logo

logo

logo

logo

logo

التقانة واللغة والاقتصاد في مجتمع المعرفة

تقانه ولغه واقتصاد في مجتمع معرفه

-

التقانة واللغة والاقتصاد في مجتمع المعرفة

محمد مراياتي

اللغة أداة اقتصادية

اللغة صناعة وسلعة

صناعة المحتوى

 

تكاد تكون البحوث والدراسات في اللغة والاقتصاد معدومة في الدول النامية؛ في حين أن الاهتمام بهذا المجال بدأ منذ ثلاثة عقود في العديد من الدول المتقدمة، وما زالت البحوث والدراسات فيه تتزايد باطّراد، آية ذلك إنشاء مجموعات بحثية لدى مختلف أقسام الاقتصاد في الجامعات ومراكز البحوث العالمية لهذه الغاية.

يشهد العالم تغيرات جذرية في أوجه مناشط الحياة كافة، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويطلق على المجتمع الجديد الناتج من تلك التغيرات اسم مجتمع المعرفة. ومن هذه التغيرات  تعاظم دور اللغة اقتصادياً، حيث تقوم اللغة بدورين اثنين من الناحية الاقتصادية؛ فهي أولاً أداة من أدوات الاقتصاد ولها مكانتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول والأمم؛ إذ يُعدّ استعمال اللغة بمردود جيد وكفاءة عالية أساسياً لتحقيق النمو الاقتصادي، وضرورياً في عملية التنمية. وهي ثانياً صناعة وسلعة ثقافية؛ أي إنها قطاع اقتصادي، وقد ازداد دور الصناعات الثقافية -وقاعدتها اللغة الوطنية- في الاقتصاد العالمي مؤخراً تزايداً كبيراً جداً.

اللغة أداة اقتصادية

1.    ازدياد أهمية اللغة في النمو الاقتصادي:

مع تحول الاقتصاد العالمي أكثر فأكثر نحو الاعتماد على المعرفة تتعاظم قيمة الأصول غير المادية أو الأصول المعرفية ويكبر دورها، واللغة هي وعاؤها. فمن أهم مظاهر هذا التحول تعاظم تأثير المعرفة -ومنها الابتكار والعلم والتقانة- في النمو الاقتصادي. وقد انكبّ علماء الاقتصاد الكبار على محاولة فهم هذا التحول وقياسه؛ فطوّروا نظريات النمو الاقتصادي growth theory التقليدية، وطرحوا نظريات جديدة. فقد أَدْخلَ عالم الاقتصاد سولو Solow الحائز جائزة نوبل عاملَ التقدم التقاني في النظرية الكلاسيكية الجديدة للنمو الاقتصادي، ورأى اقتصاديون في أواخر الثمانينيات وفي التسعينيات من القرن الماضي أن هذا غير كافٍ لشرح دور الابتكار والعلم والتقانة في النمو الاقتصادي، وذلك لأن هذا العامل يدخل بصفة خارجية exogenous ؛ لذلك طرحوا نظرية جديدة تربط النمو بالابتكار وبالتقدم العلمي والتقاني بأسلوب مباشر وبصفة داخلية endogenous . ومن هؤلاء الاقتصاديِّين بول رومر Paul Romer من جامعة ستانفورد، وخلاصة ما قال إن النمو الاقتصادي لبلد ما أو إقليم ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بمستوى المعرفة -ولا سيما العلمية والتقانية- لهذا البلد، وبمعدل نمو هذا المستوى، ويكرر أن اللغة الوطنية هي وعاء هذه المعرفة.

 من المعروف أن زيادة النمو الاقتصادي أي زيادة الناتج المحلي الإجمالي، هي مفتاح حلِّ أهم القضايا الاقتصادية المعاصرة مثل: توليد فرص العمل، وتنويع النشاطات الاقتصادية، وزيادة دخل الفرد، وتحسين نوعية الحياة. كلُّ هذا يبيّن أهميةَ الدور الذي تنهض به اللغة العلمية والتقانية الوطنية عندما تتقنها القوى العاملة وتتعلم بها وتترجم لها، وربما يعطي مؤشراً إلى أحد عوامل الإخفاق في تحقيق التنمية عند فقدان هذا الدور.  وأخيراً فإن التوجه نحو الإقليمية الذي يقابل انتشار العولمة يتطلب الاهتمام باللغة الوطنية على المستوى الإقليمي، للاستفادة -كما سيأتي- من عائدات اقتصادية كبيرة تتأتى من طريق ما يسميه الاقتصاديون بعائدات التشبيك الناتجة من وجود اللغة المشتركة في التجمعات الإقليمية، ومن عائدات الصناعات الثقافية.

2.    وظائف اللغـة في الاقتصـاد:

تؤدي اللغة عدداً من الوظائف المهمة للاقتصاد فهي:

 أ- وظيفة التواصل: تُوفِّر تبادلَ المعرفة والخبرة بين أفراد المجتمع ومؤسساته؛ فهي وسيلة هذا التبادل، ومن ثمَّ تقوم بدور اقتصادي كدور المال الذي يوفر تبادُل السلع من وجهة النظر الاقتصادية.

ب- وظيفة الترجمة: يُحقِّقُ إتقانُ القوى العاملة للغة العلمية والتقانية نقْلَ التقانة إلى المجتمع من المنابع العالمية لها.

ج- وظيفة التعاون والعمل المشترك: إن العمل المشترك والتعاون المنتِج والفعّال في المكتب والمصنع والحقل يحتاج إلى لغة علمية وتقانية (تكنولوجية) حيّة، وهذا لا يتحقق إلا باستعمال اللغة الوطنية.

 د- وظيفة التعلّم: إن تعلمَ العلم والتقانة والتدرب عليهما، وتحويل هذه المعرفة إلى خبرات وإلى منتجات وخدمات؛ يحتاج إلى اللغة.

ه- وظيفة إتاحة النفاذ إلى المعرفة: إن توظيفَ المعرفة توظيفاً فعّالاً من قبل القوى العاملة ومن قبل كامل المجتمع يحتاج إلى انتشار هذه المعرفة باللغة الوطنية؛ للوصول إلى ما يسمى بمجتمع المعرفة الذي لا يمكن أن يكون بلغة أجنبية.

3.    السياسة اللغوية إحدى سياسات الاقتصاد: 

 إن رأس المال البشري يوازي اقتصادياً رأس المال المادي، وتُّعدّ عائدات الاستثمار في كلٍّ منهما أساساً للنمو الاقتصادي. وإن تعلمَ اللغة العلمية والتقانية واستعمالهما باللغة الوطنية هو زيادة في رأس المال البشري. من جهة أخرى تقوم اللغة في الاقتصاد بدور يوازي الدور الذي يقوم به النقد (المخطط 1)؛ فالنقد هو الأداة الاقتصادية لتسهيل تبادل الأصول المادية كالسلع والخدمات، واللغة هي أداةٌ لتسهيل تبادل الأصول غير المادية أي المعرفة بكل أشكالها. وبناءً على ذلك تضع الدول سياستها اللغوية بهدف تنمية الأصول غير المادية في اقتصادها، مثلما تضع سياستها النقدية لتنمية الأصول المادية؛ وكلا السياستين مهمتان للاقتصاد. والجدير بالذكر أن معظم المبادئ والقوانين الناظمة للسياسة النقدية تنطبق على السياسة اللغوية.

المخطط (1) دور اللغة الاقتصادي.

 

عند النظر في الأهمية الاقتصادية للغة يجري التمييز بين عدة مستويات أو أنواع لغوية؛ فمن هذه المستويات ما يُعدّ -من وجهة النظر الاقتصادية- رأسَ مالٍ بشرياً له عائد اقتصادي، ويؤدي دوراً في تنمية الأصول غير المادية وفي النمو الاقتصادي، ومنها ما يُعدّ إنتاجاً ثقافياً، ومنها ما يُعدّ استهلاكاً ثقافياً، ومنها ما هو مكتسب طبيعي لا أثر له في النمو الاقتصادي.

إن وحدة اللغة الوطنية المستعملة مهمة في الاقتصاد، مثلها مثل فائدة وحدة النقد وعدم تعدده في اقتصاد الدول. وعليه فإن العديد من الدول ذات المجتمعات متعددة اللغات اعتمدت لغة رسمية واحدة لغةً وطنيةً. ولم تكن دواعي هذا الاعتماد ثقافيةً وسياسيةً؛ بل كانت الدواعي اقتصادية بحتة. ومن أمثلة هذه الدول: ماليزيا، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وتنزانيا. ويشهد العالم توجهاً لدعم اللغات الإقليمية في مقابل العولمة، وهناك دلائل على توجه العالم إلى وجود عدة لغات عالمية lingua franca تجني عائدات اقتصادية من تعلم الآخرين لها مثل: الإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية.

4.    نظريـات في اقتصـاد اللغــة:

    عُني الباحثون الاقتصاديون باقتصاد اللغة من وجهات نظر مختلفة ولعلاج قضايا محددة؛ إلا أنه يمكن تلخيص القاسم المشترك بين معظم الدراسات في ثلاث نظريات أو ثلاثة نماذج لاقتصاد اللغة هي: نموذج التجارة، ونموذج رأس المال البشري، والعائدات الجانبية المتأتية من الانتشار أو التشبيك network externalities.

آ - نمــوذج التجــارة:

وهو من أبسط النماذج في اقتصاد اللغة، وينطلق من حالة التجارة بين جهتين أو دولتين متقاربتين في الحجم ولكلٍّ منهما لغة مختلفة عن الأخرى، وسلع أو خدمات مختلفة تُصدِّرها إلى الأخرى. إن تحليل هذه الحالة التي تدفع فيها كل جهة كلفة تعلم لغة الجهة الأخرى حتى تُصدِّر إليها؛ يؤدي إلى النتائج التالية:

-     معرفة اللغة نفقة ضرورية لها عائد في عملية التبادل التجاري، مثلها مثل تكلفة النقل أو الشحن مثلاً.

-     إن الجهة التي تستثمر في تعلم اللغة الثانية (الأجنبية)، لتستورد لا لتُصدِّر؛ هي الجهة الخاسرة في هذا النموذج.

-     إن الدولة التي تنجح في إقناع الدول الأخرى بتعلم لغتها لكي تصدّر إليها تربح ربحاً مضاعفاً (تربح كلفة الاستثمار في تعلم الآخرين لغتَها، وتربح كلفة الترجمة في عمليات التصدير). ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن الشركات الفرنسية ترسل ممثليها ومنتدبيها إلى دول المغرب العربي من دون أن تصرف عليهم ليتعلموا اللغة العربية؛ في حين تُعلِّمُ اللغة العربية لممثليها المرسلين إلى دول المشرق العربي ودول مجلس التعاون الخليجي.

-     إن الترجمة أو تعلم اللغة العلمية الأجنبية مع عدم انتشار لغة العلم والتقانة في المجتمع باللغة الوطنية يفيد في الاستيراد (فائدة منقوصة)؛ ولكن يرافقه ضعف في التصدير، فهو إذاً استثمار لفائدة الدول المصدِّرة. ومن المعلوم أن المجتمعات غير العلمية هي مجتمعات مستوردة تتفاقم فيها البطالة؛ إذ إن فرص العمل تتناسب طرداً مع الفرْق بين الصادرات والواردات (التصدير – الاستيراد).

-     تعد كندا من أهم الأمثلة العملية على تطبيق هذا النموذج في السياسة اللغوية للدول؛ فهي تحمِّل ميزانية المقاطعات الإنكليزية كلفة الاستثمار في تعلم اللغة الإنكليزية في المقاطعات الفرنسية.

-     من المعروف أن كثيراً من الدول قد تنبَّهت لدور اللغة الاقتصادي واستثمرته. ومن أمثلة قيام تكتلات اقتصادية وسياسية وثقافية مبنيّة على اللغة؛ دول الكمنولث، والفرانكوفونية، والجامعة العربية. وتختلف أهمية دور اللغة الاقتصادي بين تكتّلٍ وآخر.

ب - نمـوذج رأس المـال البشـري:

إن الاستثمار في لغة العلم والتقانة واستخدامها من قبل أفراد المجتمع له عائد اقتصادي يزداد كلّما أتقن الفرد استعمال هذه اللغة. ويتأثر هذا الإتقان بجودة تعليم الأساتذة اللغة وجودة المناهج والطرائق المستعملة في التعليم (المخطط 2).

العائد = الوارد من معرفة اللغة العلمية والتقانية مطروحاً منه المصروف على تعلمها.

الربح = المخرجات/المدخلات.

يتأثر الربح بتمكن الفرد من اللغة الوطنية العلمية والتقانية، وبإتقان العائلة والأساتذة لهذه اللغة، وحماسهم ونظرتهم لها، وبالسياسة اللغوية للحكومة.

 

 

المخطط (2) عائد الاستثمار في اللغة الوطنية العلمية والتقانية.

- تقول نظرية النمو التقليدية إنّ النمو الاقتصادي تابع لعاملي رأس المال والعمالة؛ فيما تنص نظرية النمو الجديدة على أن معدل هذا النمو يتناسب مع المستوى المعرفي ومع معدل تنامي هذا المستوى. ويدخل في المستوى المعرفي كلُّ ما يتعلق بالقوى العاملة أو رأس المال البشري. وتعد معرفة القوى العاملة للغة العلمية والتقانية -كلٌّ بحسب حقله وحاجته- من المركبات الأساسية لرأس المال؛ إذ إن اللغة هي وعاء المعرفة ولها وظائفها الاقتصادية.

- بدأت المجتمعات الحالية تتباين بعضها عن بعض ليس بفروق الدخل بل بفروق المعرفة.

o صارت المعرفة ووعاؤها -أي اللغة- من الأصول assets في عملية الاستثمار في رأس المال البشري وتنميته، وأصبح علم إدارة المعرفة من العلوم الأساسية.

o تؤثر اللغة في التكامل الاقتصادي والاجتماعي للأمة، بحسب رأي العديد من الاقتصاديِّين انطلاقاً من وظائفها الاقتصادية التي ذُكرت سابقاً.

o إن تعلم اللغة العلمية والتقانية باللغة الوطنية هو خيار اقتصادي فردي وحكومي، ويجب ألَّا يترك لقانون السوق بحسب رأي الاقتصاديِّين، لأن هناك إخفاقاً في عمل عوامل السوق في هذا المجال.

o تدل الإحصائيات على أن دخلَ وحيدي اللغة في كندا (الإنكليزية أو الفرنسية) متساوٍ وسطياً، لتساوي مستواهم العلمي والتقاني، ودخل ثنائيي اللغة يزيد وسطياً 6%. كما تدل على أن عدم معرفة اللغة العلمية والتقانية تؤثر في فرص العمل، والتدريب والترقية. فاللغة من مقومات رأس المال البشري.

ج - نمـوذج العائـدات المتأتيـة من التشبيـك:

يقول أصحاب هذا النموذج إن تعلم الأفراد اللغة العلمية والتقانية من قبل الأفراد له فائدته الاقتصادية للجميع. ويشبه هذا النموذج استعمال الهاتف والفاكس والإنترنت؛ فكلما زاد عدد المشتركين ومستعملي الهاتف زادت فائدته للجميع، وكان عائده أكبر عليهم جميعاً، وتسمى هذه الحالة اقتصادياً الانتشار أو التشبيك network externality. كما أن تعلُّم العلم والتقانة باللغة الوطنية وترجمتهما إليها يعمم الفائدة على المجتمع كلِّه، وإن عدم نشر لغة العلم والتقانة في المجتمع يؤدي إلى خسارة المجتمع كلِّه.

إذ من المثبت اقتصادياً أن تعلُّم العلوم والتقانة وتعليمها بلغة أجنبية له مردود وعائد اقتصادي إيجابي على الفرد المتعلّم؛ ولكن عدم تعلم هذا الفرد باللغة الوطنية يضر باقتصاد المجتمع كلّه لأنه يعطل وظائف اللغة التي ذكرت أعلاه. أخيراً يلخص المخطط (3) أهم المبادئ المتداولة المتعلقة بدور اللغة في الاقتصاد.

اللغة صناعة وسلعة

  غدا قطاع الصناعات الثقافية وقاعدتها اللغة الوطنية من القطاعات الاقتصادية الكبرى عالمياً، وهي جزء ممّا يسمى بالصناعات الإبداعية، ومعدل نمو هذا القطاع من أعلى المعدلات، وله صفات وتوجهات واعدة. وقد استطاعت العديد من الدول النامية الدخول في هذا القطاع وزادت حصتها فيه على حصة دول متقدمة.

إن اعتماد الاقتصاد على المعرفة وانتشار تطبيقات المعلومات والاتصالات جعل للصناعات الثقافية دوراً متعاظماً في عملية التنمية تجلّت أبعاده في حجم مساهمة هذه الصناعات في الناتج المحلي الإجمالي للدول التي اهتمت بها، وفي مساهمتها في إيجاد فرص عمل وطنية، وتنويع الاقتصاد، وزيادة الصادرات. حتى إن مساهمة الصناعات الثقافية في الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول فاقت مساهمة قطاعات صناعية كبيرة مثل: الصناعات الغذائية، وقطاع البناء، وقطاع الحواسيب وملحقاتها. ومن هذه الدول مثلاً: هولندا والسويد وبريطانيا وبولندا وفنلندا والدنمارك ولاتفيا ولتوانيا.

وكان الاعتقاد السائد قبل عقدين من الزمن لدى بعض الاقتصاديِّين أن الاستثمار الاقتصادي في الحقول الثقافية بما فيها الفنية والأدبية، وفي اللغة أيضاً؛ هو استثمار استهلاكي. واستثنوا من ذلك الحالة التي يهدف فيها هذا الاستثمار إلى الإسهام في وحدة الأمة وفي تحسين الحالة النفسية الجماعية لها، وفي المساهمة في تنمية التلاحم الاجتماعي للدولة إنتاجياً.

وقد تبدل هذا الاعتقاد حالياً لدى الكثير من الدول بعد أن نمت الصناعات الثقافية بما فيها الصناعات اللغوية لتصبح قطاعاً إنتاجياً مهماً ومتنامياً، يوفر الكثير من فرص العمل ومن عائدات التصدير، ويسهم في النمو والتنمية أكثر من العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، ويعد جزءاً من القوة الناعمة للدولة. ولا يسمح المجال هنا للدخول في أنواع الصناعات الثقافية والصناعات القائمة على اللغة، وسيكتفى فيما يلي بإحداها، وهي صناعة المحتوى.

صناعة المحتوى

إن مجمل ما يوجد من معلومات في لغة ما بشكل مخزون رقمي في الحواسيب offline أو موضوع على الشبكات الحاسوبية online؛ هو ما اصطُلح على تسميته المحتوى الرقمي. ويمكن تصنيف هذا المحتوى في خمسة أنواعٍ عامة هي: معرفة ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومَن؟ وأين؟ وتعمل تقانة المعلومات الآن على ترميز أنواع المعرفة هذه وتحويلها إلى سلع تؤثر –على نحو مباشر أكثر ممّا مضى- في الاقتصاد والمال والثقافة والمنعة الوطنية. إن هذا الترميز للمعرفة وتخزينها رقمياً انطلاقاً من توفرها بصورة معلومات ورقية وأوراق عمل ومراجع وفهارس وصور وصوت وأفلام ورسومات، وتسهيل نقلها عبر الشبكات الرقمية العالمية؛ يجعلها أداة للتنمية الاقتصادية والثقافية والأمنية ويمنحها دوراً فعالاً للغاية في مجتمع المعرفة الذي ينقل المعرفة ويولدها ويستعملها لخدمته في المجالات كافة. والخلاصة أن توفير المعرفة باللغة الوطنية وتحويلها إلى معلومات رقمية يجعلها تتحول إلى سلعة تزداد أنواعها يوماً بعد يوم ويزداد دورها في الاقتصاد العالمي.

تؤدي صناعة المحتوى دورين اقتصاديِّين؛ الأول أنها قطاع صناعي أساسي في الصناعات الثقافية، وهو قطاع معرفي بازغ ومهم، والثاني أنها مولد للأصول غير المادية للاقتصاد الوطني أو مراكم للثروة أو لرأس المال المعرفي.

        تعود تنمية المحتوى الرقمي بفوائد أخرى؛ فالفائدة الأولى أنها تسمح بالانتقال في النفاذ إلى المعرفة من نخبة صغيرة في المجتمع تتكلم الإنكليزية أو الفرنسية؛ إلى قوى المجتمع العاملة بأسرها، وهي عامل مهم جداً في الاقتصاد الجديد وفي مجتمع المعرفة القادم، كما أنها ستحفظ التراث رقمياً وتبرزه عالمياً. والفائدة الثانية أنها تسهم في تنشيط تعليم أفراد المجتمع وتعلمهم وتدريبهم على استعمال التقنيات الجديدة الفعالة كالإنترنت عبر التعليم الإلكتروني، والكتاب الإلكتروني، والتدريب عن بُعد وغيره. وأما الفائدة الثالثة فتتحقَّق عن طريق زيادة التجارة الإلكترونية المحلية والبينية. وأما الفائدة الرابعة فستتأتى عبر تطبيق الحكومة الإلكترونية التي يتوخى أن تؤدي إلى شفافية الإدارة وفعالية الحكم الرشيد. وثمة فائدة خامسة تتحقق من خلال تشبيك مختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الإقليمي كتشبيك مراكز البحوث والجامعات والصناعات عبر بوابات تنشأ لهذا الغرض. 

 

مراجع للاستزادة:

- الاقتصاد واللغة، سلسلة عالم المعرفة، ترجمة أحمد غصن، 2000.

- محمد مراياتي، اللغة والتنمية المستدامة: دور اللغة في التحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة، كتاب صادر عن مركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية، الرياض 2014.

- S. Voshmgir, Token Economy: How the Web3 reinvents the Internet (Token Economy: How the Web3 reinvents the internet (English original & foreign language translations)), Shermin Voshmgir, BlockchainHub Berlin 2020.

T. Wang, Techonomics You Should Know: Life-Changing Economics of Disruptive Technologies, Independently published 2023.

 


التصنيف : كهرباء وحاسوب
النوع : كهرباء وحاسوب
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 58491731
اليوم : 64245

الآثار الكهرحرارية

أصول المحاكمات   أصول المحاكمات la procédure تعبير يطلق على مختلف القواعد المتعلقة بتحديد الاختصاص القضائي ورفع الدعوى وسيرها أمام المحاكم والطلبات والدفوع التي تقدم في أثنائها، والأحكام التي تصدر بشأنها وطرق الطعن بهذه الأحكام، وتنفيذها. ولهذه القواعد أثرها في زيادة المعاملات وتنشيط الحياة الاجتماعية في المجتمع لأنها من العوامل المهمة في استقرار المعاملات بين الناس وفي اطمئنانهم على حقوقهم، كما أنها تؤدي إلى ضمان وصول الحق إلى صاحبه من غير مشقة ذاتية ولا كبير عناء مما يقوي الائتمان ويزيد الضمان.
المزيد »