التذوق
تذوق
-
التذوق
التذوق gustation أو الطعم tasting هو استجابة الكائن الحي لمذاق المواد الغذائية التي يتناولها. تتم هذه الاستجابة بتفعيل أعضاء متخصصة ضمن جهاز التذوق توجد في تجويف الفم، تتمثل هذه العملية بارتباطٍ نوعي لجزيئات ذات طبيعة كيميائية مع مستقبلات كيميائية chemoreceptors بحيث يتم تفسير الإشارة بما يتلاءم مع خصائص المنبه.
توجد علاقة بين حاسة التذوق وتناول الطعام، فهي تساعد على تمييز المذاق إضافة إلى قوام الأطعمة التي يتم تناولها، وهي تساهم أيضاً في اختيار الكائن الحي للمواد الغذائية التي تتلاءم مع حاجات استقلابه (أيضه) من جهة، وتُمَكِّنُه من جهة أخرى من الابتعاد عن المواد غير المرغوبة أو الضارة.
ترتبط عملية التذوق ارتباطاً وثيقاً بحاسة الشم التي تُعَدُّ من أكثر الإحساسات تأثيراً بالتذوق، وتُصَنَّف كلتاهما ضمن ما يسمى بالإحساسات الكيميائية. وتُفَسَّر تلك العلاقة الوطيدة ربما بالقرب التشريحي بين العضوين المسؤولين عن التذوق والشم، حيث تؤثر رائحة المواد الغذائية في التذوق بصورة واضحة وتساعد على تعَرُّف محتوى الأطعمة ونوعيتها، وقد تم إثبات ذلك بالعديد من التجارب التي فَصَلَت بين الإحساسين عن طريق تقديم مواد غذائية ذات مذاق يتناقض أو يتوافق مع رائحتها.
تُعَدُّ براعم التذوق taste buds الأعضاء الأساسية في هذه الوظيفة؛ إنها بُنى متخصصة توجد ضمن تجويف الفم مُكَوَّنَة من عدة خلايا تتدخل في استقبال الإشارة الخاصة بحاسة التذوق ونقلها؛ إنها تَجَمُّع بيضوي الشكل لخلايا يراوح عددها بين 40 و60 خلية، يُمَيَّز منها ثلاثة أنواع: خلايا تذوق taste cells وخلايا داعمة supporting cells وخلايا قاعدية basal cells، تتجمع هذه الخلايا كلها لتشكل بنية البرعم البيضوي الشكل الذي يَنفتِح على السطح الخارجي لظهارة اللسان tongue epithelium عبر ما يسمى مِسَم التذوق taste pore.
تبرز من ذروة كل خلية تذوق أشعار تذَوُّق، في حين ترتبط بقاعدتها النهايات العصبية الحسية sensory nerve endings (الشكل1). يحوي هذا الجزء القاعدي من خلية التذوق حويصلات بداخلها ناقِلٌ عصبي يتحرر لِيُفَعِّل النهاية العصبية الحسية الذوقية رداً على تنبيه المذاق.
الشكل (1) يتألف برعم التذوق من خلايا تذوق وخلايا داعمة وخلايا قاعدية. |
أما الخلايا الداعمة فإنها تقوم بدعم بنية البرعم، في حين تُعَدُّ الخلايا القاعدية خلايا جذعية ذات قدرة على التمايز لتصبح خلايا تذوق، وهي بهذه الطريقة تساهم في التجديد الدوري لتلك الخلايا.
تتجمع براعم التذوق ضمن ما يسمى حليمات التذوق taste papillae (الشكل2 ) التي يُمَيَّز منها حليمات كأسية circumvallate وأخرى كمئية fungiform وحليمات ورقية foliate وأخرى خيطية filiform. ويتألف أكبر تجمع لها من الحليمات الكأسية التي تتوزع في قاعدة اللسان بشكل حرف V الذي يحوي ما يقارب 100- 250 برعم تذوق، في حين تحتوي الحليمات الكمئية على عدد أقل من براعم التذوق يراوح بين 3 و5 براعم. وتكون الحليمات الورقية ضعيفة التطور؛ في حين لا تتدخل الحليمات الخيطية بنقل معلومة المذاق، بل تقوم بتحديد قِوام الأطعمة وملمسها ضمن جوف الفم؛ لأنها لا تحتوي على براعم تذوق، بل ترسل معلوماتٍ حسية عن ملمس المادة الغذائية، إضافة إلى وجودها على اللسان هناك براعم التذوق أيضاً في أجزاء أخرى ضمن تجويف الفم كالبلعوم والثلث العلوي من المريء والحنك اللين ولسان المزمار.
الشكل (2) توزع حليمات التذوق على سطح اللسان |
وقد أصبح معروفاً اليوم - وبصورة قطعية- أن كل براعم التذوق تستطيع استقبال أنواع منبهات المذاق كافة؛ وأنه ليس ثمة تخصص لِناحِيَةٍ لسانية مُعَيَّنَة بِمذاقٍ معيّن.
استقبال معلومات إشارات التذوق transduction of taste informations
تقوم براعم التذوق بالتحسس بطعم المواد المختلفة بوساطة خلايا تذوق خاصة، عُرِفَ منها حتى هذا اليوم خمسة أنواع تحمل على سطحها خمسة أنواع من المستقبِلات بما يتناسب مع خمسة مذاقات هي الحلو والحامض والمر والمالح والمَذاق المرتبط بالأطعمة اللذيذة (أومامي umami) الغنية بأحادي صوديوم الغلوتامات glutamate. تكون المواد ذات المذاق - بصورة عامة- قابلة للتفاعل مباشرة إما عن طريق قنوات إيونية ionic channels وإما عن طريق مُستَقبِلاتِ استقلابٍ نوعية على سطح خلية التذوق، فتَتَفَعَّل قنوات كلسيوم calcium channels مُبَوَّبَة (محروسة بفُلطِيَّة voltage) فيتدفق الكلسيوم إلى داخل الخلية ويتحرر ناقلٌ عصبيٌّ من النهاية القاعدية لخلية التذوق ليتم تنبيه النهايات العصبية الذوقية الواردة gustatory afferents؛ مما يؤدي إلى زوال استقطاب الخلية depolarization.
تتم أحداث التذوق في كل نوع من أنواع خلايا التذوق كما يلي:
أ- آلية تَذَوُّق المالح: تعتمد آلية استقبال المذاق المالح على انتشار إيونات الصوديوم إلى داخل خلية التذوق المتخصصة، وذلك من خلال قنوات نوعية صودية تتحسس بالأميلوريد amiloride-sensitive Na+ channels، وذلك بتدفق إيونات الصوديوم إلى داخل خلية التذوق عبر قنوات الكلسيوم مُحدِثَةً زوالَ استقطابِ غشاءِ الخلية لتفتح القنوات المحروسة بالفُلطِيّة حيث تتفعل خلية التذوق وتحرر الناقل العصبي المنبه للنهاية العصبية الواردة، ومن ثم تسبب تغير كمون غشاء الخلية، يرافق ذلك انطلاق الآليات المسؤولة عن تحرر الناقل العصبي وتفعيل النهايات العصبية الذوقية (الشكل 3- أ).
ب- آلية تذوق الحامض: يَنتُج تفعيل خلايا التذوق المتخصصة بالمذاق الحامض من دخول البروتونات H+ الموجودة في الأطعمة الحامضة إلى داخل الخلية؛ أو من منع خروج إيونات البوتاسيوم من خلية التذوق بإغلاق قنوات البوتاسيوم على سطح خلية تذوق الحامض؛ مما يسبب زوال استقطاب غشاء هذه الخلية ومن ثمّ انفتاح قنوات الكلسيوم المحروسة بالفلطية وتفعيل خلية التذوق وتَحَرُّر ناقلها العصبي من نهايتها المرتبطة بالألياف العصبية الذوقية (الشكل 3- ب).
تشير بعض الدراسات إلى أن استقبال المذاق الحامض يمكن أن يتم أيضاً من خلال قنوات الصوديوم الموجودة على سطح خلايا التذوق المتخصصة بالمذاق المالح حيث تقوم البروتونات بتثبيط تلك القنوات بوجود تراكيز عالية من إيونات الصوديوم؛ مما يُمْكِن أن يُفَسِّر انخفاض استقبال المذاق المالح لدى تناول الأطعمة الحامضة.
ج- آلية تَذَوُّق الحلو: ترتبط الجزيئات ذات المذاق الحلو بمستقبِلاتٍ استقلابية على سطح خلية التذوق؛ مما يُفَعِّل تشكل المِرسال الثانوي الأدينوزين أحادي الفسفات الحلقي cyclic adenosine monophosphate (cAMP) الذي يعمل على تثبيط قنوات البوتاسيوم على سطح الخلية؛ مما يُسَبِّب زوال استقطاب غشاء تلك الخلية فيُغلِقها ويؤدي إلى تفعيل قنوات الكلسيوم المحروسة بالفلطية وفتحها وتفعيل خلية التذوق وتَحَرُّر ناقلها العصبي المنبه للنهاية العصبية الواردة.
وفي التفاصيل يتفاعل الجزيء الكيميائي ذو المذاق الحلو بصورة نوعية مع مستقبِلات استقلابية مرتبطة بالبروتين G، مما يؤدي إلى تفعيل الإنزيم أدِنيلات سيكلاز adenylate cyclase وتَشَكُّل المرسال الثانوي الأدينوزين أحادي الفسفات الحلقي cAMP. يُفَعِّل هذا المرسال الفسفوكيناز آ A phosphokinase A (PKA) ليقوم بِفَسفَرَةِ قنوات البوتاسيوم الإيونية الموجودة على غشاء خلية التذوق المتخصصة بالمذاق الحلو؛ مما يؤدي إلى إغلاق هذه القناة وَتَراكُم البوتاسيوم على الوجه الداخلي لخلية التذوق، مما يُحدِث زوالَ استقطابٍ لغشائها وتفعيل قنوات الكلسيوم المبوبة بالفلطية وتحرر الناقل العصبي كما تم شرحه أعلاه (الشكل 3- ج).
د- آلية تذوق المُر: في آلية تفعيل خلية التذوق المتخصصة بالمذاق المر تتدخل المُستقبِلات الاستقلابية لتفسير إشارة الأطعمة المرّة من خلال تفعيل المسار المؤدي إلى زيادة تركيز إيونات الكلسيوم كمرسالٍ ثانوي؛ مما يُفَعِّل خليةَ التذوق التي تُحَرِّر ناقلَها العصبي المنبه للنهاية العصبية الواردة. والواقع تتنوع الطبيعة الكيميائية للمواد ذات المذاق المر الذي يرتبط غالباً بِسُمِّيَّة المواد الغذائية؛ مما يدفع الكائن الحي إلى النفور من تلك الأطعمة. من تلك الجزيئات ذات الطعم المر بعض الإيونات الثنائية والحموض الأمينية والمواد القلوية، وقد يكون غشاء خلية التذوق نَفوذاً لبعضها بخلاف بعضها الآخر. يدل هذا التنوع على تعدد آليات تفسير المذاق المر، وهذا ما تدعمه الدراسات والأبحاث العلمية.
اقتُرِحت آلية فيما يتعلق باختراق المواد ذات المذاق المر غشاء خلية التذوق بِحُرِّيَّة مثل مادة الكينين quinine؛ تقوم على التثبيط المباشر لقنوات البوتاسيوم من قِبَلِ المادة نفسها؛ مما يعمل على إحداث زوال استقطابٍ يمنع إيونات البوتاسيوم من مغادرة خلية التذوق. ومن جهة ثانية تتدخل المُستقبِلات الاستقلابية في التَعَرُّف النوعي لبعض الجزئيات ذات الطعم المر، وذلك ترافُقاً مع تَحَرُّر الكلسيوم داخل الخلوي الذي يُعَدُّ المرسال الثانوي، ويرافق ذلك التغيرات اللازمة لتفعيل تحرر الناقل العصبي (الشكل 3- د).
الشكل (3) آليات تفعيل خلايا التذوق المختلفة. |
تقترح بعض الدراسات أيضاً وجود بروتين يسمى غَستدوسين gustducin يتدخل من خلال تفعيل طريق إنزيمي يؤدي إلى خَفْض تركيز الأدينوزين أحادي الفسفات الحلقي، حيث لوحِظ، لدعم هذه الفرضية، أن الفئران الحاملة لطفرة في الجين المسؤول عن تركيب الغستدوسين غير قادرة على تعرف المذاق المر لبعض المركبات.
هـ- آلية تذوق الأطعمة اللذيذة بأحادي صوديوم الغلوتامات umami taste modality: من الآليات المقترحة لتفسير هذه الإشارة تفعيل مستقبِلاتٍ استقلابية نوعية للحموض الأمينية ترافقها زيادة في تركيز إيونات الكلسيوم كمرسال ثانوي؛ مما يُفَعِّل خلية التذوق التي تحرر ناقلَها العصبي المنبه للنهاية العصبية الواردة.
تم اكتشاف هذا الطعم مؤخراً، وهو يعتمد على وجود أحادي صوديوم الغلوتامات في عدد من المواد الغذائية؛ مما يُضفي طعماً خاصاً ينجم عن تفعيل خلايا تذوق متخصصة تحمل على سطحها مُستقبِلات استقلابية و/أو إيونية لجزيء الغلوتامات، وما تزال آلية تفعيل هذه المستقبِلات قيد الدراسة من أجل معرفة الأحداث التي تلي ارتباط الغلوتامات مع مستقبِلِها وصولاً إلى تفعيل تحرر الناقل العصبي من الخلية الذوقية (الشكل 4).
الشكل (4) آلية تفعيل خلايا التذوق الحساسة لأحادي صوديوم الغلوتامات. |
يتم نقل معلومات المذاق من الثلثين الأماميين للسان عبر العصب الوجهي الذي يَصُب في نوى السبيل المفرد tractus solitarius في جذع الدماغ. أما فيما يتعلق بالثلث الخلفي من اللسان، فيتم نقل معلومات المذاق منه عبر العصب اللساني البلعومي إلى نوى السبيل المفرد، وأخيراً يقوم العصب المبهم بنقل إحساسات المذاق من المناطق الأُخرى على اللسان ومن تجويف الفم إلى السبيل المفرد. في مرحلة ثانية تنتقل معلومات المذاق من نوى السبيل المفرد إلى المِهاد حيث تتشابك بصورة محددة مع العصبونات الصغيرة parvocellular في النواة البطنية الخلفية الإنسية في المهاد ventral posteriormedial nucleus of the thalamus ؛ ومنه تنطلق عصبونات إلى المناطق القشرية المسؤولة عن تفسير حاسة التذوق التي توجد في الباحة الجزيرية insula والذروة السفلية للتلفيف خلف المركزي في القشرة الجدارية parietal cortex (الشكل 5). ومن الملاحَظ تجاور سبل (مسارات) pathways التذوق في مستوى القشر مع السبل التي تنقل المعلومات الحسية القادمة من منطقة اللسان.
الشكل (5) يتم نقل إشارة المذاق للمراكز العصبية العليا عبر الأعصاب القحفية السابع والتاسع والعاشر باتجاه نواة السبيل المفرد ومنها إلى المهاد لتنتهي في القشر الذوقي. |
في النهاية للإجابة عن السؤال الجوهري في موضوع التذوق - وهو كيفية تفسير إشارات المذاقات المختلفة للأطعمة التي يتم تناولها- تشير الدراسات التي تستند إلى استجابة مجموعات ألياف التذوق لدى تقديم أطعمة مختلفة؛ إلى أن كل ليف تذوق يمكن أن يستجيب بصورة مُثلى لدى تقديم تنبيه معين ولكن بصورة أخف ومتنوعة لدى تقديم تنبيه آخر. مثلاً يمكن أن يستجيب الليف الذي يستجيب للمذاق المالح بصورة نوعية بصورة ثانوية للمذاق الحامض. بهذه الطريقة يكون لكل مذاق نموذج تفعيلي خاص به ومرتبط بتفعيل مجموعة من الألياف بصورة متنوعة مع وجود تقاطعات و تَدَرُّجات بين منبهات التذوق المختلفة.
زينة مالك
مراجع للاستزادة: - R. L. Doty, Handbook of Olfaction and Gustation,Wiley-Blackwell; 2015. - J. Edward Hall, A. C. Guyton, Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology, Saunders/Elsevier. 2006. - E. R. Kandel, J. H. Schwartz, Th. M. Jessell, Principles of Neural Science, McGraw-Hill, Health Professions Division. 2000.
|
- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد السابع مشاركة :