التقانات الحيوية الصيدلانية
تقانات حيويه صيدلانيه
Pharmaceutical biotechnologies -
مجد الجمالي
الأدوية الببتيدية والبروتينية | الأدوية البروتينية |
الأدوية النوكليوتيدية | صياغة الأدوية الحيوية (البيولوجية) |
إنتاج الأدوية الببتيدية | التقانة الحيوية وسلامة الأدوية |
محاكيات الببتيد |
شهدت العقود الماضية تطويراً مهماً لمنتجات التقانة الحيوية ذات التأثير الدوائي Pharmaceutical Biotechnologies أو ما يسمى الأدوية الحيوية الصيدلانية biopharmaceutics؛ وفرضت نفسها بقوة في سوق الأدوية منافساً حقيقياً للأدوية ذات الوزن الجزيئي الصغير small molecules التي احتكرت تلك السوق منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد ساهمت الثورة المعلوماتية التي حققتها نتائج مشروع الجينوم البشري Human Genome Project (HGP) في اكتشاف كثير من البروتينات البشرية التي يمكن اليوم تصنيعها وتعديلها بواسطة الهندسة الوراثية genetic engineering؛ بحيث صارت هذه الأخيرة تمثّل مجموعة متطورةً كمّاً ونوعاً من الأدوية الحيوية، فكثير منها أصبح في السوق الدوائية، وكثير آخر ينتظر أن يثبت جدارته في التجارب السريرية العديدة الراهنة. وتعدّ المادة الدوائية الفعالة Active Pharmaceutical Ingredient (API) في الأدوية الحيوية من أكثر الزمر الدوائية تغايراً من حيث البنية الكيميائية؛ حيث تضم الأدوية الببتيدية والبروتينية والأدوية ذات التركيب النوكليوتيدي خاصة.
تتشكّل هذه الأدوية من متماثرات (بوليمرات) للحموض الأمينية يرتبط بعضها مع بعض بروابط ببتيدية peptide bonds، وعادةً ما تتعلّق تسمية الببتيد أو البروتين بوزنه الجزيئي، فهناك تبعاً لذلك ثلاثة أنواع رئيسية، هي: قليلات الببتيد oligopeptides والتي تتكوّن من 2-10 حموض أمينية؛ وعديدات الببتيد polypeptides المؤلفة من 10-50 حمضاً أمينياً؛ والبروتينات proteins التي تتشكّل من أكثر من 50 حمضاً أمينياً. وتنتج قليلات الببتيد خاصة بالاصطناع الكيميائي على طور صلب Solid Phase Synthesis (SPS)، في حين تنتج عديدات الببتيد والبروتينات إما بالاستخلاص من مصادرها الطبيعية (البلاسما)؛ وإما باستخدام تقنية الدنا المأشوب recombinant DNA technology.
تتشكّل هذه الأدوية من متماثرات من النوكليوتيدات المكوِّنة لجزيئات الدنا DNA أو الرنا RNA، ومع أن هذه الأدوية تضم مجموعات متغايرة من حيث عدد النوكليوتيدات وبنيتها ومواضع تأثيرها؛ بيد أن معظمها يعمل على تثبيط التعبير الجيني gene expression للجينات (المورثات) الهدف target genes إما على مستوى انتساخ الدنا إلى الرنا المرسال؛ وإما بترجمة الرنا المرسال إلى بروتين. ومن أشهر هذه الأدوية عديدات النوكليوتيدات معاكسة الطاق oligonucleotides (ODNs) antisense، وجزيئات الرنا الصغيرة المتداخلة small interfering RNAs (siRNAs)، وجزيئات الرنا المكروية micro RNAs (miRNAs). وتتكون جزيئات ODNs من تسلسل نوكليوتيدي متمّم complimentary للتسلسل النوكليوتيدي الهدف؛ بحيث يرتبط دواء ODN ارتباطاً نوعياً بالتسلسل النوكليوتيدي المتمّم له في الدنا ضمن النواة أو في الرنا المرسال في سيتوبلاسما الخلية، وينتج من الارتباط تعطيل نوعي جداً للتعبير الجيني للجين الهدف من دون أن يمس ذلك الجينات الأخرى في الخلية. وعلى سبيل المثال إذا كان ارتفاع التعبير الجيني لجين ما يؤدي إلى اضطراب في الوظيفة الفيزيولوجية للخلية أو إلى تحريض انقسامها مسبباً نشوء الورم؛ عندئذٍ يمكن لدواء ODN النوعي لذلك الجين أن يثبط التعبير الجيني له مؤدياً إلى إيقاف التأثير الضار الناجم عن ذلك (الشكل 1). وفي حين تطورت أدوية عدة في العقود الماضية مستهدفةً تثبيط البروتين الناتج من التعبير الجيني الشاذ لبعض الجينات؛ فإن أدوية ODNs تملك من حيث المبدأ تأثيراً أقوى من الأدوية المثبطة للبروتين، فهي تلغي أو تُخفف كثيراً من التعبير الجيني، كما أن لأدوية ODNs حركيات دوائية يَسيرة تُمكِّنها من العبور بسهولة إلى داخل سيتوبلاسما الخلايا ونواها للارتباط بالتتاليات النوعية لها. وقد تخطّى عدد من أدوية ODNs التجارب السريرية وحصل على موافقة منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، ومنها العقار fomivirsien المضاد للڤيروسات؛ والعقار Genasense المعاكس لجين Bcl-2 الذي يؤدي ارتفاع التعبير عنه إلى نشوء بعض أنواع ابيضاضات الدم leukemias.
