تسونامي
-

 التسونامي

التسونامي

أحمد داود

أسباب تَكوّن موجات التسونامي

مراحل نشوء موجات التسونامي

بعض كوارث تسونامي عبر التاريخ

التنبؤ بحدوث التسونامي

 

التسونامي Tsu-nami ظاهرة طبيعية تتجلى باندفاع كمية هائلة من مياه البحر أو المحيط على شكل سلسلة موجاتٍ عاتية تضرب المناطق الشاطئية محدثةً دماراً كبيراً.

تعود تسمية هذه الظاهرة "بالتسونامي Tsu-nami" إلى اللغة اليابانية، وتعني باللغة العربية موجة الميناء أو المرفأ، وهي تتألف من مقطعين: (تسو tsu) وتعني الميناء أو المرفأ، و(نامي nami) وتعني موجة، وربما أُخِذت هذه التسمية لأنَّ موجاتها تتسارع بصمتٍ عبر المحيط من دون أن تثير الانتباه، لتظهر فجأةً على شكل أمواجٍ عالية مدمَّرة في المياه الساحلية الضحلة. ولعل اعتماد التسمية اليابانية لهذه الظاهرة يعود إلى أنَّ حدوثها في منطقة الجزر اليابانية هو الأكثر انتشاراً، حيث سجل فيها حتى الآن نحو 195 ظاهرة تسونامي، ولكون الجزر اليابانية تقع بالقرب من ملتقى الحواف التصادمية لأربع صفائح تكتونية.

أسباب تَكوّن موجات التسونامي

أول من ربط حدوث التسونامي بحصول زلزالٍ تحت الماء هو المؤرخ اليوناني توكيدايدس Thucydides (460-395 ق.م)، ومع ذلك فإنَّ فهم طبيعة هذه الظاهرة جليّاً بقي محدوداً حتى القرن العشرين.

يعتقد معظم الباحثين اليوم أنَّ حدوث التسونامي يرتبط بحصول زلزالٍ أو بركانٍ أو تفجير نووي في قاع البحر أو المحيط، أو نتيجةَ سقوط أجسام فضائية هائلة فيه. ولعل الحالة الأولى هي الأكثر شيوعاً، فحدوث زلزالٍ مركزه تحت قاع المحيط يؤدي إلى تحرك كميات هائلة من المياه وصعودها بشكلٍ عمودي صعوداً مفاجئاً، ينجم عن ذلك أمواج دائرية متلاحقة تنطلق من مركز الزلزال وتتجه نحو الشواطئ القريبة أو البعيدة بحسب قوته.

مراحل نشوء موجات التسونامي

تمر موجات تسونامي بثلاث مراحل متداخلة، لكنها متميزة بعضها من بعض بوضوحٍ، وهي: التولد فالانتشار ثم الإغراق أو الغمر (الشكل 1).

الشكل (1) مراحل تشكل موجات التسونامي.

تنشأ المرحلة الأولى (التولد) نتيجة حدوث انخسافٍ قوي في قاع البحر أو المحيط؛ مثل الحركة التي تحدث على طول أي صدع fault، ويؤدي هذا الانخساف إلى دفع ما فوقه من مياه نحو الأعلى على شكل موجاتٍ عمودية (الشكل 2).

الشكل (2) آلية تشكل الموجة.

أما المرحلة الثانية (الانتشار) فتتجلى بانتشار الموجات عبر مياه المحيط العميقة بسرعةٍ كبيرةٍ قد تصل حتى 850 كم/ساعة، وفي هذه المرحلة يكون ارتفاعها فوق سطح البحر قليلاً لا يتجاوز 60 سم حيث يتعذر ملاحظتها.

تبدأ المرحلة الثالثة (الإغراق) عند اقتراب هذه الأمواج من المياه قليلة العمق والمحاذية للشاطئ، حيث تنخفض سرعتها -نتيجة ضحالة الماء- إلى ما يقارب 80 كم/ساعة. وتتلاحق الموجات مع تناقص المسافات فيما بينها بعملية تسمى التضحل shoaling، ويقابل ذلك ازدياد ارتفاعها فوق سطح البحر ليصل حتى 40 متراً في بعض الحالات.

وهكذا يؤدي انكسار الموجة والتضحل إلى حشد طاقة الموجة وتركيزها (الشكل 3)، مما ُيولدُ تياراتٍ أسرع وأمواجاً مرتفعة تشكلُ حائطاً من المياه يضرب المنطقة الشاطئية. وقد تلتف الموجة حول أي لسانٍ أو أرضٍ متقدمة، مما يزيد من كثافة طاقتها، وبالتالي زيادة ارتفاعها (الشكل 4). وقبل وصول الأمواج العاتية للشاطئ تتراجع المياه بضع مئات من الأمتار إلى عرض البحر كاشفة ولدقائق عن أجزاءٍ من قاع البحر.

الشكل (3) تركيز طاقة موجات التسونامي بعد الوصول للمياه الضحلة.
الشكل (4) صورة لأمواج تسونامي الحائطية لحظة وصولها للشاطئ.

أهم عوامل نشوء موجات التسونامي

1- التحرك العمودي المفاجئ للصفائح التكتونية (التسونامي الزلزالي): تستند نظرية الصفائح التكتونية إلى أنَّ القشرة الأرضية التي تُغلِّف الأرض، والتي ترتكز عليها المحيطات والقارات، تتكون من صفائح تكتونية يفصل بينها فوالق، تتحرك هذه الصفائح أفقياً وعمودياً بمعدل ستة سنتيمترات سنوياً. ويحصل بينها عند الفوالق احتكاك تختلف قوته وفقاً لقوة الانفجار داخل باطن الأرض والتي تسببت في حدوث الزلزال. يرافق ذلك أحياناً ارتفاع أقسام من هذه الصفائح وانخفاض أخرى، فإذا كان مركز الزلزال تحت قاع البحر أو المحيـط فإن ذلك يتسـبب بتكوّن أمواج التسونامي التي تظهر بتحرّكٍ عمودي مفاجئ لكميات كبيرة من المياه، تتجه سريعاً نحو الشواطئ المجاورة لإعادة حالة توازن المياه والركود التي كانت سائدة قبل حصول الزلزال.

2- انزلاق صفيحة تكتونية تحت أخرى (التسونامي البركاني): يؤدي تحرك الصفائح التكتونية واحتكاكها ببعضها أحياناً إلى انزلاق صفيحةٍ تحت أخرى. ونظراً لارتفاع الحرارة داخل قشرة الأرض سرعان ما يتحول القسم المنزلق إلى داخل القشرة الأرضية إلى حمم سائلة نتيجة ذوبان مكوناته، فينتج من ذلك ارتفاع ضغط المجموعة السائلة الموجودة داخل باطن الأرض، مما يتسبب بدفع الكمية الزائدة من هذه الحمم خارج القشرة الأرضية عبر البراكين. فإذا حصل قذف الحمم السائلة في قاع البحر فإنَّ ذلك يؤدي إلى تولد أمواج.التسونامي.

الاختلافات بين موجات تسونامي والأمواج البحرية المتولدة من الرياح، أو من المد والجزر

تختلف موجات التسونامي عن الأمواج البحرية المتولدة من الرياح وعن الأمواج البحرية المتولدة من المد والجزر من حيث أسباب نشأتها وتكوينها وطاقتها والخسائر التي تنجم عنها.

فالرياح الخفيفة التي تهب على المحيط تتسبب بتشكيل أمواجٍ قصيرةٍ تحرض تياراتٍ مائية تقتصر على الطبقة السطحية الضحلة. أما الرياح العاصفة القوية فتولد أمواجاً قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من ثلاثين متراً في عرض المحيط، ولكنها مع ذلك غير قادرةٍ على تحريك المياه العميقة، على عكس أمواج التسونامي التي تندفع في أعماق المحيطات بسرعةٍ كبيرة جداً.

أما أمواج المد والجزر فهي تولد تياراتٍ مائية تصل إلى قاع المحيط كما في التسونامي، غير أنَّ هذه التيارات تتولد من قوة الشد الناجمة عن جاذبية القمر والشمس، في حين تتولد أمواج التسونامي من حركة الدفع التي يحدثها الزلزال تحت قاع البحر.

وتتجلى الاختلافات الأخرى بما يلي:

1- لا يتجاوز عرض الأمواج البحرية العادية أمتاراً معدودة، في حين يبلغ عرض موجة التسونامي عدة كيلومتراتٍ.

2- تحمل الأمواج البحرية العادية كمياتٍ من المياه، قد تكون كبيرةً في بعض الحالات، ولكن لا يمكن مقارنتها بأي حالٍ بكمية المياه الهائلة التي تحملها أمواج التسونامي.

3- تعدّ الأمواج البحرية العادية مفيدة للحياة البحرية، في حين تحمل موجات التسونامي الدمار والخراب.

4- تتميز أمواج التسونامي بمدى طويل جداً، فهي قادرة على نقل الطاقة المدمِّرة من مصدرها في قاع المحيط (المركز السطحي للزلزال) إلى مسافة قد تصل إلى آلاف الكيلومترات. فتأثير موجات زلزال المحيط الهندي مثلاً امتدت إلى سواحل شرق إفريقيا، كما أنَّ موجات التسونامي التي نجمت عن زلزال أنكوراج في ألاسكا عام 1964 وصلت إلى كاليفورنيا التي تبعد أكثر من 2500 كم عن ألاسكا.

5- تستمد الأمواج البحرية العادية طاقتها من الرياح أو من الفروقات في درجات حرارة سطح البحر، أو من الحرارة الكامنة في بخار الماء التي تنطلق في أثناء تكاثفه (في حال الأعاصير)، في حين أنَّ طاقة أمواج التسونامي تُستمد من حركة الأرض.

بعض كوارث تسونامي عبر التاريخ

ليست ظاهرة تسونامي نادرة الحدوث، فقد سجل حدوثها خلال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين 796 مرة. ومن أشهرها عبر التاريخ:

1- في عام 1650 ق.م أدت ثورة بركان جزيرة سانتوريني إلى موجات تسونامي، وكانت سبباً في تدمير الشاطئ الشمالي لجزيرة كريت الواقع على بعد 70 كم من جزيرة البركان.

2- في صيف عام 1552 ضرب زلزال عنيف مدينة القسطنطينية، ونجم عنه تسونامي وصل إلى شواطئ بيروت وأدى إلى مقتل أكثر من ثلاثين ألف شخص.

3- في عام 1755 نجم عن التسونامي الذي تبعَ زلزال لشبونة الكبير بنصف ساعة نحو مئة ألف ضحية.

4- في عام 1883 تَبعَ بركانَ جزيرة "كراكاتوا" اليابانية تسونامي ارتفعت أمواجه إلى أربعين متراً فوق سطح البحر.

5- في عام 1960 وقع زلزال تشيلي العظيم والذي بلغت قوته 9.5 على مقياس ريختر تحت المياه المحاذية للشواطئ الجنوبية للتشيلي، نتج منه تسونامي وصل ارتفاع أمواجه إلى 25 متراً، وفاقت ضحاياه 2200 ضحية.

6- في عام 2004 وقع زلزال المحيط الهندي، وصلت قوته إلى 9.2 على مقياس ريختر، ونتجت منه أمواج تسونامي ضخمة ضربت إحدى عشرة دولة محيطة، وتسببت في مقتل 310000 شخص، وقد قُدرت الطاقة التي نجمت عن تلك الأمواج بما يعادل 23 ألف قنبلة نووية من تلك التي ضربت هيروشيما.

7- في 11 آذار/مارس 2011 ضرب الجزر اليابانية زلزال بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، تبعه تسونامي وصل ارتفاع أمواجه أكثر من عشرة أمتار، وضرب سواحل اليابان على المحيط الهادئ، ونتجت منه انفجارات وقعت في أربعة مفاعلات بمحطة فوكشيما النووية، ووصلت آثاره الإشعاعية (أسماك تونه مشعة) ونفاياته (حطام سفن وأدوات فردية) إلى شواطئ كاليفورنيا التي تبعد عن مركز الزلزال نحو 9700 كم، وتَسَّببَ هذا التسونامي بموت أكثر من عشرة آلاف شخص، وقُدرت التكلفة الاقتصادية التي نجمت عنه نحو325 مليار دولار أمريكي.

التنبؤ بحدوث التسونامي

على الرغم من التقدم التقني الكبير الذي حصل في مجال التنبؤ بحدوث ظاهرة التسونامي ومراقبتها، بيد أنَّ ذلك لم يستطع فعل الكثير حيالها، فحتى لو كانت مؤشرات حدوث الزلزال تشير إلى مكانه على نحو دقيق؛ فإنَّ أمواج التسونامي التي ستليه لا يمكن منع حدوثها.

وتستخدم اليوم الأقمار الصناعية المعنية بالأحوال الجوية، وأجهزة استشعار المحيطات للتنبؤ بالوقت الذي ستستغرقه أمواج تسونامي للوصول إلى مناطق معينة، وبالتالي التقليل من الضحايا، بيد أنَّ هذه التقانات مازالت عاجزة عن تقليل الضرر المادي الذي يمكن أن تخلفه.

تم تطوير العديد من الأنظمةِ التي استخدمت لرصد التسونامي والحد من أضراره، فنظام الإنذار بحدوثه في المحيط الهادئ يرصد جميع التموجات الزلزالية التي تحدث فيه، ويقوم برصد الزيادة في حجم الموجات وإرسال الإنذارات المبكرة. وتعتمد معظم هذه الأجهزة على استشعار تغير ضغط عمود الماء في قاع المحيطات على نحو مستمر (الشكل 5).

الشكل (5) جهاز الكشف المبكر عن التسونامي.

ومهما بلغت دقة نظم الإنذار بحدوثه فإنها تبقى غير فعالة إذا لم يستجب لها قاطنو المناطق الساحلية، لذلك يَنصبُّ العمل في تلك المناطق على تعريف المجتمعات المحلية بمؤشرات التسونامي المحتمل (اهتزاز الأرض بشدةٍ ولفترات طويلة)، وتزويدها بالتوجيهات اللازمة في أثناء حدوث الكوارث التسونامية (تحديد الطرق الواجب سلوكها للتوجه إلى الأماكن المرتفعة). ومن الإجراءات الوقائية التي قامت بها بعض الدول زراعة غابات اعتراضية، وبناء جدرٍ عملاقة على طول جزءٍ من سواحلها.

مراجع للاستزادة:

- J. Goff, W.r Dudley, Tsunami: The World&https://mail.arab-ency.com.sy/scitech/details/170283#39;s Greatest Waves, Oxford University Press, 2021.

- F. Lovholt, H. Bungum, C. B. Harbitz, S. Glimsal, C. D.Lindholm, G. Pedersen, Earthquake related tsunami hazard along the western coast of Thailand, Natural Hazards and Earth System Sciences, 2009.

- J. Ruff , Only One Wave: The Tsunami Effect (FBI and CDC Medical Thriller Book 3), ‎ Greyt Companion Press, 2021.

 


- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1