امواج جاذبيه (ثقاليه)
-

أمواج الجاذبية

سهام طرابيشي

ضجيج الخلفية الانتثارية أصوات المنظومات الثنائية
ليزا أذن تصغي إلى الأصوات الكونية الأجرام التي تصدر أمواج الجاذبية
كشّاف ليزا نهاية الثقوب السودا الصغيرة
ليغو والكشف عن أمواج الجاذبية صفارات معيارية
 

أمواج الجاذبية (الأمواج الثقالية) Gravitational Waves اهتزازات في نسيج الزمكان spacetime fabric، تصدرها الأجرام الضخمة المتسارعة؛ كالثقوب السودا black holes العملاقة أو الثقوب السودا الثنائية العملاقة (الفائقة الكتلة)؛ غير أنه لم يكشف عن هذه الأمواج مباشرة حتى العام 2016.

كان من المفترض إطلاق مهمة فضائية في العام 2020 باسم هوائي قياس التداخل الليزري الفضائي (ليزا) (LISA) Laser Interferometer Space Antenna  على أن يجري تجميعه في الفضا ، وكان مقترحاً أن تكون مهمة مشتركة بين وكالة الفضا الأوربية (إيزا) (ESA) European Space Agency  وإدارة الطيران والفضا الوطنية الأمريكية (ناسا) (NASA) National Aeronautics and Space Administration ، للإصغا إلى الأصوات التي مصدرها الكون وفتح آفاق جديدة في دراسته. وقد اتخذ القرار بالتخلي عن المشروع في العام 2011 لكونه لم يحظ بالأولوية لدى الإدارتين.

أما الأصوات المتوقع تسجيلها فتختلف تماماً عن الأصوات المألوفة؛ فالأمر يتعلق بأمواج الجاذبية، أي انتشار اهتزازات الزمكان نفسه. تصف نظرية النسبية العامة كيفية تشويه الكتل للزمكان نفسه. فعندما تتسارع الأجرام العملاقة- كأن يدور نجمان أحدهما حول الآخر في جملة ثنائية مثلاً- تنتشر تشوهات في الزمكان كانتشار تيار المخر الذي تولده سفينة تمخر عباب البحر، وتنتشر هذه التشوهات، التي يطلق عليها اسم أمواج الجاذبية، بسرعة الضو (الشكل 1).

الشكل (1) يتسبب اندماج ثقبين أسودين، يدور كل منهما حول الآخر في مسار حلزوني؛ في إصدار أمواج جاذبية، وهي تشوهات في الزمكان تنتشر بسرعة الضو .

إن أمواج الجاذبية كالأمواج الميكانيكية أو الكهرطيسية تبدد طاقة الجملة التي تولدها. وقد تأكد وجودها على نحو غير مباشر بقياس تباطؤ دور النبّاضات الثنائية binary pulsars -وهي أزواج منابع ضوئية نابضة من النجوم النترونية تصدر حزماً راديوية دورية- وتنبئ عن فقدان الطاقة بإصدار أمواج الجاذبية على نحو ينسجم تماماً مع تنبؤات النظرية النسبية.

كانت المعرفة البشرية بالكون تقتصر، إلى زمن قريب، على الضو ، أو بتعبير آخر على الأمواج الكهرطيسية التي يُكشف عنها بأجهزة تزداد حساسية يوماً بعد يوم، ضمن مجال واسع من الأطوال الموجية، يمتد من الأمواج الراديوية إلى أشعة غاما؛ غير أن العديد من الأجرام والظواهر الكونية كالثقوب السودا العملاقة في مراكز المجرات لا تصدر الضو ، وهي غير مرئية بالطيف الكهرطيسي. كما أن حركات هذه الأجرام تولِّد إصدارات شديدة من أمواج الجاذبية التي تعبُر كل أشكال المادة، وتصل إلى الأرض من كل مكان في الكون.

يعدّ تغير انحنا الزمكان أساساً لبنا أُذُن قادرة على سماع أمواج الجاذبية. تشمل -على سبيل المثال-مرصد أمواج الجاذبية لقياس التداخل الليزري (ليغو) (LIGO) Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory الأرضي الأمريكي (الشكل 2)، ومرصد تغير الإشعاعية الشمسية واهتزازات الجاذبية (فيرغو) VIRGO Variability of solar IRradiance and Gravity Oscillations  الأرضي الأوربي؛ وذراعين طول كل منهما عدة كيلومترات يبث في كل منهما شطر حزمة ليزرية تنعكس على مرآة في نهاية كل ذراع، تسمح هذه الحزمة بقياس طول الذراعين باستمرار والكشف عن كل تغير محتمل في طولهما لدى مرور موجة جاذبية.

الشكل (2) مخطط مقياس التداخل الضوئي في المرصد ليغو LIGO.

أصوات المنظومات الثنائية

وُضع تصميم منظومة كاشف أمواج الجاذبية المحمول في الفضا «ليزا»، والذي لم يبصر النور بعد، اعتماداً على المبدأ نفسه (الشكل 3)، ولكن على مستوى أكثر طموحاً؛ إذ يبلغ التباعد بين المركبات الفضائية spacecrafts الثلاث المكوّنة للمنظومة خمسة ملايين كيلومتر، ويفترض أن تدور هذه المركبات الفضائية الثلاث حول الشمس، وتحمل كل واحدة كتلتي اختبار إحداهما من الذهب، والأخرى من البلاتين، حيث تشكل المركبات الثلاث مثلثاً متساوي الأضلاع، طول كل ضلع خمسة ملايين كيلومتر. يتضمن هذا التصميم مقياس تداخل ليزري لقياس السرعة النسبية لزوج الكتلتين الواقعتين في نهايتي الذراعين. وتكون الكتلتان في حالة الراحة ساكنتين، إحداهما بالنسبة إلى الأخرى؛ غير أن مرور أي موجة جاذبية يتسبب في تغيير البعد بينهما وسرعتيهما النسبيتين بحيث يمكن قياسهما. وهكذا تقيس ليزا تغيرات السرعة أقل من الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\1440\Image757605.jpg، في حالة اهتزازات يراوح دورها بين عشر ثوان وثلاث ساعات (أي تواتر يقع بين الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\1440\Image761101.jpgإلى الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\1440\Image768686.jpgهرتز).

الشكل (3) ليزا ومبدأ الكشف عن أمواج الجاذبية.

ومع انسحاب ناسا من المشروع تبنت وكالة الفضا الأوربية (إيزا) المشروع بمفردها، تحت اسم ليزا المطورة (eLISAEvolved LISA ، والذي سيكون مهمة فضائية واسعة النطاق مصمَّمة لمراقبة الكون بأكمله مباشرة بوساطة أمواج الجاذبية من أجل التعمق في فهم تشكل البنية والمجرات والتطور النجمي والكون الأولي وبنية الزمكان وطبيعته.

الأجرام التي تصدر أمواج الجاذبية

ثمة أجرام غير مرئية هائلة الكتلة في مراكز العديد من المجرات -إن لم تكن جميعها- يعتقد أنها ثقوب سودا ، فالنجوم في مركز درب التبانة Milky Way مثلاً تدور حول جرم غير مرئي، وتشير مداراتها إلى أن هذا الأخير يتميز بكتلة تزيد على أربعة ملايين ضعف كتلة الشمس.

يمكن لثقبين أسودين في أثنا تصادم مجرَّتين تؤويانهما؛ أن يدخل أحدهما في مدار حول الآخر وتكوين منظومة ثنائية binary system، تشكل مصدراً قوياً لأمواج الجاذبية. يدور الثقبان الأسودان في بادئ الأمر ببط أحدهما حول الآخر. وتصدر المنظومة في هذه المرحلة تدفقاً شديداً من الأمواج، ويؤدي فقدانها الطاقة إلى تسريع سقوط أحد الثقبين الأسودين نحو الآخر في مسار حلزوني. تدل الدراسة النظرية على أن دور أمواج الجاذبية التي يصدرها زوج من الثقوب السودا يساوي نصف دور المنظومة، ثم ينخفض ذلك الدور ويرتفع تواتر الأمواج مادام يقترب النجمان أحدهما من الآخر، ويندمج الثقبان الأسودان في نهاية المطاف محرِّرَيْن دفعة هائلة من أمواج الجاذبية. ويحرر هذا الاندماج طاقة كبيرة يمكن للمهمة ليزا المطورة كشفه أينما حدث في الكون.

صُمِّمت ليزا لتكون حساسة لثقوب سودا تقع كتلها بين 10000 و 100مليون ضعف كتلة الشمس؛ إذْ يصبح تواتر الأمواج الصادرة شديد الانخفاض عند الكتل الكبرى فيتعذر رصده. ونظراً لتزايد تواتر أمواج الجاذبية لثقب أسود ثنائي مع الزمن؛ يمكن للمهمة ليزا في لحظة أو أخرى كشف الأمواج التي يصدرها، ومن ثمَّ يمكن أن يستنتج الفلكيُّون من هذه القياسات كتلة كلٍّ من الثقبين الأسودين وسرعة دورانهما ومدة دوران أحدهما حول الآخر.

يعدُّ الكشف الذي يفترض أن تقوم به ليزا عن المنظومات الثنائية نوعاً من التصوير الطباقي stratigraphy للكون يسمح بإعادة تشكيل تاريخه جزئياً (الشكل 4)، والإجابة عن أسئلة كثيرة مثل هل تشكلت الثقوب السودا العملاقة (الفائقة الكتل) ومجرّاتها المضيفة من اندماج مجرّات صغرى، يؤوي كلٌّ منها ثقباً أسود أصغر؟ ما ذُرِّية الثقوب السودا الأولى، ومتى ظهرت؟ ماذا يطرأ على المجرّات المضيفة لدى اندماج الثقوب السودا الثنائية المركزية ؟

الشكل(4) تاريخ الكون الذي يفترض نشو أمواج الجاذبية من تضخم الكون؛ أي تمدّده بعد الانفجار الأعظم Big Bang.

نهاية الثقوب السودا الصغيرة

تكون الثقوب السودا العملاقة في أغلب الأحيان فرادى؛ فهي تتوارى في المجرّات وتبتلع أحياناً النجوم التي تدور في جوارها. ولا سيما الثقوب السودا الصغيرة التي كتلها من مرتبة كتلة الشمس. يطبق الثقب الأسود العملاق على النجوم قوى مد وجزر شديدة جداً، سرعان ما تؤدي إلى تحطيمها قبل أن يبتلعها. أما الجرم الصغير المتراص كالثقب الأسود النجمي فهو أقل عرضة لقوى المد والجزر، ويمكن أن يعيش مدة آلاف الدورات في مدارات أكثر تراصاً، إلى أن يبتلعه فجأة ثقب أسود عملاق عندما يجتاز أفق حدثه event horizon (وهو الحد الذي لا يمكن بعده حتى للضو الانفلات منه).

يصدر الثقب الأسود النجمي في أثنا سقوطه أصواتاً تدعى أغنية التم (أو البجع)، swan song (في الأساطير القديمة يزعم أن طائر التم يصدرها عند موته)، غنية بأمواج الجاذبية، ويمكن من هذه الإشارة استنتاج بطاقة لحقل الجاذبية للثقب الأسود المركزي، حتى المناطق القريبة جداً من أفقه، على نحو يشبه قياس حقل جاذبية الأرض بتعقب مسار السواتل في مدارها. ويدل التوقف المفاجئ لإشارة الجاذبية أيضاً على أن للجُّرْم الفائق العملاق أفق حوادث، وعلى أنه فعلاً ثقب أسود.

ويبيّن الشكل (5) مصادر أمواج الجاذبية وبعض أدوات كشفها.

الشكل (5) تواترات أمواج الجاذبية ومصادرها. يفترض أن ترصد ليزا المطورة الأمواج التي تصدرها الثقوب السودا العملاقة وجز اً من الأمواج الناجمة عن الترجحات (التذبذبات) الأولية للكون. كما يفترض أن تترك هذه التذبذبات أيضاً بصمتها على الخلفية المكروموجية للكون. سترصد مقاييس التداخل الأرضية مثل ليغو وفيرغو أيضاً الأمواج الصادرة عن حوادث على المستوى النجمي ذات التواترات العالية، ويفترض أن تكشف دراسة دور النبّاضات عن الأمواج التي يقدّر دورها من مرتبة السنة.

و أن رصد سقوط الثقوب السودا النجمية أو النجوم المتراصة نحو الثقوب السودا العملاقة يسمح باستخلاص العديد من المعلومات الأخرى عن توزع وجود النجوم (إسكان) في جوار الثقب الأسود المركزي أو عن الديناميكية التي تحيط بقلب المجرّة.

تتميز أمواج الجاذبية أيضاً بدور تؤديه في علم الكون؛ إذ يستند علما الفلك عادة إلى نجوم تسمى القناديل المعيارية standard candles التي يفترض أن تكون إضا تها الذاتية ثابتة (مستعر فائق supernova من النوع 1a)؛ لتقدير البعد بين المجرات في الكون السحيق.

صفارات معيارية

سيكون بمقدور المهمة الفضائية ليزا المطورة قياس اتجاه منابع الأمواج الثقالية الأكثر شدة بدقة 0.05 درجة. إضافةً إلى أنه بالإمكان- اعتماداً على تواتر الموجة وسرعة تغيره- تقدير كتلة الثقوب السودا الثنائية التي تشكل المنبع؛ وبتقاطع هذه المعلومات مع شدة الإشارة الواردة يجري تقدير بُعد هذا المنبع بدقة. وبذلك يمكن للثقوب السودا العملاقة الثنائية أن تؤدي دور صفارات معيارية standard sirens.

لهذا المسار أهمية بالغة في علم الكون، فمن أهم اكتشافات مطلع القرن الحادي والعشرين تسارع تمدد الكون منذ بداية تاريخه. يُفسر اليوم هذا التسارع بوجود طاقة مجهولة الطبيعة تملأ الكون هي الطاقة الخفية dark energy، وهي موضوع استحق ثلاث جوائز نوبل في الفيزيا عام 2011، ويعدّ اليوم أحد المواضيع المحمومة في علم الكون. وقد نُفذت عدة مهمات فضائية لتعقب تاريخ التمدد بدقة، ومن أبرز نتائج هذه المهمات سرعة ابتعاد المجرات عن الأرض بدلالة بُعدها. إن مراقبة أمواج الجاذبية لا تسمح بالاستدلال على المجرات المضيفة مباشرة، ومن ثمَّ قياس سرعة انطلاقها؛ لكن الدقة الزاوية لليزا المطورة ستكفي لقصر عدد المجرات المرئية على بضعة آلاف – ذات سرعة الانفلات المعروفة – ومن بينها منبع إشارة الجاذبية. تسمح المعالجة الإحصائية بتعرّف المنبع الصحيح، يمثل هذا الإجرا طريقة رصد مستقلة ودقيقة، يمكن مقارنتها بأفضل عمليات الرصد لقياس العلاقة بين بعد المجرات وسرعة انفلاتها.

سترى ليزا المطورة الكثير من أمواج الجاذبية الأخرى كأمواج الجاذبية التي تصدرها آلاف النجوم الثنائية المتراصّة في مجرة درب التبانة. وتساعد على الإجابة عن النجوم التي تصدرها: هل هي الأقزام البيضا ، أم النجوم النترونية، أم الثقوب السودا ؟ وماهي كتلها؟ وهل تتبادل المادة فيما بينها؟ لقد جرى رصد العشرات من هذه الأجرام بمقاريب telescopes تقليدية؛ إن الكشف عن إسكان أكبر ألف مرة بوساطة انحراف الجاذبية سيقود بالتأكيد إلى اكتشافات مفاجئة وإعطا معلومات أكثر عن تشكل درب التبانة. ونظراً لتعدد هذه المنابع فلا يمكن تمييز معظمها بعضها من بعض؛ إذ يُحدث مجملها خلفية انتثارية من الأمواج الثقالية تدعى همس whispering درب التبانة، ولكن ليزا يمكن أن تكشف عن خلفية انتثارية أخرى أبعد بكثير من حيث المنشأ.

ضجيج الخلفية الانتثارية

أحدث الكشف عن خلفية الكون من الإشعاع المكروموجي ودراستها ثورةً في نظرة الإنسان للكون. تتمثل هذه الخلفية بمخلّفات أول ضو تحرر بعد380000 سنة من الانفجار الكبير بعد أن تشكلت الذرات المعتدلة وأصبح محتوى الكون شفافاً للأمواج الكهرطيسية. وهو حدٌّ لا يمكن لراصد الكون أن يتخطاه اعتماداً على استقطاب الضو .

بالمقابل كان الكون دائماً شفافاً لأمواج الجاذبية؛ فهي تبدي بذلك وسيلة للسفر عبر الزمن إلى أبعد بكثير نحو بؤرة الانفجار الكبير. تتنبأ بعض النماذج الكونية القائمة على نظرية الأوتار string theory (وهي نظرية تسعى لتوحيد التفاعلات الأساسية) مثلاً بوجود أجسام تدعى الأوتار الفائقة الكونية cosmic superstrings، حيث يمكن للأوتار الفائقة التي أحدثت في الكون الأولي primordial وشدت بالتمدد الكوني؛ أن تصدر طيفاً مميزاً من أمواج الجاذبية منخفضة التواتر. كما أمكن للترجحات الكمومية quantum fluctuation- في وقت أبكر بعد الانفجار الأعظم ببضعة كسور الثانية- أن تولد أمواجَ جاذبيةٍ منخفضة التواتر جداً.

ليزا أذن تصغي إلى الأصوات الكونية

يمكن للمحطة الفضائية ليزا في شكلها الأولي رصد أمواجٍ يمكن أن ينخفض تواترها إلى 10-4 هرتز . الأمر الذي يقابل أمواجاً صادرة بعد 10-18 ثانية من الانفجار الكبير عندما كانت أبعاد الكون لا تكاد تساوي مليمتراً وكانت درجة حرارته 1510سْ. ليس من المعروف فيما إذا كان ضجيج الخلفية background noise الابتدائي الناجم عن الجاذبية من الشدة بحيث يمكن الكشف عنه؛ فإذا تأكد هذا الأمر فإن ذلك يمثل ثورة في فيزيا التفاعلات الأساسية.

وقد تضطر وكالة الفضا الأوربية مع انسحاب ناسا من مشروع ليزا LISA إلى مراجعة أبعاد المهمة كتصغير حجم المركبات الفضائية الثلاث المكوّنة للمهمة، وجعل المسافات بينها أقصر، وخفض عدد الحزم الليزرية.

ستكون حساسية المحطة المصغرة ومقدرتها الفاصلة أضعف، ومع ذلك ستكشف آلاف المنظومات الثنائية في المجرة والعشرات من عمليات اندماج الثقوب السودا العملاقة. وسيكون علما الفلك أول من يصغي إلى المعزوفة الكونية.

لضمان عدم تأثير الكتلتين في منظومة ليزا إلاّ بموجة الجاذبية تترك كل منهما عائمة بحريّة في المركبة الفضائية المضيفة، ويقاس موقعاهما باستمرار، كما ترغم نباضات مكروية المركبة الفضائية على البقا في مركزها.

ولكي تبلغ ليزا الحساسية المرجوة يفترض أن تكون أي قوة تطبق على الكتلتين غير الجاذبية أقل بنحو 10-20 مرة من وزنها على الأرض.

يعتمد قياس البعد بين الكتلتين على قياس التداخل الليزري؛ إذ ترسل حزمة من كتلة نحو الأخرى وتنعكس، وإن تغير البعد بين الكتلتين يؤدي بحسب مفعول دوبلر Doppler effect إلى تغير تواتر الإشارة المرتدة، وبذلك يمكن لـليزا قياس تغيرات في البعد من مرتبة 10-12م وأي تغير نسبي قدره 10-21 .

كشّاف ليزا

يجب ألّا تخضع كتلتا اختبار الكشاف ليزا لأي تسارع غير التسارع الناجم عن أمواج الجاذبية. ولتحقيق ذلك يجب التخلص من كل الاضطرابات غير الجاذبية. والهدف هو الحصول على تثبيت كما لو كانت الكتلتان ساكنتين على طرفي ذراعين، إحداهما بالنسبة إلى الأخرى في لحظة ما، فهما تنتقلان بأقل من جز من مليار من المتر في ساعتين.

تدل المعطيات التجريبية على أنه يمكن بلوغ مثل هذا الثبات؛ غير أنه يستحيل تقديم البرهان على ذلك في المختبر الأرضي نظراً للجاذبية الأرضية، لذا نفذت وكالة الفضا الأوربية المهمة الفضائية كشاف ليزا للبرهان على إمكان تنفيذ ذلك في الفضا .

وقامت وكالة الفضا الأوربية بإطلاق كشاف ليزا LISA Pathfinder بنجاح في الثالث من كانون الأول/ديسمبر من العام 2015 من بوابة الفضا كورو Kourou في غويانا الفرنسية French Guiana؛ لتمهيد الطريق للمهمة ليزا المطورةeLISA باختبار مبدأ كشف أمواج الجاذبية في الفضا . وقد نجح الكشاف في بلوغ وجهته على مسافة 1.5 مليون كم من الأرض باتجاه الشمس وفي تحرير كتل الاختبار، وبدأ عمله منذ الأول من آذار/مارس 2016 مخبراً فضائياً، ونجح بذلك في إقرار صلاحية التقانة المستخدمة لبنا مرصد أمواج جاذبية في الفضا .

وقد جرى وضع كتلتين اختباريتين في المدار، تبعد إحداهما عن الأخرى أقل من المتر، داخل مركبة فضائية مماثلة للمركبة الفضائية المقترحة للمهمة ليزا، تقاس سرعتاهما النسبيتان بمقياس تداخل ليزري.

ليغو والكشف عن أمواج الجاذبية

حالف الحظ مرصدي ليغو الأرضيَّين اللذَين سجلا في الرابع عشر من أيلول/سبتمبر 2015- وعلى نحو متزامن- إشارات تدل على أمواج الجاذبية (الشكل 6) في كلٍّ من لفنغستون Livingston في ولاية لويزيانا (إلى اليمين) وهانفورد Hanford في ولاية واشنطن (إلى اليسار). وقد تسبب بهذه الأمواج في الفضا السحيق انهيار ثقبين أسودين عملاقين، كانا يقتربان أحدهما من الآخر بحركة حلزونية إلى قبل نحو 1.3 بليون سنة من الآن، حيث كانا يدوران أحدهما حول الآخر بسرعة تساوي نصف سرعة الضو إلى أن اندمجا في نهاية المطاف؛ وأرسل اصطدامهما رعدة في الكون، تجلت في شد نسيج الزمكان في اتجاه وضغطه في الاتجاه المتعامد (الشكل 7)، اندفعت نحو الأرض، فكشف عنها الفيزيائيون لأول مرة وأنهوا بذلك أربعة عقود من البحث فاتحين على الكون آفاقاً جديدة.

الشكل (6) أول رصد لأمواج الجاذبية في 14 أيلول 2015. وجرى في مرصدي لفنغستون (إلى اليمين) وهانفورد (إلى اليسار)، وهو قريب من القيم النظرية التي جرى التنبؤ بها.

الشكل (7). قياس الشد والضغط اللذين تحدثهما الموجة الثقالية في المرصد ليغو.

فقياس الشد والضغط يستخدم مقياس التداخل، إذ تشطر حزمة ليزرية إلى شطرين متساويين يرسلان في ذراعين طويلين متعامدين لهما الطول نفسه بالضبط. يرتد كلٌّ من الحزمتين على مرآة في نهاية الذراع، وتلتقيان خارجهما. تعود الموجتان الضوئيتان فتجتمعان لتلغي كلٌّ منهما الأخرى. ولكن في حال ورود موجة جاذبية فإنها تشوه المكان وتغير المسافة بين المرايا، وتصبح إحدى الذراعين أطول قليلاً والذراع الأخرى أقصر قليلاً. وفي لحظة أخرى تبدلان فتصبح الذراع الأولى أقصر والذراع الأخرى أطول. تتكرر عمليات التبادل بين الشد والضغط أكثر فأكثر مع مرور موجة الجاذبية (الشكل 7)، بحيث لا يبقى ثمة إمكان لإحدى الموجتين أن تلغي الأخرى؛ فتنزاح قيعان إحدى الموجتين عن ذرا الأخرى، فيبلغ الكاشف الضوئي بعض الضو . تتغير شدة الضو التي تصل إلى الكاشف مع تغير المسافة بين المرايا، وبقياس الشدة تقاس أمواج الجاذبية.

مراجع للاستزادة:

- M. Bassan, Advanced Interferometers and the Search for Gravitational Waves, Springer, 2014.

- J. D. E. Creighton, W. G. Anderson, Gravitational-Wave Physics and Astronomy: An Introduction to Theory, Experiment and Data Analysis, Wiley, 2011.

- M. Maggiore, Gravitational Waves, Oxford University Press, 2007.


- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1