logo

logo

logo

logo

logo

الإستراتيجية الزراعية في المناطق القاحلة ونصف القاحلة

استراتيجيه زراعيه في مناطق قاحله ونصف قاحله

Agricultural strategy in arid and semi-arid zones - Stratégie agricole dans les zones arides et semi-arides

الاستراتيجية الزراعية في المناطق الجافة ونصف الجافة

محمود صبوح

المناطق الجافة ونصف (شبه) الجافة
الوضع الراهن للإنتاج الزراعي في المناطق الجافة ونصف الجافة
أهمية الأصناف المحلية والأنواع البرية في تطوير أصناف جديدة متحملة للإجهادات في المناطق الجافة ونصف الجافة
النظم الزراعية السائدة في المناطق الجافة ونصف الجافة وضرورة تعديلها للتخفيف من أثر التغيرات المناخية
 

 

تحتل التنمية الزراعية موقعاً متقدماً في سلم أولويات السياسات الاقتصادية والاستثمارية في العديد من برامج التنمية في الدول العربية نظراً لأهمية الزراعة بوصفها مصدراً للغذاء والمواد الأولية، وقطاعاً يستوعب نسبة عالية من القوة العاملة، وهنالك مستجدات كثيرة زادت من الأهمية النسبية للزراعة تتمثل في استمرار العجز الغذائي خلال العقدين الأخيرين وتفاقمه، وتحقيق إنجازات علمية مهمة في الآونة الأخيرة، وخاصة في مجال التقانات الحيوية والهندسة الوراثية التي تفيد الزراعة والأنشطة المرتبطة بها بحثاً وتطويراً وإنتاجاً، يضاف إلى ذلك تنامي أهمية أخذ الاعتبارات البيئية بالحسبان وتلافي الآثار السلبية المتمثلة في زيادة التصحر وتلوث التربة والمياه والهواء وتدمير المراعي والغابات.

ومن ثم فإن الزراعة العربية تواجه اليوم العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي تؤثر في مسارات التنمية الزراعية وتوجهاتها، ومن أهمها توفير الإمدادات الغذائية للسكان وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية كالحبوب والزيوت والسكر والبقوليات واللحوم والألبان. وتواجه الموارد المائية في الوطن العربي تحديات خطيرة نتيجة تزايد الضغوط البشرية على الموارد المائية، وما نجم عنها من تدهور للبيئة ونظم الإنتاج الزراعي في المناطق شبه الجافة والأراضي الهامشية. وتعدُ عملية ترشيد استعمال المياه مطلباً استراتيجياً يساعد على توفير مصادر إضافية من الماء، تسمح باستثمار مساحات أكبر من الأراضي الزراعية وتحقيق استقرار الإنتاج الزراعي، وضمان الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المختلفة وفي طليعتها محاصيل الحبوب والبقوليات.

المناطق الجافة ونصف (شبه) الجافة:

يمكن تعريف المناطق الجافة بأنها تلك المناطق التي تعاني النباتات فيها عدمَ كفاية الماء اللازم لإنتاج محصول اقتصادي، ولضمان الحصول على محصول جيد في هذه المناطق يجب تبني ممارسات حفظ الماء water conservation. وقد عرّفت منظمة الزراعة والأغذية العالمية (FAO) المناطق الجافة بأنها تلك المناطق التي يمكن تقسيمها مناخياً إلى جافة، شبه جافة أو جافة شبه رطبة بالاعتماد على طول فترة النمو للمحاصيل الحولية. وتقدر مساحة المناطق الجافة في العالم بما يقارب 45 % من مساحة اليابسة، منها 7 % مناطق جافة، 20 % شبه جافة، 18 % جافة شبه رطبة. يمكن عموماً تقسيم المناطق الجافة في الوطن العربي بحسب معدلات الهطل المطري إلى:

1- المناطق الجافةarid zones : تقل أمطار هذه المناطق في المتوسط عن 250 مم سنوياً، ويمكن استثمارها زراعياً عند توفر مياه الري من مياه الأنهار والآبار، عندها تتحول أراضي المناطق الجافة إلى أراضٍ زراعية صالحة لإنتاج عدد كبير من المحاصيل الحقلية مثل القطن والشوندر السكري والذرة الصفراء والذرة البيضاء والقمح والشعير.

2- المناطق نصف الجافةsemi-arid zones : تراوح أمطار هذه المنطقة ما بين 250-500 مم/السنة، وتقسم هذه المنطقة من وجهة نظر الزراعة البعلية إلى ثلاثة أقسام:

أ- نصف الجافة -الجافة: وتراوح أمطارها ما بين 250 - 300مم. تتركز فيها زراعة الشعير، ويمكن إدخال العديد من المحاصيل العلفية إلى هذه المنطقة مثل أنواع الرغل المعمرة.

ب- نصف الجافة - المتوسطة: وتراوح أمطارها ما بين 300-400مم/سنة. تجود في هذه المنطقة زراعة البقوليات والحبوب.

ج- نصف الجافة - الرطبة: وتراوح أمطار هذه المنطقة ما بين 400-500 مم/سنة والمحاصيل التي تزرع بعلاً في هذه المنطقة أكثر تنوعاً مما يمكن زراعته في المنطقة السابقة، إضافة إلى محاصيل الحبوب والبقوليات يمكن أيضاً زراعة حبة البركة والكزبرة والحمص والسمسم وعباد الشمس.

الوضع الراهن للإنتاج الزراعي في المناطق الجافة ونصف الجافة:

تبلغ مساحة الدول العربية نحو 1406مليون هكتار، أي نحو 10.2 % من إجمالي مساحة اليابسة في العالم. وتشكل الموارد الأرضية الزراعية العربية ذات الطاقة الإنتاجية نسبة ضئيلة جداً من تلك المساحة، نظراً لوجود نحو أربعة أخماس الأراضي الزراعية العربية ضمن نطاق الأراضي الجافة التي لا يتعدى سقوط الأمطار فيها 250 مم سنوياً، وشبه الجافة التي يراوح معدل الهطل المطري في مناطقها ذات الأمطار الشتوية بين 250 - 350 مم سنوياً، في حين يصل إلى 350 - 450 مم/سنة في مناطق الأمطار الصيفية، وتقدر مساحة الأراضي القابلة للزراعة بنحو197 مليون هكتار أي 14.1 % من المساحة الإجمالية. تعدّ الزراعة المطرية الأكثر انتشاراً في المناطق الجافة ونصف الجافة، وتؤدي قلة الأمطار في البيئات العربية الجافة وشبه الجافة، وعدم انتظام توزعها بما يناسب متطلبات الأنواع النباتية المزروعة خلال كل مرحلة من مراحل النمو؛ إلى تعرض النباتات لشح المياه في نهاية موسم النمو (نيسان/إبريل وأيار/مايو)، حيث تكون النباتات في أمس الحاجة إلى المياه، ما يؤثر سلباً في إنتاجية المحاصيل المزروعة، وقد يؤدي هطل كميات كبيرة من الأمطار خلال فترة زمنية قصيرة إلى تعرض التربة للانجراف المائي water erosion، ويؤدي ارتفاع منسوب الماء الأرضي إلى اختناق النباتات، ما يؤثر سلباً في معدل نمو النباتات وتطورها وإنتاجيتها. وغالباً ما يرافق انحباسَ الأمطار ازديادُ سرعة الرياح التي قد تصل في بعض الأحيان إلى7 م/ثا، ما يعرض التربة إلى الانجراف الريحي wind erosion الذي قد يؤدي إلى نقل الطبقة السطحية من التربة الغنية بالعناصر المعدنية المغذية والمادة العضوية.

تتسم البيئات العربية الجافة وشبه الجافة بارتفاع درجة حرارتها، إذ يصل متوسط درجة الحرارة السنوية في المناطق شبه الجافة إلى 20 0س، وقرابة 24 0س في المناطق الجافة، وقد ترتفع إلى 30 0س في المناطق شديدة الجفاف. وتسبب درجة الحرارة المرتفعة - المتزامنة مع قلة الهطل المطري وازدياد سرعة الرياح- زيادة معدل فقد الماء بالتبخر- النتح evapotranspiration، وتصبح كمية الماء المنتوحة أكبر بكثير من كمية الماء الممتصة، مما يعرض النباتات إلى العجز المائي water deficit. وغالباً ما تكون تربة البيئات الجافة فقيرة بالعناصر المعدنية المغذية والمادة العضوية، وتميل درجة الحموضة (pH) فيها إلى القلوية، والمحتوى العالي من كربونات الكلسيوم CaCO3.

تحدِّد الظروف المناخية للمناطق الجافة وشبه الجافة في الوطن العربي نوعية الاستثمار الزراعي في القسم الأعظم منها، وقد فرضت الظروف الجافة والأراضي الفقيرة زراعة محاصيل الحبوب النجيلية والبقوليات على نحو أساسي.

يحتل محصولا القمح والشعير الأهمية الأولى من حيث المساحة والإنتاج، إذ تحتل زراعتهما 65 - 72 % من المساحة المخصصة لزراعة الحبوب، ويصل إنتاجهما إلى 60 - 70 % من مجمل إنتاج الحبوب وفقاً للسنوات، وتصل مردودية القمح إلى ما يقارب 1.9 طن/هـ، وهو ما يزال دون متوسط المردود العالمي البالغ 2.5 طن/هـ وأقل بكثير من متوسط المردود في أوربا الذي يقارب 4.5 طن/هـ.

ويحتل الشعير الموقع الثاني بعد القمح، وتبلغ مردوديته بالمتوسط 0.7 - 1 طن/هـ بحسب السنوات، وهي أدنى من المتوسط العالمي 2.2 طن/هـ وأقل بكثير من متوسط المردودية في أوروبا 3.6 طن/هـ، ويعود ذلك إلى زراعته في الأراضي الأكثر جفافاً والأقل خصوبة.

وتبلغ مردودية الذرة البيضاء والدخن 0.48 - 0.74 طن/هـ بحسب السنوات، في حين يصل المتوسط العالمي إلى نحو 1.5 طن/هـ، وفي أوربا 4.8 طن/هـ.

أما البقوليات فهي ذات مردود مختلف من سنة إلى أخرى0.8 - 1.2 طن/هـ، وتقارب بذلك المتوسط العالمي0.93 طن/هـ، والمتوسط الأوربي 1.1 طن/هـ.

يمكن ملاحظة ظاهرة تذبذب المردودية وانخفاضها من مكان إلى آخر ومن موسم إلى آخر في الوطن العربي، ويعود ذلك إلى الخصائص البيئية لحوض البحر المتوسط. ويعدّ التبخر- نتح- العامل الأساسي في تحديد غلة المحاصيل، وهو يبدأ في الربيع ثم يزداد بعد ذلك. من العوامل المهمة التي تؤدي دوراً أساسياً في تحديد الكفاءة الإنتاجية طول موسم النمو وتوزيع الأمطار، ويسهم في ذلك أيضاً نوعية التربة واحتفاظها بالرطوبة وتوفيرها للنبات عند الضرورة. كما تؤدي درجات الحرارة المنخفضة والصقيع الذي تتعرض له بعض مناطق الوطن العربي شتاء وربيعاً دوراً مهماً في تخفيض مستوى الإنتاجية، وذلك عبر الأذى الذي تتعرض له الحبوب ولاسيما إذا ما توافق ذلك مع مرحلة الإلقاح والإخصاب في النباتات. كما تؤدي درجات الحرارة المرتفعة دوراً كبيراً بإحداث اللفحة البيئية في مرحلة الإلقاح والإخصاب في الحبوب مما يؤدي إلى خسارة كبيرة في الإنتاج. وتضيع أيضاً عند الحصاد نسبة عالية من الحبوب، بسبب الانفراطية shattering وتكسر السنابل واللفحة البيئية، والضجعان lodging الناجمة عن رياح السيركو والخماسين ولاسيما في شمالي إفريقيا.

ويتباين أثر الأمراض الفطرية من سنة إلى أخرى، ويتوقف ذلك على الظروف المناخية. وتزداد شدة الإصابات المرضية في السنوات ذات الشتاء والربيع الممطر واللطيف.

تنخفض المساحة المحصولية في الدول العربية عاماً بعد آخر، وذلك نظراً للظروف المناخية غير المواتية، وتباين كميات هطل الأمطار وتذبذبها في معظم الدول العربية الزراعية الرئيسة، حيث يجعل تقلب العوامل المناخية وخاصة الأمطار، الإنتاج الزراعي المطري rainfed يتسم بالتقلب وعدم الاستقرار. وتشير تقديرات الإنتاج الزراعي لعام 2008 إلى تراجع إنتاج معظم محاصيل الحبوب، حيث انخفض إنتاجها بنسبة 9.1 %، وسجل إنتاج القمح انخفاضاً بنسبة 9.5 % نظراً لانخفاض متوسط غلة الهكتار بنسبة 14.5 %، وتركز الانخفاض في عدد من الدول العربية المنتجة على نحو رئيسي للقمح مثل مصر وتونس. كما انخفض إنتاج الشعير بنسبة 32.9 % نظراً لانخفاض متوسط غلة الهكتار بنسبة 36.0 % كان معظمه في سورية وتونس. وبالمقابل سجل إنتاج البذور الزيتية التي تحتل 9 % من المساحة المحصولية زيادة بلغت 2.3 %، وإنتاج المحاصيل الدرنية بنسبة 5 %. وسجلت المحاصيل الأخرى البعلية والمروية تطورات متباينة. وعموماً فإن الزيادة المحققة في إنتاج بعض المحاصيل قد نجمت عن تحسن الغلة في إطار الجهود التي تبذلها الدول العربية للتوسع في استخدام تقانات الإنتاج الحديثة وتنفيذ البرامج التقانية الزراعية المتكاملة والاهتمام بالخدمات المساندة للإنتاج من إرشاد وبحوث تطبيقية.

وتجدر الإشارة إلى أن التقلب وعدم الاستقرار هما صفتان ملازمتان للإنتاج الزراعي العربي في المناطق الجافة وشبه الجافة، مما يؤثر سلباً في استقرار الدخل الزراعي والأمن الغذائي العربي، ما يتطلب مجابهتها والحد من آثارها السلبية وتحسين كفاءة سبل التصدي لها، من خلال زيادة الاهتمام برصد الظواهر المناخية ذات الأهمية الزراعية الخاصة (كالأمطار والحرارة والجفاف)، والمحافظة على الموارد المائية وتنميتها، ورفع كفاءة استثمارها، وخاصة مياه الأمطار والاستفادة من ثورة التقانات الحيوية في مجال تطوير واستنباط الأصناف والسلالات عالية الإنتاج والمتحملة للجفاف والملوحة.

أهمية الأصناف المحلية والأنواع البرية في تطوير أصناف جديدة متحملة للإجهادات في المناطق الجافة ونصف الجافة:

يحظى إنتاج أصناف متكيفة مع الظروف البيئية غير الملائمة من مختلف المحاصيل بالاهتمام الكبير في برامج التربية على المستوى العالمي، وكذلك في برامج بحوث المحاصيل الإقليمية والوطنية. ويأتي في طليعة هذه الظروف الجفاف drought، والملوحة salinity، والحرارة العالية heat، والصقيع frost، وكذلك الأمراض والآفات pests and diseases. ومن الأهمية بمكان فهم الأسس الفيزيولوجية المعقدة للتربية لتحمل هذه الإجهادات المختلفة وضرورة تحديدها كمياً وتوصيف الإجهاد توصيفاً دقيقاً وعلاقة ذلك بمراحل نمو النبات المختلفة.

تأخذ التربية تحت ظروف الإجهادات أهمية خاصة في برامج التحسين عموماً، وتعد التربية لتحمل الجفاف drought tolerance مهمة جداً لأن الجفاف من أهم العوامل المهددة لإنتاج الغذاء في العالم، وتبدو هذه المشكلة أكثر أهمية في البيئات الجافة ونصف الجافة، وكذلك الأمر فيما يخص الإجهادات الأخرى كالملوحة والحرارة العالية. تتسم الأصناف المحلية بأنها متكيفة مع الظروف البيئية المحلية، وبالتالي فإن التباين الكبير في الأصناف المحلية يجعل منها مصادر وراثية مفيدة من أجل نقل المورثات المرغوبة إلى الأصناف المحسنة والمستنبطة محلياً. ويمكن استخدام الأنواع البرية المتقاربة وراثياً مع الأنواع المزروعة بكثرة من أجل التربية للمقاومة. ولقد استخدمت تقنيات وراثية - خلوية وزراعة الأجنة، وتقنيات أخرى في التربية المعتمدة على التهجين بين الأنواع. كما استُخدمت برامج التهجين الرجعي backcrossing غالباً، من أجل نقل بعض الخصائص والصفات بسيطة التوريث.

يتطلب تحقيق الاستفادة القصوى من الأصول الوراثية genetic resources تقويمها وغربلتها وفقاً للصفات والخصائص المرغوبة لإدخالها في برامج التربية. وتضم البنوك الوراثية العالمية عشرات الآلاف من المدخلات المتضمنة تنوعاً هائلاً في المورثات. تتمتع السلالات races المحلية التي تزرع في المناطق الجافة وشبه الجافة بصفات وخصائص جيدة من حيث تحمل الجفاف وثبات الإنتاج yield stability، وهي تحمل خصائص تقنية جيدة وقيمة غذائية مرتفعة، ويمكن الاستفادة منها في برامج التربية لمقاومة الإجهادات بتهجينها مع الأصناف الحديثة ذات الإنتاجية العالية بهدف الحصول على سلالات وراثية عالية الإنتاج متحملة للجفاف. ويجب الاستفادة من الأنواع البرية في برامج التربية؛ لكونها تحمل صفات جيدة من أجل التكيف البيئي مع شروط الإجهادات البيئية كالشعير البري Hordeum spontaneum المنتشر في الشرق الأوسط.

وتتميز الأراضي الجافة في بعض المناطق بملوحتها، ما يفرض البحث عن أصناف مقاومة للملوحة، تسمح بالاستثمار الأمثل لمثل هذه المساحات. وتعد الملوحة والقلوية أموراً مألوفة في البلدان العربية ولاسيما في الأراضي المروية، والزراعات المطرية (الجافة). ويمكن للملح أن يتراكم في الفصول الجافة في أي تربة عندما يرتفع الماء الأرضي إلى مستوى سطح التربة نتيجة لاتباع أساليب الري الخاطئة. وتؤثر الملوحة في الضغط الحلولي لمحلول التربة، وبالتالي في امتصاص الجذور للماء. وترافق الملوحة عادة زيادة الصوديوم أو القلوية التي تجعل التربة غير نفوذة للماء إما عن طريق تشتت حبيبات الطين، وإما عن طريق انتفاخ معادن الطين. وتمنع القلوية هجرة الملح الزائد من منطقة الجذور، وتسهم معدلات الصوديوم العالية برص التربة، ما يجعل إنبات البذور أمراً صعباً. وبما أن تكاليف استصلاح الأراضي المالحة مرتفعة جداً؛ لذا لا بدّ من اتباع تقنيات زراعية خاصة، وانتخاب أصناف مقاومة أو متحملة لظروف الأراضي المالحة. وتؤدي الأصناف القديمة وأصناف المناطق الجافة دوراً مهماً في التربية من أجل تحمل الملوحة.

بيّن العديد من الدراسات أن الأقارب البرية هي من الأنواع التي تتميز بمستوى عالٍ من تحمل الملوحة ويمكن أن تُنقل إلى المحاصيل المزروعة من خلال التربية والتهجين. أبدى العديد من أنواع القمح البرية مستويات عالية من تحمل الإجهاد الملحي مقارنة بالقمح المزروع، فقد وُجد أن عشبة القمح Elytrigia elongata لديها مستوى من تحمل الملوحة أعلى بكثير من القمح الطري المزروع Triticum aestivum. ولقد تبين عند اختبار 70 محصولاً لتحمل الملوحة أن الشعير أكثر تحملاً. وحصل بعض الباحثين على شعير ينتج (1190)كغ/هـ عند زراعته في الرمل النقي، وريه بماء البحر، ويقدر هذا الإنتاج بخمس معدل إنتاج الشعير عند زراعته في الحقل في كاليفورنيا. وتبين الدراسات أن أصناف الشعير المتحملة للملوحة تستطيع إنتاج الحبوب على نحو كاف حتى لو رويت بماء يحتوي (20000 ppm) من الملح.

أصبح ثابتاً لدى كثير من المربين والفيزيولوجيين أن غلة المحاصيل ليست فقط محصّلة للعديد من التفاعلات الفيزيولوجية والبيوكيميائية في النبات، بل يحتاج تحقيق إنتاجية أعلى إلى طرز وراثية تمتلك صفات نباتية خاصة تؤدي إلى تحقيق تقدم في الإنتاجية على نحو مباشر أو غير مباشر بتأثير واحدة أو أكثر من العمليات الفيزيولوجية المؤثرة في إنتاجية الصنف. لذلك كان من الضروري معرفة هذه الصفات وتحديدها وتحديد علاقتها بالإنتاج وآلية تأثيرها في الغلة النهائية، وكيف تضفي صفة التكيُّف adaptation لنباتات صنف ما تحت ظروف بيئية معنية. ولاشك أنه على الرغم من تفوق الأصناف الحديثة في معظم الصفات ما زالت بعض الأصناف القديمة والسلالات المحلية تمثل مصادر وراثية قيمة بفعل تأقلمها الجيد وامتلاكها لصفات أخرى كالمجموع الجذري الكبير، ما يجعل منها آباء جيدة للتهجين في برامج التربية لتحمل الجفاف وللحفاظ على التنوع الوراثي.

النظم الزراعية السائدة في المناطق الجافة ونصف الجافة وضرورة تعديلها للتخفيف من أثر التغيرات المناخية:

تحول كثير من الأراضي التي كانت خصبة وجيدة في الماضي اليوم إلى أراضٍ قاحلة dry lands بسب الممارسات الزراعية الخاطئة، ودفع القصور في فهم أسس استثمار نتائج الثورة العلمية المعاصرة في السيطرة على الطبيعة واستثمار مواردها المتنوعة إلى إساءة الإنسان لهذه الموارد والأساليب الخاطئة في استعمالها وصيانتها وتنميتها، وقد أدى هذا إلى الإفراط في استنزاف المياه الجوفية، فضلاً عن الاستخدام غير الرشيدirrational utilization للمصادر الوراثية النباتية والحيوانية، إضافة إلى المساهمة في زيادة حساسية البيئة والموارد الطبيعية لأخطار التدهور واستنفاد رصيد الأصول الثابتة للموارد الطبيعية المتجددة renewable natural resources، والتآكل الكمي والكيفي لهذه الموارد، ما أدى إلى تدهور النظم البيئية واختلال توازنها، وتجلى ذلك بوضوح في مظاهر التصحر وانجراف التربة، وتدهور المراعي الطبيعية والغابات وفقد المادة الوراثية وشح موارد المياه وازدياد حدة الجفاف وتملح التربة. تغطي المناطق الجافة نحو 45 % من مساحة الأرض، وتعد موئلاً لما يزيد على ملياري نسمة، ينتمي معظمهم إلى شريحة الفقراء، ويعيش قرابة 16 % من السكان في حالة من الفقر المزمن ولاسيما في المناطق البعلية الهامشية. ومن المتوقع لبعض المناطق أن تصبح أشد جفافاً وأعلى حرارة؛ لذلك ستواجه المحاصيل والثروة الحيوانية تعرضاً متزايداً للإجهاد الحراري ومن المحتمل أن تتأثر البلدان النامية في الجنوب سلباً وأن يحدث تقلص بنسبة 11 % في الأراضي البعلية الصالحة للزراعة بحلول عام 2080 في البلدان النامية، وأكبر التأثيرات متوقعة في الشرق الأدنى وشمالي إفريقيا أو حوض البحر المتوسط . وقد بينت إحصاءات منظمة الغذاء والزراعة (FAO,1999) تراجعاً في المساحة المزروعة والإنتاجية، وخاصة في الزراعات البعلية نتيجة التذبذب الحاد في معدلات الهطل المطري، وارتفاع درجات الحرارة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري greenhouse effect، وتعرض المحاصيل لفترات قصيرة أو طويلة من الجفاف خلال مراحل نموها المختلفة. ما يؤكد أهمية وجود سياسات زراعية داعمة لتحقيق تنمية زراعية مستدامة sustainable development في هذه المناطق عن طريق:

1) حفظ التنوع الحيوي والتحسين الوراثي للمحاصيل.

2) إدارة المخاطر، والتخفيف من تأثيرات الجفاف، وتعزيز قدرة الزراعة على التكيف مع التغيرات المناخية.

3) الإدارة المتكاملة للمياه والأراضي.

4) البحوث الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز أطر العمل المجتمعية والمؤسساتية.

5) بحوث تنويع الإنتاج وتسويقه لزيادة الدخل وتحسين التغذية.

6) تغطية عالمية أكبر للمناطق الجافة في جنوبي إفريقيا، وجنوبي آسيا، وأمريكا اللاتينية.

يمكن تحسين مصادر المعيشة لذوي الدخل المحدود أو الموارد الشحيحة في المناطق الجافة وشبه الجافة من خلال تحسين الأمن الغذائي والتخفيف من الفقر عن طريق البحوث والشراكات لتحقيق زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل، مع ضمان الاستخدام الأمثل والعادل للموارد الطبيعية وحفظها.

ويمكن تحقيق استقرار الإنتاج في المناطق الجافة وشبه الجافة عن طريق:

1)- إدارة الموارد الطبيعية ولاسيما المياه والإدارة المتكاملة للمياه والأراضي، واتباع أنظمة الزراعة البعلية (الري التكميلي، الزراعة المبكرة، الري الناقص).

2)- تطوير أنظمة الزراعة المروية والنظام الزراعي- البيئي في الأراضي الهامشية وتقانات حصاد المياه والزراعة في مستجمعات المياه الصغيرة المصنوعة آلياً باستخدام الليزر لتحديد منحنيات التسوية (الخطوط الكونتورية)، وحصاد فعال للمياه وإدارة الرعي وعن العلاقة ما بين إنتاجية المياه والأراضي وكفاءة استخدام المياه.

3)- تحسين الإنتاج في المناطق الهامشية (البادية) ونظام الإنتاج التكاملي للمجترات الصغيرة (الأغنام والماعز) والمراعي والمحاصيل، واستخدام تقانات ناجحة ومنها المكعبات العلفية كمنتجات ثانوية، وكذلك إنتاج الأعلاف على مستوى المزرعة وإدارة القطعان والصبار والشجيرات العلفية وإنتاج الشعير وإدارة المراعي الطبيعية.

4)- الزراعة الحافظة conservation agriculture، فهي نهج آخر للتكيف مع التغير المناخي في المناطق الجافة، حيث توفر فوائد جمة. وبسبب هذه الفوائد انتشرت الزراعة الحافظة في أكثر من 100 مليون هكتار معظمها في أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، وبالتعاون مع شركاء في مراكز وطنية وعالمية، وتحفيز هذه التقانة في المناطق الجافة انتشرت فوق مساحة 1.2 مليون هكتار في آسيا الوسطى، وفي غربي آسيا وشمالي إفريقيا.

الاستراتيجية الزراعية في الوطن العربي لتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الجافة ونصف الجافة

يتمثل التحدي الحقيقي للزراعة العربية في القدرة على التوسع في استخدام التقانات الحديثة للارتقاء بطاقاتها وقدراتها الإنتاجية من المحاصيل الغذائية كماً ونوعاً، وإن زيادة الكفاءة الإنتاجية المحصولية مرهون بالقدرة على تقليل مخاطر الإنتاج الناجمة عن الظروف المناخية غير المواتية والأمراض والآفات الزراعية من خلال اختيار واعتماد الطرز الوراثية القادرة على التكيف مع هذه الضغوطات وبصورة مستدامة، وكذلك اعتماد استراتيجية راسخة الجذور في مجال استثمار موارد الوطن العربي الطبيعية، ومعالجة الخلل في استثمارها بغية تحقيق الأمن الغذائي العربي، والحد من وتيرة فقد الأراضي الصالحة للزراعة، بسبب الجفاف وتملح التربة والحفاظ على رصيد الوطن العربي من المصادر الوراثية، مع الأخذ بالحسبان معدلات النمو السكاني المتزايدة 2.2 % والعجز الغذائي والمائي، وتغير المناخ، وتدني نوعية المياه، وتؤكد هذه الاستراتيجية أهمية التنسيق الشامل مع المؤسسات البحثية الوطنية والعربية والإقليمية والدولية.

1 - أسباب تدني إنتاجية المحاصيل واتساع هوة الفجوة الإنتاجية في المناطق الجافة ونصف الجافة:

تتباين إنتاجية المحاصيل المزروعة من دولة عربية إلى أخرى، ويعزى اختلاف المردود في وحدة المساحة إلى طبيعة النظام الزراعي المتبع، وتباين معدلات الهطل المطري، وطبيعة توزع الأمطار خلال موسم النمو، والطاقة الإنتاجية للأصناف المحلية المزروعة. وتعد إمكانية التوسع الأفقي محدودة بسبب محدودية الأراضي الصالحة للزراعة، لذلك لا بدّ من التركيز على التوسع الرأسي، من خلال زراعة الأصناف المحسّنة ذات الكفاءة الإنتاجية العالية، وتطبيق حزمة التقانات الزراعية المناسبة لكل صنف ومنطقة بيئية، وتنفيذ العمليات الزراعية في مواعيدها.

يمكن أن يُعزى تدني إنتاجية المحاصيل في المناطق الجافة وشبه الجافة إلى ما يلي:

أ)- ازدياد معدل النمو السكاني، وازدياد الطلب على المنتجات الغذائية.

ب)- تدني كفاءة النظم البيئية الزراعية الإنتاجية.

ج)- تراجع المساحة المزروعة بالمحاصيل تحت ظروف الزراعتين المروية والبعلية.

د)- تراجع حجم الموارد المائية الجوفية والسطحية العذبة، وتدني إنتاجية المياه water productivity، بسبب التغيرات المناخية.

هـ)- تراجع خصوبة التربة وتفاقم مشكلة التعرية erosion، بسبب الاستمرار في تطبيق نظم الزراعة التقليدية المكثفة.

و)- الإدارة غير المناسبة للأعشاب الضارة.

ز)- دورات الجفاف المتكررة وارتفاع درجات الحرارة.

2- المقترحات والحلول لزيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل الفجوة الإنتاجية في المناطق الجافة ونصف الجافة:

أ)- التوصيف الدقيق للنظم البيئية الزراعية في المناطق الجافة، لتحديد أهم العوامل الفيزيائية (الجوية، والأرضية)، والحيوية (المسببات المرضية، والآفات الحشرية، والأعشاب الضارة) المحددة لإنتاجية الأنواع المحصولية المزروعة، وتطوير التقانات التطبيقية للتغلب عليها.

ب)- زراعة بذور الأصناف المحسّنة ذات النوعية العالية، المتميزة بمقدرتها على التكيف مع البيئات الجافة، وذات الكفاءة الإنتاجية العالية، والمتحملة للإجهادات اللاأحيائية والأحيائية المنتشرة في المنطقة المستهدفة.

ج)- تطبيق حزمة التقانات الزراعية المثلى لكل صنف ومنطقة بيئية، لزيادة درجة التعبير الوراثي للمادة الوراثية المحسّنة المزروعة.

د)- تحديد المعادلة السمادية المثلى، وخاصةً للأسمدة الآزوتية من خلال ضبط معدل التسميد، ووقت إضافة السماد الآزوتي بما يناسب مرحلة الاستهلاك الأعظمي لزيادة كفاءة استعمال الآزوت، والحد من تلوث المياه الجوفية بالنترات (NO3).

هـ)- تطبيق نظم الإنتاج الزراعي الأقل استنفاداً للموارد الطبيعية (التربة والمياه)، التي تقلل على نحو كبير من تكاليف الإنتاج الزراعي، وتحسّن إنتاجية المياه، وتزيد غلة الأنواع المحصولية المزروعة، وتحافظ على استدامة إنتاجية النظم البيئية الزراعية، مثل نظام الزراعة الحافظة.

و)- تطبيق الدورة الزراعية المناسبة لكل منطقة بيئية، وبما ينسجم مع الاحتياجات السكانية من الغذاء، والحيوانية من الأعلاف، لضمان تحسن خصوبة التربة، وكسر دورة حياة الآفات الزراعية، وتقليل كثافة الأعشاب الضارة.

ز)- زيادة نسبة مساحة الأراضي المروية على حساب الأراضي البعلية في حال توفر مصادر المياه، مع مراعاة اتباع طرق الري الحديثة (الري بالرذاذ، الري بالتنقيط)، والابتعاد عن طرق الري التقليدية، والعمل على زيادة كفاءة نظم الري.

ح)- تأكيد أهمية تطبيق تقانة الري التكميلي تحت ظروف الزراعة المطرية، وخاصةً خلال المراحل الحرجة من حياة المحصول (الإزهار، وامتلاء الحبوب)، للحد من الانخفاض الكبير الذي يمكن أن يطرأ على الغلة الحبية إذا ما تعرضت النباتات للإجهاد المائي خلال تلك المراحل المحددة للغلة الاقتصادية.

ط)- المكافحة الفعّالة للأعشاب الضارة.

ي)- التقليل ما أمكن من فقد الحبوب خلال عمليات الحصاد وما بعد الحصاد.

ك)- تقديم الدعم للإرشاد الزراعي لزيادة كفاءته في توعية المزارعين بأهمية زراعة الأصناف المحسّنة، وتطبيق التقانات الزراعية المناسبة، وعوامل إدارة الأرض والمحصول.

ل)- العمل على تطوير طرز وراثية من مختلف الأنواع المحصولية الغذائية المهمة تتسم بكفاءتها العالية في استعمال المياه ومتحملة للجفاف والحرارة المرتفعة، ومقاومة للأمراض والحشرات مع المحافظة على طاقتها الإنتاجية، للتكيف مع التغير المناخي.

م)- استعمال التقانات الحيوية الحديثة لتسريع وتيرة العمل التربوي بما ينسجم مع وتيرة التغير المناخي، لتطوير طرز وراثية ذات مقدرة تكيفية أعلى وطاقة إنتاجية أكبر.

ن)- المحافظة على التنوع الحيوي، والموارد الطبيعية المتجددة، بهدف المحافظة على درجة تعقيد النظم البيئية، لما لذلك من دور في تقليل التأثيرات الضارة الناجمة عن التغير المناخي.

س)- الاهتمام بحفظ المصادر الوراثية المحلية، والأقارب البرية من المحاصيل وصيانتها للاستفادة منها في برامج التربية والتحسين الوراثي، لما تتسم به من صفات مرتبطة بتحمل العديد من الإجهادات اللاأحيائية والأحيائية.

أهمية استثمار التقانات الحيوية في المناطق الجافة ونصف الجافة

يقصد بالتقانات الحيوية biotechnologies مجموع التطبيقات العلمية الحديثة التي تعتمد على استخدام الكائنات الحية الدقيقة microorganisms والخلايا الحيوانية والنباتية ومنتجاتها، كالإنزيمات والهرمونات وغيرها، للاستفادة منها في تكوين منتجات جديدة أو تحسين الإنتاج. وقد مهّدت أبحاث التقانات الحيوية لنشوء فرع حيوي جديد هو الهندسة الوراثية genetic engineering التي تمكِّن من إدخال أي قطعة من الـ DNA في خلايا معينة بوساطة نواقل مناسبة مثل الفيروسات والبلاسميدات، كما تمكِّن من عزل أي مورثة وتحديد ترتيب تسلسل النوكليوتيدات فيها ثم دمجها في مورثات أخرى وفقاً لتقانة دقيقة مناسـبة. وهكذا يمكن الحصول على خلايا جديدة، سميت المحوّرة وراثياً transgenic، تستطيع القيام بوظيفة محددة مسبَّقة البرمجة. هنالك العديد من الصفات الكمية المهمة زراعياً كالغلة الحبية والجودة وبعض أشكال مقاومة الأمراض ومقاومة الإجهادات اللاأحيائية، يتحكم بها العديد من المورثات. وتسمى تلك المناطق في الجينوم genome النباتي التي تحتوي المورثات المرتبطة بصفة كمية معينة بمواقع الصفات الكمية quantitative trait loci (QTLs) . وما يجب فهمه أنه من المستحيل تعرُّف مواقع الصفات الكمية بالاعتماد على التقييم الشكلي التقليدي. وقد ساعد التوصيف الجزيئي للصفات الكمية بالاعتماد على واسمات الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين (الدنا DNA) منذ عام 1980 على إعطاء الفرصة للاصطفاء غير المباشر indirect selection لتلك الصفات المهمة.

وتعد عملية بناء خرائط الارتباط linkage maps لأنواع المحاصيل النباتية المتنوعة أحد أهم استخدامات واسمات الدنا في الأبحاث الزراعية، وتستخدم هذه الخرائط لتحديد المواقع الصبغية التي تضم المورثات المتحكمة بالصفات البسيطة (مورثة واحدة) والصفات الكمية (عدة مورثات) باستخدام تحليل مواقع الصفات الكمية، ويمكن لهذا النوع من الواسمات أن يستخدم أداةً لانتخاب النباتات المرغوبة في برامج التربية.

وقد فتح استخدام الواسمات الجزيئية في تربية النبات حقلاً جديداً في الزراعة يدعى التربية الجزيئية molecular breeding؛ حيث قُبلت الواسمات الجزيئية قبولاً واسعاً على أنها أدوات مهمة ذات إمكانات كامنة عالية لتحسين محاصيل الرز والقمح والشعير والبطاطا والذرة والدخن والمحاصيل الزيتية وأنواع محاصيل البستنة والنباتات الرعوية وغيرها من الأنواع النباتية المهمة. وقد بينت بعض الدراسات أن الواسمات الجزيئية ستؤدي دوراً حيوياً في زيادة إنتاج الغذاء العالمي بتحسين كفاءة برامج التربية التقليدية. إنّ فهم المبادئ الأساسية وطرائق تطوير واسمات الدنا والاصطفاء بمساعدتها سيساعد مربي النبات والباحثين العاملين في اختصاصات قريبة للعمل معاً لتحقيق الهدف المشترك وهو زيادة الإنتاج. ويمكن استخدام هذه الواسمات في برامج التربية لانتخاب السلالات عميقة الجذور على نحو غير مباشر من دون الحاجة إلى اختبارها في الحقل، ما يوفر الوقت والزمن والتكاليف في إنتاج أصناف مقاومة للجفاف بفترة زمنية قصيرة مقارنة مع الطرق التقليدية.