الشكل (1) يبيّن ارتباط الدواء النوكليوتيدي معاكس الطاق antisense بالرنا المرسال مما يثبط عملية ترجمته إلى بروتين، ويظهر في الشكل أيضاً مثال على الأدوية التقليدية التي عادةً ما ترتبط بالبروتينات بعد ترجمتها لتقوم بتثبيط فعاليتها. |
ترتبط الببتيدات الطبيعية بالعديد من المستقبلات، ويمتلك جسم الإنسان عدداً كبيراً من قليلات الببتيدات وعديدات الببتيدات التي تعمل فيزيولوجياً نواقل عصبية وهرمونات ومسكّنات قوية التأثير، ومع ذلك لا تعدّ الببتيدات الطبيعية غير المعدّلة أدوية جيّدة لإعطائها الأدوية فموياً أو وريدياً بسبب تخرّبها السريع بإنزيمات البروتياز في السبيل المعدي المعوي أو في المصل؛ وتوفرها الحيوي الضعيف لانخفاض امتصاصها في الأمعاء؛ وإطراحها السريع نسبياً؛ إضافةً إلى ارتباطها بالعديد من المستقبلات غير النوعية لها؛ ومن ثم تأثيراتها الجانبية غير المرغوبة.
ويمكن إنتاج قليلات الببتيد رئيسياً عبر الاصطناع على الطور الصلب Solid Phase Synthesis (SPS)؛ أو الاستخلاص من مصادر طبيعية (مثل الكالسيتونين من سمك السلمون)؛ أو نادراً من خلال تقانة الدنا المأشوب. وقد طوّر العالم بروس مِريفيلد Bruce Merrifield تقنية SPS عام 1963، وحاز بسبب ذلك جائزة نوبل في الكيمياء عام 1984. وعلى الرغم من كون هذه التقنية فعّالة وسريعة وذات مردود كبير، لكنها تطبّق فقط على الببتيدات ذات الوزن الجزيئي الصغير، كما أنها لا تمكّن من إضافة تعديلات مشابهة للتعديلات اللاحقة للترجمة post-translational modifications كما يحدث في الخلايا الطبيعية. وتعتمد طريقة SPS- أو طريقة مِريفيلد- على ربط الحمض الأميني براتنج resin صلب خامل كيميائياً، ومن ثم يُربَط حمض أميني ثانٍ إلى الأول الملتصق بالراتنج، وتتكرر عمليات إضافة الحموض الأمينية إلى أن يكتمل العدد الكلي للحموض الأمينية التي يُرغَب في تضمينها في قليل الببتيد. وفي نهاية التفاعل يفك الراتنج عن الببتيد، وتقايس الفعالية الوظيفية أو الدوائية للببتيد المتشكّل (أو لعدة ببتيدات). وخلال تصنيع الببتيد تغطى المجموعات الوظيفية في السلاسل الجانبية للحموض الأمينية المستخدمة في اصطناع الببتيد وتحمى بطرائق كيميائية بحيث يُحصَر التفاعل فقط بمجموعتي الكربوكسيل والأمين لتشكيل الرابطة الببتيدية بين الحموض الأمينية خلال التفاعل (الشكل 2)، وتكون العملية مؤتمتة كلها.
وطُوِّرت تقنيات عالية النتاج تمكّن من اصطناع المئات إلى الآلاف من الببتيدات في وقت قصير نسبياً. كما يمكن أن تجري عملية إضافة الحمض الأميني بمنحى متتابع ومتغاير بحيث يصطنع ما يطلق عليه "مكتبة ببتيدية peptide library" مؤلفة من ببتيدات متغايرة تنجم عن عددٍ كبيرٍ من احتمالات الارتباط بين الحموض الأمينية المستخدمة في التفاعل، تُمكن بعد ذلك معرفة الببتيد الفعال دوائياً من خلال تقسيم المكتبات الببتيدية الناتجة إلى مكتبات أصغر في أنابيب يحتوي كل منها على مجموعة من الببتيدات معروفة التتالي الببتيدي لكل الببتيدات المكوّنة للمجموعة (المكتبة الصغيرة). وبعد اختبار الفعالية الدوائية لجميع المجموعات يمكن تحديد الببتيد الفعال بكونه القاسم المشترك بين جميع الأنابيب (مجموعات الببتيدات) التي أظهرت الفعالية الدوائية، وتتميز هذه الطريقة باختصار الوقت اللازم لتحديد التتالي الببتيدي الفعال كثيراً.
الشكل (2) اصطناع الببتيدات على الطور الصلب (طريقة Merrifield). تغطى المجموعات الوظيفية في الحموض الأمينية وتحمى عدا مجموعتي الأمين للحمض الأول والكربوكسيل للحمض الأميني الثاني؛ اللتين ترتبطان بعضهما ببعض بعد تنشيطهما ليتشكل الببتيد الثنائي الأولي. وبعدها تكرر الخطوات ذاتها بإضافة حمض أميني واحد في كل خطوة؛ ليزداد تدريجياً حجم الببتيد إلى أن تتم إزالة جميع مجموعات الحماية الكيميائية وفك الارتباط بالراتنج؛ لينتج الببتيد المراد اصطناعه. |
نظراً لمحدودية الببتيدات الطبيعية natural peptides فقد طور ما يسمى بمحاكي الببتيد peptidomimetics، وهو مركّب يُحاكي التأثير الحيوي لببتيد داخلي المنشأ عبر التآثر مع المستقبل نفسه لكن من دون امتلاك محاكي الببتيد للخصائص السابقة غير المرغوب فيها للببتيدات الطبيعية. وبدأ الحديث عن محاكيات الببتيدات في منتصف سبعينيات القرن العشرين عندما اكتُشف تشابهٌ كبيرٌ في النهاية الأمينية لبنية الإندورفينات endorphins - وهي الببتيدات المسكّنة الطبيعية الموجودة في الجسم- مع النهاية الأمينية لبعض مشتقات الدواء المسكّن المورفين. واقترح ذلك لأن مشتقات المورفين تلك يمكن أن ترتبط بالمستقبل ذاته وبالطريقة ذاتها التي ترتبط فيها الإندورفينات. ومنذ ذلك الحين نشط الباحثون في اكتشاف محاكيات للببتيدات – وفي تطويرها- يمكنها أن تمتلك تأثيراً دوائياً مهماً معتمدين لذلك منهجين؛ يُعنى الأول بالمحافظة على جميع الثمالات الأمينية المهمة لارتباط الببتيد بمستقبله وأدائه للفعالية الدوائية، ويهتم المنهج الثاني باستبدال أجزاء غير ببتيدية بجميع الثمالات الأخرى بأجزاء غير ببتيدية مما يزيد من ثباتية الجزيء وتثبّت الببتيد بالشكل الفراغيconformation الأنسب للارتباط بالمستقبل، وتُذكر محاكيات الببتيد RGD (Arg-Gly-Asp) (آرجينين، غليسين، أسبارتات) أمثلة عليها.
وأوضحت دراسات بنية مضادات التخثّر في سم الثعابين المسبّبة لنزوف مميتة أحياناً أنّ آلية هذه الجزيئات تتعلّق بتداخلها وتثبيطها لارتباط بروتين الفيبرين بالمستقبل غليكوبروتين Glycoprotein IIb/IIIa )(GPIIbIIIa على سطح الصفيحات الدموية؛ إذ تبيّن أن أهم منطقة في بروتين الفيبرين والخاصّة بالارتباط بالمستقبل تمتلك الببتيد الثلاثي RGD. ويمكن للببتيدات التي تمتلك RGD في بنيتها أن تنافس الفيبرين على الارتباط بالمستقبل GPIIbIIIa؛ ومن ثم تمنع تخثّر الدم، كما هي فعالية مضادات التخثر لدى الثعابين. وإثر ذلك صُمِّم العديد من محاكيات الببتيد RGD بناءً على اكتشاف أن الحمض الأميني الغليسين G يشكّل فقط جسراً بين الحمضين R و D؛ وأن هذين الأخيرين هما الثمالتان الأمينيتان المهمتان للفعالية المثبطة للتخثّر في ببتيد RGD. وطُوّرت إثر ذلك عدة مركبات تستطيع الارتباط بمستقبل GPIIbIIIa بعد استبدال عدد من الجزيئات الصلبة -مثل الستيروئيدات- بالغليسين (الشكل 3)، ووصل بعضها الطور الثالث من التجارب السريرية. وكان من أهم نتائج التعديلات تلك زيادة نصف عمر الببتيدات المعدّلة وتحسين حركياتها الدوائية بما يتلاءم مع طرائق استخدامها داخل الجسم.
الشكل (3) أحد التعديلات المجراة على بنية ببتيد RGD، بحيث حوفظ على مجموعتي الغوانيدين والكربوكسيل (الصناديق)، في حين استبدل بالحمض الأميني الغليسين مشتق ستيروئيدي بحيث حافظ على البنية الفراغية المهمة للارتباط بالمستقبل GPIIbIIIa. |
يمكن أن يُميّز نوعان رئيسان من هذه الأدوية: الأدوية المستخلصة من بلاسما الدم، والأدوية المصنّعة عبر تقانة الدنا المأشوب.
1. البروتينات المستخلصة من البلاسما plasma- extracted proteins
يبلغ التركيز الكلّي لبروتينات بلاسما الدم -بعد فصل كريات الدم الحمراء والبيضاء- نحو 60 غ/لتر، يُستفاد من 57 غراماً منها لتحضير منتجات بروتينية علاجية. ويوضّح الشكل (4) النسب المئوية لهذه البروتينات في بلاسما الدم إضافةً إلى نسبة البلاسما إلى الدم الكلي والتي تبلغ نحو 50%، وكذلك نسبة كل من الماء والشوارد ومكونات الدم الخلوية من صفيحات وكريات بيض وحمر. وكما يظهر فإن بروتين الألبومين albumin يؤلف أكثر من 60% من مجموع البروتينات في البلاسما، وتأتي بعده الغلوبولينات المختلفة. ويعدّ استخلاص البروتينات عبر تجزيء البلاسما plasma fractionation أضخم صناعة لإنتاج البروتينات العلاجية، حيث ينتج 500 طن من ألبومين المصل البشري human serum albumin و40 طنّاً من الغلوبلينات المناعية المجهزة للحقن الوريدي Intravenous Immunoglobulins (IVIG) سنوياً ما يقارب 22 مليون لتر من البلاسما. وتزوّد هذه الصناعة- والتي يبلغ حجم وارداتها قرابة 7 مليارات دولار سنوياً- أكثر من مليون مريض كل عام بالبروتينات الفعالة دوائياً، ومع ذلك لا تفي كمية المنتجات المتوفرة حاجة السوق الدوائية من هذه الأدوية البيولوجية، حيث يغطّي المنتج منها فقط عُشر الحاجة، وهي لا تكاد تكفي مجتمعةً الأسواق الغربية.
أسس العالم أدوين جوزيف كوهِن Edwin J. Cohn من خلال عمله قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها لصناعة تجزيء البروتينات المشتقة من البلاسما، ونتيجة عمله الدؤوب ذاك رُخص أول مستحضر للألبومين البشري عام 1941 الذي استخدم في أثناء الحرب العالمية الثانية لوقف نزيف الجنود المصابين؛ ومستحضر الغلوبولين المناعي غاما IgG البشري المعدّ للحقن العضلي في عام 1943؛ والمعدّ للحقن الوريدي في عام 1981. وما تزال هذه الطريقة تستخدم استخداماً واسعاً لتحضير بروتين الألبومين. وتَعتمد طريقة كوهِن على استخلاص البروتينات وترسيبها عبر تغيير تراكيز الكحول (الغول) الإيتلي (الإتانول) ودرجات باهاء (حموضة pH) بلاسما الدم؛ إضافةً إلى التبريد، حيث تُرفع تراكيز الإتانول، وتخفض درجة الباهاء تدريجياً بحيث لا يؤدي ذلك إلى تخرب البروتينات. وتنتج من طريقة كوهِن خمسة رواسب تضم عدة أنواع من البروتينات التي تترسب بدرجة باهاء وتراكيز إيتانول مختلفة (الشكل 5).
الشكل (4) النسب المئوية لمكونات الدم من بلاسما وخلايا وماء وشوارد(إيونات) وبروتينات. |
الشكل (5) الرواسب الخمسة الناتجة من طريقة كوهِن بتغيير تراكيز الإتانول وباهاء البلاسما المرافقين للتبريد. |
إضافةً إلى طريقة كوهِن يمكن إنتاج البروتينات المشتقة من البلاسما بطريقتي الصدمة الحرارية heat shock أو الاستشراب اللوني chromatography. وتعتمد طريقة الصدمة الحرارية على الثباتية الحرارية للألبومين مقارنة بمعظم بروتينات البلاسما الأخرى. فالألبومين لا يتمسّخ تلقائياً، ويمكن لمحاليل الألبومين أن تسخن إلى الدرجة 60 مئوية (سلزية) لتثبيط العوامل الممرضة. ولدى استعمال حمض الكابريلي caprylic acid بتركيز 0.04 مول/ل يمكن استخلاص الألبومين من المصل في الدرجة 60 مئوية وباهاء 5، في حين تتمسّخ بقية بروتينات البلاسما، وتصبح غير منحلة في الشروط نفسها. ويمكن أخيراً رفع مردود استخلاص الألبومين إما عبر الترشيح الفائق ultrafiltration؛ وإما بالترسيب. وتبلغ نقاوة الألبومين المستخلص بهذه الطريقة أعلى من 98%. ومن جهة أخرى يعدّ الاستشراب اللوني من أهم الطرائق للتقليل من عدم تجانس الألبومين.
ويعد الاستشراب اللوني بالإلفة affinity chromatography أهم الطرائق المستخدمة في تنقية البروتينات، ويعتمد على الارتباط النوعي للجزيئات إما بواسطة أضداد نوعية تستخدم في التقاط capture البروتينات النوعية لها؛ وإما باستخدام مرتبطات ligands تلتقط البروتينات الرابطة لها. وتستخدم أنواع متغايرة من الراتنجيات resins -التي تختلف في خصائصها الكيميائية والفيزيائية- كالقطبية والشحنة ودرجة الادمصاص (الامتزاز) adsorption والنفوذية وغيرها. وهنالك طرائق عدة من الاستشراب اللوني التي تعتمد على خواص مميزة للبروتينات التي يرغب فصلها، منها: الاستشراب اللوني الكاره للماء hydrophobic chromatograph الذي يعتمد على فصل البروتينات الكارهة للماء وتكوين الحموض الأمينية غير القطبية في البروتين المعزول؛ والاستشراب اللوني المبادل للإيونات ion exchange الذي يعتمد على شحنة البروتينات التي تكدسها الحموض الأمينية المشحونة charged amino acids في البروتين المعزول؛ والاستشراب المعتمد على خصائص كيميائية معيّنة للبروتينات المعزولة؛ والاستشراب بالإلفة.
وأخيراً تتمتّع البروتينات الطبيعية المشتقة من البلاسما بعدد من المساوئ، من أهمها: عدم توفر مصادرها الطبيعية كثيراً، ومن ثم صعوبة تلبية حاجات السوق الدوائية، وكون طرائق الاستخلاص صعبة ومتطلّبة، كما يمكن أن تحتوي مستحضراتها بكتريا وڤيروسات ممرضة. لهذا كله يبرز دور البروتينات المحضّرة بتقانة الدنا المأشوب بديلاً مهماً وناجعاً للبروتينات المستخلصة من البلاسما.
2. إنتاج الأدوية الحيوية الصيدلانية عبر تقانة الدنا المأشوب recombinant DNA technology
تعدّ البروتينات المأشوبة أرخص وأكثر وفرة وأماناً من معظم البروتينات المستخلصة، ويتضمّن إنتاجها ست خطوات أساسية، هي باختصار:
1- عزل الجين الخاص بالبروتين وتنسيله cloning.
2- غرس الجين في ناقل (بلاسميد) مناسب للتعبير الجيني للجين الهدف.
3- نقل البلاسميد المحتوي على الجين إلى خلايا بكترية أو بشرية، وهو ما يؤدّي إلى استحالة transformation تلك الخلايا.
4- نمو الخلايا بطريقة التخمير fermentation في مخمّرات fermenters صغيرة أو مفاعلات حيوية bioreactors أكبر حجماً.
5- عزل البروتين المأشوب وتنقيته.
6- صياغة الشكل الصيدلاني للبروتين الدوائي مثال إنتاج الإنسولين (الشكل 6).
الشكل (6) خطوات إنتاج الإنسولين البشري المأشوب .recombinant human insulin |
يمكن نظرياً تحضير البروتينات الدوائية المأشوبة في أي من الكائنات المحوَّرة وراثياً أو المستحالة transformed بالبلاسميد المحتوي على الجين الهدف. وثمة عدة منظومات للتعبير الجيني، هي؛ البكتريا، ومن أهمها الإشريكية القولونية E. coli؛ وفطور الخميرة، ومن أهمها P. pastoris، وخلايا الحشرات، وخلايا الثدييات؛ إضافةً إلى النباتات والحيوانات المحوَّرة وراثياً. وكذلك حُضّرت حديثاً منظومات للتعبير الجيني خالية من الخلايا cell-free بحيث تضم جميع المكونات اللازمة للتعبير الجيني لكن من دون وجود خلية متكاملة، ممّا قد يخفف من مشكلات التلوث- ولا سيما الڤيروسي- التي ترافق عادةً المنظومات الخلوية للتعبير الجيني. وعادةً ما يجري اختيار منظومة التعبير الجيني وفقاً لحجم البروتين وخصائصه، فغالباً ما تختار منظومات الخلايا حقيقية النواة (خطوط خلوية ثديية أو فطر الخميرة أو خطوط خلوية حشرية) للتعبير الجيني لبروتينات كبيرة الوزن الجزيئي (أكبر من 100 كيلو دالتون Kd)؛ أو تلك التي تحتاج إلى تعديلات لاحقة للترجمة Post-Translational Modifications (PTMs) كإضافة السكاكر، في حين تُختار عادة منظومات البكتريا للتعبير الجيني عن بروتينات صغيرة الوزن الجزيئي (أقل من 30 كيلو دالتون Kd)، ولا تحتاج إلى مثل تلك التعديلات؛ ولا سيما أن منظومات البكتريا تعدّ رخيصة الثمن نسبياً وسريعة الإنتاج مقارنة بغيرها. وتستخدم لتنقية البروتينات المأشوبة طرائق الاستشراب اللوني السابق ذكرها؛ مع الإشارة إلى أن استخلاص البروتينات المأشوبة غالباً ما يكون أسهل وأسرع من استخلاص بروتينات البلاسما؛ نظراً لسهولة التحكّم في مكونات الأوساط المغذّية التي تُستخدم لجمع البروتينات المأشوبة في أثناء التعبير الجيني في الخلايا المزروعة.
ولا بد من الإشارة إلى أن جهوداً عظيمة تُبذل خلال إنتاج البروتينات المأشوبة للتخلص من التلوث المرافق لعمليات الاصطناع والتنقية، ومن أهمها التلوث بالذيفانات الداخلية endotoxins في منظومات التعبير الجيني في البكتريا؛ والتلوث بالڤيروسات في منظومات التعبير الجيني في الخطوط الخلوية الثديية.
ومن الأمثلة على إنتاج البروتينات المأشوبة يُذكر الإنسولين البشري الذي يعدّ باسمه التجاري Humulin أول عديد ببتيد مأشوب يحصل على مصادقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية The United States Food and Drug Administration (FDA) عام 1982. ويُصطنع الإنسولين البشري المأشوب في بكتريا الإشريكية القولونية (الشكل 6)، وهو مماثل كيميائياً وفيزيائياً للإنسولين المفرز من المعثكلة (البنكرياس). ومن حسناته تحريضه شبه المعدوم لجملة المناعة نسبةً إلى أنواع الإنسولين الحيوانية التي استُعملت قبله. وقبل عام 1986 حُضر الإنسولين بإنتاج كل من سلسلتي A وB بمنحى منفصل في البكتريا؛ ومن ثم يُربطان كيميائياً. أما حالياً فتصطنع طليعة الإنسولين proinsulin، ثم يشطر الببتيد C إنزيمياً. وقد أبدى الـ Humulin المحضّر بكلتا الطريقتين خصائص حركية دوائية وسريرية متشابهة. وفي عام 1996 اصطنع الإنسولين في خميرة الخبز Saccharomyces cerevisiae، وسمّي نوفولين Novolin.
وبسبب الرغبة في تحسين الحركية الدوائية للإنسولين البشري بعد استخدامه دواء داخل الجسم، فقد اصطُنعت لاحقاً من خلال تقنيات الهندسة الوراثية مماثلات للإنسولين insulin homologues تملك ميلاً منخفضاً إلى التكدّس aggregation والارتباط الذاتي self-association، وتملك لذلك تأثيراً سريعاً يشبه بذلك حركية الإنسولين المفرز طبيعياً. وقد أدت التعديلات في تتالي بعض الحموض الأمينية إلى ظهور شكلين صيدلانيين للإنسولين المأشوب سريع التأثير، هما: insulin lispro (Humalog) وinsulin aspart (Novolog)؛ إضافةً إلى إنسولين مديد التأثير long-acting، هو insulin glargine (Lantus) (الشكل 7). ويمكن إعطاء المماثلين سريعي التأثير في أثناء الوجبة أو بعدها؛ مما يحقق أفضلية مهمة.
واستُخدم في الإنسولين lispro الحمضان الأمينيان Lys (B28) و Pro (B29) في السلسلة B للإنسولين البشري مكان Pro (B28) وLys (B29)، وأُنتج البروتين في الإشريكية القولونية. وتكون ثمالة Pro في الموقع B28 ضرورية لتشكيل بنية بروتينية ثانوية صفيحية من نوع b-sheet وتشكيل وحدة مثنوية dimer unitمن البروتين. وعند عكس موقعي Lys وPro فإن ذلك يحذف موقعاً مهماً للروابط الكارهة للماء، ومن ثم يخفض الميل إلى تشكيل جزيئات مثنوية. وعادةً ما يضاف الزنك لمستحضرات الإنسولين من أجل زيادة الثباتية، وتكون جزيئات الإنسولين بسبب ذلك بهيئة وحدات سداسية hexamer. وينفصل insulin lispro بسرعة أكبر بشكل جزيئات موحودة monomers بسبب ضعف قدرته على تشكيل مثنويات في البنية السداسية. وهكذا يملك امتصاصية سريعة؛ وبداية سريعة؛ ومدة تأثير أقصر من الإنسولينات النظامية؛ مما يتيح مرونة في تحديد كمية الجرعات ووقت تناولها خلال الوجبات أو بعدها. ولا يبدو أن عكس الـ Pro و Lys يزيد من القدرة الاستمناعية للإنسولين lispro.
ومن جهة أخرى استبدلت Asp بثمالة واحدة في insulin aspart عوضاً عن Pro في الموقع B28، وحضّر البروتين في الخميرة. وهذا البروتين مصادق عليه للحقن تحت الجلد subcutaneous بوساطة مضخّة الإنسولين؛ كما استخدمت ثمالة Lys (B3) عوضاً عن Asn و Glu (B29) عوضاً عن Lys لتطوير insulin glulisine (Apidra)، ونجم عن ذلك إنسولين سريع التأثير يستخدم قبل الطعام أو بعده بوقت قصير. وأخيراً اصطُنِع insulin glargine في الإشريكية القولونية، ويختلف عن الإنسولين الطبيعي باستخدام Gly بدلاً من Asn في الموقع A21 وإضافة ثمالتي Gly في النهاية الكربوكسيلية للسلسلة B. والإنسولين glargine مديد التأثير، ويعطي مستويات قريبة من المستويات الأساسية للإنسولين بعد حقنة واحدة قبل النوم.
الشكل (7) بنية الإنسولين البشري الذي يتألف من سلسلتين للحموض الأمينية: السلسلة A تضمّ 21 حمضاً أمينياً، والسلسلة B تضمّ 30 حمضاً أمينياً. كما تظهر في الشكل أنواع الإنسولين المحوَّر وراثياً (glulisine, lispro, aspart, glargine) والتعديلات الخاصة بكل نوع معدّل من طريق استبدال الحموض الأمينية A21، B3، B28، B29، أو إضافة حمضي Arg أمينيين في نهاية السلسلة B بالنسبة إلى إنسولين glargine. |
صياغة الأدوية الحيوية (البيولوجية)
تشكّل صياغة الأدوية الحيوية formulation of biopharmaceuticals تحدياً يُعتدُّ به للمتخصصين في هذا المجال، فهي هشّة fragile مقارنة بالأدوية التقليدية صغيرة الوزن الجزيئي ذات التركيب الكيميائي الثابت نسبياً؛ ولا سيما إذا ما أُخذ في الحسبان أن معظم الأشكال الصيدلانية للأدوية الحيوية هي محاليل معدّة للحقن، في حين يغلب الشكل الصيدلاني الصلب كالمضغوطات الفموية على الأدوية التقليدية. وعلى الرغم من أن التطور في وسائل التقانة الحيوية قد أدّى إلى منتجات بروتينية نقيّة؛ فإن هذه البروتينات النقية غالباً ما تكون في الواقع أكثر عرضة للتخرّب؛ وذلك بسبب كون هذه البروتينات لا تلفى في بيئتها الطبيعية التي عادةً ما تساهم في ثباتها، حيث تضم هذه البيئة عادةً بروتينات أخرى وسكريات ودسماً أو أملاحاً تساعد جميعها على ثبات البنية البروتينية.
وتتضمّن العمليات التي تسبق صياغة الشكل الصيدلاني للبروتينات الدوائية (والتي تُجرى على المحضّر الخام للبروتين) الاهتمام بعوامل عدة، منها: بنية البروتين ونقاوته، والعوامل التي تؤثّر في ثباتيته الفيزيائية والكيميائية، ووسائل تحقيق الثباتية stability وتقييم الانحلالية. ويقسم عدم ثباتية البروتينات إلى: عدم ثباتية فيزيائية تتسبّب بها عمليات غير تساهمية non-covalent كالتمسّخ denaturation والترسّب precipitation والتكدّس aggregation والادمصاص adsorption؛ وعدم ثباتية كيميائية تتسبّب بها عمليات تساهمية covalent كإزالة الأميد deamidation والأكسدة oxidation والحلمهة hydrolysis والتقطيع المتواسط بإنزيمات البروتيازات proteolysis.
ويجب أن تتغلّب عمليات صياغة الأدوية البيولوجية على هذه التحديات مجتمعة، ولا يمكن استخدام الصيغ الصيدلانية الخاصّة بالأدوية التقليدية ذاتها؛ لأن معظم تلك الصيغ تخرّب البروتينات (مثال: عمليات الضغط والتحثير trachomationوالرج agitation وتغيّرات درجة الحرارة والخلط الشديد السرعة high shear mixing). وفيما يخص معظم البروتينات لا يتجاوز عمر التخزين shelf life أربعة أسابيع بعد حل المحضّر البروتيني، ويُرجى من المحضّر الصيدلاني الأمثل المحافظة على ثباتية الدواء في الزجاج وفي العضوية. ولحل معظم المشاكل المتعلقة بصياغة البروتينات يُلجأُ عادةً إلى استخدام المُضافات additives من مواقٍ ومواد معزّزة للانحلالية ومواد مضادة لادمصاص البروتينات anti-adsorption ومواد مضادّة للتكدّس anti-aggregation ومواد حافظة ومضادة للأكسدة وعوامل فعالة على السطح.
وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تشهدها مسيرة تطوير الأدوية الحيوية سواء خلال تصنيعها أم تنقيتها أم صياغة أشكالها الصيدلانية النهائية -والذي ينعكس بالتأكيد على كلفة إنتاجها العالية -فإن هذه الأدوية بأنواعها الكثيرة تَعِدُ بتحسين واضح للرعاية الصحية، حيث تتصف بأنها أكثر نجاعةً ونوعيةً واستهدافاً للشذوذات المَرَضية على المستوى الجزيئي والخلوي التي لم تتمكّن الأدوية التقليدية من تعديلها حتى هذا اليوم، وستشهد السنوات والعقود القادمة وفرةً منها في السوق الدوائية بعد أن تثبت فعاليةُ العديد منها ومأمومنيته خلال التجارب السريرية الراهنة.
التقانة الحيوية وسلامة الأدوية
ظهرت الكائنات المعدلة وراثياً Genetically Modified Organism (GMO) بصفتها واحدة من الدعائم الأساسية للبحوث الطبية منذ ثمانينيّات القرن الماضي؛ فقد أحدثت الأحياء الدقيقة المعدلة وراثياً والنباتات والحيوانات ثورة في إنتاج الأدوية المعقدة من خلال الحصول على جيل من اللقاحات والعلاجات أكثر أماناً وبأسعار أقل من التقليدية. وتراوحت المنتجات الصيدلانية ما بين لقاح التهاب الكبد B المؤشب recombinant hepatitis B vaccine الذي تنتجه خميرة الخبز المعدلة وراثياً إلى الإنسولين insulin الذي تنتجه بكتريا الإشريكية القولونية المعدلة وراثياً، والعامل الثامن factor VIII لعلاج المصابين بنزف الدم أو مرضى الناعور hemophiliacs ومنشط البلاسمينوجين النسيجي المؤشب recombinant tissue Plasminogen Activator (tPA) المستعمل لمعالجة أعراض السكتة الدماغية stroke symptoms والنوبات القلبية heart attack، وجميعها ناتج من خلايا ثدييات معدلة وراثياً زرعت في المختبر.
وكذلك يمكن للعلاج الجيني في مجال الطب البشري أن يضع حداً للعديد من الأمراض النادرة. حيث تبين -على سبيل المثال– أن إدخال جينات البتا غلوبين العادي في دنا DNA الخلايا الجذعية steam cells المكونة للدم، والمأخوذة من نقي العظام لمريض مصاب بفقر الدم المنجلي، وإدخال الخلايا المعدلة (GM) في جسم المريض تعالج المرض من دون الحاجة إلى مطابقة المانح, ويأمل الباحثون أن يتوصلوا قريباً إلى معالجة العديد من الأمراض المستعصية كالألزهايمر ومرض باركنسون والسرطان وغيرها من الأمراض.
ويجري حالياً تطوير استعمال بعض النباتات المعدلة وراثياً لإنتاج لقاحات صالحة للأكل edible vaccines؛ وقد صٌممت هذه النباتات للتعبير عن مولدات الضد المشتقة من الأحياء الدقيقة أو الطفيليات التي تصيب الجهاز الهضمي، ويمكن أن تصبح هذه اللقاحات وسيلة آمنة وقليلة التكلفة وتوفر اللقاحات في كل أنحاء العالم من دون الحاجة إلى أجهزة التبريد والمحاقن المعقمة.
وما زالت لقاحات الدنا DNA جديدة وقيد البحث للوقاية من أمراض ناجمة عن بعض الفيروسات المقاومة للقاحات التقليدية؛ ومنها فيروس نقص المناعة المكتسب أو الإيدز AIDS.
وحديثاً، وبعد فترة وجيزة من تفشي جائحة كورونا أقرت إدارة الغذاء والدواء لقاحات ضد فيروس SARS-CoV-2 استخدمت فيها آليات تطعيم جديدة لم تطرح في السوق من قبل. وتتكون هذه اللقاحات إما من الحمض الريبي النووي المرسال mRNA مغلفاً داخل طبقة شحمية خاملة؛ وإما من لقاحات فيروسية تُستحدم فيها الفيروسات الغدية نواقل.
ويثير التطوير المتسارع للعلاجات الجديدة التي تستخدم مكونات بيولوجية حية أو وراثية وآليات العلاج الجيني مناقشات في جميع قطاعات الرعاية الصحية، حول التعامل الآمن مع هذه الأدوية. واتخاذ تدابير موحدة للحد من مخاطر التعرض المهني لها. ويعد استخدام مبادئ التصنيف والتعامل مع الأدوية الخطرة، والرقابة الدوائية إلى جانب التعاون بين الخبراء في السلامة الحيوية، وعلم الأوبئة والأمراض المعدية، والوقاية من العدوى، وعلم الفيروسات وسيلة فعالة لتطوير سياسة موحدة ووضع استراتيجيات ومجموعة منهجية من المعايير لتحديد الاحتياطات المناسبة اللازمة للعقاقير العلاجية والفيروسات الحية المضعفة أو اللقاحات الفيروسية.
فعلى سبيل المثال: تتولى لجنة مراقبة الأدوية الخطرة The Hazardous Drug Oversight Committee (HDOC) في جامعة ميشيغان الطبية مسؤولية التطوير والتنفيذ لسياسات وإجراءات لتعامل مع الأدوية الخطرة المتوافقة مع معايير اتفاقية دستور الأدوية الأمريكي <800> The United States Pharmacopeial convention (USP <800>) (صُمم لوصف معايير الجودة للتعامل الآمن مع الأدوية الخطرة لتقليل مخاطر تعرض العاملين في الرعاية الصحية والمرضى والبيئة).
وفي عام 2019 أضافت اللجنة فئة جديدة من الأدوية التي تتطلب معالجة خاصة أسمتها أدوية السلامة الحيوية biosafety drugs. وسميت على هذا النحو لتتماشى مع مصطلح "مستوى السلامة الحيوية" ولتمييز هذه الفئة عن البيولوجية المعمول بها، حيث لا تحتوي جميع المواد البيولوجية على خصائص خطرة محتملة.
وقد عرّفت لجنة مراقبة الأدوية الخطرة أدوية السلامة الحيوية على أنها: "دواء خطر يشكل خطراً محتملاً على العاملين في مجال الرعاية الصحية، سواء كان ذلك خطراً مهنياً معدياً أم وراثياً أم مصلياً وربما على أولئك الذين يتعاملون مع الأفراد المعرضين". وتشمل هذه الفئة العوامل المستخدمة في العلاج الجيني، وقد تشمل مواد بيولوجية أخرى على النحو الذي تحدده لجنة مراقبة الأدوية الخطرة. ولتقييم الدواء من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة وضعت فرق العمل المعنية بالسلامة الحيوية قائمة بالمخاطر وعوامل الخطر التي ينبغي أخذها في الحسبان تشمل: خطر العدوى بالنواقل، قدرة الناقل على التكاثر بعد تناوله، إضافة إلى خطر التعديل الوراثي الدائم الناتج من إدخال المادة الوراثية في الجينوم البشري. وأنشأت مصفوفة قرارات باستخدام المعايير الموحدة المتاحة لتحديد هذه المخاطر وتقييمها بشكل مقارن، كما يتضح من الجدول (1).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1- توصف مجموعات المخاطر Risk Groups الخاصة المعهد الوطني للصحة National Institutes of Health (NIH) وفقاً لإرشادات المعهد والتي تتضمن جزيئات الحمض النووي المؤشب، ويمكن تحديدها بالتشاور مع جمعية السلامة البيولوجية الأمريكية American Biological Safety Association (ABSA). 2- يحدد خطر الاندماج ضمن الجينوم البشري بناء على قدرة الناقل الأصلي والغرض من الدواء؛ فعلى سبيل المثال: النواقل المكونة من الفيروسات الغدية تعد أقل خطراً لاندماج مادتها الوراثية مع جينوم البشر. |
ومن ثم فإنه يجب على الشركات المصنعة للأدوية التي تستخدم الأحياء الدقيقة الممرضة لإنتاج اللقاحات والأدوية إرساء جملة واسعة من ممارسات السلامة الحيوية لضمان سلامة موظفيها ومنتجاتها؛ بحيث تكون منسجمة مع الإرشادات الدولية لضمان تنفيذ عملية التصنيع والإنتاج على نحو آمن.
ويعد تصنيف مستويات السلامة أمراً ضرورياً للغاية في عملية إدارة المخاطر والسلامة الدوائية، وتُحدد المخاطر في مجموعات من 1 إلى 4 بناءً على شدة المرض وعوامل العدوى للفرد وللسكان والبيئة، وتُقدم توصيات لتجنب المخاطر ولتحديد احتياطات التعامل المقابلة لها. وهذه المجموعات هي:
المجموعة 1: لا يوجد خطر على الأفراد أو المجتمع، وهي تتكون من أحياء دقيقة لا يمكنها في جميع الاحتمالات أن تسبب أمراضاً للإنسان أو الحيوان، ويعدها قانون السلامة الحيوية من مشاريع التقانات الحيوية التي لا تمثل أي مخاطر على المجتمع والبيئة عامة.
المجموعة 2: تسبب مخاطر متوسطة للأفراد ومخاطر منخفضة للمجتمع.
المجموعة 3: عالية الخطورة على الأفراد ومنخفضة على المجتمع، وهي تتكون من جراثيم ممرضة تسبب مرضاً خطيراً للإنسان أو الحيوان.
المجموعة 4: تشكل مخاطر كبيرة على الأفراد والمجتمع، وتسبب مرضاً خطراً للإنسان أو الحيوان، ويمكن أن تنتقل بسهولة من فرد إلى آخر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وليس ثمة أي تدابير وقائية فعالة تجاهها.
وختاماً: غالباً ما تُملأ لوائح السلامة الحيوية المستخدمة في شركة معينة من قبل البلد الأم. وسيسمح التنسيق العالمي لممارسات السلامة الحيوية بالقياس لتحديد أفضل الممارسات لهذه الصناعة.
مراجع للاستزادة: - A. P. Bollon, Recombinant DNA Products: Insulin, Interferon and Growth Hormone, United Kingdom, CRC Press, 2018. - D. J. A. Crommelin, R. D. Sindelar, B. Meibohm, Pharmaceutical Biotechnology: Fundamentals and Applications, Springer, 2019. - P. W. Grubb, P. R. Thomsen et al., Patents for Chemicals, Pharmaceuticals, and Biotechnology, OUP Oxford, 2017. - J. Y. Rodney, M. Gibaldi, Biotechnology and Biopharmaceuticals: Transforming Proteins and Genes Into Drugs, United Kingdom, Wiley, 2013.
|
- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :