الترب (التأثر ب-الأملاح)
ترب (تاثر باملاح)
-
التُرب
تتأثر إنتاجية الترب تأثراً كبيراً بالأملاح المعدنية والفلزية الموجودة فيها، مما دعا إلى دراستها تفصيلاً. تحتوي مختلف أنواع التُرب على نسب مختلفة من الأملاح الذوَّابة في الماء، ويُطلق على التُرب التي تحتوي على نسبٍ عالية منها ولاسيما أملاح الصوديوم؛ التُرب المالحة أو الترب المتأثرة بالأملاح أو المتملِّحة salt-affected soils، وعند تجاوز نسبة الأملاح تلك -ولاسيما أملاح الصوديوم- حدّاً معيناً سينخفض مستوى خصوبة التربة ومن ثمّ سينخفض أيضاً إنتاجها الزراعي. وتتركز أكبر كمية من الأملاح عادةً في الآفاق السطحية من التُربة، وتتناقص على نحو كبير مع تزايد العمق والانتقال نحو الآفاق تحت السطحية.
إن الانتشار الواسع لظاهرة تملح التربة يأتي نتيجة مجموعة من العوامل تتلخص بخلل التوازن البيئي والقطع الجائر للأشجار والشجيرات الرعوية وانقراض الحياة البرية ومظاهر التصحر وما تسببه من تدهور الترب غير المُتملحة أو المُتأثرة بالأملاح، والاستعمال المفرط للمواد الكيميائية، والتغيرات المناخية المتمثلة بارتفاع درجة حرارة الأرض وانخفاض معدل الهطل المطري وانخفاض منسوب الماء الأرضي وارتفاع مستوى الماء الأرضي المالح بالخاصة الشعرية وتراكم الأملاح على سطح التربة (الشكل 1).
الشكل (1) تملح التُربة نتيجة ارتفاع مستوى الماء الأرضي المالح وتراكم الأملاح على سطح التربة. |
إن عملية تراكم الأملاح ولاسيما في منطقة جذور النباتات وبكميات كبيرة (الشكل 2) في مناطق عدة من العالم؛ جعل منها ظاهرة خطرة على المستوى العالمي، ولاسيما أن ظاهرة تأثر التُربة بالأملاح واسعة الانتشار أيضاً في المناطق الجافة وشبه الجافة، وكذلك في بعض المناطق الأكثر رطوبةً كالمناطق الساحلية، وخصوصاً المناطق الساحلية ذات التضاريس المنبسطة أو المنخفضة، والتي تطغى عليها مياه البحار المالحة بين حين وآخر، أو التي تتفجر منها بعض العيون والينابيع المائية المالحة مؤديةً إلى تملح تربتها، أو نتيجة جفاف البحيرات المالحة (الشكل3)، كذلك تُعد ظاهرة تملح التُربة الأكثر خطورةً في المناطق الجافة التي يتم ري محاصيلها الزراعية بطرائق ري تقليدية -كالري بطريقة الغمر- بمياه الري السطحية (مياه الأنهار) أو الجوفية (المياه المُستخرجة من الآبار) مؤديةً إلى تملح المناطق المروية.
الشكل (2) التراكم الهائل للأملاح في منطقة المجموع الجذري. |
الشكل (3) ترسب الأملاح وتراكمها نتيجة لجفاف البحيرات المالحة. |
إن التزايد السكاني المطَّرد والهائل لسكان المعمورة والحاجة الضرورية الماسة والملحّة إلى تحقيق أعلى المعدلات لقدرة التربة الإنتاجية من المحاصيل الزراعية من أجل توفير الطلب المُتزايد على المواد الغذائية؛ يصطدم مع عائق مشكلة تملح التربة أو تأثرها بالأملاح، لذلك يتم التوصية دائماً من قبل كل المنظمات الأممية والإقليمية والوطنية والمجتمعية ذات الصلة باتخاذ الإجراءات المهمة والضرورية كافة للحد من مصادر تملح التُرب، وكذلك استصلاح التُرب المتأثرة بالأملاح والمُتملحة أو المقلونة.
تشغل الترب المالحة مساحات واسعة من اليابسة تقدر بنحو 7%، وقد تصل إلى 50% من مساحة الأراضي الزراعية المروية نتيجة تضررها بالأملاح المتراكمة. وتنتشر في المناطق الجافة وشبه الجافة خاصة؛ لذلك تُعد ظاهرة تملح التُرب أو تأثرها بالأملاح ظاهرة عالمية؛ إذ تعاني معظم بلدان العالم مشكلة تملح التربة وتفاقمها بدرجات متباينة. كما تنتشر مساحات هائلة من التُرب الزراعية في الوطن العربي ضمن المناطق الجافة ونصف أو شبه الجافة، ومن ثمَّ فإن انخفاض معدلات الهطل المائي المطري من جهة وارتفاع معدلات المياه المتبخرة من جهةٍ أخرى يؤديان إلى تراكم الأملاح وتكدسها ضمن مقاطع التربة. وتحتل سورية المرتبة الثانية عشرة في الوطن العربي من حيث مساحة التُرب المتأثرة بالأملاح، وتجدر الإشارة إلى انتشار مساحات متفرقة من الترب القلوية في حوض الفرات والغاب وغيرهما من المناطق المروية في سورية، إضافة إلى التُرب المتملحة أو المتأثرة بالأملاح بنسب متفاوتة، والمنتشرة في محافظات جنوبي سورية (القنيطرة ودرعا والسويداء)، والتي ما زالت تعتمد طرائق الري القديمة في ري محاصيلها الزراعية.
تختلف مصادر الأملاح بين المصدرين القاري والبحري، وتتكوّن أغلب الأملاح المنتشرة في التُرب نتيجة تفاعل كلٍّ من أنيونات الكلور والسلفات والبيكربونات والكربونات مع كاتيونات الكلسيوم والمغنزيوم والصوديوم والبوتاسيوم واتحادهم. ويمكن أن تُقسم الأملاح تبعاً إلى ألوانها إلى:
- الأملاح البيضاء: وهي مُجمل الأملاح التي تنشأ نتيجة اتحاد كل من أنيونات الكلور والسلفات مع كاتيونات الصوديوم والكلسيوم والمغنزيوم؛ مكونةً تزهرات بيضاء على السطح الخارجي للأرض.
- الأملاح السوداء: وهي الأملاح التي تنشأ نتيجة اتحاد كلٍّ من أنيونات البيكربونات والكربونات مع كاتيونات الصوديوم بوجود المادة العضوية ونسبة عالية من الطين؛ ممّا يساهم في اكتساب السطح الخارجي للأرض اللون الداكن البني القاتم أو الأسود.
مصادر الأملاح والظروف الملائمة لتجمعها في الترب:
تتنوع مصادر أملاح التُرب ويمكن إيجازها على النحو التالي:
1- الصخور الرسوبية: تؤدي عمليات تجوية الصخور الأولية المتكشفة على اليابسة إلى تكوّن كميات هائلة من الأملاح الذوابة التي تتوضع بدايةً على السطح الخارجي للأرض ثم لا تلبث أن تتعرض لعمليات الغسل والنقل من اليابسة إلى الأحواض المائية مكوِّنةً الصخور الرسوبية الملحية. تتكشف هذه الصخور الملحية لاحقاً نتيجة عمليات جيولوجية معقدة، ويساهم محتواها من الأملاح الذائبة في تملُّح صخور اليابسة والتُرب. وتنتشر مثل هذه التوضعات الصخرية في المناطق الصحراوية الجافة والقاحلة من العالم.
2- البحار والمحيطات: يؤدي طغيان مياه البحار والمحيطات على مناطق السهول الساحلية المنبسطة وكذلك المنخفضة المتاخمة لها إلى تملح الترب، كما تُسهم الرياح على نحو واضح في ذلك، ويمتد تأثيرها إلى مسافات كبيرة داخل القارات عبر رذاذ تلك المياه أو أحياناً من خلال التغلغل والتسرب الجانبي لمياه البحار والمحيطات.
3- جفاف البحيرات المالحة: تتكشف مساحات هائلة في العالم من التُرب المالحة التي تكونت في الأصل ضمن مناطق بحيرات مالحة؛ حيث تعرضت مياه تلك البحيرات المالحة للتبخر وللجفاف ورسبت كميات كبيرة من الأملاح.
4- الرياح: تنقل الرياح حبيبات التربة المالحة مسافات كبيرة لتضعها على تُرب عادية غير مالحة، كما تُساهم في نقل كميات هائلة من فتات الصخور الملحية وحطامها إلى أحواض الترسيب.
5- البراكين: تنطلق في أثناء ثوران البراكين كميات هائلة من الغازات والأبخرة التي تحوي بخار الماء والكلور وثنائي أكسيد الكبريت، والتي تسهم في تكون الأملاح الكلوريدية والسلفاتية، وتعد غازات البراكين من أهم مصادر تملّح البحار والمحيطات من خلال تزويدها بإيونات الكلور والكبريت.
6- الماء الأرضي: يسهم في تملح التربة ولاسيما عند اقترابه من السطح الخارجي للأرض، كما تزداد خطورته تبعاً لنوعية أملاحه الذائبة التي تؤدي دوراً بارزاً في شدة تأثيره ومقداره وكذلك تبعاً لازدياد تركيز الأملاح فيه. يؤدي في عدد كبير من الحالات عمق الماء الأرضي الدور الأهم والفعال في تملح التُرب، خصوصاً في التُرب المنتشرة في المناطق الجافة وشبه الجافة.
7- النباتات الجفافية: تؤدي النباتات المتحملة للملوحة أو للجفاف دوراً مهماً في امتصاص الأملاح من أعماق التربة لترسبها لاحقاً على السطح بعد تفسخ بقاياها، علماً بأن نسبة رماد بعض أنواع النباتات المتحملة للملوحة أو للجفاف قد تصل إلى نحو 30% من وزنها الجاف الكلي.
8- الري: عند استعمال أساليب الري القديمة أو استعمالها بصورة خاطئة، مثلاً عند استعمال مقننات مائية كبيرة أو عندما تكون ملوحة مياه الري عالية أو عالية جداً؛ فإن هذا سيؤدي إلى تملح التُرب ولاسيما عندما تكون عمليات صرف المياه سيئة، ومثل هذا النوع من الملوحة يُطلق عليه اسم الملوحة الثانوية.
9- المناخ: ترتبط شدة عمليات توزع الأملاح أو أشكال تراكمها وتجمعها في التُرب على نحو رئيس بالظروف المناخية، ولاسيما النسبة بين كمية الهطل المائي السنوي وكمية المياه المتبخرة، أو مقدارها، ففي المناطق ذات المناخ الجاف تفوق كمية البخر عدة مرات كمية الهطل المائي السنوي؛ ممّا يؤدي إلى تجمع الأملاح في الصخور الأم والمياه الأرضية وتراكمها عاماً بعد عام ويساهم بدوره في تملح التُرب.
10- التضاريس: تؤثر جيومورفولوجية المنطقة على نحو رئيس وواضح في انتشار الملوحة وتوزعها؛ إذ تنتشر التُرب المالحة عادة في المناطق المنخفضة كالوديان والتُرب المتاخمة للشواطئ.
11- الظروف الهدرولوجية أو الخصائص المائية للصخور الأم والترب: تؤثر مباشرة في آلية حركة الماء واتجاهه، والتي تتأثر من ثم وعلى نحو رئيس بالخصائص الفيزيائية للصخور الأم والتُرب كالتركيب الميكانيكي الحبيِّ والمسامية الكلية وكذلك حجم المسامات ومُجمل العوامل المؤثرة والمُحددة لحركة التيارات المائية في الاتجاهات جميعها.
قُسِّمت التُرب المالحة (المُتملِّحة) أو المتأثرة بالأملاح إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي: التُرب المالحة أو السولونتشاك، والتُرب القلوية أو السولونتس والتُرب المالحة القلوية.
التُرب المالحة أو السولونتشاك saline soils or solonchaks:
السولونتشاك كلمة روسية، وتعني الترب التي تتجمع فيها كمية كبيرة من الأملاح الذائبة في الماء حيث تتركز أعلى نسبة منها في آفاق التُربة السطحية ولأعماق تراوح بين 0- 40سم، وتتجاوز تلك النسبة 1-2% من وزن التربة لتصل أحياناً إلى نحو 30%. تغطي سطح تُرب السولونتشاك عادة تزهرات أو قشور من الأملاح الذوابة، ولا تنمو المزروعات فيها و ينعدم غطاؤها النبتي الطبيعي، أو يتمثل ببعض النباتات الجفافية المتحملة للملوحة أو أيضاً النباتات المحبة للملوحة halophytes، يستثنى منها تُرب السولونتشاك المرجية؛ فهي الوحيدة التي تكون أكثر ملاءمة لنمو أغلب النباتات.
يُلاحظ لدى مراجعة خريطة منظمة الأغذية والزراعة Food and Agriculture Organization (FAO) لتصنيف التُربة؛ أن أوسع انتشار لترب السولونتشاك يكون في جمهوريات آسيا الوسطى -من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق- تليها قارة أستراليا وأخيراً دول أمريكا الجنوبية.
مساوئ تُرب السولونتشاك: يمكن إيجاز مساوئ تُرب السولونتشاك بالنقاط الرئيسة التالية:
1- تتميز بقوامها (نسيجها) الثقيل؛ نتيجة لانتشارها وتوضعها غالباً في المناطق ذات التضاريس المنخفضة، والتي تساعد على ترسيب الحبيبات الناعمة المنقولة من المرتفعات المحيطة.
2- تتسم بخلوها من البنى الفتاتية – الحبيّة الثابتة مائياً، مع أن غروياتها تكون متخثرة وثابتة ونفوذة، وسرعان ما تتهدم البنى الكاذبة عند غمرها بالماء.
3 - تتصف باحتوائها على نسبة منخفضة جداً من المواد العضوية والدبال، حيث لا تتجاوز نسبتها في الأفق السطحي عموماً 1% باستثناء تُرب السولونتشاك المرجية؛ إذ يمكن أن تصل هذه النسبة إلى نحو 10% من وزنها.
4- تتميز بتوزيع منتظم لفلزات الطين (الغضار) وكذلك السليكا والأكاسيد نصف الثلاثية في مقاطعها، يشذ عن ذلك تُربة السولونتشاك الصودية والتُرب المالحة القلوية.
5- تتصف بافتقارها إلى العناصر الغذائية للنباتات ولاسيما عنصر الآزوت.
6- تتميز بسيادة الحموض الفولفية في موادها الدبالية.
7- تتصف بسيادة عنصري الكلسيوم والمغنزيوم في معقد امتزازها ويليهما عنصر الصوديوم.
8- يتميز محلول التربة المائي بارتفاع تركيزه الملحي؛ إذ يُراوح بين 100- 200غ/ل، وقد يصل إلى 300- 400غ/ل في الآفاق السطحية، وينخفض إلى 20- 50غ/ل في الآفاق السفلى، مع الأخذ بالحسبان أن ارتفاع تركيز الأملاح في محلول التربة يعمل على ارتفاع ضغطها الحلولي إلى أن يبلغ حداً معيناً يتعذر عنده على النباتات امتصاص الماء والعناصر الغذائية، يضاف إلى ذلك التأثير السام والمباشر للأملاح في النباتات، والذي يؤدي إلى الإخلال بوظائفها الفيزيولوجية مؤدياً إلى توقف نمو النباتات ومن ثم هلاكها وموتها.
9- تُراوح درجة حموضة التربة (pH) لتُرب السولونتشاك بين 7,5- 8,3 ويرتبط هذا -عادة- بمحتواها من كلٍّ من كربونات وبيكربونات الكلسيوم والمغنزيوم؛ في حين تراوح درجة الحموضة لتُرب السولونتشاك الصودية القلوية بين 9- 10 نتيجة وجود كربونات وبيكربونات الصوديوم.
10- تكون السعة المتبادلة لتُرب السولونتشاك منخفضة وتراوح بين 10- 20ملي مكافئ/100غ تربة. تتميز بتناقص نسبة ملوحتها مع ازدياد العمق بشدة، تتوضع عادة الأملاح الأكثر ذوباناً في الآفاق السطحية مثل كلوريد المغنزيوم وكلوريد الصوديوم NaCl وكبريتات الصوديوم وكربونات الصوديوم وكبريتات المغنزيوم .
11-تُراوح نسبة الجبس في الأفق السطحي لتُرب السولونتشاك بين 2-3 %، وقد تصل إلى 10% من وزن التربة الكلي.
تصنيف تُرب السولونتشاك: هناك عدة أسس لتقسيم تُرب السولونتشاك، أكثرها انتشاراً واستعمالاً تقسيمها إلى عدة أنماط استناداً إلى سماتها الشكلية المورفولوجية أو إلى نوعية الملوحة الأنيونية منها والكاتيونية.
تصنيف تُرب السولونتشاك تبعاً لسماتها الشكلية المورفولوجية: استناداً إلى السمات الشكلية المورفولوجية، تم تمييز الأشكال التالية:
- سولونتشاك منتفخة.
- سولونتشاك قشرية.
- سولونتشاك مبتلّة.
- سولونتشاك سوداء.
- سولونتشاك بيضاء.
- سولونتشاك مرجية.
- سولونتشاك عمدية.
- سولونتشاك بحيرية مالحة.
تصنيف تُرب السولونتشاك تبعاً لنوعية ملوحتها: تمَّ تقسيم تُرب السولونتشاك استناداً إلى تركيب ملوحتها الأنيوني إلى عدة أنواع، وأكثرها انتشاراً هو التقسيم الذي يعتمد على تحديد النسبة بين الأنيونات المختلفة في المستخلص المائي للتربة، وكذلك النسبة بين الكاتيونات المختلفة في المستخلص المائي للتربة، علماً أن تصنيف هذه التُرب استناداً إلى الكاتيونات الذائبة أقل شيوعاً واستعمالاً من تصنيفها استناداً إلى الأنيونات الذائبة. كما يمكن تصنيف الـتُرب المالحة من خلال حساب النسب المئوية التي يشكِّلها كلٌّ من الإيونات أو الكاتيونات بالملي مكافئ من المجموع الكلي للأنيونات في المستخلص المائي، ويدخل في تسمية التربة الأنيونات التي تزيد نسبتها على 20%، وتبدأ التسمية بالأنيون الأعلى نسبة يليه الأقل فالأقل.
تحديد درجة ملوحة التربة: لا ترتبط درجة ملوحة التربة بنسبة الأملاح فحسب؛ وإنما بنوعيتها أيضاً، نظراً لتباين أنواع الملوحة في درجة خطورتها، ويتم تحديد درجة ملوحة التربة وفق طريقتين: تعتمد الأولى منهما على حساب النسبة المئوية للراسب الجاف (الأملاح الذوابة) من خلال تحديد وزن الراسب الجاف لمستخلصها المائي؛ في حين تعتمد الثانية على حساب النسبة المئوية للأملاح السامة في التُربة. وفي كلتا الطريقتين تمِّ تصنيف ملوحة التُرب استناداً إلى درجة ملوحتها ونوعيتها إلى خمس درجات؛ في حين يتم تحديد درجة ملوحة التُربة تبعاً للمدرسة الأمريكية اعتماداً على قياس الموصلية الكهربائية Electrical Conductivity (EC) لمستخلص العجينة المشبعة للتربة عند درجة حرارة 25°س، وانعكاس التركيز على صلاحية الترب لنمو المزروعات.
استصلاح تُرب السولونتشاك: يتم استغلال تُرب السولونتشاك في الزراعة بصورة محدودة، وتستعمل أراضي للرعي؛ لكن عمليات الاستصلاح المستمرة تؤدي إلى تحسين بعض أنواع التُرب المالحة، وتتم عمليات الاستصلاح بعد دراسة التربة وتحديد مُجمل خصائصها الفيزيائية والكيميائية والخصوبية، باتباع الخطوات الرئيسة التالية:
1- إضافة أملاح الكلسيوم على هيئة جبس قبل عملية الغسل.
2- إزالة الأملاح من التُربة عن طريق الغسل، ويراوح مقنن الغسل المائي الأمثل بين 2- 17 ألف م 3/هكتار.
3- إضافة مقنن الغسل المائي على دفعات، بفاصل زمني يراوح بين 2–5 أيام، لضمان عملية غسل الأملاح.
4- إجراء عمليات الغسل في نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء.
5- إنشاء شبكات صرف زراعي جيدة للتخلص من الأملاح المغسولة.
6- زراعة المحاصيل الزراعية المناسبة، والمُحسنة لخصائص التربة الفيزيائية لرفع المسامية والنفاذية والتهوية من خلال المجموع الجذري للنباتات.
7- استعمال الأسمدة العضوية يُحسن بناء التُربة وترفع من نفاذيتها ويُسهل عملية غسل آفاقها.
8- تسوية التُرب وتقسيمها إلى مجموعة من المصاطب لضمان انتظام تسرب الماء خلالها وتسهيله.
9- اتخاذ التدابير اللازمة لمنع ارتفاع الأملاح بالخاصة الشعرية، ومنها مثلاً حراثة التُربة ومن ثمِّ تفكيكها.
10- مكافحة مصادر تملح التُربة.
11- توفير رطوبة عالية في منطقة المجموع الجذري للنباتات؛ ممّا يساهم في خفض تركيز الأملاح ويقلل من خطورتها ويساهم من ثمّ في نمو النباتات.
التُرب القلوية أو السولونتس alkali soils or solonetz
تتكون التُرب القلوية أو تُرب السولونتس غالباً في الوهاد والمنخفضات والسهول سيئة الصرف المائي أو عديمة الصرف، وتتميز بأنها تحتوي -على نحو رئيس- على أملاح الصوديوم القلوية وبصفة رئيسة بيكربونات الصوديوم وكربونات الصوديوم وسليكات الصوديوم ، كما يحتوي معقد امتزازها على نسبة عالية من الصوديوم المتبادل Exchangeable Sodium Percentage (ESP) في أفق الترسيب تزيد على 20% من السعة المتبادلة تبعاً للمدرسة الروسية، وعلى نحو 15% تبعاً للتصنيف الدولي. يؤثر وجود أملاح الصوديوم في التربة على مجمل خصائصها الفيزيائية والكيميائية والخصوبية؛ فوجودها بنسب عالية يعوق عمليات نمو النبات، كما يحد من تزود النبات بالماء، ومن ثم هلاك النبات. يلاحظ عند دراسة خريطة تُرب العالم المقترحة من منظمة الأغذية والزراعة أن ترب السولونتس أوسع انتشاراً من ترب السولونتشاك؛ إذ تتعدى حدود مناطق المناخات الجافة إلى مناطق المناخات شبه الرطبة.
الخصائص الرئيسة لتُرب السولونتس: على الرغم من أن كلاً من تُرب السولونتشاك وتُرب السولونتس هما من أنواع التُرب المتأثرة بالأملاح؛ إلا أن تُرب السولونتس تختلف عن تُرب السولونتشاك بـالجوانب الرئيسة التالية:
1- تتراكم الأملاح في تُرب السولونتشاك في الأجزاء السطحية؛ في حين تتوضع الأملاح في تُرب السولونتس على عمق معين، وتبقى درجة الملوحة في الطبقة السطحية ضئيلة.
2- لا تختلف تُرب السولونتس عن تُرب السولونتشاك بنسبة الملوحة وتوضعها فحسب؛ وإنما أيضاً بهجرة الغرويات من السطح وترسبها على عمق معين؛ مكونةً الأفق القلوي B1 الذي يكون من السهل تشخيصه ومعرفته في الحقل استناداً إلى خصائصه الموروفولوجية المُميزة.
3- يرافق عملية القَلْوَنَة solonization تخريب شديد للجزء المعدني والعضوي ورفع درجة حركتها وانتقالها وهجرتها في قطاع التربة، ممّا يؤدي إلى تمايز مقطع التربة بدرجة كبيرة إلى آفاق مختلفة ومتباينة؛ في حين لا يشاهد مثل هذا التمايز في تُرب السولونتشاك.
تصنيف تُرب السولونتس: تُصنف تُرب السولونتس إلى عدة أنماط؛ تبعاً لتباين نظامها المائي- الملحي وظروف تطور العملية العشبية التي تعكس خصائصها النطاقية وذلك كما يلي:
- سولونتس مائية أو سولونتس مرجيّة.
- سولونتس نصف مائية أو سهبية مرجية.
- سولونتس ذاتية التشكل (أوتومورفية) أو سهبية.
- سولونتس مستنقعية مرجيّة.
كذلك تضم أنماط التُرب السابقة عدداً من تحت الأنماط، يعكس كلٌّ منها الخصائص النطاقية للسولونتس، كما تقسم تحت الأنماط استناداً إلى نوعية الملوحة ودرجتها وعمق توضع آفاق الأملاح الكربوناتية والجبسية (الحد العلوي للأفق الملحي) إلى مجموعة من الفصائل.
استصلاح تُرب السولونتس: لا يمكن استعمال تُرب السولونتس إلا بعد استصلاحها من خلال تحسين مُجمل خصائصها الفيزيائية الرديئة، والناتجة من زيادة الصوديوم المُمتز بنسبة كبيرة، وتوفير الظروف المُثلى والملائمة لنمو النباتات. وتتلخص عمليات الاستصلاح بالتخلص من الصوديوم المُمتز بإحلال عنصر الكلسيوم في معقد الامتزاز، ويعدّ فلز الجبس نظراً لخواصه المتعددة عادةً المُصلح التقليدي الأمثل للتُرب القلوية؛ إذ يعمل عنصر الكلسيوم على إزاحة عنصر الصوديوم عن معقد الامتزاز ويتم التفاعل المتبادل وفق المعادلة الكيميائية (1):
نتيجة هذا التفاعل تتعادل القلوية وتتحسن الخصائص الفيزيائية بتخثر الغرويات، ويتكون ملح متعادل هو كبريتات الصوديوم، سهل الغسل والصرف. ويجب الأخذ بالحسبان أن التفاعل السابق هو تفاعل عكوس؛ لذلك يجب التخلص من نواتج التبادل الملحي باستعمال طرائق الري المناسبة، أو باستعمال التقانات الزراعية الكفيلة بزيادة رطوبة التربة لإزاحة أملاح الصوديوم عن طبقة المجموع الجذري للنباتات، كما يجب إضافة الأسمدة العضوية عند استعمال الجبس؛ لأن الجبس يعمل على الحد من انحلال المركبات العضوية، ومن ثمّ خفض نشاطها الحيوي الكيميائي مما ينعكس سلباً على الكفاءة الإنتاجية للمزروعات. ويتم إضافة مطحون الجبس (قطر حبيباتها مم) عادة إلى الطبقة السطحية ولعمق لا يتجاوز الـ30 سم بصورة منتظمة في التربة وعلى مرحلتين تعقبهما عملية الحراثة للتُربة، وتتوقف الكمية اللازمة منه للاستصلاح على نسبة الصوديوم الممتز، وتراوح عادةً بين 8– 10أطنان/هكتار للسولونتس المرجية الصودية و 3– 5أطنان/هكتار للسولونتس السهبية.
التُرب المالحة القلوية saline and alkali soils:
عند احتواء تُرب السولونتس على نسب عالية من الأملاح الذوابة فإنها تُشكل التُرب المالحة القلوية، وهذه التُرب تجمع بين صفات التربتين المالحة والقلوية.
تقسيم الترب المتأثرة بالأملاح تبعاً للمدرسة الأمريكية
تَقسم المدرسة الأمريكية التُرب المالحة أو التُرب المتأثرة بالأملاح والمنتشرة في الولايات المتحدة إلى الأنواع الرئيسة التالية:
- تُرب مالحة غير صودية.
- ترب صودية غير مالحة.
- ترب مالحة صودية.
علاقة مياه الري الزراعي بتملح التُرب: ترتبط نوعية مياه الري بتأثيرها في خصائص التُربة والمحاصيل الزراعية؛ فمصادر مياه الري كافة مثل مياه الينابيع أو مياه الآبار أو مياه الأنهار تتباين في درجة نقائها نتيجة احتوائها على كميات متفاوتة من الأملاح الذائبة باستثناء مياه الأمطار التي تعد خالية من الأملاح. وتختلف نسبة الأملاح الذائبة من موقع إلى آخر، وإذا تعدت نسبة الأملاح الذائبة في مياه الري حداً معيناً فإنها ستؤثر سلباً في نمو النباتات وكفاءتها الإنتاجية؛ فإذا تمَّ الافتراض أن ماء الري الجيد يحتوي على 400جزء بالمليون من الأملاح الذائبة ومجموع عمق الماء المُضاف في العام يعادل1500 مم؛ فإن كمية الأملاح المُضافة تقدر بـ 6 أطنان/هكتار/سنة، وعلى افتراض عدم وجود غسل للأملاح المتراكمة نتيجة استخدام نظام غير جيِّد للصرف مع نفاذية ضعيفة للتُربة سيقود إلى تراكم الأملاح ضمن الأفق السطحي لقطاع التربة ضمن الـ 50سم العليا، ويزداد تراكم الأملاح لتصل إلى نحو 0,5% من وزن التربة خلال فترة لا تتجاوز سبع سنوات؛ ممّا يؤدي إلى الحد من الكفاءة الإنتاجية لهذه التربة. وقد أوضحت الدراسات والأبحاث وجود تناسب عكسي بين ازدياد نسبة تملح التربة الناجم عن الأملاح الذائبة في مياه الري وإنتاجية المحاصيل الزراعية.
كما تتأثر المحاصيل الزراعية والتُرب بنوعية الأملاح الذوابة، ولتقييم نوعية مياه الري لابد من إجراء مجموعة من التحاليل من أجل تحديد طبيعة الأملاح التي توجد بها والتي تتضمن:
- تقدير الموصلية الكهربائية (EC) التي تعبر عن تركيز الأملاح حسابياً.
- تقدير تركيز الأملاح الذوابة الكلية (TDS) Total Dissolved Solids بعد تجفيف حجم محدد من المياه على درجة 105°س.
- تحديداً نوعياً وكمياً للإيونات الرئيسة التالية: الصوديوم والكلسيوم والمغنزيوم والكربونات والبيكربونات والكلوريد والسلفات.
- إجراء تحاليل إضافية لتحديد تركيز كلٍّ من البورون والنترات.
- تحديد درجة الحموضة pH لمياه الري.
وتبعاً لدليل منظمة الأغذية والزراعة بخصوص نوعية المياه المستعملة في عمليات ري المحاصيل الزراعية؛ فقد أشار الدليل إلى الخطورة الكبيرة عند استخدام مياه ري تزيد موصليتها الكهربائية على الـ 3 مليموز/سم.
تأثير الملوحة في النباتات: يؤدي ارتفاع تركيز الأملاح في التربة إلى تقزم المجموع الجذري النباتي؛ ممّا يعوق نمو النباتات على النحو الأمثل، يؤثر ارتفاع تركيز الأملاح في محلول التُربة أيضاً في امتصاص النبات للماء؛ فيرفع الضغط الحلولي الذي يؤدي بدوره إلى ضعف قدرة النبات على امتصاص احتياجاته المائية من محلول التُربة، ومن ثمّ يمكن عدّ التُرب الملحية مكافئة للتُرب العطشى التي تعاني النباتات النامية فيها نقص الماء.
أما بالنسبة إلى النباتات الجفافية (النباتات المُحبة للملوحة) فلا تتأثر بنقص الماء؛ لأن تجمع الأملاح ضمن نسيجها يؤدي إلى رفع ضغطها الحلولي إلى سوية أعلى من الضغط الحلولي لمحلول التُربة الملحي ومن ثم لا تعاني صعوبة امتصاص الماء.
كما أن ارتفاع نسبة الصوديوم المتبادل يُكسب التربة صفات الطين الصودي رديء الخصائص بسبب بعثرة حبيبات الطين وتفرقها؛ ممّا يؤدي إلى إغلاق مسامات التربة الكبيرة، وخفض معدلات نفاذ الماء خلال مقطع التربة، ومن ثمّ أيضاً سوء التهوية فيها وتدنيها؛ ممّا يجعل التُرب المالحة القلوية بيئة غير صالحة للنشاط الحيوي، والتأثير سلباً في عملية تكاثر الكائنات الحية الدقيقة.
وقد ثبت من خلال إجراء عدد كبير من التجارب الحقلية والمخبرية تباين التأثير السلبي لكلٍّ من الإيونات السالبة (الأنيونات) والإيونات الموجبة (الكاتيونات) في النباتات، وهذا ما يدعى بالتأثير النوعي للإيونات. فقد تبين أن كاتيونات المغنزيوم هي أشد الكاتيونات تأثيراً سلبياً ومن ثمّ أشدها ضرراً وسميةً للنباتات، وهي أشد ضرراً من كاتيونات الكلسيوم والصوديوم؛ في حين تكون إيونات الكربونات والبيكربونات أشد سميةً وضرراً بالنباتات من الكلور والسلفات والنترات والفسفات. كما تعد البورات (أملاح حمض البوريك) أشد الأملاح ضرراً وسمية للنباتات. وقد تبين أن النشاط الحيوي والمكروبيولوجي انخفض على نحو كبير في التُرب المالحة عنه في الترب غير المتأثرة بالملوحة. ومن التجارب المخبرية أثبت الباحثون أن درجة تحمل النباتات للأملاح تختلف باختلاف طور النمو، وأن أكثر فترات النمو حساسيةً للملوحة بعد طور الإنتاش النباتي (طور الإنبات) وظهور أعضاء التكاثر ومرحلة تشكل كل من البراعم والأزهار وبروزهما.
عبدالرحمن محيي الدين السفرجلاني
مراجع للاستزادة: فلاح أبو نقطة، أساسيات في علم التربة - الجزء النظري، منشورات جامعة دمشق، دمشق 2004. عبدالرحمن السفرجلاني، علم التربة - الجزء النظري، منشورات جامعة دمشق، دمشق2014 . مصدق جانات، التجربة السورية في إعادة تأهيل بعض الترب المتأثرة بالأملاح، ندوة الترب المالحة في سورية ومشكلاتها، جامعة دمشق، كلية الزراعة، دمشق2010 . - N. H. A. Abou-Baker, E. A. El-Dardiry, Integrated Management of Salt Affected Soils in Agriculture: Incorporation of Soil Salinity Control Methods, Academic Press, 2015. - J. C. Dagar, R. K. Yadav, P. C.Sharma, Research Developments in Saline Agriculture, Springer 2019. - I. C. Gupta, Crop Production in Salt Affected Soils, Scientific publishers 2019.
|
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد السابع مشاركة :