تشاندرا (مرصد الأشعة السينية -)
تشاندرا (مرصد اشعه سينيه )
Chandra X-Ray Observatory -
تشاندرا
تشاندرا (مرصد الأشعة السينية -)
موفق تقي الدين
مرصد الأشعة السينية تشاندرا Chandra X-ray Observatory (CXO) هو مقراب telescope فضائي مصمم لكشف انبعاثات emissions الأشعة السينية من المناطق عالية الطاقة في الكون خاصة؛ مثل النجوم المنفجرة exploded stars وعناقيد المجرات clusters of galaxies والمادة المحيطة بالثقوب السوداء. ولما كان الغلاف الجوي للأرض يمتص الأشعة السينية كان لزاماً وضع تشاندرا في الفضاء على مدار يعلو الغلاف الجوي الأرضي ليصل ارتفاعه إلى 139 ألف كم.
ويعمل مرصد الأشعة السينية تشاندرا في مجال الأشعة السينية بحساسية عالية تفوق المقاريب السابقة له، ويستطيع أن يرصد طيفاً واسعاً من الأشعة السينية التي تصدرها مكوّنات الفضاء ويحللها. وسُمّي تشاندرا تخليداً لذكرى العالم الفلكي الأمريكي الهندي الأصل سابرامانين تشاندراسخار Subrahmanyan Chandrasekhar الحائز جائزة نوبل للفيزياء عام 1983؛ لإبداعه في مجال تطور حياة النجوم؛ وإيجاده الكتلة العظمى maximum mass لنجم قزم dwarf star أبيض مستقر؛ والتي تُعرف بحدّ تشاندرا Chandrasekhar limit والتي تبلغ قرابة 1.4 مرة كتلة الشمس. ويعني اسم تشاندرا باللغة السنسكريتية القمر أو المضيء.
وتشاندرا هو النموذج الثالث من مراصد الأشعة السينية الكبيرة الفضائية؛ إذ كان أولها المرصد الفضائي أوهورو UHURU، ويُعرف أيضاً باسم الساتل الفلكي الصغير )1Small Astronomical Satellite 1(SAS- أو SAS-A، وقد أطلق إلى الفضاء في 12 كانون الأول/ديسمبر 1970 واستمر بعمله لمدة ثلاث سنوات معطياً صوراً للأشعة السينية الكونية. أما النموذج الثاني فكان مقراب الفيزياء الفلكية عالي الطاقة 2 High Energy Astrophysical Observatory-2 (HEAO-2)، وقد أُطلق في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، وأعيدت تسميته بعد إطلاقه ليصبح مرصد آينشتاين Einstein Observatory للأشعة السينية، واستمر بعمله لمدة أربع سنوات.
ورغبةً من إدارة الطيران والفضاء الوطنية (ناسا) National Aeronautics and Space Administration (NASA) في تطوير برنامجها الفضائي تعاقدت مع مرصد سميثسونيان للفيزياء الفلكية Smithsonian Astrophysical Observatory (SAO) في عام 1991 لبناء مرصد تشاندرا الذي أصبح اسمه مركز تشاندرا للأشعة السينية Chandra X-ray Center (CXC)، ثم توسع ليشمل العلماء والمهندسين والفنيين من مرصد سميثسونيان ومعهد ماساتشوستس للتقانة Massachusetts Institute of Technology (MIT) وشركة نورثروب غرومان Northrop Grumman Corporation. وقد تولت هذه المجموعة مسؤولية تصميم مرصد الفضاء تشاندرا واختباره؛ بما في ذلك تخطيط المهمة ومعايرة الأجهزة ومعالجة البيانات. وفي عام 1996 قامت ناسا بتعديل العقد وإنشاء مركز مراقبة العمليات Operations Control Center (OCC)، وبموجبه غدا مركز تشاندرا للأشعة السينية CXC يعمل بإمرة مركز مارشال لرحلات الفضاء Marshall Space Flight Center التابع لناسا والذي يتحكم بمدار تشاندرا ويضمن سلامته.
أُطلِقَ تشاندرا في 23 تموز/ يوليو عام 1999 من مركز كيندي الفضائي محمولاً على مكوك الفضاء كولومبياColumbia space shuttle، بقيادة إيلين كولين Eileen Collins وهي أول رحلة فضائية بقيادة امرأة. واستقر تشاندرا على مدار يصل بعده الأقصى عن الأرض إلى 139000 كم؛ أي على مسافة تقارب ثلث المسار إلى القمر -أي أبعد بنحو 200 مرة من مدار مقراب الفضاء هبل Hubble- في حين يصل بعده الأدنى عن الأرض إلى مسافة 16000 كم، وينجز دورته حول الأرض في 64 ساعة و18 دقيقة. وبفضل دقته وحساسيته العالية للأشعة السينية وبسبب وجوده خارج الغلاف الجوي للأرض الذي يمتص طيفاً واسعاً من الأشعة؛ يستطيع مرصد الأشعة السينية تشاندرا التقاط منابع أشعة سينية أشد خفوتاً من قدرة المقاريب السابقة وكشفها وتحليلها. وتعدّ الصور التي يلتقطها تشاندرا أكثر حدة sharper بخمس وعشرين مرة من أفضل مقاريب الأشعة السينية السابقة.
كان العمر الافتراضي لعمل تشاندرا عند إطلاقه 5 سنوات، ولكن بعد مضي ما يقارب سنتين على عمله بنجاح؛ أعلنت ناسا في 4 أيلول/سبتمبر عام 2001 تمديد عمره الافتراضي إلى عشر سنوات بناءً على ثبات حالته الفيزيائية وجودة أدائه، وفي عام 2019 احتفلت ناسا بمرور عشرين عاماً على إطلاقه، وهو ما زال يؤدي مهمته جيداً.
يضع فريق مركز تشاندرا للأشعة السينية CXC بعد دراسة دقيقة لمقترحات الرصد المقدَّمة من العلماء في جميع أنحاء العالم برنامجاً لعمل تشاندرا السنوي، وترسل أوامر الرصد من مركز مراقبة العمليات OCC إلى إحدى المحطات الثلاث التابعة لناسا والواقعة في إسبانيا وأستراليا وكاليفورنيا، ومنها تُرحَّل أوامر الرصد المطلوبة إلى تشاندرا لتنفيذها. يُرسل تشاندرا البيانات العلمية التي يحصل عليها كل ثماني ساعات إلى مركز مراقبة العمليات OCC عبر المحطات الثلاث، حيث يحلل المختصون البيانات الواردة بما فيها بيانات عن الحالة الفنية لتشاندرا مثل درجة الحرارة واستهلاك الطاقة.
يتألف مرصد تشاندرا من ثلاثة أجزاء رئيسية هي: مقراب الأشعة السينية، والأجهزة العلمية التي تسجل البيانات العلمية وتنتج صورة الأشعة السينية الملتقطة وتحللها، والمركبة الفضائية التي توفر البيئة اللازمة لعمل المقراب والأجهزة المرافقة له.
1- مقراب الأشعة السينية
نظراً لقصر طول أمواج الأشعة السينية وطاقتها العالية نسبة إلى الضوء المرئي فهي تخترق الأجسام ويمكن أن تتفاعل مع ذراتها وتقتلع بعض إلكتروناتها، لذا لا يمكن استعمال العدسات الضوئية لتجميعها كما هي الحال في الأشعة المرئية، وإنما تُستخدم لهذه الغاية مرايا فائقة النعومة تُثبَّت بزاوية انحراف صغيرة جداً عن مسار الأشعة الساقطة عليها.
يتميز مقراب تشاندرا بأربعة أزواج من المرايا المتداخلة (الشكل 1) التي تتفوق على كل المقاريب السابقة لها بالنعومة والمساحة ودقة التركيب؛ ويبلغ وزنها الإجمالي 956.4 كيلوغرام، وطول كلٍ منها 83.3 سم، وهي متمحورة لتشكل مخروطاً قطره الكبير 1.2 متر. ويبلغ البعد (الطول) المحرقي focal length لمنظومة المقراب 10 أمتارٍ، ومجال رؤية قطره 1.0 درجة. وقد صُنعت المرايا وطُليت بالإيريديوم Iridium بعناية كبيرة، وجُمعت بدقة عالية تصل إلى 1.3 مكرومتر في شركة إيستمان كوداك Eastman Kodak في روشيستر Rochester في نيويورك، وقد تمكّنت الشركة من حل مشكلة تقنية واجهتها في تصنيع المقراب وهي تجنب تشوه المرايا في أثناء تركيبها؛ مع ضرورة تثبيتها بحيث تنحرف بزاوية صغيرة جداً عن الإشعاع الساقط عليها لتجميعه في المستوي المحرقي.
الشكل (1) مرايا منظار تشاندرا متداخلة ومتمحورة على شكل مخروط بطول 83.3 سم قطره الأكبر 120 سم، يصبح القطر عند نهاية المخروط 60 سم. |
2- أجهزة القياس العلمية
يدمج مرصد الأشعة السينية تشاندرا المرايا مع أربعة أجهزة قياس علمية بهدف التقاط الأشعة السينية من المنابع الفلكية. وتقوم المرايا بتركيز الأشعة السينية الواردة في بقعة بالغة الصغر (عرضها نصف عرض شعرة الإنسان تقريباً) في المستوي المحرقي (البؤري) focal plane على بعد 9.14 متر. ويكون جهازا القياس العلميان محرقيّا المستوي -وهما مطياف تصوير بجهاز (بعنصر) قرْن شِحني متطور Advanced Charge-coupled devices Imaging Spectrometer (ACIS)، والكاميرا عالية الميْز High Resolution Camera (HRC)- متوائمين بصورة جيدة لالتقاط الصور الحادة sharp images التي تشكلها المرايا ولتقديم معلومات عن الأشعة السينية الواردة: عددها وموضعها وطاقتها وزمن وصولها.
-
مطياف تصوير بجهاز قرْن شِحني متطور: يتألف من عشر شرائح جهاز (عنصر) قرْن شِحني Charge Coupled Device (CCD) chips حساسة للأشعة بدقّة عالية ومتوضعة على صفين، ميزها 0.5 ثانية قوسية 0.5 arc-sec ضمن مجال الطاقة 2.0-10 كيلو إلكترون فولط keV، وحساسيتها عالية جداً.
-
الكاميرا عالية المَيْز: إذ يبلغ ميْزهـا أقل من 0.5 ثانية قوسية ضمن حقل رؤية 31× 31 دقيقة قوسية، وتتميز الصور التي يشكلها تشاندرا بأنها أكثر حدة من صور المقاريب السابقة بـمقدار 25 مرة.
-
شـبكة إرسـال عـالية الطاقة High Energy Transmission Grating (HETG): تتألف من مجموعتين من الشبكات: الأولى لتلقّي الأشعة متوسطة الطاقة (0.4-5.0 keV) الواردة من مجموعتي المرايا الخارجية، والثانية لتلقّي الأشعة عالية الطاقة (0.8-10.0keV) الواردة من مجموعتي المرايا الداخلية. وتُركَّب المجموعتان في المستوي المحرقي للمرايا وتعملان بتزامن لتسجيل أطياف الأشعة السينية المتجمعة في المستوي المحرقي وتحويلها إلى بيانات يمكن تخزينها ومعالجتها؛ إذ تَلتقط المحسّات الموجودة في المستوي المحرقي الإشعاع، ثم يُعالَج في الأجهزة العلمية المرافقة للحصول على الصورة المطلوبة وتحليلها واستنباط معلومات عن حالة المنطقة المدروسة من الكون.
يتميز تشاندرا من النموذجين السابقين بأنه مزود بتقانات لحماية محسّات الأشعة السينية؛ وذلك بإزاحتها خارج المستوي المحرقي في أثناء مروره من منطقة حزامي فان آلن الإشعاعيين Van Allen radiation belts؛ وعلى الرغم من أن هذا يتسبب بتوقف عمل المرصد - أي فقدانه لأكثر من 10% من فاعليته العلمية- فإن هذا الإجراء يزيد من عمر تلك التجهيزات.
3- المركبة الفضائية
توفر المركبة الفضائية spacecraft البيئة اللازمة والمناسبة لعمل المقراب والأجهزة العلمية وسلامتهما، ومن المواصفات الفنية المهمّة للمركبة الفضائية:
-
يبلغ وزن المركبة الفضائية تشاندرا 4800 كغ، وتبلغ أبعادها 13.8 × 19.5 متر.
-
تحصل على الطاقة اللازمة لتشغيلها من ستة ألواح من خلايا السليكون الشمسية موزعة على جناحين (الشكل 2) باستطاعة 2350 واط؛ تُشحن بها ثلاث بطاريات؛ قدرة كلٍ منها 40 أمبير. ساعة.
-
مزودة بهوائيين antennas مخروطيين للتراسل، يجري البث على التردد 2250 ميغاهرتز والاستقبال على التردد 2071.8 ميغاهرتز، وتنقل البيانات بسرعة 2 كيلوبت/ ثانية (kbp/s).
-
يتمتع مرصد تشاندرا بسمات تجعله قادراً على إحراز تقدم كبير في الفيزياء الفلكية؛ فقد صُمم لرصد الأشعة السينية الصادرة من المناطق العالية الطاقة في الكون، مما مكّنه من التقاط صور متميزة لبقايا النجوم المتوهجة التي انفجرت، كما سجل أطيافاً لتشتت العناصر، ورصد المنطقة المحيطة بالثقب الأسود الهائل في مركز مجرة درب التبانة Milky Way، كما رصد ثقوباً سوداء في جميع أنحاء الكون، ودرس المساحات الشاسعة من غيوم الغازات الساخنة. ويتابع تشاندرا دراسة انفصال المادة المظلمة dark matter عن المادة الطبيعية عند تصادم المجرّات، ويساهم في دراسات المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
الشكل (2) مرصد تشاندرا. فيما يأتي بعض إنجازات تشاندرا:
1- دراسة تطور المناخ على الأرض
تغمر التوهجات الشمسية (الشواظ الشمسي) solar flares جو الأرض بالأشعة السينية وبجزيئات عالية الطاقة، والأثر الطويل الأمد في المناخ والحياة على الأرض لهذه التوهجات غير واضح، لكن يأمل علماء الفيزياء الفلكية بأن رصد تشاندرا للأشعة السينية التي تصدرها مئات النجوم- ولا سيما النجوم الشابة young stars التي تتكرر فيها التوهجات أكثر من الشمس- سوف يُيسر الحصول على تصورات جديدة عن ظروف الحياة على الأرض عندما كانت الشمس شابة، وكذلك عن دورات حياة النجوم.
2- تكوين النجوم
يتولد النجم من تكاثف الغيوم الجزيئية بتأثير قوى الجاذبية الذاتية؛ حيث تنكمش الغيوم على نفسها لتشكل كرة هائلة من الغاز والغبار، ويصاحب هذه المرحلة ارتفاع في درجة الحرارة ليحدث اندماج الهدروجين hydrogen fusion، وإذا استمرت هذه العملية تنقص كمية الهدروجين، ومع زيادة درجة الحرارة يبدأ اندماج الهليوم ثم اندماج الكربون والأكسجين والعناصر الأثقل، وتتوقف بنية النجم الناتج وحياته المستقبلية على كتلته وفقاً لمفهوم حدّ تشاندرا. ونظراً لارتفاع درجة الحرارة الهائل في أثناء مراحل التشكل فإن المواد المشكلة للنجم تصدر أشعة سينية تجعل مرصد تشاندرا قادراً على رصد تلك المراحل.
يعمل علماء الفلك على دراسة صور تشاندرا للمجرة M82 (تسمى أيضاً NGC 3034 أو سيجار Cigar، وهي تبعد عن الأرض 11.4 مليون سنة ضوئية)؛ حيث تتشكل النجوم في مركزها أسرع بنحو 10 مرات من مجرة درب التبانة، كما يُظهر الشكلان 3 و4 صور تشاندرا للغازات (اللون الأزرق) المندفعة نتيجة تشكل تلك النجوم بعيداً عن مركز المجرّة.
الشكل (3) المجرّة M82 كما يرسمها تشاندرا. الشكل (4) صورة مركبة للمجرّة M82 من بيانات الأشعة السينية لتشاندرا باللون الأزرق، والأشعة تحت الحمراء لمنظار سبيتزر Spitzer باللون الأحمر، وبيانات منظار هبل Hubble باللون البرتقالي. 3- اكتشاف النجوم الناجية من انفجار المستعر الأعظم
تمتد بقايا انفجار المستعر الأعظم supernova للنجم SNR 0509-67.5 على مسافة 170 سنة ضوئية ضمن سحابة ماجلان الكبرى large Magellan cloud؛ وعلى الرغم من شدة الانفجار فقد اكتشف مرصد تشاندرا أن النجم المرافق له بقي صامداً، وهو نجم فائق الكتلة يبعد عن الأرض 160 سنة ضوئية (الشكل 5). وتدل بيانات تشاندرا على وجود مصدر للأشعة السينية يدور حوله يُتوقّع أن يكون نجماً نترونياً أو ثقباً أسود، وتعدّ هذه الحالة هي الثالثة من نوعها التي اكتُشف فيها نجم ضخم أو نجم نتروني أو ثقب أسود مازال موجوداً في أعقاب المستعر الأعظم. كما تُظهر بيانات الأشعة السينية لتشاندرا أيضاً أن الجزء الداخلي من بقايا المستعر الأعظم غني بالأكسجين والنيون والمغنزيوم. ويرى الفلكيون أن وجود هذه العناصر مع وجود النجم الفائق الكتلة الذي لم ينفجر؛ يدل على أنّ النجم الذي انفجر كانت كتلته أكبر من كتلة الشمس بما يقارب 40 ضعفاً.
الشكل (5) المستعر الأعظم SNR 0509-67.5 مع نجمه المرافق، الصورة مركبة من بيانات مرصد تشاندرا باللون الأرجواني مع البيانات البصرية القادمة من مسح الخط الإصداري لسحابة ماجلان (باللونين الأصفر واالأزرق الفاتح)، وهي مأخوذة بالاعتماد على المقاريب الأرضية الموجودة في تشيلي.
4- الثقوب السوداء
ينهار النجم عندما ينفد وقوده النووي؛ فإذا كانت كتلة نواة النجم أو المنطقة المركزية فيه أكبر من ثلاثة أمثال كتلة الشمس؛ يُشَكِّل مركز جاذبية عميقاً في الفضاء يسمى الثقب الأسود black hole، ويستطيع تشاندرا رصد الأجسام حتى الثانية الأخيرة قبل سقوطها في الثقب الأسود.
يكتشف تشاندرا الثقوب السوداء ويرصدها ويدرس تفاصيلها، وتعطي بياناته أفضل نظرة عن نمو الثقوب السوداء على مدى مليارات السنين بعيد الانفجار الكبير big bang. وبفضل دراسة تشاندرا للمناطق الداخلية لتسع مجرات إهليلجية تمكن العلماء من تقدير معدل سقوط الغازات في الثقوب السوداء، وكذلك تقدير الطاقة اللازمة لإنتاج الفقاعات الغازية المصدرة للأشعة الراديوية، وتبين لهم أن معظم الطاقة في الثقب الأسود لا يجري إصدارها على شكل ضوء؛ وإنما على شكل نفثات jets من الجسيمات عالية الطاقة تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء مشكلةً فقاعات ضخمة.
نشرت ناسا في 15 أيار/مايو 2013 صورة تُثبت فيها اكتشاف تشاندرا لثقب أسود ضخم في مركز المجرّة 4C+29.30 يصدر نفثتين من الجسيمات عالية الطاقة، تمتد كل منهما 150000 سنة ضوئية الشكل (6)، يبعد هذا الثقب الأسود عن الأرض 850 مليون سنة ضوئية، وتقارب كتلته 100 مليون ضعف من كتلة الشمس.
الشكل (6) نفثتان من الجسيمات عالية الطاقة على جانبي الثقب الأسود في المجرّة 4C+29.30.
يعطي تشـاندرا صورة مركّبة للمجرّة NGC 4696 (الشكل 7)؛ يرمز اللون الأحمر فيها إلى سحابة كبيرة من الغاز الساخن تحيط بفقاعات عالية الطاقة رُمز إليها باللون الأزرق، تمتد إلى مسافة 10000 سنة ضوئية على جانبي المنطقة البيضاء الساطعة المحيطة بالثقب الأسود الهائل، وترمز النقاط الخضراء إلى الأشعة تحت الحمراء الصادرة من مجموعات النجوم المنتشرة على حواف المجرّة.
الشكل (7) فقاعات عالية الطاقة (باللون الأزرق) على جانبي الثقب الأسود في المجرّة NGC 4696. والتقط تشاندرا في 14 أيلول/سبتمبر 2014 صورة لتوهج الأشعة السينية الصادرة عن الثقب الأسود الفائق في مجرة درب التبانة الذي يرمز إليه بـ sgr A، وهو يزداد لمعاناً 400 مرة عن حالته المستقرة (الشكل 8). ويرمز اللون الأحمر إلى الأشعة السينية المنخفضة الطاقة، واللون الأخضر إلى الأشعة السينية متوسطة الطاقة، أما اللون الأزرق فهو للأشعة السينية عالية الطاقة.
الشكل (8) زيادة إصدار الأشعة السينية من الثقب الأسود في مجرة درب التبانة. يُعدّ الشكل (9) أعمق صورة حُصِلَ عليها؛ وقد رُكّبت نتيجة رصد تشاندرا ما يقارب 2000 ساعة لمساحة تقارب ثلثي مساحة القمر البدر، وهي تحوي نحو 5000 ثقب أسود؛ وهو أعلى تركيز معروف من الثقوب السوداء. وهذه الثقوب السوداء فائقة الضخامة، تراوح كتلة كل منها ما بين 100000 وعشرة مليارات ضعف كتلة الشمس، وتبين هذه الصورة نمو الثقوب السوداء على مدى مليارات السنين بدءاً من الانفجار الكبير مباشرة؛ إذ أصبح باعتقاد الفلكيين أن نمو الثقوب السوداء يكون على شكل دفعات وليس بالتراكم البطيء، وأن الغاز الذي يسقط في الثقب الأسود يصبح أكثر سخونة عندما يقترب من أفق الحدث Event horizon أو نقطة اللاعودة؛ مما ينتج انبعاثاً ساطعاً للأشعة السينية بطاقات متفاوتة.
الشكل (9) ثقوب سوداء في السماء العميقة، رصد تشاندرا الطاقات المختلفة للأشعة السينية الصادرة عن المواد الساقطة فيها، أعطيت الطاقة المنخفضة اللون الأحمر والطاقة المتوسطة اللون الأخضر والطاقة العالية اللون الأزرق. كما رصد تشاندرا الثقب الأسود في وسط المجرّة M87 التابعة لكوكبة العذراء Virgo constellation مرات عديدة في أثناء مدة عمله التي تجاوزت عشرين عاماً، وقد كُرر ذلك الرصد في عام 2017 بالتزامن مع عمل مقراب أفق الحدث Event Horizon Telescope (EHT) ؛ وهو شبكة من ثمانية مقاريب راديوية عالية الدّقة موزعة على ستة مواقع على سطح الأرض. يبيّن الشكل (10) التباين في الوضوح وسعة حقل الرؤية بين الصورة التي يرسمها تشاندرا وصورة EHT على الرغم من الاختلاف في مقياس الرسم؛ إذ تحدد إشارة (+) الموقع الموضح في صورة EHT. يبعد هذا الثقب الأسود 55 مليون سنة ضوئية عن الأرض، وتقدَّر كتلته بـ 6.5 مليار ضعف من كتلة الشمس.
الشكل (10) مقارنة لصورة الثقب الأسود في المجرة M87 كما رسمها المقراب EHT بالتزامن مع مرصد تشاندرا.
تَميّز تشاندرا في رصد حزمة إلكترونات -مقذوفة من ثقب أسود بعيد- تدعى B3 0727+409 بعيدة جداً في السماء العميقة، لم تتمكن من كشفها أجهزة الرصد الراديوية (الشكل 11). تنطلق الحزمة بسرعة قريبة من سرعة الضوء؛ ويبلغ طولها 300 ألف سنة ضوئية، ويُعتقد أن انبعاثها كان منذ 2.7 مليار عام فقط من عمر الكون؛ أي في الخمس الأول من عمر الكون الحالي بعد الانفجار الكبير. ويعتقد علماء الفلك أنه إذا ما تمكنوا من كشف عدد من المقذوفات البعيدة ومقارنتها بمقذوفات الثقوب السوداء القريبة؛ يمكنهم الوصول إلى فهم أفضل لتغيّر خصائص الثقوب السوداء مع مرور مليارات السنين.