أصبحت تقانة زراعة الأنسجة النباتية plant tissue culture من الطرائق الحديثة والمهمة لمربي النبات، وقد خرجت هذه التقانة من دائرة الأبحاث إلى دائرة التطبيق العملي، ومن الحيز الضيق إلى الأفق الأوسع وهو المجال التجاري. تستخدم هذه التقانة أساساً في الإكثار السريع، وذلك للحصول على أكبر عددٍ ممكن من النباتات في أقل حيزٍ، وفي أقل وأي وقتٍ من السنة. كما استخدمت هذه التقانة لإنتاج النباتات الخالية من الأمراض، وخاصةً الڤيروسية منها، من خلال زراعة القمة القسومة (المرستيمية)، واستخدام الحرارة أو الكيميائيات لهذا الغرض. وقد قام علماء تربية النبات باستنباط سلالاتٍ عالية الإنتاج، ومقاومة للأمراض، وأخرى تتحمل الملوحة والحرارة العالية، والجفاف، باستخدام تقانة زراعة الكالوس callus. وتعد مزارع الأنسجة والخلايا والبروتوبلاست المرحلة الأولى والضرورية لتطبيق تقنية نقل المورثات المرغوبة إلى المحاصيل الاقتصادية المهمة.

إن تطور استخدام أساليب زراعة الخلايا cell culture يمكن أن يكون بمنزلة المفاتيح التي تفتح الأبواب نحو ثورة زراعية ثانية. ويُعد وجود التباين الوراثي genetic variation وتحديد الصفات المسؤولة عن تحمل الإجهاد أمراً لازماً لاستنباط أصناف متحملة للإجهادات المختلفة باستخدام الهندسة الوراثية. كما أن استخدام التقانات الحيوية على المستوى الجزيئي للمادة الوراثية أدى إلى تسريع تحسين المحاصيل وتربيتها تحت ظروف البيئات الجافة وشبه الجافة. إذ تعد الواسمات الجزيئية بالغة الأهمية على صعيد تربية النبات، إضافة إلى أنها تعد مؤشرات مساعدة في إسراع عمليات الاصطفاء والتربية، وهي بذلك تختصر الزمن الذي تستغرقه عمليات التربية إضافة إلى خفضها للتكاليف المادية، وإن تحسين المحاصيل يعتمد على نقل المورثات المتحكمة بالصفة المطلوبة، ومن هنا تأتي أهمية إنشاء خرائط ارتباط وراثية مشبعة بعدد كبير من المؤشرات ومعرفة مواقع هذه الجينات في النبات المانح، ما يساعد على تسريع برنامج العمل التربوي.

مراجع للاستزادة:

- بدر جابر، أثر الجفاف على إنتاجية الحبوب وأنماط تحملها في الزراعات المطرية (الدورة التدريبية على زراعة وخدمة المحاصيل الحقلية في المنطقة الجنوبية من سورية، إزرع 20-29/10/1977).

- محمود صبوح، أيمن العودة، حسين أسعد، خصائص أصناف أكساد من القمح والشعير ودورها في زيادة إنتاجية المناطق العربية الجافة وشبه الجافة (الندوة العلمية الأولى لعلوم المحاصيل، المنعقدة في جامعة تشرين، سورية 12- 13/11/2007).

- محمود هيثم سيد، استخدام مؤشرات من الـ DNA في انتخاب مورثات المقاومة للأمراض في الشعير، أطروحة دكتوراه (كلية الزراعة، جامعة دمشق، 2001).

-A. D. Ayers, Germination and emergence of several varieties of barley in salinized soil cultures. Agron, 1993.

-A .D .Ayers, J. W. Brown, & C. H. Wadleigh, Salt tolerance of barley and Wheat in soil plots receiving several Salinization regimes., Agron, 1992.

-Arupratan Ghosh & P. K. Jana, Dryland Farming- A Futur concept of Agriculture, Kalyani Pub., 2005.

-FAO Statistics of Food and Agriculture Organization, Rome, Italy,1999.

-H. Grausgruber, H. Bointner, R. Tumpold, & P. Ruckenbauer, Genetic improvement in grain Yield, yield Components and agronomic traits of spring barley, University of Agricultural Sciences, Vienna, Austria, 2002.

 


التصنيف : الاقتصاد الزراعي والإرشاد
النوع : الاقتصاد الزراعي والإرشاد
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1051
الكل : 58491532
اليوم : 64046

آثار الحقول المغناطيسية والكهربايئة في الخطوط الطيفية

 تتأثر أطياف الذرات أو الجزيئات المصدرة للضوء أو التي تمتصه بالحقول الكهربائية أو المغنطيسية المطبقة عليها، فتنزاح الخطوط الطيفية عن مواقعها التي كانت عليها قبل تطبيق الحقول، أو تنفصم لتظهر خطوط طيفية جديدة وفق أنواع الذرات أو الجزيئات وشدة الحقول المطبقة، وتسمى هذه الانزياحات...

المزيد »