التقانة والإدارة
تقانه واداره
-
محمد مراياتي
تأثُّرُ الإدارة بالتطور التقاني
التقانة في إدارة المحفوظات (الأرشفة المرقمنة)
الإدارة في المفهوم العام هي فن تسيير الأمور وتحديد أهدافها وسياساتها والإشراف على تطبيقها في أي حكومة أو تنظيم أو مؤسسة أو شركة. والمصطلحان في اللغة الإنكليزية مترادفان من حيث المبدأ، غير أن ثمة فروق بينهما، فالأول، أي الإدارة العامة أو العليا management، أشمل وأعم، ويقصد بها التنظيم وتحديد الأهداف والسياسات والخطط العامة والإشراف على تنفيذها، أما الثاني، أي الإدارة التنفيذيةadministration ، فيحمل في طياته التنفيذ العملي للسياسات والأهداف وتطبيق الخطط التي تفرضها الإدارة العامة.
وقد طرأت على الإدارة العامة تغيرات جذرية بدخول تقانات الحكومة الإلكترونية بما فيها إدارة الموارد البشرية وإدارة الموارد المالية، وإدارة المعلومات والوثائق والمحفوظات والمكتبات، وإدارة المدن والمنشآت، وإدارة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وإدارة المياه والطاقة، وإدارة الصحة والتربية والتعليم وإدارة الأمن وغيرها. ومن جهة أخرى توسعت إدارة الأعمال والشركات والمؤسسات المختلفة وما يتبع لها من إدارات التمويل والإمداد والمستودعات والإنتاج والتسويق والإعلام وخدمة الزبائن والجودة والتطوير. إضافة إلى ذلك تضخم الشركات واندماجها وتحولها إلى شركات عابرة للقارات وعولمة الإنتاج وعولمة السوق وغير ذلك.
تأثُّرُ الإدارة بالتطور التقاني
تأثرت الإدارة بالتطور التقاني عبر تطبيقات التقانات الجديدة في الإدارة. وتحتل تقانات المعلومات والاتصالات والتشبيك المرتبة الأولى بين التقانات الحديثة التي أثرت في الإدارة عموماً، وتليها تقانات الإلكترونيات، والأتمتة والروبوتية التي تمخض عنها ما يسمى "بـالمكتبية" bureautics أو أتمتة المكتب، وتقانات النقل والبريد السريع والبريد الإلكتروني. كما كان للأدوات والبرمجيات المعلوماتية تأثير كبير في حسن سير الإدارة كالشبكات الحاسوبية، وقواعد المعلومات، والنظم الخبيرة، والنظم المساعدة على اتخاذ القرار، ونظم إدارة الوثائق Document Management System (DMS) ، وأدت إلى تحول تقانات الإدارة من الورق إلى الرقمية.
وقد شملت مجالات تأثير التقانات الحديثة في الإدارة تحسين أداء العمل الإداري وجودته وفعَّاليته، وتبسيطه وسرعة تنفيذه، وإنجازه من بعد عبر شبكات الاتصال ولاسيما الشابكة (الإنترنت)، باستعمال تطبيقات التعاملات الإلكترونية. وسمحت هذه التقانات الجديدة بإدارة التمويل والإمداد والإنتاج والتسويق عبر القارات، وأدت إلى عولمتها، وقللت من عامل المسافة في الإدارة، وغيرت الكثير من الهياكل الإدارية العمودية إلى هياكل أفقية. كذلك مكَّنت الإداريين من التعامل مع كميات هائلة من المعلومات وساعدتهم على اتخاذ القرار آلياً، كما مكنتهم من النفاذ إلى معلومات ووثائق من كل أنحاء العالم وعن كل الدول والمنظمات، وسهلت لهم المشاركة والتشارك في المعلومات بين مختلف الأقسام الإدارية. ووفرت التقانة للمستثمرين القدرة على الاستعاضة عن الكثير من البريد العادي بالبريد والتراسل الإلكتروني، وأسهمت في تخفيض حجم الجهاز الإداري واختصار نفقاته، وزادت في قدرة الإدارة العليا على التخطيط والرقابة والتوسع في اللامركزية وتفويض السلطة، والتركيز على المهام الاستراتيجية والتخفيف من الأعباء الروتينية.
غير أن هذا التأثير الإيجابي صاحبه تأثيرات سلبية أهمها قضايا أمن المعلومات الإدارية، وسهولة تخريبها أو سرقتها، وشلل العمل الإداري عند تعطل المنظومات التقانية الإدارية، وزيادة جرائم المعلوماتية في الإدارة، وصعوبة تطبيق القوانين الناظمة لها.
إدارة التقانة من عمليات الإدارة الجديدة، وتعدّ غاية في الأهمية للتنمية بكل أبعادها، كما أنها ضرورة لكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. تشتمل إدارة التقانة ما يلي:
- إدارة نقل التقانة، وتشمل اختيار التقانة واقتناءها واستخدامها.
- إدارة توطين التقانة أو استيعابها، وتشمل الهندسة العكسية، والتطويع التقاني عن طريق ملاءمته محلياً، وفك الحزمة التقانية، وملاءمة التقانة مع البيئة، ومع عملية التنمية المستدامة.
- إدارة توليد التقانة، بما فيها البحث والتطوير، وإدارة المنظومة الوطنية للابتكار، وبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية، وإدارة ريادة الأعمال وإنشاء مصانع أو شركات جديدة، وإدارة تمويل التقانة.
يتجه العالم اليوم نحو معلومات إدارية رقمية متاحة في أي مكان، بحيث لا يذهب الإداري إليها وإنما تأتيه أينما كان، وتتوفر له المعلومات المناسبة وبالتوقيت المناسب، والفضل في ذلك لتقانات الرقمنة. تتضمن عملية رقمنة الوثائق عدة مراحل، تبدأ من تحديد الوثائق والمستندات أو الأرشيف الإداري المراد رقمنته. ويتم اختيارها وفق معيار دقيق، وتليها عملية المسح الضوئي للنصوص والمسح الضوئي للصور ومراقبة الجودة، وتَعرّف الرموز، وتنقية الصور وتصغير حجم الملف المنقول إلى الحجم المناسب. تنتهي عملية الرقمنة بالحصول على ملفات رقمية قابلة للنقل والتداول من خلال كل شبكات الاتصال المتوفرة. وتشكل شبكة الإنترانت الداخلية وشبكة الإنترنت بنية تحتية، يمكن بوساطتها الربط بين عناصر العمل الإداري في أي مكان.
لتقانات الرقمنة فوائد كثيرة منها: أنها تحافظ على الأصل (النادر والمعرض للتلف في بعض الحالات)، وسهولة الإعارة والاسترجاع، وحجم الخزن الصغير وبتكلفة ضئيلة، وإمكان البحث الآلي (وثيقة، نص، معلومة أو غيرها)، وكذلك الاقتصاد في استهلاك الورق، وسهولة الاستخدام، والسرعة وإمكان الاقتباس، وإمكان اطلاع العديد من المعنيين على الوثيقة نفسها في آن معاً، وسهولة إدارة عملية الاطلاع على الوثائق.
تختلف أنواع الرقمنة وطرائقها من حيث التكلفة، ومن حيث كونها صورة غير قابلة للبحث عن الكلمات، أو حروفاً قابلة للبحث فيها، ومن حيث الزمن اللازم للتحويل، وأخيراً سعة الذاكرة المطلوبة، وبالتالي تكلفة التخزين وتكلفة النقل على الشبكات وسرعته.
وعلى الرغم من التطور الهائل في الإدارة نتيجة الرقمنة مازالت هناك صعوبات ومخاطر في عملية الرقمنة، منها: التقادم التقاني وتغيّر المعايير، والعمر القصير لحامل المعلومة (تجهيزات وبرمجيات)، وسهولة التزوير والتعديل والسرقة والتجسس، ومشكلة تجنب البحث في المراجع غير الإلكترونية، وحقوق النشر والتأليف وتكلفتها، ومسائل سياسية أو تشريعية، ومسائل مالية مختلفة.
من أجل تنمية المحتوى الرقمي -برقمنة القديم وإدخال الجديد رقمياً- لابد من توفر حسن إدارة هذا المحتوى وحسن استثماره. وتعد نظم إدارة المحتوى Content Management System (CMS) مهمة جداً كي يستثمر المحتوى في عملية التنمية، كما أن توفر هذه النظم باللغة الوطنية، وبتكاليف معقولة، وبعملٍ فعال صحيح مطلبٌ رئيسي.
تشتمل نظم إدارة المحتوى على ما يلي:
- توليد المحتوى الجديد: وهي مرحلة إبداعية تظهر نشاط الأمة وإنتاجها الفكري والثقافي والعلمي والتقاني.
- تحويل المحتوى -الحالي أو القديم أو التراث بكل أشكاله- إلى الشكل الرقمي Go digital: وهي مرحلة تتطلب إدخال معارف الأمة السابقة من كتب ووثائق وفنون وآثار ومعلومات وغير ذلك إلى الشكل الرقمي، وخزنها في الحاسوب أو على وسائط الخزن الرقمية.
- تخزين المحتوى وتبويبه ومعالجته بتبويب المعلومات المخزنة، واستخلاص المعلومات اللازمة منها. تستعمل من أجل ذلك الأدوات البرمجية المختلفة كقواعد المعطيات databases، وقواعد المعرفة knowledge base، والنظم الخبيرة expert system، وبرمجيات الفهرسة الآلية indexing وغيرها.
- عرض المحتوى أو طباعته.
- نشر المحتوى.
- استخدام المحتوى وتسويقه: يعتمد نجاح هذه المرحلة على جودة المحتوى وعلاقته وفائدته للمستثمر، كما يعتمد على زيادة معدل النفاذ للإنترنت لشرائح المجتمع كافة. وترتبط هذه المرحلة أيضاً بالتسويق المحلي والعالمي لسلع الصناعات الثقافية وخدماتها.
التقانة في إدارة المحفوظات (الأرشفة المرقمنة)
عظم دور المحفوظات التي تمثل تراكم المعرفة ولاسيما العلمية والتقنية نتيجة لتعاظم الصناعات الثقافية بالتوجه نحو مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة، ومع وجود الإنترنت والهاتف الخلوي أصبح النفاذ إلى المحفوظات متيسراً عالمياً ومن أي مكان وفي أي وقت. وقد جرى تطوير نظم لتحقيق ذلك، منها "نظام أرشيف المعلومات المفتوح" Open Archival Information System (OAIS).. وأصبح النفاذ إلى المكتبات، وإلى قواعد معلومات الوثائق المختلفة، والمخطوطات، وإلى قواعد المعلومات العلمية والتقنية في متناول الإداريين والباحثين والطلاب والفعاليات الاقتصادية والعامة. ولكي يكون ذلك ناجحاً لا بد من تبني مواصفات معتمدة وفرضها في التطبيق. إن هذا سيجعل النفاذ إلى كل المكتبات الرقمية ممكناً وغير مكلف من أي مكان. وقد أصبحت هذه التغيرات مهمة وملحة لكي تجاري متطلبات تحول المجتمع إلى "مجتمع المعرفة"، وكذلك تحول الاقتصاد نحو "الاقتصاد القائم على المعرفة". وهذا بدوره يجعل هذه التغيرات ذات تأثير اقتصادي واجتماعي وثقافي، وذات قيمة مضافة كبيرة. سبب هذه التغيرات طبعاً هو التطور الذي حدث في تقانة المعلومات والاتصالات، والذي أدى إلى ترميز الوثائق والمعلومات بكل أشكالها- كنص أو صورة أو مخطط أو فيلم أو كلام منطوق- بالترميز الرقمي الذي وحدته "البت". وقد رافق هذا التطور تطور كبير في خوارزميات معالجة الوثائق والمعلومات بكل أشكالها، وفي "بروتوكولات" نقلها على الشبكات السلكية واللاسلكية.
ثمة أمور تغيرت تغيراً جذرياً في عملية الأرشفة وتعامل الإدارة معها نتيجة التحول إلى الرقمنة، منها: زيادة أهمية الأرشيف وتأثيره في مختلف الأنشطة الإدارية، وتوفره ضمن المحتوى الرقمي، والتوجه إلى رقمنة الأرشيف السابق لدى كل الجهات وفي كل المجالات، وتغير طبيعة حامل الوثائق والمعاملات الإدارية مادةً وحجماً وتكلفةً واستعمالاً، واستعمال وحدة واحدة لترميز جميع أنواع المعلومات، ونمو الأرشفة متعددة الوسائط multimedia، وتغيرات جذرية في طرائق خزن المعلومة بما فيها الحوسبة السحابية cloud computing والتغير الجذري في طبيعة مستودعات الأرشيف وشروطها، وتطور في طرائق البحث في الأرشيف (وثيقة، كلمة، جملة، معنىً)، والبحث عبر النصوص المترابطة hyper text وآلياتهما، وآليات جديدة في النفاذ إلى الأرشيف (من بعد، في أي وقت)، وترابط الأرشيف وطنياً وإقليمياً وعالمياً، وتغير جذري في دورة التعامل مع الوثائق بكل أشكالها، وفي "بروتوكولات" نقلها على الشبكات السلكية واللاسلكية، وممارسات جديدة في صيانة الأرشيف وعمره، وكثرة المعايير، وتغيرات في حقوق الملكية الفكرية للأرشيف والتعامل معها، والمسائل المستجدة في أمن الأرشيف. كما ظهرت مجالات جديدة مهمة مثل إدارة المعرفة knowledge management، والتنقيب في النصوص text mining، والتعامل مع ما يسمى بالمعلومات الضخمة big data .
إن تطور الإدارة يتطلب الاستجابة للمتغيرات الحادثة في البيئة الإدارية التي أصبحت شديدة التعقيد والدينامية، وبالتالي استخدام تقانات الإدارة الحديثة وتتبع آفاقها المستقبلية واستيعابها وإدخالها في النظم الإدارية، ودمجها فيها، وهذا يتطلب تخطيطاً دقيقاً وإدارة مسؤولة، وهي مهمة مؤسسات "التنمية الإدارية" لتكون بمنزلة مراكز إشعاع علمي وثقافي وفكري في مجال الإدارة، وأن تستجيب أكثر لاحتياجات التنمية الإدارية، وأن تعطي أهمية أكبر لتطبيقات التقانات الحديثة في الإدارة، والإفادة منها في تحديث نظم التدريب وأساليبه، مع ضرورة إعادة هندسة نظم الإدارة.
مراجع للاستزادة: - "التقرير العربي الخامس للثقافة العربية"، مؤسسة الفكر العربي، 2012. - "تحقيق التميز من خلال صنع القرار الحكومي اعتماداً على البيانات، تمكين خدمات المستقبل بقوة التحليل"، سلسلة بحوث القمة، الإمارات العربية المتحدة، فبراير 2013. - علاء السالمي وآخرون، أساسيات نظم المعلومات الإدارية، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان 2009. - فؤاد الشرابي، نظم المعلومات الإدارية، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان 2008. - K. Schwalbe, Information Technology Project Managemen, Cengage Learning 2018. - E. Turban, C. Pollard, G. Wood, Information Technology for Management: Driving Digital Transformation to Increase Local and Global Performance, Growth and Sustainability, Wiley, 2021. |
- التصنيف : كهرباء وحاسوب - النوع : كهرباء وحاسوب - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :