التقييس
تقييس
Standardization -
فوزي عوض
التقييس في المجتمع وعلاقاته | فوائد التقييس وتطبيقاته |
التقييس في المعلوماتية | التقييس في الميكانيك والمواصلات |
التقييس في البيئة | التقييس في الكهرباء والإلكترونيات والحواسيب |
التقييس في الهندسة المدنية |
التقييس standardization عملية تبنّي معايير تقنية مُتفق عليها، واستعمالها على مستوى البلد أو المنطقة أو دولياً لتسهيل تداول السلع وتجارة المنتجات المتماثلة، إضافة إلى تيسير تبديل قطع الغيار وتبادلها؛ وقد يُرافق ذلك إجراءات قياسها وتنفيذها. يساعد التقييس بذلك على التنافسية، كما يوفر السلامة والنوعية في البلد المصنّع نفسه.
تُعدّ المعايير التقنية امتداداً للمعايير القياسية الأولية metrological standards المستعملة في جملة واحدات القياس الدولية (الأساسية) التي يحتفظ بأصولها في مراكز خاصة في شروط معيّنة، مثل المتر العياري الذي يُحفَظ في متحف باريس وكذلك الكيلوغرام العياري. وثمة معايير ثانوية غيرها قابلة للتداول في المعامل الضخمة، كمعامل السيارات، وورشات التصنيع، في حين تستعمل المعايير القياسية في العلوم للمقارنة بين النتائج التي تحصل عليها الدول المختلفة.
بدأ تبنّي التقييس اختيارياً، بإصدار توصيات لتسهيل التعاون الدولي فقط. لكن مع تقدم التجارة العالمية والعولمة أصبح التقييس ضرورة قد تفرضها الدولة نفسها، ولاسيما مع تقدم الاتصالات، إذ شمل التقييس جميع مسارب الحياة، وليس المسارب التقنية فقط، ومنها على سبيل المثال: مناحي الإدارة والتسويق.
يُعدّ البريطاني هنري ماودسلي Henry Maudslay (صانع أدوات وآلات ومخترع بعضها) أول من اقترح معياراً تقنياً للبراغي واللوالب يربط بين قطر البرغي وخطوته عام 1800، وتبعه جوزيف وايتوورث Joseph Whitworth، فوضع مقاسات للبراغي تبنتها بريطانيا كلها (بصورة غير رسمية) عام1841. ومع نهاية القرن التاسع عشر أحدثت في بريطانيا مؤسسة المعايير البريطانية British standards Institution (BSI) اعتمدت أبعاداً معيارية وأدوات قياسها، كما اعتمدت الأبعاد الميكانيكية القياسية.وأُنشئت -بعد الحرب العالمية الأولى- مؤسسات وطنية في كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنشئت المؤسسة الوطنية للمعايير والتقييس في الولايات المتحدة الأمريكية The National Institute of Standards and Technology (NIST). وعملت أوربا بعد قيام الاتحاد الأوربي على توحيد التقييس فيها، فأنشأت الأكاديمية الأوربية للتقييس European Academy for Standardization (EURAS). وتتابعت الجهود لتوحيد التقييس عالمياً بالاعتماد على المعايير الدولية international standards. وقد أحدثت في الجمهورية العربية السورية هيئة عامة للأوزان والمقاييس تتبع وزارة الصناعة، مشابهة للهيئة الفرنسية، الغرض منها اختبار المواد والموافقة على جميع المنتجات المصنعة والمستوردة.
يُعدّ اللورد كلفن Kelvin (اسمه الأصلي ويليام تومسون William Thomson وسمي اللورد كلفن نسبة إلى نهر كلفن بالقرب من جامعة غلاسكوUniversity of Glasgow)أول من نادى بتوحيد التقييس عالمياً، عندما تولّى مدّ أول خط هاتفي يربط بين بريطانيا وأمريكا، فظهرت الحاجة لذلك، وطالب بتقييس القياسات الكهربائية، واقترح طرائق وتجهيزات لقياسها. وبعد أن أقامت معظم الدول مؤسسة وطنية خاصة بكل منها؛ أحدث عام 1926 الاتحاد الدولي لمؤسسات التقييس الوطنية The International Federation of the National Standardizing Associations (ISA) لتوسعة التعاون الدولي وتعزيزه؛ ليشمل جميع المعايير التقنية ومواصفاتها، ولكن توقف عمله في أثناء الحرب العالمية الثانية1942 ، ثم عاد في عام1946 ، واجتمع في لندن ممثلو خمس وعشرين دولة لمناقشة مستقبل التقييس، وأعلن إنشاء المنظمة الدولية للتقييس International Organization for Standardization (ISO) عام 1947التي تضم 67 لجنة تقنية اختيرت من خبراء كل تقنية.صدر أول تقاريرها عام 1951 في صيغة توصيات، يتناول قياس الطول صناعياً عند درجة حرارة مرجعية. والجدير ذكره أن مثل هذه التقارير تجدّد وتحسّن ويعاد النظر فيها مع تحسن أدوات المقارنة وتوفرها، وأصبحت المواصفة أو التوصية تعطي أرقاماً تدل على المقدار المقيس وتقنية قياسه وسنة صدوره.
تجتمع هذه المنظمة كلما دعت الحاجة، سواء للاتفاق على مقاييس جديدة أم لانتخاب هيئة متابعة وأمين سر جديد؛ فاجتمعت للمرة الثانية عام 1955 في استوكهولم، وفي عام 1969 أعلن أمين سرها المنتخب نهاية ما أسماه "الوطنية التقنية" Technical Nationalism وبداية التقييس العالمي. وتوالت عمليات التقييس لتتجاوز الصناعة إلى النقل والتجارة والإدارة، فأصدرت عام 1968مواصفة حاويات النقل freight containers والتغليف packaging. وصدرت عام 1987أول مواصفة قياسية للإدارة Quality Management Standard. وتوسع عمل المنظمة فيما بعد ليشمل فروعاً متنوعة بما فيها النواحي الاجتماعية والأمان والسلامة المهنية وكذلك التقانات الحديثة مثل التقانة النانوية. ويضم الجدول (1) بعضاً منها.
الجدول (1) بعض فروع التقييس. | ||||||||||||||||||||||||
|
وأصبح عدد الدول الأعضاء في المنظمة مع بداية عام 2012،مئة وثلاثة وستّين عضواً، وتجاوز عدد تقارير التقييس الصادرة عنها 19000 تقرير في مختلف مسائل التقنية والأعمال.
أثر التقييس في بنية الشركات المنتجة لمنظومة معيّنة؛ إذ يجب على الشركة المعنية الاهتمام بمكوّنات المنظومة وخضوعها للتقييس في جميع أجزائها، وليس التحقق من المنتج النهائي فقط؛ إذا أرادت المنافسة. وكان من نتيجة ذلك توجه الشركات إلى تصنيع المنظومة على شكل نسيقات (قوالب) modules، وقد لا تصنع الشركة جميع أجزاء المنظومة هي بنفسها؛ ممّا أدّى إلى ظهور شركات مجمّعة يمكنها أن تختار نسيقات إلكترونية مناسبة لإنجاز مهمات معينة. ويرافق هذا كله تأثير الدعاية والتسويق عند إدخال ميزة جديدة أو مركّبة جديدة ذات مواصفات محسّنة تتفق مع التقييس. وقد بلغ من أهمية التقييس إدراج اختصاص له قائم بذاته في الجامعات المختلفة، حتى إن بعض الأوربيين اشتكى من تخلف تعليم التقييس في أوربا مقارنة بدول جنوب شرقي آسيا.
أثّر التقييس في المستهلك أيضاً؛إذ ترك له الخيار بين مركّبات مختلفة تنتجها مصانع مختلفة لتركيب منظومة توافق رغباته ومتطلباته مادامت المركّبات متوافقة ومنسجمة. وقد جعلت الشابكة (الإنترنت) الوصول إلى كل هذه التفصيلات ممكناً وسهلاً، ومكّنت المستهلك في الوقت نفسه من تعرّف آخر ما توصلت له التقانة والإجراءات عالمياً. غير أنّ على المستهلك أن يكون يقظاً نحو تقيّد المصنع بالتقييس زمنياً وإجرائياً. ويشار – أخيراً- إلى ضرورة الانتباه إلى مدلولات المصطلحات المستعملة التي قد تتغير مع كل تحسين.
التقييس في الميكانيك والمواصلات
نظراً لأهمية استعمال التقييس في الصناعة والآلات؛ يفرد له بحث خاص بالأبعاد الميكانيكية وبحث الأبعاد المعيارية وأدوات قياسها، وبحث واحدات القياس الدولية.
التقييس في الكهرباء والإلكترونيات والحواسيب
بدأت مصانع الأدوات الكهربائية اعتماد قياسات كل وفق بلده، فبدأ التباين في أبسط الأمور على مستوى المآخذ والتأريض، وصولاً إلى قيمة الجهد المستعمل في الشبكة العامة، بين 110فولطات و 220فولطاً، وما يتبع ذلك من عناصر داخل الأداة. وتطلب التقييس عندئذٍ إيجاد موفقاتadapters (موائمات) ومحوّلات transformers تتوافق مع الجهاز وإمكان إدخالها ضمنه؛ لتسهيل تسويقه إلى جميع البلاد.
كذلك لحقت الإلكترونيات بالكهرباء، فصُنّعت دارات إلكترونية متكاملة مدمجة مختلفة لأداء وظائف متماثلة، وهذا ما يستوجب اعتماد التقييس للمقارنة بين مختلف الأجهزة الإلكترونية من حيث الأداء والمردود والاستهلاك، بما فيها إلكترونيات الحواسيب وبرمجياتها؛ إذ لا بد من التوفيق بين مركّبات الحواسيب المصنعة في دول مختلفة وبرمجياتها، وهذا مجال واسع جداً؛ مما اضطر المصنِّعين المختلفين إلى اعتماد توافقيات compatibilities مناسبة وبرمجياتها وبروتوكولاتها لتسهيل تسويقها عالمياً. فعلى سبيل المثال: بدأت أقراص التسجيل المغنطيسية مختلفة الأقطار تتبع السوّاقات في الحاسوب، لكنه في النهاية سيطر القرص ذو القطر 3.5 سم، ليحل محله حالياً أصبع الذاكرة flashذو المقاس الواحد لمعظم الحواسيب. ويظهر ذلك واضحاً في عمليات بيع الحواسيب والهواتف الجوالة (الخلوية)، فلولا التقييس في الاتصالات لما وجدت شركات الاتصالات العالمية.
كان من الضرورة بمكان -مع وجود فائض لكثير من الأدوات المصنَّعة للاستهلاك المحلي- البحث عن أسواق خارجية، ولاسيما عندما دخلت المكننة والأتمتة في المصانع بجميع مراحلها بدءاً من موادها الأولية وانتهاء بالمنتج، فبرزت هنا بروتوكولات عروض خاصة بالشروط الواجب توفرها في المنتج؛ كي يكون مقبولاً في دول أخرى، ويشمل ذلك التعليب والتغليف والنقل؛ إضافة إلى وجود مواصفات واضحة يتفق عليها الأطراف كلها.
يظهر التقييس في الصحة أكثر تعقيداً من المجالات الأخرى، لأنه يتشارك فيه الأطباء المختصون وإدارات المشافي ومزودو الأدوية وصانعوها والمرضى، ويجب أن يكون الجميع مقتنعين وموافقين عليه؛ كي يوفر نوعية صحية جيدة للمريض، وينقص في الوقت ذاته التكاليف وجهود الأطباء. يتضمن التقييس ذكر متطلباته ومواصفاته وخطوط عريضة لتطبيقه، وكذلك ذكر خواصه ونتائجه القابلة للتكرار أو خدماته، ويشجِّع على إدارة الموارد الطبية مع أنه يحدّ من حرية مستعمليه.
ظهرت ضرورة التقييس في المجتمع نتيجة خضوع المجتمع لأنظمة مختلفة، ومن ثمّ كان لا بدّ من التقييس للمقارنة بينها. فعلى سبيل المثال: تأثرت مخرجات التعليم بنظام التعليم المتبع؛ فوصفت مدخلات النظام ومخرجاته بإعطاء علامات لكل منها. كذلك يمكن للتقييس أن يتناول مستوى الجريمة وأسبابها. وقد يستعمل لتعيين مستوى الذكاء للأطفال وتقدمهم وتطور عقولهم وأفكارهم وتأثّرهم بالبيئة الاجتماعية المحيطة بهم. وقد يتناول التقييس أسباب الزواج أو الطلاق التي تقترحها عملية التقييس على مستوى الفرد والأسرة؛ في مجتمع ما بعد أن يخضعه لعملية تقييس نفسية وبيئية وارتباط ذلك بمستوى معيشة الفرد، وابتعادها عن خط الفقر.
تقول ورقة مقترحة من أكاديمية التقييس الأوربية: "التقييس من الممتلكات الاستراتيجية على مستوى الشركات وقطاعات الصناعة والمناطق والبلدان، لذلك يجب إدخالها وتعليمها في المدارس والجامعات".
إن تأثر الجو والبيئة في مكان ما متعلق بالجو والبيئة في مكان آخر على الأرض سواء بالجوار القريب أم البعيد، ولما كانت البيئة عالمية حكماً فقد كان لا بدّ من اعتماد التقييس بجوار المصانع الملوثة للبيئة ولجوّها، ومن ثم على مستوى المنطقة والبلد أو مجموعة مشتركة من البلدان، وهكذا فُرضت حدود عليا لنسبة ثنائي أكسيد الكربون في الجو، أو لمسببات الأمطار الحامضية المسموحة؛ وصولاً إلى الحدود العليا المسموحة للنشاط الإشعاعي.
أصبحت الحاجة ماسة إلى التقييس عند تنفيذ أبنية أو منشآت عملاقة كما في تصنيع المحركات والآلات؛ إذ يكون التزام التقييس أمراً جوهرياً، وقد يسبب عدم التزامه كوارث. وامتدت الدراسات إلى تناول حجم الحيز المناسب لكل شخص بحسب عمله ووفق التقييس العالمي. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالأساسات والارتفاعات الطابقية مع إيلاء السماحيات أهمية خاصة عند التنفيذ.
وأخيراً ظهر ما يسمى التقييس الكوني global standardization مع ظهور الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، فلم تعد تقتصر المواصفات على المواصفات التقنية فقط، وإنما تعدتها إلى استراتيجية التسويق؛ مع مراعاة ثقافات البلدان وعاداتها ودياناتها ومعتقداتها. فهي تستعمل علامات تجارية متماثلة تقريباً، وكذلك المغلفات ونقاط التوزيع ومواقعها. فأصبح بذلك التقييس أداة تطوير وإنتاج.
مراجع للاستزادة: - W. Hesser, et al., An Introduction to Standards and Standardization, Beuth Verlag, 1998. - R. D. Hunter,Standards, Conformity Assessment, and Accreditation for Engineers, Taylor & Francis, 2009. - S. M. Spivak, F. C. Brenner, Standardization Essentials: Principles and Practice, CRC Press, 2018.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :