التناظر عند الحيوانات
تناظر عند حيوانات
Animal symmetry -
محمد يونس غالية
التناظر ymmetrys هو توزع أو ترتيب متساوٍ (متوازن) لأقسام جسم الكائن الحي المتشابهة.عناصره هي نقطة المركز والخط (المحور) والسطح. وهو نوع من التناظر الجهري macroscopic.
تتمتع معظم الأشياء والكائنات الحية بأحد أنواع التناظر، فقرص الشمس وكرة القدم وعجلة الدراجة وقنديل البحر ونجم البحر جميعها لها تناظر شعاعي؛ أي إن أجزاءها تتشابه إذا قسمت إلى نصفين أو أكثر مروراً بمحورها المركزي. أما الطائرة والفراشة والعصفور فهي ذات تناظر جانبي أي إن المستوى المارّ بجسمها /سهمياً/ يقسمه نصفين متناظرين متماثلين تماماً.
يصنف الكثير من علماء الحياة الحيوانات تبعاً لتناظرها في حيوانات عديمات التناظر asymmetric وحيوانات ذات تناظر شعاعي radial وحيوانات ذات تناظر جانبي bilateral وحيوانات ذات تناظر كروي spherical.
يمثلها الإسفنج spongia وبطنيات القدم Gastropoda من الرخويات والأسماك المفلطحة flat fishes، وهي حيوانات لا يوجد تناظر أو انتظام في ترتيبات أجسامها، وليس ثمّة محور مركزي يقسمها إلى أجزاء وأقسام متساوية ومتشابهة؛ أي لا يمكن تقسيم أجسامها إلى أنصاف متشابهة (الشكل 1).
![]() |
|
الشكل (1) نماذج لحيوانات عديمة التناظر. |
تنتمي إليها حاملات المشط Ctenophora وقناديل البحر )السمك الهلامي jellyfishes) وقنافذ البحر sea urchins ونجوم البحر starfishes وأقحوان البحر sea anemones، وهي كائنات حية، كيفما قُسِمَت تعطي قطعاً متماثلة، وتكون أجزاء جسمها مرتبة دائرياً حول نقطة مركزية، ولديها خطوط متعددة للتناظر؛ لأن الواحد منها لا يمتلك منطقة أو نهاية أمامية أو نهاية خلفية محددة، ولا جهة يمنى وأخرى يسرى، لكن يمتلك قمةً في الأعلى وقاعدةً في الأسفل؛ أي جهة ظهرية علوية وأخرى بطنية سفلية.
يُمَيَّز في هذه المجموعة نمطان:
1. ثنائيات التناظر الشعاعيbiradial symmetry : مثل حاملات المشط التي تتمتع بجسم مكون من أجزاء متشابهة تحيط بمحور مركزي، لكن يمكن أن يُمَيَّز فيها أن كل نصف من جسمها يشابه النصف الآخر الذي يقابله، لذلك سميت بهذا الاسم "الثنائي الشعاعي". وهي تبدي تعقيداً واضحاً في تشعب تجويفها المَعِدي واجتماعاً للألياف العضلية بشكل المغازل، كما أن ترتيب المِجَسّات عندها وقنوات التجويف المعدي الناقلة عندها يمنحها تناظراً شعاعياً مضاعفاً، فهي تمثل مرحلة انتقالية تطورية نحو التناظر الجانبي الكامل بدءاً من سلف ذي تناظر شعاعي.
ينتمي إلى هذه المجموعة- إضافة إلى حاملات المشط - قناديل البحر(الشكل 2) المجهز كل منها بأربع قنوات شعاعية تشكل تناظراً شعاعياً رباعياً. لذلك يطلق عليها أيضاً رباعيات التناظرالشعاعي tetraradial symmetry.
![]() |
|
الشكل (2) نماذج لحيوانات ثنائيات التناظر الشعاعي. |
2. خماسيات التناظر الشعاعي pentaradial: مثل نجوم البحر وقنافذ البحر وأقحوان البحر (الشكل 3)، ولدى كل منها خمسة أجزاء متساوية تحيط بالمحور المركزي ويظهر أثرها بوضوح في بقاياها المتحجرة مثل القواقع الجافة.
![]() |
|
الشكل (3) نماذج لحيوانات شعاعية خماسية التناظر. |
تنتمي إليها أغلب الحيوانات المعروفة: الحشرات Insecta (مثل الفراشات) والقشريات Crustacea (مثل السرطانات) والرخويات Mollusca (مثل ثنائيات المصاريع) والفقاريات Vertebrata (مثل الأسماك) والبرمائيات Amphibia والزواحف Reptilia والطيور Aves والثدييات Mammalia (الشكل 4).
![]() |
|
الشكل (4) حيوانات ذات تناظر جانبي.
|
نشأ التناظر الجانبي جنينياً في هذه الحيوانات - خاصة الفقارية منها- من بيضة شعاعية التناظر. فالتناظر الجانبي يقسم الجنين إلى جهتين يمنى ويسرى، وتتحدد القطبية - أي الجهة الظهرية والبطنية - قبل التقسم عند بعض الأسماك من رتبة الحفشيات Acipenseriformes والبرمائيات، أو في نهاية التقسم عند الأسماك والطيور والثدييات.
نظرياً يمكن أن يُقسم جسم الحيوانات ذات التناظر الجانبي بمستوى واحد إلى نصفين متشابهين، أي يمكن تقسيم الحيوان إلى نصفين متساويين بافتراض وجود محور سهمي مركزي واحد على طول الجسم، من الفم حتى نهاية الجسم؛ مما يُنْتِج نصفين متماثلين كلاهما صورة مرآتية للآخر.
لهذه الحيوانات جزء أمامي (رأسي)، وجزء خلفي (ذيلي). يتميز الرأس بتمركز النسيج العصبي وأعضاء الحس فيه، أي في الجهة الأمامية من الجسم، كما تتحرك غالباً في بيئتها يتقدمها القسم الرأسي؛ باحثة عن الغذاء والمؤثرات الأخرى. ولهذه الحيوانات سطحان: ظهري وآخر بطني.
يتصف الحيوان ذو التناظر الجانبي بأن له قناة هضمية لهضم الطعام وامتصاصه وخزنه والتخلص من الغذاء غير المهضوم، وهي إما أن تكون بشكل الكيس داخل الجسم؛ وإما أنبوب يمر في الجسم حيث يهضم الغذاء. للقناة الهضمية ذات التركيب الكيسي فتحة واحدة، هي الفم الذي يستعمل لأخذ الغذاء وطرح الفضلات أيضاً. أما عندما تكون قناة الهضم أنبوبية؛ فيكون لكل طرف منها فتحة، هما الفم والشرج.
يميَز في الحيوانات ذات التناظر الجانبي الحيوانات حقيقيات الجوف ucoelomatesE، مثل الأسماك التي تمتلك تجويفاً مملوءاً بسائل يقع بين القناة الهضمية وجدار الجسم الخارجي. ومجموعة أخرى؛ هي كاذبات الجوف Pseudocoelomatesمثل الديدان الخيطية، لها تجويف مملوء بسائل موجود بين طبقة الجسم الداخلية والوسطى، ومجموعة ثالثة عديمات الجوف Acoelomatesمثل الديدان المنبسطة التي لها جسم مصمت من دون سائل بين القناة الهضمية وجدار الجسم.
للإنسان مثلاً تناظر جانبي،فإذا قُطِع جسمه إلى نصفين بدءاً من الرأس إلى الصدر فالبطن والحوض، يكون للرأس فيه نصفٌ أيسر مشابه (مُناظِر) للقسم الأيمن، وكذلك الرقبة والصدر والبطن، وكذلك الذراع اليمنى واليسرى وما يتركب منه من عظم وعضلات وأوعية دموية، وأيضاً الفخذ: يمنى ويسرى وما تحويه من عظم وعضلات، وساقان وقدمان، هما متناظران شكلاً ومضموناً، وكذلك الوجه بأجزائه المختلفة: العين عينان، والأذن أذنان، والأنف منخران، وكذا الفم واللسان والأسنان، كلها أنصافٌ: يمنى ويسرى. فهي غير متطابقة؛ لأنها لا يحل بعضها محل بعض، وهي – من ثمّ - كالشيء وخياله في المرآة. وفي الأحشاء الرئة رئتان، والكلية كليتان، والخصية خصيتان، والمبيض مبيضان. أما القلب فهو واحد وكذلك الأمعاء، والكبد والطحال والبنكرياس، فإنها ليست متناظرة، بل عديمة التناظر.
مثالها الفولفوكسVolvox globator وبعض المنخرباتForaminifera مثل Radiolaria sp. من الحيوانات الأوالي Protozoa (الشكل 5). تعيش الحيوانات الأوالي في مستعمرات كروية الشكل يصل قطرها نحو1 مم، ترتبط الخلايا المتجاورة بعضها ببعض بضفائر سيتوبلاسمية، وتقسمها محاور وخطوط ومستويات كثيرة. تتحرك المستعمرة بوساطة سياط متدحرجة في جميع الاتجاهات.
![]() |
| الشكل (5) حيوانات كروية التناظر. |
اعتقد عدد من العلماء أن الحيوانات كثيرات الخلايا ذات التناظر الجانبي كانت قد نشأت من تجمع وحيدات خلية من السوطيات في مستعمرات (تناظرها شعاعي) طرأ عليها نوع من التخصص والتناسق الخلوي ضمن المستعمرة، أدى إلى تشكل حيوان كثير خلايا ثنائي التناظر.
ارتبط تطور الكائنات الحيوانية في الحقيقة بتطور تناظرها، بدءاً من عديمات التناظر (مثل الإسفنجيات) التي يُلاحَظ فيها بداية تجمع خلايا متخصصة مع بعضها من دون أن تشكل نسيجاً بالمعنى النسيجي، وأفرادها البالغة غير متحركة؛ مما يؤدي إلى الحيوانات ذات التناظر الشعاعي حول محور طولي يمتد من الفم إلى النهاية غير الفموية، مثل معائيات الجوف (الهيدرا وأقحوان البحر) التي بدأ عندها تشكل نسيج مثل النسيج العصبي، وبدأت تتحرك ببطء باتجاهات مختلفة للتنقل والحصول على الغذاء. ثم ظهرت الحيوانات ذات التناظر الشعاعي الثنائي (مثل حاملات المشط) التي امتلكت أيضاً حركة بطيئة باتجاهات متنوعة، وهي تمثل مرحلة انتقالية تطورية نحو التناظر الجانبي بدءاً من سلف متناظر شعاعياً.
أتت بعدها الحيوانات ذات التناظر الجانبي التي تتمثل أغلبيتها بالفقاريات حيث تتمتع جميعها بتناظر جانبي ساعد الحيوان على تجنب مفترِساته بالهرب والاختباء والتخفي، كما مكنه من الحركة المستقيمة والسريعة (انسيابية الجسم لدى الأسماك والحيتان والدلافين والطيور). وكذلك تحرك الأطراف الأمامية بالتناسق مع الأطراف الخلفية بحيث يحافظ الجسم على توازنه في المشي والركض والقفز والانطلاق والوقوف والطيران والهبوط. ولعل امتلاك هذه المهارات والقدرات اعتمد على الجهاز العضلي والعصبي المتطورين اللذين مكّنا هذه الحيوانات من غزو جميع البيئات المائية والأرضية والهوائية، وانتشرت في كل أصقاع الأرض.
| مراجع للاستزادة: |
|
,Seeking Symmetry: Finding Patterns in Human Health, Handspring Publishing, 2018. |
- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :




