logo

logo

logo

logo

logo

التصنيف الكيميائي الحيوي

تصنيف كيميايي حيوي

Chemotaxonomy in biology -

التصنيف الكيميائي الحيوي

عماد القاضي

نشأة التصنيف الكيميائي الحيوي وأهميته

أمثلة عن المركبات الكيميائية المستعملة في التصنيف النباتي

أمثلة عن المركبات الكيميائية المستعملة في التصنيف الحيواني

دراسة السمنتيدات

 

التصنيف الكيميائي الحيوي biological chemotaxonomy طريقة من طرائق التصنيف الحيوي (البيولوجي)، تعتمد في تحديد أواصر القرابة على تقدير التشابه في بنية بعض المركبات الكيميائية بين الكائنات الحية المطلوب تصـنيفها، وهـو حقل خصب تطوَّر تطـوراً كبيراً في العقود الأخيرة وأصبح أداة لا غنىً عنها لحل المشكلات التصنيفية.

نشأة التصنيف الكيميائي الحيوي وأهميته

أصول هذا الجانب من الأدلة التصنيفية قديمة، فقد أدت الدراسات العقاقيرية على النباتات إلى تراكم معلومات كثيرة عن المحتوى الكيميائي للنباتات استعملت في التصنيف، ولكنَّ نشأة التصنيف الكيميائي -بوصفه علماً أساسياً ومهماً- تعود إلى الخمسين سنة الأخيرة فقط، إذ أصبح الاعتماد على المعلومات المستمدة من المركبات الكيميائية للكائن الحي أحد أكثر المجالات التصنيفية أهمية وسرعة في التقدم ضمن التصنيف الحيوي؛ وبات تقييم التنوع يرتكز اليوم ارتكازاً كبيراً على استعمال المركبات الكيميائية والطرائق الجزيئية. تتلخص أهم الأسباب التي تدعو إلى ذلك في ناحيتين أساسيتين: يُلاحظ من ناحية أولى أن طيف التباين على المستوى الكيميائي أوسع بكثير من ذاك الملاحظ على المستوى المورفولوجي، فقد أظهرت الطرائق الكيميائية الحيوية أن وراء التجانس الظاهري لكثير من المجتمعات الحيوانية والنباتية تنوعاً كيمائياً حيوياً وجُزيْئياً كبيراً، وسمحت بحل الكثير من المشكلات التصنيفية وفي اختبار نقاء صنف ما. ويرى بعض العلماء من ناحية ثانية أن معظم الجزيئات المستعملة ولاسيما تلك المعتمدة على دراسة الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا) Deoxyribonucleic Acid (DNA) تعد مؤشرات أكثر وثوقية تجاه العلاقات الوراثية، لكونها عرضة للاصطفاء الطبيعي على نحو أقل من الصفات الشكلية والتشريحية، ويمكن أن تسهم في إلقاء الضوء على المسائل التطورية ونشوء الأنواع، وتعد بمنزلة نافذة على التاريخ. كما تُمكن هذه الطرائق من استعمال أي جزء من الكائن الحي، ولأي مرحلة من مراحل نموه، إذ تكون صالحة لهذا الغرض حتى إنْ كانت العينات جافة أو محنطة، مثل دراسة تنوع نباتات أو حيوانات انقرضت ولم يبقَ منها إلا عينات في المتاحف.

أمثلة عن المركبات الكيميائية المستعملة في التصنيف النباتي

يمكن لجميع المكونات الكيميائية للنبات -من الناحية النظرية- أن تكون ذات قيمة تصنيفية شريطة أن تبدي تبايناً بين الزمر النباتية المختلفة، لكن تبدو بعض أنواع المكونات والجزيئات من الناحية العملية أكثر قيمة من غيرها. وبصرف النظر عن المركبات اللاعضوية التي تكون قليلة الاستعمال، يمكن تمييز ثلاث فئات واسعة من المركبات: المُسْتَقلَبات الأولية primary metabolites، والمُسْتَقلَبات الثانوية secondary metabolites. والسمنتيدات semantides.

تُسهم المُسْتَقلَبات الأولية مباشرة في التنامي الطبيعي للكائن الحي وفي تكاثره، وهي مركبات واسعة الانتشار تؤدي وظائف فيزيولوجية جوهرية، مثلاً: حمض الليمون الذي يشترك في حلقة كريبس، يوجد في جميع الكائنات الهوائية، وبالتالي فإن مثل هذا المركب لن يكون له فائدة من وجهة نظر تصنيفية إلا عندما تُؤخَذْ في الحسبان كمية هذه النواتج بين الزمر المختلفة، كأن تكون إحدى هذه المواد بكميات كبيرة جداً في زمرة ما.

لا تُسهم المُسْتَقلَبات الثانوية العضوية مباشرة في تنامي الكائن الحي ولا في تكاثره، ولا يؤدي غيابها إلى موته الفوري، وإنما يَنجم عنها على الأمد البعيد ضرر قد يهـدد بقاء الكائن الحي أو خصوبته أو جماليته، وربما لا يحدث أي تغيير يذكر على الإطلاق. تؤدي المُسْتَقلَبات الثانوية غالباً دوراً مهماً في دفاع النبات ضد الحيوانات العاشبة والعوامل الممرضة، أو أنها تمثّل عامل جذب في عملية التأبير أو بعثرة الثمار. ويَستعمل الإنسان الكثير من هذه المنتجات في الطب ومواد منكهة وعقاقير تجميلية. لا يهتم علم التصنيف بوظيفة المُسْتَقلَبات الثانوية عندما يتناولها بالدراسة، وإنما ينظر فقط إلى وجودها أو غيابها وكميتها. ويمكن في بعض الحالات النظر إلى المسارات الاستقلابية التي تتبعها بدلاً من المواد بذاتها. وتبدو المُسْتَقلَبات الثانوية محدودة الانتشار بين النباتات، وهذا ما يجعلها مهمة من وجهة نظر تصنيفية. من أمثلة المُسْتَقلَبات الثانوية: القلويدات، والفينولات، والتربينات، والزيوت، والشموع.

تُعد السمنتيدات جزيئات مشتركة بين جميع الخلايا، وقد صاغ هذا المصطلح لينوس بولينغ Linus Pauling، ومن أكثر المركبات دراسة في هذا المجال بعض البروتينات (ولاسيما تتالي الحموض الأمينية لبعض البروتينات المهمة)، إضافة إلى الإنزيمات المتناظرة Isoenzymes ودراسة التعدد الشكلي للـدنا. كما تُستعمل السمنتيدات في علم تطور السلالات (نشوء نوع من الأنواع أو تطوره) phylogeny لكونها بطيئة التغير مع مرور الزمن.

1- المركبات الفينولية مثال عن المُسْتَقلَبات الثانوية في التصنيف الكيميائي:

تعد المركبات الفينولية phenolic compounds من أكثر مركبات الاستقلاب الثانوية استعمالاً في التصنيف الكيميائي، وهي تشتمل على عدد كبير من مركبات متباعدة أساسها الفينول، وغالبيتها ذات تركيب معقد يحتوي على العديد من الحلقات العطرية والكثير من السلاسل الجانبية. وظيفة العديد منها غير معروفة، ويُعد بعضها من أهم الأصبغة في الزهرة.

تدرس الفلافونات flavonoids بكثرة، وتُعد من أهم المركبات الفينولية من الناحية التصنيفية، ولعل ذلك عائد إلى سهولة استخلاصها وتحديدها. بعض الفلافونات شائع في جميع الوحدات التصنيفية، وبعضها الآخر محدود للغاية، ولهذا تمتد فائدتها التصنيفية من مستوى الزمر العليا حتى مستوى ما دون النوع. تُعد الأنتوسيانينات anthocyanins من أهم مجموعات الفلافونات، إذ تنتشر في الغالبية العظمى من الفصائل ماعدا تسع فصائل من ذوات الفلقتين، إذ يقوم بوظائفها مجوعة أخرى من المركبات تعرف بالبيتالينات betalains. تنتمي ثمانٍ من الفصائل التسع إلى الرتبة القديمة المعروفة بمركزيات البذور Centrospermae؛ لذلك اقْتُرِح حديثاً تعديل رتبة مركزيات البذور بأن تُستبعد من الرتبة فصيلتا القرنفلية Caryophyllaceae والمولوجينية Molluginaceae (فيهما أنتوسيانينات وفاقدتان للبيتالينات)، وأن تُضم إلى الرتبة الفصيلة الصبارية Cactaceae (فيها بيتالين) التي كانت تصنف عادة في رتبة مستقلة. وعلى الرغم من أن المعلومات البنيوية لا تُعارض كثيراً ضم الفصيلة الصبارية إلى مركزيات البذور، فإن استبعاد كل من الفصيلة القرنفلية والمولوجينية لا يتماشى مع الأدلة التشريحية؛ مما دفع الكثير من علماء التصنيف إلى الجدل نحو أي النظم يتبعون. وتزايد الجدل بعد دراسة الصانعات في الأنابيب الغربالية بالمجهر الإلكتروني واكتشاف نمط خاص من الصانعات يملك حلقة حزم من خيوط بروتينية تصاحب الفصائل ذات البيتالينات، وكذلك الفصيلة القرنفلية والفصيلة المولوجينية. وهذا يوضح أنه على الرغم من ضرورة وضع الفصائل التسع ذات البيتالينات من الناحية التصنيفية معاً يجب تمييزها من هاتين الفصيلتين مع وضعها جميعاً في زمرة واحدة. يوضح الجدول (1) هذا المقترح المعدل (الاتفاقي).

الجدول (1) تصنيف رتبة مركزيات البذور Centrospermae (القرنفلية Caryophyllace) تبعاً للأدلة المستقاة من الأصبغة.

التصنيف التشريحي

التصنيف الكيميائي

التصنيف المعدل (الاتفاقي)

Centrospermae

Chenopodiales

Caryophyllales

Aizoaceae

Aizoaceae

Chenopdiineae

Amaranthaceae

Amaranthaceae

Aizoaceae

Basellaceae

Basellaceae

Amaranthaceae

Caryophyllaceae

Cactaceae

Basellaceae

Chenopodiaceae

Chenopodiaceae

Cactaceae

Didiereaceae

Didiereaceae

Chenopodiaceae

Nyctaginaceae

Nyctaginaceae

Didiereaceae

Phytolaccaceae

Phytolaccaceae

Nyctaginaceae

Portulacaceae

Portulacaceae

Phytolaccaceae

Molluginaceae

 

Portulacaceae

Cactales

Caryophyllales

Caryophyllineae

Cactaceae

Caryophyllaceae

Caryophyllaceae

 

Molluginaceae

Molluginaceae

2- البروتينات الادخارية في البذور:

عدّ استعمال مرتسم profile (خريطة رحلان) البروتينات الادخارية في البذور أداةً قويةً لتعريف الأنواع النباتية إلى جانب الطرائق الأخرى المتبعة في التصنيف التقليدي، لكونه صفة نوعية ثابتة إلى حد كبير. ويبقى هذا الأمر صحيحاً فيما يخص النباتات المزروعة التي تضم عدداً كبيراً من المُدْخَلات accessions، إذ إنها تبقى مالكةً للمرتسم نفسه مادامت مأخوذة من أماكن جغرافية مختلفة ومتكيفة مع مناطق بيئية متنوعة. علاوة على ذلك، إن تركيب البروتينات البذرية ثابت وقليل التأثر بظروف الوسط أو بالتقلبات الفصلية. إضافة إلى أن التغييرات الجوهرية التي تحدث في النبات، مثل إعادة ترتيب الصبغيات حتى مضاعفة عددها ليس لها تأثير أو ضعيفة التأثير في مرتسمات البروتينات البذرية. وللحصول على مثل هذه المرتسمات تُستحصل البروتينات البذرية، ويتم إخضاعها لعملية الرحلان الكهربائي وتلوينها بصباغ نوعي، مثل تقنية الكشف عن الأصل الهجين للقمح الطري أو قمح الخبز. أو الكشف عن درجة القرابة الوراثية بين الأنواع وتحديد أصولها الوراثية. كما هي الحال في الكشف عن أصول الأقماح وحيدة البذرة T.monococcum الحامل للجينوم (AA) وعشبة حشيشة الماعز (عشبة القمح) A.speltoide الحاملة للجينوم (BB) [والذي أشير له بالشكل، 1 بالرمز (SS)]، وأن القمح الطري (قمح الخبز) T.aestivm نتج أيضاً طبيعياً من التهجين العفوي بين القمح القاسي وحشيشة الماعز Aegilops tauschii (squarrosa)الحاملة للجينوم (DD)، كذلك يمكن الحصول على نتيجة مشابهة بتطبيق تقنية التبصيم البروتيني.

يبين الشكل (1): (أ): المرتسم البروتيني SDS-PAGE للقمح، (ب): تبصيم بروتينات Khib في القمح؛ AABBDD: القمح الطري، AABB: القمح القاسي، AA: القمح وحيد البذرة، DD: حشيشة الماعز Aegilops tauschii (squarrosa) SS: حشيشة الماعز A.speltoides.

الشكل (1) المرتسم البروتيني لثلاثة أنواع من الفصيلة النجيلية.

أمثلة عن المركبات الكيميائية المستعملة في التصنيف الحيواني

يتكون جسم كل حيوان من عدد كبير من المواد الكيميائية، عدد قليل منها فقط أُخذ في الحسبان في مجال التصنيف واستنتاج الأدلة على التطور، من هذه الأمثلة:

1- الإنزيمات الهاضمة والناتج النهائي لعمليات الهضم:

الإنزيمات مركبات كيميائية تساعد على عملية الهدم (الهضم)، وتُهدم البروتينات دائماً عن طريق نوع معين من الإنزيمات مثل البِبْسين pepsin، والتريبسين trypsin وغيرهما، في جميع الحيوانات بدءاً من الحيوانات الأوالي؛ مثل الأميبة Amoeba وصولاً إلى الإنسان. يزداد التعقيد في تكوين هذه الإنزيمات من أدنى الكائنات الحية إلى أعلاها، وتبقى في الأساس هي نفسها، وبالمثل يتم هضم الكربوهدرات carbohydrate (السكريات) دائماً بالأميلاز، والدهون fats بالليباز.

وبغض النظر عن نوع الحيوان فإن المنتجات النهائية لهضم البروتينات والكربوهدرات والدهون هي الحموض الأمينية والسكريات البسيطة والحموض الدهنية fatty acids على الترتيب. ولتوضيح الدلالة التطورية للحالات المذكورة يُسْتَنْتَج أن التشابه في بنية هذه الإنزيمات وطبيعتها وبين المنتج النهائي لعمليات الهضم يرجع إلى انحدارها من أصل مشترك.

2- الهرمونات:

هي مفرزات من الغدد الصماء كالغدة الدرقية أو الغدة النخامية أو الكظر.. وغيرها. وتمتلك جميع هذه الهرمونات طبيعة كيميائية مشتركة في جميع الحيوانات، فمثلاً: تفرز الغدة الدرقية هرمون التيروكسين، ويُستعمل للتحكم في عملية الاستقلاب بغض النظر عن نوع الحيوان. وإذا ما حدث لدى الإنسان نقص في هرمون الغدة الدرقية يكفي لتصحيح هذا النقص وإعادة الاستقلاب إلى وضعه الطبيعي حقن الهرمون المُستخرج من أي حيوان وليس من الضروري أن يعطى من إنسان آخر. وإذا ما أُزيلت الغدة الدرقية من الشرغوف واستبدلت بها الغدة الدرقية البقرية فالاستقلاب الطبيعي يحدث ويتحول الشرغوف إلى ضفدع. ولتوضيح الدلالة التطورية للحالات المذكورة يمكن التأكيد أنه إن لم يكن هناك علاقة أساسية بين هذه الحيوانات، فإن هذا التبادل للهرمونات أو الغدد سيكون مستحيلاً.

3- المفرزات الآزوتية:

تفرز الكائنات الحية ثلاثة أنواع أساسية من النفايات الآزوتية (النِتْرُوجينية)، هي: الأمونيا ammonia والبولة urea وحمض البول uric acid. تميز الأمونيا الحيوانات المائية، وتتكوّن البولة من قاطني اليابسة والمياه، وتفرز جميع كائنات اليابسة حمض البول. يُفرز الضفدع في مرحلة الشرغوف الأمونيا تماماً مثل الأسماك، أما عندما يتحول إلى ضفدع بالغ وينتقل إلى اليابسة فإنه يفرز البولة بدلاً من الأمونيا، وبذلك يتضح حدوث الانتقال من السلف المائي إلى حيوان اليابسة.

يُفرز الصوص (الكتكوت) chick حتى اليوم الخامس من نشوئه الأمونيا، ومن اليوم الخامس حتى التاسع يفرز البولة، ومن اليوم التاسع فصاعداً يُفرز حمض البول. وبناء على هذه النتائج يؤكد بالدوين Baldwin على دور خلاصة كيميائية حيوية في نشوء الفقاريات مستمدة من المنتجات الآزوتية المطروحة.

4- مولدات الفُسفات (فُسْفاجين): phosphagens

مولدات الفُسفات هي مركبات فُسفورية ذات مستوى طاقيّ عالٍ، وتوجد في عضلات الحيوانات خصوصاً. تسمح هذه المركبات بالمحافظة على المخزون الفُسفاتي ذي المستوى الطاقي العالي عند تركيز محدد؛ وهكذا قد تتطلب النسج العضلية احتياجات مفاجئة لكثير من الطاقة لا يمكن توفيرها على الفور من خلال تحلل الغلوكوز أو الفسفرة التأكسدية، وبالتالي تؤمن مولدات الطاقة هذه إمداداً فورياً محدوداً في الطاقة. هناك نمطان من مولدات الطاقة في الحيوانات، هما: الفُسفوأرجينين Phosphoarginine (أو PA) لدى اللافقاريات؛ والفُسفوكرياتين Phosphocreatine (أو PC) لدى الفقاريات.

تمتلك بعض شوكيات الجلد echinoderms وطلائع الحبليات prochordates الفُسفوأرجينين، وبعضها الآخر يمتلك الفُسفوكرياتين. ويمتلك عدد قليل منها كلا النوعين من المولدات PA وPC.

ولتوضيح الدلالة التطورية للحالات المذكورة -من وجهة نظر كيميائية حيوية- يمكن القول إن هاتين المجموعتين مرتبطتان، وهذا هو الدليل الأول على أن أول حيوان حبلي ينبغي أن يكون قد اشتق من أسلاف تشبه شوكيات الجلد.

دراسة السمنتيدات:

تُعد هذه المركبات الأكثر أهمية -في السنوات الثلاثين الأخيرة- في مجال التصنيف الكيميائي الحيوي بفروعه المتعددة: الحيواني والنباتي والأحياء الدقيقة.

1- دراسة الإنزيمات المتناظرة (إيزوزيمات) Isozymes:

يقصد بالإنزيمات المتناظرة مجموعة الإنزيمات التي لها أشكال جزيئية مختلفة، ولكن لها الفعالية الوساطية نفسها. تقوم دراسة الإنزيمات على استعمال مبدأ الرحلان الكهربائي الذي يتضمن فصل جزيئات بروتينية عبر وسط حامل (هلام مثلاً) تحت تأثير حقل كهربائي. فإذا وُضعت مستخلصات الجزيئات البروتينية من الخلايا الحية للأفراد المراد دراستها على وسط حامل يسمح بحركتها، وجرى تمرير تيار كهربائي بشدة معينة ساعات عدة، فيكتسب كل بروتين شحنة كهربائية ويتحرك في حقل الهجرة بسرعة خاصة تتعلق بشحنته وبوزنه الجزيئي. وهكذا تكون الجزيئات ذات الوزن الجزيئي الصغير أسرع هجرة من تلك التي لها وزن جزيئي أكبر. ينتج من هذه العملية بعد تلوين الهلام مجموعة من البقع لدى كل فرد تسمى المخطط الإنزيمي zymmogram، وتستعمل كل عصابة (شريط) band صفة تصنيفية، ويستفاد من وجودها أو غيابها في مقارنة الأفراد بعضها مع بعض.

2- دراسة تتابع الحموض الأمينية لبروتين ما:

يُدرس تتابع الحموض الأمينية في بروتين مفرد متماثل (يفترض نشأته من سلف وحيد) خلال مجموعة من الكائنات الحية، ويقوم ذلك على حقيقة أن تركيب البروتين يتغير مع الزمن نتيجةً لحدوث بعض الطفرات؛ مما يؤدي إلى تباين بعض الحموض الأمينية فيه من دون أن تتغير وظيفته، مثل السيتوكروم C. من بين الـ 113 حمضاً أمينياً المؤلِّفة لهذا الجزيء البروتيني 79 حمضاً منها يتباين من نوع لآخر، لكن أي تغيير في أحد الحموض الأمينية الباقية والبالغة 34 سيُبْطِل وظيفة الجزيء. تم تحديد بناء السيتوكروم C، ويُعد جزيئاً مثالياً لأنه صغير نسبياً، ثابت وملون ويَكْثر انتشاره في الكائنات الحية هوائية التنفس. لقد استُنتجت علاقات القرابة بدراسة عدد لا بأس به من الكائنات الحية التي تعود إلى مختلف الممالك الممثِّلة للعالم الحي، واعتماداً على عدد الحموض الأمينية المشتركة فيما بينها (الشكل2)، (كلما كان عدد الحموض الأمينية المشتركة كبيراً دل على قرابة أكبر).

الشكل (2) شجرة النشوء التي توضح العلاقات التطورية بين مجموعة من الكائنات الحية والتي شُيِّدت من تتابع الحموض الأمينية في السيتوكروم C مقارنة بالإنسان.

3- دراسة التعدد الشكلي للـدنا DNA:

يضم جينوم genome حقيقيات النواة ثلاثة عناصر لدى النباتات، وعنصرين فقط لدى الحيوانات والفطريات:

يوجد العنصر الأول لدى الحيوانات والنباتات، ويتمثل بدنا المُتَقدِّرات mitochondria. تضم كل متقدرة عدداً من جزيئات الـدنا طول الواحدة 60-600 مكرومتر متماثلة فيما بينها، وبما أن الخلية تضم عدداً كبيراً من المتقدرات فهناك آلاف النُسَخ من الـدنا، وهو ينتقل عموماً بوساطة الأم. يستفاد من دراسة تتابع الأسس الآزوتية في هذا الـدنا - أو في جزء منه- لدى أنواع مختلفة لإيضاح مدى القرابة بين هذه الأنواع؛ ويَعْتقِد بعض العلماء أنه من خلال دراسة اختلاف دنا المتقدرات بين مختلف الأنواع ورؤية نسبة الأسس الطافرة، وبعد حساب معدل الطفرات الطبيعي يمكن الحصول على ساعة بيولوجية تعطي فكرة عن الزمن الذي مضى منذ انفصال الأنواع (أو الأصناف والسلالات) بعضها عن بعض.

يُشكل دنا الصانعات الخضراء العنصر الثاني وهو خاص بالنباتات فقط، وهكذا تضم كل صانعة عشرات من جزيئات الدنا DNA الحلقي التي يبلغ طولها نحو 50 µm، وهي متشابهة فيما بينها داخل الفرد الواحد؛ وتنتقل عن طريق الأم أيضاً. يُستفاد من هذا الدنا كما هو وارد في دنا المتقدرات.

يُعد الجين (المورثة) rbcL من أهم الجينات التي درست في جينوم الصانعات الخضراء، وهو يرمز إلى تحت الوحدة الكبرى لإنزيم روبيسكو RuBisCo أحد أهم إنزيمات التركيب الضوئي. ونتيجةً لمقارنات تسلسل نوكليوتيدات هذا الجين في الزمر التصنيفية المختلفة حصل العلماء على معطيات مهمة عن العلاقات السلالية بين مختلف هذه الزمر ولاسيما ضمن مغلفات البذور، وساعد ذلك كثيراً على إيضاح العديد من المشكلات التي كانت غامضة من قبل. لكنَّ التغيرات (الطفرات) التي تحدث ضمن هذا الجين بطيئة نسبياً، فهو جين محافظ، وبالتالي يُستعمل على مستوى الوحدات التصنيفية العليا، ولا يمكن الاعتماد عليه في استنتاج العلاقات السلالية بين الزمر القريبة بعضها من بعض أو ضمنها. ويلجأ العلماء في مجال دراسة العلاقة السلالية على مستوى الوحدات التصنيفية الدنيا إلى استعمال جينات أخرى.

يُشكل العنصر الثالث الجزء الأساسي من الجينوم، ويكون على نحو متشابه تقريباً لدى النباتات والحيوانات، ويتمثل بالـدنا الموجود في النواة والمُكَوِّن للصبغيات. ينتقل هذا الجزء من الجينوم أساساً عبر الوراثة المندلية عند حدوث التكاثر الجنسي. وتوجد التتابعات المؤلِّفة لهذا الدنا إمَّا بنسخة واحدة وإما بنسخ عدة (القطع وحيدة التكرار)، أو أن توجد بعدد كبير من النسخ تُراوح بين 10 و10000نسخة (تتابعات متوسطة التكرار)، وهناك تتابعات يراوح الواحد منها بين 10000 و1000000 نسخة (تتابعات عالية التكرار). يُستفاد من هذا الـدنا من خلال دراسة أطوال بعض تتابعاته أو درجة تكرارها لدى أفراد مختلفة. يمكن تمييز نمطين من التعدد الشكلي للدنا النووي:

أ- التعدد الشكلي الانحصاري restriction polymorphism: وُيقصد منه التغيرات الفردية في طول القطع النوكليوتيدية للـدنا المدروس بعد هدمه (قَطْعِه) بإنزيمات نوعية تسمى إنزيمات التحديد restriction enzymes. إن ما يحدد طول هذه القطع هو تتالٍ نوكليوتيدي قصير (طوله من 4- 8 نوكليوتيدات)، يتعرفه إنزيم نوعي يقطع الـدنا عندما يلاقيه. وقد سمي هذا الإنزيم النوعي بإنزيم تحديد أو إنزيم انحصاري لأنه يحدد طول قطعة الدنا. وحسب وجود1 أو 2 أو 3 مواقع قطع على سلسلة الـدنا يستحصل على 2 أو 3 أو 4 قطع (تُسمى قطعاً انحصارية) باستعمال هذا الإنزيم. بعبارة أخرى لقِطَع الـدنا الناتجة من عملية هدم بواحد من إنزيمات التحديد أطوال مختلفة؛ ومن هنا اشْتُقت عبارة (رفلب) (RFLP) Restriction Fragment Length Polymorphism التي تترجم حرفياً «التعدد الشكلي لأطوال القطع الانحصارية»، ويمكن توضيح الفكرة من خلال المثال الآتي:

استخلص دنا ثلاثة أنواع A ، B، C (الشكل3) وهدمه بالإنزيم Bam HI الذي تعرف إلى المقطع ذي التناظر العكسي الخاص به GGATCC في:

الشكل (3) التعدد الشكلي لأطوال القطع الانحصارية.

- أربعة مواقع للنوع الأول، وقَطَع DNA في هذه المواقع مما نتج منه 3 قطع (أكبرها حجماً «أطولها» القطعة 3، يليها في الصغر القطعة 1، ثم القطعة 2).

- موقعين للنوع الثاني نتيجة حدوث طفرة نقطية أدت إلى الاستبدال بالنوكليوتيد الرابع ضمن المقطع ذي التناظر العكسي وهو T نوكليوتيد آخر هو A ونجم عن هذا عدم تعرف الإنزيم إلى هذا الموقع وكبر حجم القطعة الناتجة (التي سميت القطعة 4).

- أربعة مواقع للنوع الثالث وعلى نحو مشابه تماماً للنوع الأول.

نتيجة عملية الهجرة بوساطة الرحلان الكهربائي استحصلت خريطة انحصارية تتألف من:

- ثلاث عصابات للنوع الأول والثالث، أقلها سرعة العصابة 3 لأنها أكبرها حجماً، وأسرعها العصابة 2 لأنها أصغرها حجماً.

- عصابتين للنوع الثاني، والعصابة الكبيرة أبطأ من حيث الهجرة بين جميع العصابات لأنها أكبر حجماً.

تعرف حالياً المئات من إنزيمات التحديد، وكل واحد يتعرف تتالياً خاصاً من النوكليوتيدات، ويجب أن يكون هذا التتالي ذا تناظر عكسي (يقرأ من اليمين إلى اليسار أي من باتجاه ، أو من اليسار إلى اليمين أي من باتجاه ويعطي التسلسل النوكليوتيدي نفسه). فإذا ما وُجد هذا التتالي 5مرات في جزيء الدنا فإن هذا الإنزيم سيقطعه في خمسة أماكن، وبالتالي يستحصل على 5 قطع إذا كان الـدنا حلقياً، أو 6 قطع إذا كان الـدنا خطياً.

تُعطَى إنزيمات التحديد (أو الإنزيمات الانحصارية) أسماءً تبين أسماء البكتريا التي عزلت منها، مثال عزل الإنزيم Eco R1 من بكتريا الإشريكية القولونية E. coli (souche R1) وهو يتعرف الـقطعة من الدنا ذات التناظر العكسي:.

ب- التعدد الشكلي التكراري repetition polymorphism: يُكشف فيه عن درجة تكرار بعض التتابعات متوسطة أو عالية التكرار في الدنا، ويتفاوت مدى تكرارها من فرد إلى آخر. تتكون هذه القطع من عدة نوكليوتيدات، وبحسب طول القطعة يمكن الحديث عن الساتل الصغير (ميني ساتليت) minisatellite (يقارب عشرة نوكليوتيدات)، والساتل المكروي (مكروساتليت) microsatellite (أكثر قصراً، ويتألف غالباً من نوكليوتيدين هما، أو من الثنائية المكملة لها على طول سلسلة الـدنا). وبذلك تتكوّن على هلام الرحلان الكهربائي عصابة لكل مكرو أو ميني ساتاليت مدروس. ويعتمد المكان الذي ستأخذه العصابة في حقل الهجرة على وزنها الجزيئي (الذي يدل على درجة تكرارها في الجينوم)؛ ويخضع انتقال الميني والمكروساتليت من جيل إلى آخر للقوانين المندلية، ومن هنا تتجلى كثرة استعمال هذه المقاطع في التحاليل الوراثية.

4- جينات الحمض الريبي النووي (الرنا) الريباسيribosomal Ribonucleic Acid (rRNA):

تعد جينات الرنا الريباسي تاريخياً الجينات الوحيدة التي تؤمن دراسة سهلة إلى حد ما بسبب العدد الكبير والكافي لوجودها، إذ تكون بنظام متتالٍ يضم عدة مئات إلى عدة آلاف من النسخ، وقد استعملت هذه الجينات أو المناطق التي تفصلها كثيراً في إيضاح العلاقات السلالية سواء على مستوى الوحدات التصنيفية الدنيا (دراسة التباين على مستوى مجتمعات النوع الواحد) أم على مستوى الوحدات التصنيفية العليا. وهناك قاعدة بيانات عالمية ribosomal database project تتقصى سَلْسَلة جينات الرنا الريباسي لعشرات الألوف من الأنواع الحية التي تتم في مختلف المختبرات بالعالم. وقد استحصل نتيجة ذلك على شجرة تُظهر أن هناك ثلاث مجموعات من المتعضيات: حقيقيات النواة والبكتريا الحقيقية والبكتريا القديمة (الشكل 4). ويتضح من هذه الشجرة أن الاختلاف بين المجموعتين الأخيرتين - وكلاهما من بدائيات النواة - هو أكبر من الاختلاف بين بدائيات النواة وحقيقياتها.

الشكل (4) الشجرة السلالية المبنية على معطيات rRNA. هناك ثلاثة مجالات رئيسة من المتعضيات: واحدة تمثل حقيقيات النواة، واثنتان تمثلان بدائيات النواة.

وهكذا يتضح أن علم التصنيف يستعين بكل فروع علم الأحياء كي يحل مشكلاته، وأن الاكتشافات الحديثة تؤثر دائماً في علم التصنيف، وهو علم يزدهر على نحو موازٍ لازدهار العلوم الأخرى. وسيكون لعلوم الغد دورها المؤكد في تصحيح المعارف التصنيفية واكتمالها. إن علم التصنيف عملية إبداع مستمرة، ولن يكون له حد، بل سيستمر طويلاً ما دام هناك علوم ورجال علم.

مراجع للاستزادة:

- جورجيت بابوجيان وعماد القاضي، أساسيات التصنيف النباتي (الفصائل النباتية)، منشورات جامعة دمشق، 2010.

- A. Bresinsky, et al., Strasburgers Plant Sciences, Springer-Verlag Berlin Heidelberg, 2013.

- K. G. Ramawat, Biodiversity and Chemotaxonomy, Springer 2019.

- C. A. Stac, Plant Taxonomy and Biosystematics, Edward Arnold, London, 1989.


التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا)
النوع : علم الحياة (البيولوجيا)
المجلد: المجلد الثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1054
الكل : 58492046
اليوم : 64560

البستنة في الدفيئات

التنوير (عصر ـ)   التنوير enlightment اتجاه ثقافي ساد أوربة الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير طبقة من المثقفين والمفكرين، عُرفوا باسم الفلاسفة philosophers، وكانوا صحفيين وكتاباً ونقاداً ورواد صالونات أدبية أمثال فولتير، ديدرو، كوندورسيه، هولباخ، بيكاريه، ولكن هؤلاء المفكرين أخذوا عن الفلاسفة العقليين ديكارت واسبينوزا وليبتنز ولوك الذين طبعوا القرنين السابع عشر والثامن عشر بطابعهم الثقافي حتى أُطلق على هذه الفترة عصر العقل age of reason، وكان التنوير نتاجه.
المزيد »