الشكل (11) حزمة إلكترونات في السماء العميقة مقذوفة من ثقب أسود فائق الكتلة تدعى B3 0727+409. 5- السدم الكوكبية
تمثل السدم nebula الكوكبية إحدى مراحل التطور النجمي؛ فعندما يستنفد نجم وقوده الهدروجيني يتمدد ليصبح عملاقاً أحمر، وتندفع طبقاته الخارجية بعيدةً عنه ثم ينهار ليشكل قزماً أبيض white dwarf، فتنشأ من أعماقه الساخنة رياحاً سريعة تصدم الأجزاء المقذوفة وتجعل السديم يتمدد. وقد أجرى مرصد تشاندرا مسحاً لعدد من السدم تبعد عن الأرض نحو 5000 سنة ضوئية، وكشف إصدارات الأشعة السينية الناتجة من الصدمة التي تظهر على شكل حلقات (الشكل 12)، كما كشف في بعضها عن وجود مصدر قوي للأشعة السينية في مركز السديم يمكن أن ينبئ عن وجود نجوم مرافقة.
الشكل (12) صورة مركبة لأربعة سدم كوكبية هي: NGC 6543
وNGC 6826 وNGC 7009 وNGC 7662 من كوكبة التنين Draco بيانات تشاندرا باللون الوردي، وبيانات مقراب هبل باللون الأحمر والأخضر والأزرق.6- نمو المجرات
يعطي مرصد تشاندرا معلومات عن دور الثقوب السوداء في تطور المجرات، حيث وضّحت بيانات تشاندرا أن الغازات الساخنة يمكن أن تطلق الإشعاع لتبرد بسرعة، ثم تسقط سحب الغازات الباردة في مركز الثقب الأسود الفائق الكتلة مشكلة ما يُعرف بالهطل precipitation، فتنتج انفجارات تسخّن الغاز ولا تسمح بحدوث تبريد آخر. ويستخدم الباحثون بيانات تشاندرا لدراسة مدة تبريد الغاز على مسافات مختلفة من الثقب الأسود والتنبؤ بالمناخ حول تلك الثقوب السوداء، وتأثير ذلك في نمو المجرات. كما أن رصد تشاندرا للأشعة السينية الصادرة عن الكوازارات quasars وما فيها من ثقوب سوداء -وهي تشبه النجوم في المقاريب الضوئية- يعود بالعلماء إلى عشرة مليارات سنة مضت وكأنها ترصد لحظة تشكل المجرّات.
7- تمدد الكون
توصلت الدراسة التي أجراها -في نيسان/أبريل 2020- باحثون من مركز الفيزياء الفلكية Center for Astrophysics في جامعة هارفرد Harvard وجامعة بون Bonn University لمعالجة البيانات التي حصلوا عليها من تشاندرا ومن المرصد الفضائي للأشعة السينية-نيوتن الذي أطلق عليه المهمة المتعددة المرايا للأشعة السينية X-ray Multi-Mirror Mission- Newton (XMM-Newton)- العائد إلى وكالة الفضاء الأوربية European Space Agency- لقياس سرعة انتشار المئات من عناقيد المجرات galaxy clusters والأجرام الفضائية الناتجة من الانفجار الكبير؛ إلى أن سرعة الانتشار ليست متساوية في جميع الاتجاهات؛ وإن كان ذلك يعني أن الكون غير متناظر لكن الدراسة لم تجرؤ أن تنقض نظرية تناحي (تناظر) الكون isotropic universe.
8- نشوء العناصر الثقيلة
يرى علماء الفلك أن معظم العناصر الأساسية للحياة على الأرض مثل الكربون والآزوت (النتروجين) والأكسجين والحديد نشأت نتيجة التفاعلات النووية في أعماق النجوم الضخمة، وهي تنتشر في نهاية المطاف في جميع أنحاء الكون عندما يتعرض نجم ضخم لانفجار كارثي كما المستعر الأعظم. تعمق الفلكيون ولمدة طويلة في دراسة هذه الظاهرة لمعرفة كيفية تشكل هذه العناصر ووصولها إلى الأرض. ولعلّ من أكثرها دراسة المستعر كاسيوبيا Cassiopeia A في كوكبة ذات الكرسي، وهو يبعد عن الأرض 11000 سنة ضوئية ويرصده تشاندرا باستمرار منذ إطلاقه عام 1999؛ وذلك للحصول على معلومات متجددة عن النجم النتروني المتشكل فيها؛ ولمعرفة كيف ينتشر حطام كاسيوبيا في الفضاء.
تكون درجة الحرارة في المستعرات عالية جداً تصل إلى ملايين الدرجة، مما يجعلها مصدرة للأشعة السينية التي لا تستطيع المناظير العادية كشفها، في حين تمكّن تشاندرا من تشكيل خريطة لبقايا هذا المستعر يميّز فيها أماكن انتشار العناصر الكيميائية المدروسة؛ إذ إن كلاً من هذه العناصر يصدر أشعة سينية بطاقة تختلف عن العناصر الأخرى، ويستطيع تشاندرا بميْزه resolution العالي التفريق بينها؛ وبيان توضع كلٍ منها؛ وكذلك تحديد الكميات المنفوثة من كل عنصر في الفضاء. ونتج من دراسة بيانات تشاندرا أن المستعر الأعظم كاسيوبيا قد نشر في الكون من عنصر الكبريت ما يقارب 10000 ضعف من كتلة الأرض، ومن السليكون نحو 20000 ضعف من كتلة الأرض، ومن الحديد 70000 ضعف من كتلة الأرض، وما يقارب مليون كتلة أرضية من الأكسجين. ويبيّن الشكل (13) خريطة انفجار كاسيوبيا كما رسمها تشاندرا حيث تظهر أماكن توضع عنصر السليكون باللون الأحمر، والكبريت باللون الأصفر، والكلسيوم باللون الأخضر، والحديد باللون البنفسجي. ويدل اللون الأزرق في أعماق الصورة على انبعاث أشعة سينية بطاقة عالية نسبياً، في حين يدل اللون الأزرق المحيط ببقايا الانفجار على حركة توسع موجة الانفجار. كشف العلماء بتحليل البيانات التي أرسلها مرصد تشاندرا عن وجود عناصر أخرى منتشرة في بقايا الانفجار المستعر كاسيوبيا مثل الكربون والآزوت والفسفور والهدروجين والأكسجين؛ والكشف المهم في ذلك هو أن جميع العناصر الداخلة في تركيب الحمض النووي الذي يحمل المعلومات الجينية متوفرة في كاسيوبيا.
الشكل (13) كاسيوبيا كما رسمه تشاندرا.
استأنفت "الكاميرا" عالية الميْز المثبتة على متن مرصد الأشعة السينية تشاندرا عملياتها العلمية بصورة كاملة في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020 بعد اكتشاف شذوذ في المعدات الإلكترونية للكاميرا في آب/أغسطس عام 2020، وجرى إصلاح هذا الشذوذ بفضل الانتقال إلى مجموعة احتياطية من المعدات الإلكترونية في أيلول/سبتمبر ودراسة ممنهجة لأداء "الكاميرا" بالتشكيلة المحدثة.
وقد أعلنت ناسا في الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2021 عن تمكّن علماء الفلك من العثور على أدلة وجود نجم نتروني في مركز المستعر الأعظم SN 1987A بفضل المعطيات التي أرسلها تشاندرا، وكان العلماء قد أمضوا ثلاثة عقود بحثاً عن تلك الأدلة.
وكان علماء الفلك قد اكتشفوا في الثاني عشر من آذار/مارس 2020 باستخدام مقراب نيل جيريلز سويفت Neil Gehrels Swift telescope نجماً مغنطيسياً magnetar أُطلق عليه الرمزJ1818.0-1607، وهو النجم المغنطيسي الحادي والثلاثون فقط المعروف من بين قرابة ثلاثة آلاف نجم نتروني معروف. وبعد أقل من شهر على هذا الاكتشاف تمكّن علماء الفلك بفضل مراقبات تشاندرا من الحصول على أول صورة بالأشعة السينية عالية الميْز لهذا الجسم. وكشفت معطيات تشاندرا عن منبع نقطي حيث يتوضع النجم المغنطيسي؛ محاط بانبعاثات أشعة سينية انتثارية diffuse، ناجمة على الأرجح عن انعكاس الأشعة السينية عن غبار متوضع بجوار النجم المعنطيسي.
مراجع للاستزادة:
- F. D. Seward, Ph. A. Charles, Exploring the X-ray Universe, Cambridge University Press, 2012.
- J. E. Trümper, G. Hasinger, The Universe in X-Rays, Springer, 2008.
- W. H. Tucker, Chandra&https://mail.arab-ency.com.sy/scitech/details/171193#39;s Cosmos, Smithsonian Institution, 2017.
- B. Wilkes,W. Tucker, The Chandra X-ray Observatory, IOP Publishing, 2020.
- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :