تقلص مغنطيسي
Magnetostriction -

التقلص المغنطيسي

فوزي عوض

تطبيقات التقلص المغنطيسي 

 

 

التقلص المغنطيسي magnetostriction ظاهرة تغير أبعاد عينة من مادة حديدية المغنطة ferromagnetic material لدى مغنطتها، وقد يكون تقلصاً بالمعنى الفعلي في بعض الأبعاد وتمدداً في أبعاد أخرى، اكتشفها الفيزيائي البريطاني جول J. P. Joule عام 1842، فقاس تغير طول قضيب حديدي عند تغير مغنطته، وتبين فيما بعد أن هذا التغير يرافقه تغير في عرضه أيضاً. كما اكتشف الفيزيائي الإيطالي فيلاري  E. Villari عام 1865 الأثر المعاكس إذ تتغير مغنطة المادة، معبراً عنها بتغير طواعيتها المغنطيسية magnetic susceptibility، نتيجة تطبيق ضغط أو إجهاد عليها.

كان التغير النسبي في طول قضيب الحديد ( Δl/l) قرابة 106-× 50 أي 50 ppm (50 جزءاً من مليون جزء)، ولم تكن هذه النسبة أكبر من ذلك  للمواد الحديدية المغنطة الأخرى مثل النيكل وخلائطه؛ لذا لم تستعمل كثيراً في الصناعة، إذ تفوقت عليها المواد ذات الخاصة الكهرضغطية piezoelectric  نظراً لارتفاع هذه النسبة فيها. لكن هذا الأمر تغير حديثاً مع اكتشاف مواد ذات نسبة تقلص مغنطيسي عالية تصل إلى قرابة  -210 أي 2000ppm  سميت المواد عملاقة التقلص المغنطيسي Giant Magnetostrictive Materials (GMM)، أفضلها خليطة تدعى ترفينول دي terfenol-D، صنعت في ثمانينيات القرن العشرين مكونة من حديد ودسبيرسيوم وتربيوم وفق الصيغة  Tb0.3Dy0.7Fe2، غير أنها كانت قصوفةً،  فأضيف إليها عام 1994 بوليمر له خصائص ممتازة للتصنيع سميت تركيبات لدنة عملاقة التقلص المغنطيسي .Giant Magnetostrictive Polymer Composites (GMPC)

عندما ينظر إلى هذه المواد من وجهة نظر الطاقة فهي مبدّلات (محولات طاقة) transducers تقلب الطاقة المغنطيسية إلى طاقة ميكانيكية (حاصل ضرب قوة في انتقال) وبالعكس. ويعبر في الحالة العامة عن تغير أبعاد عينة من المادة (بالانفعالات) strains، التي قد تكون استطالات نسبية أو فتلية، ومرافقها المغنطيسي شدة التمغنط magnetization intensity، ويكون التحول ثنائي الاتجاه. فهو مفعّل تقلص مغنطيسي magnetostrictive actuator عند الاستفادة من القوة الناجمة عن التقلص أو التمدد، ومحسّ sensor عند الاستفادة منه لقياس الإجهاد بقياس الحقل المغنطيسي.

يمثّل الانفعال رياضياً بممتد (بموتّر) tensor من المرتبة الثانية، ومركباته تتضمن التغير النسبي في الأطوال في ثلاثة اتجاهات ودورانات تمثل مركبات اللّي twists التي تدعى أثر فيدرمان Wiedemann effect والتي تظهر عند تطبيق حقل مغنطيسي لولبي؛ كما يسمى الأثر المعاكس له أثر ماتوسي Matteuci effect.

يمكن تفسير ظاهرة التقلص المغنطيسي وفق عدة مستويات، أبسطها تغير اتجاه المناطق المغنطيسية عند تطبيق حقل مغنطيسي، كما يعبر عنها تخطيطياً في النموذج البيضي في الشكل (1). فعندما لا يوجد حقل مغنطيسي  0=H يأخذ اتجاه المغنطة لكل بيضة منحىً عشوائياً، لكنه عند تطبيق حقل مغنطيسي H  تصطف اتجاهات المغنطة في منحىً واحد فيتغير الطول بقدر e.

الشكل (1) تغير الطول نتيجة اصطفاف المناطق المغنطيسية.

يلي هذا التفسير- من وجهة نظر مغنطيسية مكروية- تغير مساحة المناطق المغنطيسية بعضها  على حساب بعض نتيجة تطبيق الحقل المغنطيسي، فتكبر مساحات المناطق باتجاه الحقل، ومن ثم تتغير حدود المناطق متحركة بحركة ما يسمى جدران بلوخ Bloch walls. وتعتمد هذه الحركة عادة على الاتجاه البلوري، فيوجد محور سهل التمغنط ومحور صعب التمغنط ؛ مما يستدعي استعمال ممتد أيضاً للتعبير عن المغنطة وممتد للطواعية المغنطيسية. على سبيل المثال: يظهر في الشكل (2) تغير الانفعال Δl/l لخليطة من الحديد والنيكل  بتغير الاتجاه، طولي وعرضي مع ازدياد الحقل المغنطيسي. ويُلاحظ أن إشارة الانفعالين متعاكسة عند الحقول الضعيفة ومتوافقة عند الحقول العالية.

الشكل(2) تغير الانفعال في الاتجاهين: I الطولي و II العرضي لخليطة من الحديد والنيكل.

 أما التفسير الكامل فينطلق من العزوم المغنطيسية للذرات في البلورة وترتيبها، وتآثر هذه العزوم مع الشبكة البلورية وبعضها مع بعض، ويستعمل ميكانيك الكم لإيجاد الطاقة الدنيا بعد أخذ المساهمات المغنطيسية والمرنة واللّدنة في الحسبان وتغيراتها وفق الحالة المدروسة.

تطبيقات التقلص المغنطيسي

نافست مواد التقلص المغنطيسي الجديدة المواد الكهرضغطية في التطبيقات الصناعية، نظراً لعدم تطلبها حقولاً كهربائية عالية وقلة تحسسها لدرجة الحرارة الضرورية في حالة المواد الكهرضغطية،  فأصبحت  تدخل في مواد تُستعمل في معيِّن (محدّد) المواقع المكروي micropositioner (الشكل 3)، الذي يحتوي مجساً مكوناً من وشائع للتحكم بالحركة وفق الأبعاد الثلاثة مع حافظة للحقل المغنطيسي وأخرى للحماية من التغيرات الخارجية العشوائية؛ وقد سُمِّي كذلك لأنه يستطيع التحكم بتغيرات في المواقع من مرتبة المكرومتر. ويعتمد تشكيلة (تركيبة) المفعّل (الشكل 4) المكونة بصورة رئيسية من مكبس متحرك ووشيعة (لتوليد الحقل المغنطيسي)، وقضيب من مادة متقلصة مغنطيسية، إضافة إلى حافظة.

الشكل (3) معين موقع مكروي .micropositioner

الشكل (4) الأجزاء الرئيسية لمفعل تقلص مغنطيسي.

يضاف إلى استعمال خاصة التقلص المغنطيسي مفعّلات، يمكن أن تغلق أو تفتح دارات كهربائية وإلكترونية باستعمال حقول مغنطيسية، واستعمالها لتوليد أمواج صوتية وفوق صوتية متغيرة التواتر (التردد) إذا كان الحقل المغنطيسي متناوباً (الشكل 5).

                 الشكل (5) توليد أمواج فوق صوتية في سائل بالتقلص المغنطيسي.

واستعملت خاصة التقلص المغنطيسي في الاختبارات اللاتخريبية nondestructive testing  مرسلاً للأمواج وآخر مستقبلاً لها يكشف الشقوق والكسور.

كما يمكن الاستفادة من هذه الخاصة في المحسّات sensors والمسابر probes، فتعطي مؤشراً عن الإجهاد بقياس الحقل المغنطيسي الناجم عن الإجهاد، الذي يسمى أحياناً أثر المرونة المغنطيسية magnetoelastic effect، فتختزن الطاقة المغنطيسية كاملة على شكل طاقة ميكانيكية مرنة. وإذا ما تجاوزت المادة حد المرونة تصبح المادة مبددة للطاقة المغنطيسية؛ مما أدى إلى استعمالها حديثاً ضمن المواد الذكية التي تخمد الاهتزازات الميكانيكية في أبنية الهندسة المدنية مثل الجسور، سواء مواد صافية وحدها أم ضمن مزيج مع مواد لدنة سحوبة (قابلة للسحب). وقد اختبر هذا التأثير في تسعينيات القرن العشرين فأعطى تخميداً يقارب 30 ديسيبل (dB). كما أمكن حديثاً صنع كواشف حقل مغنطيسي من مزائج لدنة نانوية مع مواد مغنطيسية نانوية أيضاً.

 

مراجع للاستزادة:

-    F. Ebrahimi , M. F. Ahari, Mechanics of Magnetostrictive Materials and Structures, CRC Press 2023.

-    C. G. George, The Magnetostriction of Specimens of Nickel and Invar As a Function of Tension, Legare Street Press 2022.

-    Z. Hartmut, F. Michael, Magnetic  Nanostructures, Spin Dynamics and Spin Transport, Springer 2013.

 


- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1