تعدد اشكال بلورات
Polymorphism -

 تعدد أشكال البلورات

تعدد أشكال البلورات

غالب سيدا

الغرافيت graphite

الألماس diamond

السليكا Silica

تعدد أشكال الجليد

 

تعدد الشكل أو التباين في الشكل(البوليمورفي) polymorphism، تعبير يعاكس "التماثل في الشكل" isomorphism، وهو يشير إلى ظاهرة التباين في شكل العنصر أو المُرَكَّب الواحد، ويمكن صياغة ما يقابله بالعربية بتعبير "تباكل" المُرَكَّب من الأحرف الثلاثة الأولى من كلمة تباين والحرفين الأخيرين من كلمة الشكل.

هناك الكثير من الأمثلة عن تعدد الشكل؛ يُذكَر من أهمها عنصر الكربون الذي يشكل في ظروف ترموديناميكية متباينة (من الضغط والحرارة) فِلِزَّين مُتَبايِنَين في البنية الداخلية والشكل البلوري الخارجي هما الغرافيت والألماس.

الغرافيت graphite

يتشكل على حساب الفحم الحجري لدى تعرضه لاستحالة عميقة مُرجِعَة وعالية الضغط ودرجة الحرارة في أعماق القشرة الأرضية.

يمثل الشكل (1) البنية البلورية للغرافيت؛ حيث تبدو مؤلفة من طبقات متوازية تتوضع ذرات الكربون في كل منها بشكل متراص تحتل رؤوس مواشير سداسية منتظمة بحيث يحيط بكل ذَرَّة ثلاث ذَرّات تبتعد عن الذرة المركزية مسافة 1.42 أنغستروم، وهكذا تكون الروابط بين ذرات الكربون في كل طبقة قوية نوعاً ما. أما بين الطبقات المتوازية فتكون الروابط ضعيفة وتُقَدَّر المسافة بينها بـ 3.39 أنغستروم؛ ممّا يؤدي إلى ظهور سطوح انفصام cleavage planes بينها موازية الوجه البلوري الظاهري ذي قرائن ميلر Miller indices (0001)، وينجم عن ذلك سهولة فصل طبقات من بلورات الغرافيت باستخدام الشفرة أو موس حاد.

الشكل (1).

ترتبط بالبنية الفراغية الداخلية للغرافيت كلّ الصفات الفيزيائية المعروفة لهذا الفلز، يُذكَر منها فيما يلي أهمها:

1- تشكيل بلورات موشورية مسطحة.

2- أخْذهِ للألوان يراوح بين الأسود الحديدي والرمادي الفولاذي.

3- لمعان بلوراته معدني شديد كامد في تجمعاته الدقيقة (مستترة التبلور).

4- قساوته متدنية وتعادل أخفض درجة في سلم موس للقساوة، وهي الواحد.

5- شديد الناقلية للكهرباء، وذلك للتراص الشديد لذراته في طبقات بنيته.

6- لا ينحل في الماء.

7- يحترق بصعوبة عند تسخينه لدرجة عالية في تيار من الأكسجين.

8- يُستخدَم في صناعة أقلام الرصاص والأقطاب الكهربائية وفي صناعة الأصبغة وصناعات أخرى.

الألماس diamond:

يتشكل الألماس في أعلى طبقة من الوشاح الأرضي upper mantle، على أعماق سحيقة ودرجات عالية من الحرارة. ويمثل الشكل (2) البنية الداخلية الفراغية للألماس التي تكون بشكل مكعب تتوضع ذرات الكربون في رؤوسه ومراكز وجوهه (الشكل 2-أ)، مضاف إليه أربع ذرات أخرى متوضعة في أربعة مكيعبات (إذا قُسِمَ المكعب الرئيس إلى ثمانية مُكَيْعِبات) متناوبة مع الأربعة الباقية فارغة المركز، ومن ثمَّ فإن كل ذرة من الكربون في البنية تكون مرتبطة بأربع ذرات أخرى تأخذ وَضْعِيّات تقع على رؤوس رباعيات وجوه (الشكل 2-ب). إن هذا الارتباط القوي جداً يمنح البنية ثباتاً عالياً لبلوراتها وقساوة مرتفعة جداً تأخذ الدرجة القصوى (10) في جدول موس للقساوات.

الشكل (2) البنية الفراغية للألماس.

ترتبط بهذا النمط من البنية كلّ الصفات الفيزيائية المميزة للألماس، وأهمها:

1- تكوين بلورات متباينة الشكل؛ إلا أنها تُنسَبُ إلى منظومة بلورية واحدة هي المنظومة المكعبة، يوضح الشكل (3) أهم أشكالها في الطبيعة.

الشكل (3)

(1) بلورات الألماس ذات الوجوه المستوية: (أ) ثمانيّة الوجوه (ب) اثنا عشري الوجوه. (ج) سداسية الوجوه. (د) شكل مركب من الأشكال السابقة.

(2) بلورات الألماس ذات الوجوه المحدبة، وتأخذ تسميات أشكال الصف العلوي.

2- تكون بلورات الألماس عادة عديمة اللون وشفافة؛ إلا أنه نتيجة دخول بعض الشوائب فيها تأخذ ألوان الأزرق أو السماوي أو الأصفر أو الأسود.

3- لمعان بلوراته ألماسي شديد مع إشراقات طيفية بمرور الضوء عبرها.

4- قساوته hardness المطلقة تفوق قساوة الكوارتز بـ 1000 مرة والكوروندوم بـ 150 مرة.

5- كثافته 3.47 – 3.56.

6- يتفلور بالأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية x.ray مُطلِقاً أشعةً ذات ألوان زرقاء سماوية، يتميز بها من غيره من الجواهر.

7- تُستَخدَم أنواعه الصافية جواهر؛ أما الأنواع الأخرى المشوبة فإنها تُستَخدَم في قَصّ المعادن كافة وثقبها، وحَفْر أعتى الصخور لدى حفر آبار النفط لأعماق تفوق خمسة آلاف متر.

السليكا Silica

 مثال آخر عن تعدد الشكل (التباين في الشكل) هي مادة السليكا أو ثنائي أكسيد السليكون Silicom dioxide () التي تأخذ في ظروف ترموديناميكية متباينة من الضغط والحرارة (P-T) أشكالاً بلورية متباينة البنية الداخلية والشكل الخارجي، يتم تشكلها في الطبيعة والمختبرات، يأخذ كل نمط شكلي منها تسمية محددة متفقاً عليها عالمياً، وهي ألفا كوارتز ، بتا كوارتز ، ألفا تريديميت ، بتا تريديميت ، ألفا كريستوباليت ، بتا كريستوباليت ، كيتيت keatite، كوسيت coesite، ستيشوفيت stishovite والأوبال opal. ويشير الشكل (4) إلى تعدد الأشكال في السليكا، كما يبين الشكل (5) الأشكال المختلفة للسليكا.

الشكل (4) مخطط ثبات الأشكال المتعددة لمركب السليكا.

الشكل (5) الأشكال المختلفة للسليكا.

1- ترابيزي (شبه منحرف) ثلاثي الوجوه لألفا كوارتز 2- موشور سداسي لبتا كوارتز 3- ثنائي الهرم السداسي لبتا كوارتز 4- موشور معيني لألفا تريديميت 5- موشور سداسي مسطح لبتا تريديميت 6- توأمية ثلاثية البلورات لبتا تريديميت 7- موشور رباعي لألفا كريستوباليت 8- سداسية الوجوه (المكعب) لبتا كريستوباليت.

بالنظر إلى الشكلين (4) و(5) تُضاف بعض المعلومات الخاصة بكل طور من أطوار السليكا المتعددة على النحو التالي:

- يتشكل ألفا كوارتز في درجات حرارة أدنى من 573°س، ويتبلور في المنظومة الثلاثية trigonal system.

- يتشكل بتا كوارتز في درجات الحرارة بين 573- 870°س، ويأخذ أشكالاً بلورية موشورية hexagonal prism متطاولة ونادراً ثنائية الهرم السداسية hexagonal bipyramid.

- ألفا تريديميت: ويتشكل في درجات من الحرارة بين 870-1025°س، ويأخذ أشكالاً موشورية مَعينية مستقيمة orthorhombic prism.

- بتا تريديميت عالي الحرارة فيما بين 1025- 1470°س، ويأخذ أشكالاً بلورية موشورية سداسية مسطحة، عادة ما تشكل توأمية ثلاثية مميزة.

- ألفا كريستوباليت: ويتشكل في المجال الحراري بين 1470-1550°س، على هيئة بلورات موشورية رباعية tetragonal prism أو مكعبة كاذبة.

- بتا كريستالوباليت: ومجال تشكله الحراري 1550– 1725°س على هيئة بلورات مكعبة.

- كيتيت: وهو شكل بوليمورفي رباعي التناظر للسليكا يتشكل صنعياً في درجة حرارة 380-383°س وتحت ضغوط تراوح بين 350- 1250 كغ/سم2، وهو غير متوفر في الطبيعة.

- كوسيت: هو شكل بوليمورفي وحيد الميل monoclinic للسليكا، يتشكل تحت ضغوط تصل إلى 35000 ضغط جوي وضمن مجال حراري 500-800°س.

- ستيشوفيت: هو شكل بوليمورفي للسليكا تعود بلوراته إلى منظومة التبلور الرباعية tetragonal system، ويمكن الحصول عليها من بلورات الكوارتز تحت ضغوط بين 100000-180000 ضغط جوي وفي حدود من درجات الحرارة بين 1200-1400°س.

يشير الجدول (1) إلى الظروف الحرارية التي تشكل السليكا ومجالات ثبات تعدد أشكالها المختلفة.

الجدول (1) مخطط ثبات الأشكال المتعددة لمركب السليكا.

الشكل المتعدد

مجال درجات الحرارة (سْ)

كوارتز

0° – 573°

كوارتز

573° - 870°

تريديميت

870° - 1470°

كريستوباليت

1470° - 1710°

تجدر الإشارة إلى أن الشكلين كوسيت وستيشوفيت قد صودِفت عينات منهما ضمن الرمال الكوارتزية في إحدى حُفَر الشُهُب meteors في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشكلت بلوراتها على حساب الكوارتز بشكل سريع تحت تأثير الضربة السريعة هائلة الضغط لكتلة الشهب الهابطة من الفضا محدثة -نتيجة الصدمة- ارتفاعاً في درجة الحرارة وصل إلى 1400°س.

- الأوبال: هو نمط متعدد الشكل للسليكا يتميز بأنه عديم الشكل (غير متبلور) ويظهر في الطبيعة بشكل توضعات متماسكة زجاجية المظهر، ويأخذ أحياناً أشكالاً كاذبة لبقايا عضوية كالأخشاب والأصداف، كما هو مبين في الشكل (6- أ). يتشكل الأوبال من المحاليل الحارة والباردة الغنية بالسليكا، لهذا يكون محتوياً على نسبة من الماء وتُكتَب صيغته الكيميائية على النحو التالي. وللأوبال أنواع عديدة يُذكَرُ منها أحجار كريمة مثل:

أ- هدروفان hydrophane: يتميز بأنه شاف عندما يكون جافاً وشفافاً عندما يكون مغموراً بالماء.

ب- هياليت hyalite: هو شفاف كالزجاج سوا كان جافاً أم مبتلاً بالماء.

ج- الأوبال العادي normal opal: ويتصف بلونه الأبيض الحليبي أو الأبيض الرمادي، وهو ذو سطوح ملساء لامعة.

الجدير بالذكر أن الأوبال يتحول مع مرور الزمن إلى الكالسِدان chalcedony (الشكل 6- ب) وإلى ما يدعى الآغات agate (الشكل 6 - ج) الذي عادة ما يبدي إطارات حلقية متراكزة بألوان متباينة زاهية (لتباين الشوائب فيها). ويتميز الكالسِدان والآغات بأنهما مجهريا التبلور باتجاه بلورات الكوارتز، وكلاهما يُعدّان من الأحجار الكريمة.

الشكل (6) الأوبال وأشكال تحولاته.

إن الكوارتز والتريديميت والكريستوبالت تتشكل وتبقى ثابتة ضمن مجالات من الضغط لايتجاوز عشرات الضغوط الجوية ودرجات حرارة بين الصفر و1725°س؛ إلا أن الأبحاث والتجارب المخبرية والمشاهَدات الحقلية أثبتت أن لدرجات الحرارة التأثير الأكبر في تشكلها وثباتها بالنسبة إلى الضغوط. وقد أوضحت أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تحول الشكل الأدنى بدرجة الحرارة إلى الشكل الأعلى منه مباشرة (صعوداً على المخطط 4)، وهكذا على التوالي للوصول إلى المصهور الذي يأخذ عند تبرده التدريجي؛ النمط متعدد الشكل، عالي الحرارة بالتحول، آخذاً شكل النمط الأخفض في درجة الحرارة، وهكذا على التوالي للوصول إلى ألفا كوارتز الذي يبقى مستقراً وثابتاً في الظروف الطبيعية ضمن المستويات العليا من القشرة الأرضية، وإلى هذا السبب تُعزى وفرة الكوارتز في الطبيعة؛ في حين تختفي الأنماط متعدد الشكل الأخرى عالية درجة الحرارة.

لذلك فإن الكوارتز -ولاسيما منه ألفا كوارتز- تتيح له الظروف الطبيعية العادية من الانتشار الواسع والتنوع الكبير في تشكيل بلورات متعددة مركبة من شكلين بلوريّين بسيطين أو أكثر والتابعة لمنظومته البلورية نفسها التابع لها، كما هو مبين في الشكل ( 7- أ). وعادة ما تُصادَف بلورات بسيطة ومركبة من نوعين متماثلين بالتقابُل أو متماثلين بالتعاكُس enantiomorphy؛ بحيث يتعذر إحلال أحدهما محل الآخر أو انطِباق أحدهما على الآخر إلا بالانعكاس في المرآة (كما في صورة كف يد الإنسان في المرآة). وتدعى البلورة في أحد النوعين باليمينية والثانية باليسارية (الشكلين 7-ب-ج)، وينعكس هذا التمييز على صفاتهما الضوئية فيما يتعلق بدوران مستوى الاستقطاب فيهما؛ فعندما يكون الدوران باتجاه عقارب الساعة تدعى البلورة يمينية (+)، وتدعى يسارية (-) عندما يكون الدوران باتجاه مخالف لحركة عقارب الساعة، ويُحدَّد ذلك بسهولة في مقاطع رقيقة للبلورة تحت المجهر الاستقطابي.

كما تصادف وسط توضعات الرمال الكوارتزية بلورات متوائمة وفق قوانين محددة للتوأمة twining خاصة منها وفق القانون الدوفيني (الشكل 7-د) والقانون البرازيلي (الشكل 7- هـ).

الشكل (7) أشكال بلورات الكوارتز المركبة:

أ- بلورات عادية، ب- بلورة كوارتز يسارية. ج- بلورة كوارتز يمينية. د - توأمية دوفينية. هـ – توأمية برازيلية.

تعدد أشكال الجليد  

أخيراً من المفيد التلميح إلى مثال آخر حول ظاهرة تعدد الشكل فيما يتعلق ببخار الماء الذي يتكاثف في الأجواء الباردة على شكل نُدَف ثلجية تتهادى نحو الأرض تأخذ أشكالاً معقدة نجمية شعاعية سداسية التفرع كما هو مبين في الشكل (8). وعند تراكم الثلوج بكميات كبيرة سميكة تتراص الأشكال البلورية النجمية السداسية - ولاسيما في الجليديات الجبلية والقطبية – وتتحول إلى أشكال موشورية سداسية، وعند ذوبان الثلج والجليد يتحول كل منها إلى سائل مائي عديم الشكل amorphic.

الشكل (8) الأشكال النجمية السداسية المعقدة لبلورات الثلج المفردة.

مراجع للاستزادة:

- محمد غالب سيدا، علم الفلزات (المينِرالوجيا)، جامعة دمشق، 2003.

- محمد غالب سيدا، ضوئيات البلورات وتطبيقاتها على المجهر الاستقطابي، جامعة دمشق، 2005.

- J. Bernstein, Polymorphism in Molecular Crystals (International Union of Crystallography Monographs on Crystallography Book 30), ‎ OUP Oxford, 2020.

- L. Birkedal, K. Stovring, Realisability Semantic of Parametric Polymorphism, General References and Recursive Types, Structures in Computer. Cambridge University Press, 2010.

- R. Hilfiker and M. von Raumer, Polymorphism in the Pharmaceutical Industry: Solid Form and Drug Development, Wiley-VCH, 2019.

- B. Rodrigues-Molina, et al., Conformational Polymorphism and Isomorphism of Molecular Rotors with Fluoroaromatic Rotators and Mestranol Stators. Crystal Growth. ACS publications, 2013.


- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1