التقانات الحيوية النباتية
تقانات حيويه نباتيه
Plant biotechnologies -
سمير أبو إصبع
أنواع التقانات الحيوية النباتية
تطبيقات التقانات الحيوية النباتية
استُخدمت كلمة التقانات الحيوية biotechnologies أول مرة في عام 1917 لتصف العمليات التي تَستعمل الكائنات الحية للحصول على منتج أو لإجراء عملية حيوية معينة ابتداء من المواد الأولية، مثل التخمرات fermentations. وفي الحقيقة بدأت التقانات الحيوية في الظهور عندما بدأ الإنسان باستجلاب النباتات البرية وزراعتها (نباتات المحاصيل)، وتدجين بعض الحيوانات، واستخدام الخمائر الحية لتخمير العصائر للحصول على الخمر، وتخمير الجبنة والخبز. ثم توسع التعريف مؤخراً ليشمل إنتاج مواد أخرى -بمساعدة كائنات حية- مثل الإنزيمات والكتل الحيوية، وما لبث أن تضيَّق ليركز على تقنيات جديدة بدلاً من عمليات الإنتاج التقليدية، استغنى بها عن الكائنات الحية.
تُعرَّف التقانات الحيوية -وفقاً لاتفاقية التنوع الحيوي- بأنها أي تطبيق تقاني تُستخدم فيه النظم البيولوحية أو الأحياء الدقيقة أو النظريات المشتقة لصناعة المنتجات أو تحويلها أو العمليات التي تجري من أجل استخدامٍ معين. وتُعرَّف التقانات الحيوية النباتية plant biotechnology -وفق مركز التقانات الحيوية- بتلك التي تُطبّق على بعض النباتات لتحصيل الفائدة منها أو لتطويرها، ويُعد تزايد عدد السكان، وماينجم عن ذلك من الحاجة إلى توفير الغذاء والمستلزمات اليومية الدافع الأكبر وراء تنامي ثورة التقانات الحيوية. وفي الآتي أبرز صفات أي ثورة تقانية ناجحة:
- التخفيض الحاد في تكلفة المنتجات والخدمات.
- التحسين الواضح في الخصائص التقنية للعملية والمنتج.
- القبول الاجتماعي والسياسي، بمعنى أنه يتضمن تعديلات في الأنماط التشريعية والتنظيمية وبعض التغيرات في موقف العمل والإدارة.
- القبول البيئي.
- إحداث نظام اقتصادي واسع الانتشار.
أنواع التقانات الحيوية النباتية
1. تقنية زراعة النسج النباتية plant tissue culture:
أصبحت زراعة الخلايا والنسج النباتية من التقنيات المهمة فى مجال النبات، وتستخدم استخداماً واسعاً فى الإكثار السريع للنباتات، وذلك للحصول على أكبر عدد ممكن ضمن حيّز صغير في أي وقت من السنة وخلال فترة قصيرة، وبعمالة قليلة، وبأقل التكاليف مقارنة بالزراعة التقليدية. وهكذا بزراعة جزء نباتي معقّم ومتمايز differentiated في الزجاج in-vitro، على وسط مغذٍّ صنعي معقم ويحتوي على العناصر الغذائية التي يحتاج إليها النبات، مع توفير ظروف الإضاءة المناسبة، فإن الخلية أو الجزء النباتي ينمو ويتحول إلى نبات كامل يطابق الأصل الذي أُخذ منه، وتسمى مجموعة النباتات الناتجة منه بالسلالة، خلافاً للتكاثر الجنسي الذي يعطي نباتات مختلفة عن الأصل. إن مقدرة النسج النباتية المتمايزة على العودة عن التمايزdedifferentiation تقود إلى تشكيل الثفنات (الكالوس) callus (وهي خلايا برانشيمية)، تستطيع خلاياه الانقسام والنمو، ومن ثم التمايز من جديد redifferentiation لإعطاء نبات كامل، وهذا ما يسمى بالقدرة الكامنة (الكُليّة) للخلية totipotency، خلافاً لما هو عليه في النسج الحيوانية، إذ إن الجزء الحيواني يُعطي بالزراعة النسيجية نسيجاً أشبه بنسيج العضو الذي أُخذ منه، كما في زراعة النسج الرئوية التي تعطي الرئة، والنسج الكبدية التي تعطي الكبد.
تمت الاستفادة من تقنية الزراعة النسيجية في الزجاج في مجال تربية النباتات، وهكذا تمكن الباحثون من استنباط سلالات عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض بدءاً من الكالوس، إضافة إلى استنباط سلالات أخرى تتحمل الملوحة والحرارة والجفاف، كما استطاعوا إنتاج النباتات الخالية من الأمراض ولاسيما الفيروسية منها، وذلك من زراعة القمة المرستيمية (التي لاتصاب بالفيروس).
تُعد زراعة النسج ولاسيما زراعة الجِبلّة المجردة (البروتوبلاست) protoplast، خطوة أساسية ومهمة في الهندسة الوراثية بهدف نقل الجينات المرغوبة للنبات المراد تحسين صفاته الزراعية، كما يمكن إنتاج الأجنة الجسمية، والبذور المصنعة باستخدام الزراعة النسيجية، إضافة إلى إنتاج نباتات ثلاثية الصيغة الصبغية من زراعة سويداء البذور على أوساط غذائية خاصة. وقد تمكن الباحثون من الحصول على النباتات أحادية الصيغة الصبغية المضاعفة doubled haploid وذلك من زراعة بعض خلايا المئبر، حيث تُعالج بالكولشيسين Colchicine خلايا الأبواغ الصغيرة أحادية الصيغة الصبغية المتشكلة في نهاية الانقسام المنصف لتصبح مضاعفة الصيغة الصبغية، وهي التي تُعطي بزراعتها في الزجاج نباتات ذات إنتاجية كبيرة ومقاومة عالية.
لقد ساهمت زراعة النسج في المحافظة على بعض الأنواع النباتية وذلك بإكثار النباتات المهددة بالانقراض، ثم إعادة زراعتها في الطبيعة، كما ساهمت في حل العديد من مشاكل عدم قدرة بعض البذور على إكمال نموها بعد الإنتاش وذلك بزراعة أجنتها مباشرة في الزجاج، وهذا ما يسمى بإنقاذ الأجنة النباتية، وتسهم هذه الزراعة أيضاً في المحافظة على هذه الأنواع من الانقراض. إضافة إلى ذلك تم إنتاج هجن جديدة (هجن جسمية)، بدمج البروتوبلاست العائد إلى نوعين نباتيين مختلفين متميزين بإنتاجية عالية ومقاومة كبيرة للأمراض وهو ما يصعب الحصول عليه في الطبيعة، أو بطرائق التهجين التقليدية. وقد تمكن الباحثون- باستخدام الكالوس والمعلقات الخلوية- من الحصول على بعض المركبات الكيميائية الصيدلانية التى تدخل فى تركيب بعض العقاقير الدوائية.
2. تقنية تأشيب الدنا recombination of DNA:
فتحت تقنية الدنا المؤشب الأفق لدراسة وظيفة الجين وآلية تنظيمه، وخاصة القدرة على ادخال الجينات وضبط تسلسلات الحمض النووي في العضيات المُستقبِلة (المضيفة)، وبالتالي إمكان فحص تعبيرها في الظروف الخاصة بعيداً عن المُضيف الطبيعي، وهذا يُطبَّق على جينات النباتات والحيوانات والفطريات والبكتريا على حد سواء.
وغالباً ما تُصمم الجينات المرغوبة لتحتوي على دنا تنظيمي regulatory DNA، وعلى الجينات التي ستعطي التعبير المنشود لانتخاب الخلايا والنسج المعدّلة جينياً (الشكل 1).
الشكل (1) تمثيل بسيط لبنية الجين المنقول محتوياً على المكونات الضرورية من أجل نجاح تعبيره. |
بدأت تقنية النقل مع اكتشاف الممارسات الطبيعية لبكتريا الورم التاجي crown-gall bacteria، التي تعيش في التربة. فإذا لامست هذه البكتريا النسج النباتية المجروحة والتصقت بها فإنها ترسل الدنا مع الجينات التي تصنع الهرمونات إلى الخلايا السليمة، حيث تسبب نمو الورم التاجي. لقد استُخدمت في المختبرات تقنية نقل الجينات إلى الخلايا النباتية التي كانت تصاب طبيعياً ببكتريا الأجرعيَّة Agrobacterium (طريقة غير مباشرة)، حيث يتحقق تحميل الجينات المرغوبة على بلاسميد هذه البكتريا كي تُنقل إلى الأعشاب من ثنائيات الفلقة والنباتات المعمّرة والأشجار مثل شجرة الحور.
تبين أن النقل المباشر للجينات إلى خلايا النباتات أحاديات الفلقة ونسجها مثل القمح والشعير والذرة والرز، وإلى ثنائيات الفلقة أكثر جدوى من النقل غير المباشر؛ ويتحقق ذلك وفق تقنية القذفballistic technique ، حيث تُغلِّف الدنا المؤشب جزيئات مجهرية من الذهب أو التنغستين ثم تُدخَل إلى الخلايا بفعل دافع (مسرِّع) إما بالمدفع الجيني وإما بفعل ضغط غاز الهليوم، ويُقاس نجاح عملية النقل بمدى نشاط الجينات الواسمة marker gene واستجابتها لإعطاء مُنتجِها كالجينات المقاومة للصادات الحيوية أو الجينات المنتجة لبعض الأصبغة نتيجة لتفعيل إنزيم بتا غلوكورونيداز .β glucuronidase
لاحظ علماء النبات سهولة نقل الجين ومقدرته على التعبير عن نفسه في المضيف الجديد، واستطاع العلماء ضبط العناصر الجينية مما سمح بحشر الجينات إلى نسج أو أعضاء نباتية معينة، ومثال ذلك قد يكون تسلسل الحمض النووي في حبوب الطلع هدفاً لمعرفة الجينات التي تسهم في إنتاج حبوب الطلع، وبالتالي يمكن إنتاج نباتات مذكرة عقيمة. وقد يكون لمثل هذا العمل فائدة كبيرة في الإنتاج الاقتصادي للبذور المهجّنة من أنواع المحاصيل. تطورت تقنية نقل الجينات باقترانها مع تقنية الزراعة النسيجية وذلك لتمكين الخلايا المنقول إليها الجين بالنمو لتعطي نباتاً كاملاً وفق ظاهرة الكُمون الكلي للخلية، وبالتالي استطاع الباحثون نقل الجينات المفيدة لمعظم المحاصيل المهمة، مثل الرز والذرة والقمح والبطاطا، كما استخدمت زراعة الخلايا النباتية والجذور والنسج في إنتاج المستقلبات النباتية الثانوية التي تدخل في أدوية علاج السرطان.
تركّز الاهتمام على إنتاج نباتات متحمّلة للمبيدات العشبية الخاصّة، وبالتالي قد يسمح هذا التأقلم بإمكان رش المحاصيل بالمبيدات العشبية، مما يؤدي إلى موت الأعشاب الضارة فقط، في حين تنجو النباتات المحوّرة وراثياً. مثلاً استُعملت الجينات المعزولة من بكتريا التربة Klebsiella ozaenae لإعطاء نباتات مقاومة للمبيد العشبي المسمى bromoxynil. كما تم إنتاج محاصيل تتحمل الأمراض الفيروسية بنقل جزء من الجينوم الفيروسي وبالتحديد بروتينات الغلاف البروتيني الفيروسي وإنزيم التضاعف لمضاعفة الفيروسات، فأصبحت النباتات الحاملة لهذه الميزات جاهزة للاستخدام الاقتصادي بعد نزع عوامل التنظيم منها. وأدخِلت الجينات التي تُشفّر السموم البروتينية من بكتريا العصوية التورنجية Bacillus thuringiensis إلى عدد من المحاصيل لتكون متحمّلة للحشرات، ومثال عليها البطاطا المتحملة لخنفساء بطاطا كوليرادو، ونبات القطن المتحمل لدودة القطن cotton bollworm، وهما من أوائل المحاصيل الاقتصادية الناتجة من هذه التقنية.
طوّرت تقنيات عديدة لتحسين جودة الأطعمة وقيمتها الغذائية، واستخدمت استراتيجيات الدنا المؤشّب لإنتاج البندورة الماوية المديدة العمر soften tomatoes التي يمكن أن تصل إلى المستهلك بنكهة أفضل مع المحافظة على جودتها. كما أمكن زيادة كمية النشاء في البطاطا بهدف تحسين جودتها وجودة شرائحها المقلية وتخفيض قدرتها على امتصاص الزيت في أثناء القلي وعمليات التصنيع.
كما أمكن الحصول على نباتات اقتصادية قادرة على إنتاج الزيت، وذلك بانتخاب الأصناف لدى استعمال كل من طريقتي تربية النبات والهندسة الوراثية، مثل نبات الكانولا canola أوBrassica napus التي تستعمل في المصانع الكيميائية خاصة، وتستعمل زيوتها في إنتاج الإسترات والحموض الدسمة والحموض الأمينية وبعض الوسائط الكيميائية الأخرى. وتمكن الباحثون من تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية لتخفيض نسبة الدسم المشبع، وذلك عن طريق ادخال جين الإنزيم النازع للإشباع desaturate في بذور نبات الكانولا.
أُعيد التقييم المورفولوجي للنباتات المحورة وراثياً لأنها أصبحت تحمل نمطاً وراثياً جديداً، ولدى مقارنة النباتات المحورة مع النباتات المهجنة خلطياً تبين اختلاف هذه الأخيرة عن الآباء بصفة أو اثنتين محددتين.
مع إنتاج أول نبات للتبغ محور وراثياً مقاوماً للمبيدات الحشرية في عام 1985، توالت النجاحات في إنتاج نباتات معدلة وراثياً، وأصبحت تُزرَع في الحقول وبمردود اقتصادي عالٍ. أُدخلت المحاصيل المعدّلة وراثياً بجين مفرد -مثل المحاصيل المقاومة للمبيدات العشبية والمتحملة للحشرات- إلى برامج التربية لغايات اقتصادية.
هناك بعض المحدِّدات للتطبيق السريع للنقل الجيني، وذلك لأنه لابد بدايةً من عزل الجينات المفيدة ثم ربطها بالجينات المنظمة (الجينات المحضضة والموجهة)، ومعرفة موضعها في جينوم المضيف ونسخها والبنية النهائية للجين، إضافة إلى إمكان انتخاب (عزل) الخلايا المحورة ومعرفة شروط التغذية المثلى لتنميتها نسيجياً بالزجاج، ثم أخذ النموات من هذه الخلايا مع تجنب المنتجات الكيميائية chemical products . وتُضيف وتعزز تقنيات الدنا صفة معينة للنبات، وقد تكبح أيضاً صفة ما، ويبدو هذا الأمر ذا قيمة (مردود) عالية، فالصفة تتغير وفقاً للجين المفرد الذي تم تأشيبه والذي يمثل حالة من فن التقانات الحيوية، لكن من الصعوبة والتعقيد المناورة بهدف نقل الجينات المتعددة الصفات مثل الإنتاجية وتثبيت الآزوت.
3. تقنية الواسمات (العلاّمات) الجزيئية molecular markers:
تعتمد تربية النبات التقليدية على انتخاب النباتات الفضلى من بين الأجيال الانفصالية للتهجين الحاصل، وذلك من خلال مشاهدة الأنماط الظاهرية أو قياسها (قوتها ولون البذور والإنتاجية ومقاومة الأمراض). وبعد اكتشاف تقنية الواسمات الجزيئية وإمكان تضخيم الدنا أصبح بالإمكان تقييم دقيق لتربية النبات؛ لأن الواسمات الجزيئية تنفصل انفصالاً مرافقاً لجينات الهدف. من الواسمات الجزيئية ما هو معتمد على تقانة تفاعل البوليمراز المتسلسل Polymerase Chain Reaction (PCR) مثل: التضخيم العشوائي للدنا متعدد الشكل Random Amplified Polymorphic DNA (RAPDs) تضخيم الشدفة متعددة الشكل Amplified fragment length polymorphism (AFLPs) وتكرار التسلسل البسيط Simple Sequence Repeat (SSR) التسلسلات التكرارية الداخلية البسيطة Inter Simple Sequence Repeat (ISSR)، ومنها ما هو غير معتمد عليه مثل تقنية قطع الدنا ذات الأطوال المتعددة شكلياً Restriction Fragment Length Polymorphism ( RFLPs) . وتصنّف هذه التقانات إلى واسمات ذات سيادة تامة dominant markers، مثل RAPDs وAFLPs وISSR، وواسمات ذات سيادة مشتركة codominant markers، مثل SSRوRFLPs. تعتمد تقنية قطع الدنا ذات الأطوال المتعددة شكلياً على الاختلاف في طول قطع الدنا الناتجة من تقطيع سلسلة دنا النبات المَعْني بإنزيمات القطع، التي ترافقها صفات زراعية خاصة مثل مقاومة الأمراض أو العقم الذكري. فإذا رافق واسم القطع -وفقاً لتقنية RFLP- الصفات الظاهرية، عند ذلك يجب أن يكون موقع القطع بجانب الجين المسؤول عن الشكل الظاهري، بيد أن الطفرة تغير الحزمة المنتشرة لدى الأفراد (النباتات) الطبيعيين إلى حزمة بموقع جديد منتشرة عند الأفراد المصابين، وهي مرتبطة بشدة بالجين المسؤول عن المرض (الشكل 2).
استُخدمت هذه التقنيات أيضاً في رسم الخريطة الوراثية للصفات المورفولوجية، ولإنشاء الخريطة الوراثية لنوع ما لابد من اشتراك تقنيتين على الأقل لتغطي كامل جينوم النبات المدروس، إحداهما ذات سيادة مشتركة، لتشكل ما يسمى بالواسمات الثابتة أو الرواسي anchors التي تفيد في دمج أكثر من خريطتين للنوع نفسه أو لأنواع متقاربة، والأخرى ذات سيادة تامة. كما أن هذه التقانات تساعد على انتخاب الأصناف الحاملة للصفات المرغوبة وفق ما يسمى الانتخاب بمساعدة الواسمات الجزيئية Marker Assisted Selection (MAS)، كما أنها تقلل من نقل الصفات غير المرغوبة للهجين (عائق ترابطي linkage drag)، وكذلك تستطيع معرفة البصمة الوراثية للأصناف، كما تستطيع التقانات ذات السيادة المشتركة مثل SSR وRFLPs أن تميِّز الأفراد المتخالفة الأليلات من المتماثلة لاختيار الآباء قبل إجراء التهجين للدخول في برنامج التربية، ولهذه الواسمات مستقبل في تقييم إعادة تكوين جينات النوع المنقرض، مثل أسلاف نباتات المحاصيل المعاصرة present-day crop plants.
الشكل(2) دور تقنية RFLP في تحديد الجين المسؤول عن المرض عند الأفراد. |
4. التقنيات الخلوية (السيتولوجية):
تعاظمت تقنية التهجين الموضعي In Situ Hybridization (ISH) منذ أكثر من 40 سنة، وسمحت بتحديد موضع (موقع) الجين أو تسلسل معين من الدنا على الصبغي وفق طرائق التحضير الخلوية (السيتولوجية). وجرى تطوير تطبيقات هذه التقنية بعد تطوير تقنيات الفلورة الآمنة (الخالية من العناصر المشعة) في ثمانينيات القرن الماضي وهي ما تعرف بتقنيات تألق التهجين في الموضع Fluorescence In Situ Hybridization (FISH). تسمح تقنية FISH برؤية مواقع التهجين مباشرة، وزيادة على ذلك يمكن تحديد المسابر المتعددة معاً وبأصبغة مفلورة مختلفة، الأمر الذي يسمح بتمييز الصبغيات المختلفة ضمن الجينوم نفسه.
يجب أن يكون المسبر probe (وهو قطعة الدنا المصنّعة) في تقنية FISH، بداية حاملٍ للمادة المفلورة في أثناء وجوده في الموقي (المهجن) hybridization buffer الذي سوف يعطيه اللون بعد ارتباطه بالسلسلة المكمّلة له من دنا الصبغي. وبعد معالجة الصبغيات وفصل جديلة الدنا إلى سلسلتين مفردتين يصبح المسبر قادراً على الارتباط بسلسلة الدنا المكمّلة، ثم يتم رؤية مواقع ارتباط المسابر (التي تُصدر ألواناً مفلورة) باستخدام المجهر المفلور.
مع استخدام أكثر, من مسبر لتمييز الصبغيات توسعت آفاق دراسة النمط المورثي (الكاريوتيب)، الذي كان يُدرس باستخدام طرائق التعصيب C-banding أو N-banding. وبذلك يمكن أن تظهر مناطق الكروماتين المغاير الغنية بنكليوتيدات الأدنين تايمين Adenine-Thymine (AT) باستعمال طريقة التعصيب C بوجود أصبغة مفلورة خاصة بالـ AT. أما تمييز مناطق تنظيم النُوَيّة nucleolus organizing regions باستعمال طريقة التعصيب N فيتحقق باستخدام أصبغة الفضة أو صباغ غيمزا Giemsa stain.
وتمكِّن تقنية FISH من معرفة درجة القرابة وتطور الأنواع النباتية المتقاربة، إضافة إلى رؤية الصبغيات المنتقلة في الأنواع متعددة الجينومات، مثل دراسة النمط النووي لنبات القمح الطري سلالة 960 (الشكل 3). وهكذا تم التعرف إلى الصبغيات الموسومة في المخطط النووي karyogram، وهي 1A، 1B، 1D، 5A، 5B، 5D، 6B باستخدام 5S ومسبر 45S rDNA (الشكل 3- أ)، والمُمثلة أيضاً في النمط النووي أو الكاريوتيب (الشكل 3– ب). ويمكن تحديد جميع صبغيات المخطط النووي بالاعتماد على FISH وباستخدام مسبرين من الدنا المتكرر pSc119.2 وpAS والمسبر rDNA (الشكل 3- جـ)، والمُمثلة أيضاً في النمط النووي (الشكل 3- د). وباستعمال تقنية التهجين لكامل الجينوم Genomic In Situ Hybridization (GISH) يمكن تمييز الصبغيات السبعة لكل جينوم من الجينومات الثلاثة للقمح الطري، وتوضيح ذلك في كل من النمط والمخطط النووي، إضافة إلى مشاهدة صبغيات الجينومات الصغيرة ( الشكل 3- ه، و)
الشكل (3) الأنماط والمخططات النووية لنبات القمح سلالة 960 بالاعتماد على تقنيتي FISH و GISH وبعض واسمات الدنا. مدلول الألوان في تقنية GISH: الأخضر للجينوم A، الأزرق للجينوم B، الوردي للجينوم C.
|
استطاع الباحث أمبروس Ambros وزملاؤه في عام 1986 من تحديد 17 kb من سلسلة T-DNA في صبغيات النبات. وفي عام 1987 تمكن الباحث ميروويتز Meyerowitz من تطبيق تقنية التهجين الموضعي مع الرنا في النسج الحيوانية، ثم تلا تطبيقها على النسج النباتية.
من أهم تطبيقات تقنية FISH استخدامها في الخريطة الفيزيائية physical mapping، فقد كانت تسلسلات الدنا المتكررة ومجموعة الجينات متعددة النُسخ هي الأكثر استخداماً بوساطة هذه التقنية؛ لكنها تطورت في الآونة الأخيرة، وأصبح بالإمكان تحديد جينات مفردة أو قليلة النسخة. كما استخدمت الصبغيات البكترية الصنعية BAC مسابرَ في تقنية FISH، وهي تمثل الواسمات الجزيئية الثابتة والخاصة لإحدى أذرع الصبغي، وبالتالي تُسهم في إنشاء الخريطة. وفعلاً استطاعت تقنية BAC-FISH في نبات القطن 2n=4x=52 من تصميم 6 مجموعات ارتباطية صبغية.
تُمثِّل تقنية التهجين الموضعي الجينومية GISH النوع الثاني من تقنيات التهجين الموضعي، وهي التي تسمح بتمييز الجينومات الأبوية الناتجة من التهجينات بين الأنواع interspecific hybrids. وقد تمكن الباحثون من كشف الجينومات الثلاثة A، B، D للقمح، بعد استعمال مسابر مفلورة مختلفة لكل جينوم (الشكل 3). تعتمد هذه التقنية على التطور السريع للتسلسلات المتكررة -خلال عمليات تطور النوع إلى نوع جديد- التي تمثل الجزء الرئيس من دنا النبات. وهكذا كلما كان النبات بعيداً بمقدارٍ كافٍ عن النوع الآخر تسمح التسلسلات المتكررة للنوعين الأبوين بأن يكونا مختلفين. تعد تقنية GISH أداة مكملة للعلامات الجزيئية التي تسمح بتمييز مصدر الصبغيات ومعرفة الجينومات المشتقة منها.
تطبيقات التقانات الحيوية النباتية
أحدَثَ التقدم الأخير في التقانات الحيوية تغييراً كبيراً في الإنتاج الصناعي والكيميائي الحيوي، وفي مجال الدراسات الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، ومن أهم التطبيقات الآتي:
1. استعمال أغلب شركات التقانات تقنية الدنا المؤشب واستنساخ الجينات في أعمالها الحيوية بوجود تقنية تفاعل البوليمراز المتسلسل (PCR).
2. التقدم السريع في اندماج التقانات والأجسام المضادة التي استخدمت استخداماً متزايداً في رعاية صحة الإنسان، مثال ذلك استعمال فكرة ارتباط الإنزيم بالجسم المضاد من أجل الكشف عن الفيروسات في النباتات أو الحيوانات باستخدام تقنية المقايسة المناعية الإنزيمية (الإليزا) Enzyme -Linked Immunosorbent Assay (ELISA) .
3. استخدام التقانات الحيوية في مجال الهندسة الوراثية البروتينية لإنتاج البروتينات الادخارية وبعض الإنزيمات، مثل إنتاج شراب الذرة عالي الفركتوز باستخدام الإنزيمات الثابتة، وإنتاج نظائر الغلوكوز.
4. ابتكار الكثير من التقانات الحيوية لحلّ بعض المشاكل البيئية مثل ضبط التلوث، نضوب المصادر الطبيعية للطاقات غير المتجددة، خفض مساحة الأراضي المهددة بالتدهور، حماية التنوع الحيوي، مثال ذلك: تطوير بعض الجراثيم لاستخدامها في مجال المكافحة الحيوية، أو استخدامها سماداً حيوياً، أو دالات حيوية، أو لإعادة استكشاف المعادن، أو لتنظيف الزيوت المتسربة من نواقل النفط أو الآبار.
5. التحكم في أحجام الثمار والنباتات وأشكالها بوجه عام (زيادة الحجم وتغيير اللون والشكل بحسب الرغبة).
6. إنتاج اللدائن الطبيعية من النباتات مثل فول الصويا المعدل بجين اللدائن المعزول من نبات الأرابيدوبسيس، ومن صفات هذه اللدائن أنها منتج طبيعي وخالية من الشوائب؛ لذلك فهي تدخل في صناعة صمامات القلب، ولجودتها العالية أصبحت تستخدم في الطائرات.
7. تستطيع بعض النباتات المحورة وراثياً أن تكشف عن وجود الألغام، إذ تمتلك بعض الجينات خاصية التعرف إلى مادة ثلاثي نيتروتولوين (T.N.T) Trinitrotoluene المتفجرة، وهكذا عُزِلت هذه الجينات من بكتريا الأجرعية ونقلت إلى نبات الأرابيدوبسيس، ولدى إنتاش بذور هذا النبات تعطي بادِرات تتحول أوراقها بعد 10 أيام إلى اللون الأحمر في حال وجود الألغام في مكان نموها.
8. اسهام المعلوماتية الحيوية bioinformatics (حقل دراسي يهتم بتطوير الطرائق وبرامج الحاسوب لفهم البيانات البيولوجية، ويجمع بين الحاسوب وعلوم الإحصاء والرياضيات والهندسة لتحليل البيانات وتفسيرها التي دخلت بقوة في مجال التقانات الحيوية) بدور بالغ الأهمية ومتميز في جميع التقنيات. تتضمن الاستخدامات الشائعة للمعلوماتية الحيوية تحديد الجينات المرغوبة والنوكليوتيدات SNPs، وذلك لمعرفة التسلسل النوكليوتيدي للأمراض مقارنة بالحالة السليمة ومعرفة الميزات المرغوبة في المحاصيل والتباينات بين الجماعات، كما تحاول فهم المبادئ التنظيمية ضمن تسلسل الحمض النووي والبروتين. مثلاً إذا أمكن تحديد تسلسل جديد لبروتين ما -بهدف تصميمٍ بنيته ثلاثية الأبعاد- فمن المهم معرفة تسلسله السابق؛ لهذا تم تطوير برامج متخصصة متوفرة على الإنترنت (الشابكة)، مثل FASTA و PSI-BLAST لتسهم في هذا العمل.
مراجع للاستزادة: - H.S. Chawla, Introduction to Plant Biotechnology, CBS publishers and distributors PVT ltd, 2022. - J. J.Cieslak, Biotechnologies for Plant Mutation Breeding: Protocols, Springer, 2016. - S. Umesha, Plant Biotechnology, CRC Press, 2019.
|
- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :