزه في العرق طرداً مع ازدياد حموضة العرق؛ الأمر الذي يشير إلى أن امتصاص الكلور مقترن بإفراز إيونات الهدروجين. ووفقاً لهذه الفرضية يتوسط إنزيم الكربوأنهيدراز carbonic anhydrase إنتاج حمض الكربون الذي يفترق إلى إيونات الهدروجين وإيونات البيكربونات على نحو يحاكي التمثيل التخطيطي في الشكل (5). تُضخ البروتونات إلى لمعة القناة بواسطة مضخة البروتون (P) في الغشاء اللمعي، ومبادل الصوديوم والبروتون (MNE) في الغشاء القاعدي، على حين تُنقل البيكربونات إلى اللمعة بالتبادل مع إيونات الكلور عبر بروتين تبادل الأنيون (AE). وهكذا توفر مضخة البروتون آلية نقل فعال إضافية تسمح بإعادة امتصاص الكلور بغض النظر عن انخفاض تركيزه في لمعة القناة. وعموماً تتأثر عودة امتصاص كلوريد الصوديوم بهرمون الألدوستيرون الذي يتحكم بفعالية مضخة الصوديوم والبوتاسيوم. وعلى غرار النبيبات الكلوية يعزز الألدوستيرون عودة امتصاص الصوديوم، لكن استجابة الغدد العرقية تأتي متأخرة ولا تظهر بوضوح إلا بعد 3-4 أيام مقارنة بالنبيبات الكلوية التي تستجيب في غضون 1-3 ساعات.

أنماط االتعرق

تفرز الغدد العرقية العرق استجابة لثلاثة أشكال من المنبهات يأتي على رأسها المنبهات الحرارية (التعرق الحراري) thermal sweating، والمنبهات العاطفية (التعرق العاطفي) emotional sweating، والمنبهات الذوقية - الغذائية (التعرق الذوقي) gustatory sweating.

1-التعرق الحراري

يعد التعرق الحراري الآلية الأساسية التي ينظم الجسم بموجبها درجة حرارته في ظروف الإجهاد الحراري، ويحدث في أثناء الاستيقاظ وفي أثناء النوم، ويؤدي إخفاق هذه الآلية إلى ارتفاع درجة الحرارة والموت. يقع المركز المنظم لحرارة الجسم في تحت المهاد (الوطاء) Hypothalamus؛ ويتضمن مراكز عصبية في الباحة الوطائية الأمامية anterior area شديدة الحساسية لارتفاع كل من حرارة الجسم الداخلية وحرارة الوسط المحيط. ولايستجيب المركز الوطائي المنظم لدرجة الحرارة لارتفاع درجة حرارة الجسم الداخلية وحسب، بل يستجيب أيضا للهرمونات، والبيروجينات الذاتية endogenous pyrogens، والنشاط البدني والعواطف. يقوم الوطاء بمكاملة المعلومات الحسية الحرارية المركزية والمحيطية، وكذلك مختلف الاستجابات المقاومة للحرارة التي تتضمن -إلى جانب إفراز العرق- التوسع الوعائي المحيطي بواسطة تحفيز الجملة العصبية الودية. يؤدي التنبيه الودي إلى إفراز العرق من الغدد العرقية الفارزة والمفترزة المنتشرة على كل مناطق سطح الجلد تقريباً. ففي ظروف الاعتدال الحراري ينشط مايقارب 5% من مجمل الغدد العرقية الفازة، ويراوح معدل إفراز العرق 0,5-1 ل/ يوم، إلا أن معدل الإفراز يمكن أن يصل إلى 1,4 ل/الساعة لدى التعرض للحرارة وممارسة الرياضة. ويزداد معدل إفراز العرق نتيجة زيادة عدد الغدد المنشطة، وكمية العرق الذي تفرزه كل غدة. ويتم التخلص من الحرارة عن طريق تبخر الماء وفقاً للمبدأ الفيزيائي الذي يعرف بحرارة التبخر evaporation temperature؛ إذ يؤدي تبديد حرارة الجلد بتبخر الماء إلى انخفاض حرارة الجسم. ويدل على أهمية هذه العملية في تبريد الجسم أن الجسم يفقد نحو 580 سعرة حرارية لتبخير1كغ من العرق (4226 جول لتبخير 1غرام من العرق). وعندما تعمل الغدد العرقية بأقصى طاقتها (تُنشط كامل الغدد العرقية الفارزة خلال 8 دقائق من التعرض للإجهاد الحراري أو ممارسة الرياضة)، فإن معدل التعرق يمكن أن يصل إلى 3 لترات في الساعة.

يعرف الدافع المركزي للتعرق الحراري بمجموع درجة حرارة الجسم الداخلية ومتوسط درجة حرارة الجلد، ويفوق معامل تأثير درجة حرارة الجسم معامل تأثير متوسط درجة حرارة الجلد عشرة أضعاف. وترتبط كفاءة التعرق الحراري في ضبط حرارة الجسم بعدد من العوامل الداخلية والخارجية؛ تتمثل أهم العوامل الداخلية بعدد الغدد العرقية في مناطق الجلد المفتوحة على البيئة المحيطة بالجسم، وتوفر السوائل في الجسم (التجفاف يرافقه انخفاض معدل التعرق)، إضافة إلى كفاءة الجهاز العصبي في مراقبة تغيرات درجة حرارة الجسم. بالمقابل تعد درجة رطوبة الهواء المحيط بالجسم وتدفق الهواء على سطح الجلد من أهم العوامل الخارجية التي تؤثر في كفاءة التعرق الحراري.

وتجدر الإشارة إلى أن معدل إفراز العرق يتأثر بدرجة حرارة الجلد الموضعية؛ فارتفاع درجة حرارة الجلد الموضعية يؤدي إلى ازدياد معدل التعرق. ويعتقد أن آلية حدوث ذلك مرتبطة بإطلاق النواقل العصبية أو ازدياد حساسية الغدد العرقية لناقل عصبي معين. وإلى جانب درجة حرارة الجسم المركزية ودرجة حرارة الجلد يتأثر معدل التعرق بالعديد من العوامل الداخلية الأخرى، مثل الجنس؛ فمعدل التعرق عند الرجال أعلى منه لدى النساء، كما أن التعرق يزداد عند النساء بعد انقطاع الطمث بسبب الهبات الساخنة. والإجهاد البدني والحراري يزيد من معدل التعرق، إلا أن مستوى اللياقة البدنية والتأقلم مع درجة الحرارة يخفضان معدل التعرق، ولإيقاع الساعة البيولوجية دور؛ إذ تزداد عتبة التعرق في فترة ما بعد الظهر مقارنة بالصباح الباكر.

2-التعرق العاطفي

يتمثل التعرق العاطفي بإفراز العرق استجابة لمحفزات عاطفية، مثل التوتر والقلق والخوف والألم. يفرز العرق على كامل سطح الجسم، لكنه يكون أكثر وضوحاً في راحة اليد وباطن القدم والجبهة والإبط. وبخلاف التعرق الحراري يتم إفراز العرق مستقلاً عن درجة الحرارة، وينخفض في أثناء النوم والاسترخاء.

يعد التعرق العاطفي الراحي-الأخمصي جزءاً من استجابة الهجوم والهروب لدى مختلف الثدييات؛ إذ يزيد من الاحتكاك ويمنع الانزلاق في أثناء الجري أو التسلق في المواقف الحرجة. بالمقابل لايحدث التعرق العـاطفي الإبطي، وكذلك فـرط التعرق الإبطي قبل سن البلوغ؛ مما يشـير إلى دور كل من الغدد العرقية الفارزة والمفترزة في التعرق الإبطـي العـاطفي. ومن المثير للاهتمام أن الغدد المفترزة تظهر استجابة أشد للمنبـهات الكـولينية وكذلك الأدرينالينة مقارنة بالغدد الفارزة، كما أن معدل إفراز الغدد المفترزة أعلى من الغدد الفارزة؛ مما يشير إلى مساهمتها الواضحة في التعرق الإبطي. ويرى الباحثون أن الروائح التي تنجم عن العرق لها تأثير شبيه بالفيرومونات لدى الثدييات بما في ذلك البشر.

وعلى غرار التعرق الحراري تنشط الغدد المفترزة في التعرق العاطفي بواسطة الألياف الكولينية للجهاز العصبي الودي، وتشير بعض المعطيات إلى أن التعرق العاطفي خاضع بدرجة ما إلى السيطرة الأدرينالينية، ولكن بدرجة أقل من السيطرة الكولينية.

ويُعتقد أن مركز التعرق العاطفي في القشرة المخية المحركة الأمامية والمعقد اللوزي، وهو أحد مكونات الجملة الحافية.

3- التعرق الذوقي

يتمثل التعرق الذوقي بإفراز العرق من الغدد العرقية المنتشرة في الجبهة وفروة الرأس والرقبة والشفة العليا في أثناء تناول الطعام أو مجرد الحديث أو التفكير بالطعام. ويحدث التعرق الذوقي عادة نتيجة تناول الأطعمة الساخنة والحارة، لكنه يحدث لدى بعض الأشخاص بمجرد تناول الطعام بغض النظر عن طبيعته ومذاقه.

يعد التعرق الذوقي المرافق لتناول الأطعمة الساخنة والحارة أمراً طبيعياً، ويرتبط باستجابة منظومة التنظيم الحراري التالية لتنبيه المستقبلات الحرارية ومستقبلات الكابسيسين (المادة الكيميائية الموجودة في الأطعة الحارة) في المخاطية الفموية. بالمقابل يرتبط إفراز العرق بغض النظر عن طبيعة الطعام ومكوناته بأذية العصب الأذني الصدغي الذي يعصب الغدة النكفية والذي يعقب غالباً جراحة الغدة النكفية أو اعتلالها، وتوصف هذه الحالة بمتلازمة فراي Frey’s syndrome. ويعتقد أن متلازمة فراي مرتبطة بتشكل ارتباطات عصبية جديدة نتيجة محاولة الأعصاب المتأذية ترميم نفسها؛ الأمر الذي يتسبب بإفراز العرق عوضاً عن إفراز اللعاب. وبخلاف التعرق المرافق لتناول الأطعمة الساخنة والحارة يكون التعرق في متلازمة فراي في جانب واحد من الرأس (أحادي الجانب).

يمكن أن يحدث التعرق الذوقي من دون سبب واضح، أونتيجة الإصابة ببعض الأمراض التي يرافقها اعتلال الأعصاب، مثل الداء السكري Diabetes، وداء باركنسون Parkinson’s disease. ويكون التعرق في هذه الحالات ثنائي الجانب.

مراجع للاستزادة:

- L. B. Baker , Physiology of sweat gland function: The roles of sweating and sweat composition in human health, Temperature, DOI, 2019.

- E. N. Marieb, Essentials of Human Anatomy and Physiology, New York, NY: Prentice Hall; 2002.

-T. M. Mauro, Biology of Eccrine and Apocrine Glands, McGraw Hill, 2022


التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا)
النوع : علم الحياة (البيولوجيا)
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58491607
اليوم : 64121

أثر باشن ـ باخ

تقع المدرسة الأحمدية في حي الجلوم الكبرى في زقاق بني الجلبي، "جادة عبد الله سلام" حالياً أمام باب جامع البهرمية الشرقي في حلب، منطقة عقارية (7) محضر (3064). أنشأها أحمد أفندي بن طه زادة الشهير بالجلبي سنة 1165هـ/1751م وفقاً للكتابات الموجودة فوق بابيها (الخارجي والداخلي) وفوق باب القبلية.

المزيد »