تقانات حيويه (اخلاقيات)
Bioethics -

التقانات الحيوية (أخلاقيات-)

                                                                   عبد الجبار الضحاك

نشوء مفهوم الأخلاقيات الأحيائية

الأخلاقيات المرتبطة بالتقانات الحيوية

أثر الدين في الأخلاقيات الحيوية

 

 

يُعبر مصطلح الأخلاقيات الأحيائية  bioethics عن الأبحاث والقضايا الأخلاقية والاجتماعية والفلسفية والقانونية التي يثيرها استعمال التقانات الحيوية biotechnologies في مجال الطب والبحوث الطبية الحيوية؛ ويشير هذا المصطلح أيضاً إلى تطبيق العلوم الطبية والبيولوجية بطرائق مناسبة وإنسانية مسؤولة، فالتدخل في عملية الإنجاب البشري، وما أسموه قتل الرحمة euthanasia، والتبرع بالأعضاء وزرعها، والبحوث الجينية والبيئية والتدخل في الكائنات الأخرى نباتية كانت أم حيوانية والتجارب التي تُجرى على الإنسان تؤلف بمجموعها العناوين الرئيسة ومادة للتفكير الأخلاقي تقع في نطاق الأخلاقيات الأحيائية.

شهدت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي اهتماماً واسعاً بالقضايا المتعلقة بأخلاقيات الطب، في حين شهدت الستينيات والتسعينيات اهتماماً أكبر بكثير بالأخلاقيات البيئية. 

ولحل تلك القضايا وتطوير المثل العليا أو المبادئ للمساعدة على القيام بذلك، يجب أن يشرك علم الاجتماع وعلم الأحياء والدين وعلم النفس والفلسفة والاقتصاد؛ ومن ثم يجب أن يجمع بين الدقة العلمية للبيانات البيولوجية، مع قيم الدين والفلسفة لتطوير رؤية للعالم. ولذلك فإن الأخلاقيات الأحيائية  تواجه تحدياً؛ لتكون نهجاً متعدد الجوانب ومدروساً في عملية صنع القرار؛ ليكون وثيق الصلة بجميع جوانب الحياة البشرية.

ويتساءل الباحثون عن سبب ربط المشكلات الأخلاقية بتنامي التقانات الحيوية الحديثة وتعاظمها؛ وعن الخدمات التي تقدمها الأخلاقيات الأحيائية  للمجتمعات الإنسانية.

وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من إعطاء فكرة عن كيفية ولادة مفهوم الأخلاقيات الأحيائية  والجدل الاجتماعي الدائر حول التقانات الحيوية الجديدة  الواعدة والمقلقة بآن واحد.  

  نشوء مفهوم الأخلاقيات الأحيائية

 ظهر مصطلح الأخلاقيات الأحيائية أول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970، واعتُمدته مكتبة الكونغرس في واشنطن منذ عام 1974 أساساً لتصنيف الأبحاث المرتبطة بذلك. ونشأت الدعوة إلى تحديد طبيعة المخاطر الناتجة من التجارب الحديثة في مجال الوراثة، وذلك في مؤتمر أسيمولارAsimolar  في كاليفورنيا عام 1975. ويعود الاهتمام بالأخلاقيات الأحيائية  إلى ثلاثة أسباب، هي:

1- تعارض الأفكار السائدة التي تتمثل بتلك التي تبنتها الإنسانية استناداً إلى فلسفة ديكارت Descartes  الخاصة بإيجاد معارف مفيدة تجعل البشر أسياداً للطبيعة، وأصبحت هذه السيطرة مرفوضة في هذه الأيام لأسباب دينية وأخلاقية وفلسفية؛ إضافة إلى أسباب تاريخية، ذلك أن الإحساس الناجم عن بعض البحوث العلمية (المحققة وغير المحققة) يمكن أن يمثل تهديداً للإنسانية.

2- التقدم العلمي والتقني المتعاظم ولا سيما ذلك المتعلق بالبيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية. وقد اختلط الإعجاب الكبير بمجال تقدم العلوم والتقانة بالحذر والقلق من المخاطر التي يمكن أن تحدثها.

3- المتطلبات الاجتماعية؛ فقد مكنت التقانات الحيوية -ما بين عامي 1972 و1980- من تصنيع الكثير من الأدوية وتحسين بعض الأنواع النباتية والحيوانية. ويعقد العلماء الآمال في المستقبل على معالجة كثير من الأمراض الوراثية استناداً إلى هذه التقانات؛ ولا سيما بعد التمكن من تحقيق عمليات الاستنساخ cloning والتشخيص الوراثي  genetic diagnosis والعلاج الجيني gene therapy.

وعلى الرغم من مقدرة التقانة الحيوية على تحسين نوعية حياة البشر؛ فإنها تثير –في الوقت ذاته– جدلاً حول ما يمكن أن تتسبب به تلك التقانة من آثار سلبية في حياة الناس والمجتمع والبيئة.

الأخلاقيات المرتبطة بالتقانات الحيوية

1 – الطب والصيدلة:

 تتمثل في مجموعة القيم الأخلاقية والأحكام الواجب التزامها فيما يخص الدواء والأطر الطبية وكيفية التعامل مع المريض داخل المرافق الصحية أو خارجها؛ وعلاقة ذلك بالتاريخ والفلسفة واللاهوت وعلم الاجتماع والعادات والتقاليد... وغير ذلك، فالأطباء يؤدون قسَم أبقراط Hippocratic Oath  -المعروف بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد- عند تخرجهم للتعبير عن التزامهم القواعد الأخلاقية لمهنة الطب. ويُعدّ كتاب "أدب الطبيب" لإسحاق بن علي الرهاوي في القرن العاشر الميلادي أول كتاب مرسخ لأخلاقيات مهنة الطب، وتلاه محمد بن زكريا الرازي (850-923م). أما في الغرب فقد كتب المفكر توما الأكويني Thomas Aquinas (1225-1274م) وغيره عن التقاليد الفكرية في الأخلاق الطبية الكاثوليكية والإسلامية وغيرها. وفي عام 1815 صدر أول قانون للصيادلة في المملكة المتحدة، وفي عام 1847 اعتمدت الجمعية الطبية الأمريكية أول مدونة لأخلاقيات الطب. أما الأخلاقيات الطبية والصيدلانية فقد تبلورت مع ظهور الفكر الليبرالي في دول أوربا وأمريكا. وقد ركزت الوثيقة  المعروفة باسم "تقرير بلمونت 1978 The Belmont Report" -الصادرة عن اللجنة الوطنية  لحماية الإنسان- بوصفها موضوعاً للبحوث الطبية على أربعة مبادئ أخلاقية، هي:

أ‌-      احترام الاستقلالية respect for autonomy: وهذا مبدأ من المبادئ الأساسية في أخلاقيات الطب، فللشخص الحق باتخاذ قراره الخاص في رفض علاج ما أو قبوله؛ وعدم  أخذ عينات من دمه أو أي جزء من جسمه إلا بعد موافقته الحرة من دون ترهيب أو ترغيب. وكذلك عدم استغلال الإجراءات الطبية لتحويل المرضى إلى حيوانات تجارب مهما كان الهدف من  إجراء  تلك البحوث نبيلاً؛ من دون موافقة خطية مسبقة من المريض نفسه وبما لا يتعارض مع سلامته الشخصية.

ب‌-  الإحسان beneficence: يقصد بذلك ضرورة التعامل مع الأشخاص بطريقة أخلاقية، وذلك باحترام قراراتهم وحمايتهم من الأذى؛ مع بذل الجهود لتحقيق رفاهيتهم وفقاً لمبدأ الإحسان، وغالباً ما يُفهم مصطلح "الإحسان" على أنه نوع من أعمال البرّ والنشاطات الخيرية الأخرى التي تتجاوز الالتزام الصارم في هذه الوثيقة. ويُفهم الإحسان بمعنى أقوى  بأنه التزام  القواعد العامة التي تعبّر  من جهة عن مقولة أبقراط المعروفة "لا تقم بأي أذى" do no harm؛ وهو مبدأ أساسي من أخلاقيات مهنة الطب، ومن جهة أخرى تعظيم الفوائد المحتملة والتقليل من الأضرار الممكنة. ولتجنب الضرر لا بد من توضيح ما هو ضار؛ ذلك أن الفائدة قد تعرّض المريض للخطر، فإزالة الزائدة الدودية مثلاً تحمل مخاطر التخدير والجراحة؛ ولكن عدم إجراء العملية قد يتسبب بانفجار الزائدة! وهناك جدل حول هذا المبدأ؛ إذ يرى بعض المفكرين أن شفاء المريض هو الهدف الوحيد للعلاج، في حين يذهب بعضهم أبعد من ذلك، ولا يكتفي بمعالجة المرض؛ بل يرمي إلى تعزيز الراحة النفسية للمريض من خلال عمليات التجميل أو الإجهاض أو الموت الرحيم أو غيره.

ج - العدل justice: يكمن السؤال الأول في موضوع العدل أو "الإنصاف"  في الخدمات الطبية في: مَن يجب أن يحصل على فوائد البحث الطبي؟ ومَن يتحمل أعباءه؟ وهل يجب توفير الأدوية الأساسية  لجميع المرضى؟ وذلك من مبدأ العدل والمساواة بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو حالتهم المادية؛ وكذلك في تقديم اللقاحات للأطفال على اختلاف أنواعها لتحصينهم ضد الأمراض السارية. وهناك عدة صيغ مثل:

1-   لكل شخص حصة متساوية.

2-   لكل شخص وفقاً لحاجته الفردية.

3-   لكل شخص وفقاً لجهده الفردي.

4-   لكل شخص وفقاً لمساهمته المجتمعية.

    5- لكل شخص وفقاً لجدارته.

    ولطالما ارتبطت مسائل العدالة بالممارسات الاجتماعية مثل الضرائب والعقاب والتمثيل السياسي، فقد استُعمل السجناء في معسكرات الاعتقال النازية في البحوث الطبية، وكذلك السود في الأحياء الفقيرة، واستفاد من المزايا من يستطيع دفع ثمنها. وتتعقد المشكلة عندما يكون هناك نقص في المعروض وكذلك ندرة الموارد؛ فلا تتاح الأدوية للجميع، وعلى المجتمع توفير الموارد المساعدة للتغلب على هذه المشكلات.

د – احترام الأشخاص respect for persons: يتضمن –على الأقل– نوعين من القناعات الأخلاقية؛ تتمثل القناعة الأولى بضرورة التعامل مع الأشخاص بوصفهم أفراداً مستقلين autonomous. أما الثانية فتتعلق بالأشخاص الذين يعانون نقصاً في استقلاليتهم، ويحق لهم الحماية، فالشخص المستقل هو فرد يتمتع بمقدرة على المداولات وتحديد الأهداف الشخصية والعمل على تحقيقها، واحترام الاستقلالية يعني توفير حرية التصرف للفرد المستقل. أما الأشخاص غير القادرين على تقرير ما يريدون لنقص جزئي أو كلي في استقلاليتهم بسبب المرض أو الإعاقة العقلية أو الظروف التي تقيد حريتهم؛ فإن احترام الشخص –في هذه الحالة– يتطلب حمايته. ويحتاج بعض الأشخاص إلى حماية واسعة النطاق واستبعادهم من الأنشطة التي تضر بهم، ويتوقف مدى الحماية الممنوحة على مدى الأذى الذي يمكن أن يصيب الشخص نتيجة انخراطه في الأنشطة البحثية، ولا بد من احترام الأشخاص الذين يتطوعون -في معظم الحالات- لإجراء البحوث الطبية على أنفسهم، وذلك بإعطائهم معلومات وافية عما يقومون به، غير أن هناك عدم وضوح في بعض الحالات كإشراك السجناء بجعلهم مواضيع للبحث الطبي، فمن جهة يعني ذلك أن السجناء غير محرومين من التطوع؛ ومن جهة أخرى –وفي ظل أوضاع السجون– يمكن أن يكونوا مكرهين على ذلك، ولا بد من حمايتهم في هذه الحالة.

ويمكن أن يشمل هذا المبدأ مجموعة من الأسئلة الفلسفية حول تعريف الحياة والموت وأهميتهما، وطبيعة الشخصية والهوية، ومدى الحرية البشرية والمسؤولية الفردية. مثلاً في أي مرحلة ينبغي عد المريض المصاب بجروح قاتلة أو المريض الميئووس من شفائه ميتاً؟ متى توقفت وظائفه الحيوية مثل ضربات القلب والتنفس؟ متى توقف جذع الدماغ عن العمل؟ هل يكفي وجود غيبوبة عميقة لإثبات الموت؟ أعطت هذه الأسئلة وأسئلة مماثلة إلحاحاً جديداً في الستينيات؛ عندما أجبر الطلب المتزايد على الأعضاء والأنسجة البشرية لاستخدامها في عمليات الزرع علماء الأخلاقيات الطبية على وضع مبادئ توجيهية لتحديد متى يُسمح بإزالة الأعضاء من متبرع محتمل.

وفي السياق ذاته أدى تطوير تقنيات أكثر أماناً للإجهاض الجراحي والقبول المتزايد للإجهاض كوسيلة لتحديد النسل إلى زيادة الجدل حول الوضع الأخلاقي للجنين البشري. وفي المناقشة الفلسفية والدينية، أُطّر هذا النقاش من حيث مفهوم "الشخص" الذي يُفهم على أنه أي كائن يستحق اهتماماته اهتماماً أخلاقياً خاصاً. وكانت القضية المركزية هي في أي مرحلة يُعد فيها الجنين إنساناً بالمعنى الأخلاقي. وأثيرت هذه الأسئلة من جديد استجابةً لتطوير الأدوية التي تحث على الإجهاض حتى عدة أسابيع بعد الحمل؛ وكذلك لاستخدام الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة البشرية في البحث عن العلاج مثل علاج الشلل الرعاش (مرض باركنسون) وإصابات الجهاز العصبي المركزي.

ونظراً لاتساع مجالات التفكير الأخلاقي في الموضوعات ذات العلاقة بحياة البشر؛ فقد صدر في فرنسا 1983/2/23 القانون القاضي بتشكيل لجنة استشارية وطنية للأخلاقيات National Consultative Committee on Ethics (NCCE)، وأعطيت الصلاحيات للقيام بدورها في المسائل الأخلاقية المطروحة في مجال علوم الحياة والصحة.

وكذلك توسعت المناقشة للمقارنة بين الثقافات، وأدت في عام 1992 إلى إنشاء الرابطة الدولية للأخلاقيات الأحيائية. وفي بداية القرن الحادي والعشرين جرت مناقشة مهمة تتعلق بإمكان وجود أخلاقيات أحيائية "عالمية"  global bioethicsمن شأنها أن تشمل القيم والتقاليد الثقافية للمجتمعات غير الغربية non-western societies. وفيما أكد بعض العلماء أن الأخلاقيات الأحيائية العالمية يمكن تأسيسها على نهج المبادئ الأربعة السابقة، في ضوء توافقها الواضح مع النظريات الأخلاقية ووجهات النظر العالمية. جادل آخرون على نقيض ذلك بأن المبادئ الأربعة ليست أساساً مناسباً لأخلاقيات أحيائية عالمية؛ لأن بعضاً منها على الأقل -ولا سيما مبدأ الاستقلالية- يعكس قيماً غربية خاصة. وتتطلب الوتيرة المتزايدة للتقدم التقاني في الطب وعلوم الحياة أن يعيد علماء الأخلاقيات الأحيائية باستمرار التفكير في الافتراضات الأساسية لمجالهم وأن يفكروا بعناية في منهجياتهم الخاصة. وقد صدر عن منظمة اليونسكو "الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان" في تشرين الأول/أكتوبر 2005.

2- تقانات الإخصاب المساعد Assisted Reproductive Technology (ART)

ساهم التقدم العلمي  في مجال التقانة الحيوية  في تطور وسائل الإخصاب المساعد وتقنياته الأمر الذي مكن الأزواج من إنجاب أطفال؛ على الرغم من وجود صعوبات في الحمل أو العقم.

 ومع ذلك وبصرف النظر عن الفوائد الطبية والاجتماعية التي تقدمها تلك التقانات؛ فمن الواقعي أيضاً أن الاستفادة منها تمثل قضايا أخلاقية بيولوجية أو أخلاقية ودينية تستحق الدراسة؛ إذ ترتبط الآثار الأخلاقية بكون تلك التقانات تنطوي على التلاعب الفعال بالإخصاب بعيداً عن بيئته الطبيعية والآثار التي قد تنشأ من ذلك. كانت الطفلة لويز براون أول  طفلة ولدت نتيجة الإلقاح الاصطناعي في المختبر In Vitro Fertilisation (IVF)، عام 1978. وعلى الرغم من أن تقنيات الإخصاب المساعد تحظى بقبول اجتماعي واسع اليوم؛ إذ يولد أكثر من 200000 طفل سنوياً في جميع أنحاء العالم باستخدام هذه التقنيات، فإن أهم الجوانب التي يجب مراعاتها هو فعالية هذه التقنيات، والتي تحسب عموماً بناءً على معلمين: معدل الحمل (pregnancy rate، PR) ومعدل المواليد الأحياء (live birth rate،LBR) لكل دورة تحفيز للمبيض. وتشمل المخاوف الأخلاقية المتعلقة باستخدام تقنيات الإخصاب المساعد الأطفال المولودين بهذه التقنيات. فقد بيّنت الدراسات أن الأطفال الذين يولدون نتيجة استخدام إحدى تقنيات الإخصاب المساعد تظهر لديهم آثار طبية ضارة، مثل زيادة خطر الإصابة بعيوب خلقية، خاصة التشوهات القلبية  والتشوهات الصبغية وكذلك زيادة في المشكلات الطبية المكتسبة، مثل: ضعف النمو الحركي النفسي، والشلل الدماغي، والتوحد حتى الربو بنسبة أعلى من أولئك الذين يولدون على نحو طبيعي؛ مما يثير أسئلة أخلاقية بيولوجية. وفيما يبدو بأن أسباب تلك المشكلات يعود لأسباب متعددة العوامل، فقد يرجع أساساً إلى التقنية نفسها مثل التلاعب بالأمشاج (الأعراس gametes)، وممارسة التشخيص الوراثي قبل الغرس (PGD) Preimplantation Genetic Diagnosis، ووسط الزرع المستخدم culture medium والوقت الذي استغرقه تجميد الأجنة. ومن القضايا الأخلاقية أيضاً تلك المتعلقة بفائض الأجنة البشرية المجمدة الناجمة عن المعالجة بتقنيات الإخصاب المساعد. وإن معرفة ما يجب فعله بهذه الأجنة المجمدة يثير مشكلة أخلاقية بيولوجية موضوعية ودينية. هناك أربعة حلول لهذه الأجنة: (أ) تركها مجمدة إلى أجل غير مسمى؛ (ب) استخدامها في التجارب الطبية الحيوية؛ (ج) تذويبها وتركها تموت؛ (د) التبني. ويعدالحل الثاني الأكثر استخداماً ولكن هذا الحل يطرح بوضوح مشاكلات أخلاقية بيولوجية ودينية واضحة؛ لأنه يستلزم التدمير الحتمي للأجنة المستخدمة. ومن القضايا الأخلاقية المثيرة للجدل اختيار الأجنة قبل إرجاعها إلى الرحم، ويُجرى باستخدام التشخيص الوراثي قبل الغرس  لنقل أفضل الأجنة فقط. وعند تقييم هذه الممارسة من الناحية الأخلاقية الحيوية؛ فإن الصعوبات الرئيسية هي:

1- أنها تعامل الجنين البشري كمادة تجريبية، وهو أمر لا يتوافق تماماً وكرامته الجوهرية.

 2- ممارسة اختيار الأجنة لأسباب صحية يعد ممارسة واضحة لتحسين النسل eugenic.

  ومن تطبيقات الإخصاب المساعد استخدام الإخصاب في المختبر لأجل إنتاج إخوة منقذين يستخدمون متبرعين لعلاج شقيق مريض. ويستلزم هذا الإجراء الأخذ في الحسبان قضايا طبية واجتماعية وأخلاقية ودينية موضوعية. وأول جانب أخلاقي يجب مراعاته هو الفعالية المنخفضة لهذا الاستخدام. ومن الواضح أن الفعالية المنخفضة لهذه التقنية تلقي بظلالها على الحكم الأخلاقي البيولوجي الذي تستحقه. ولكن إضافة إلى ذلك: من أجل إثبات مثل هذا الحكم يجب أيضاً مراعاة ما يلي: (1) استغلال الطفل الناتج؛ (2) لتحقيق هذه الغاية يتطلب استخدام وسائل تستلزم حتماً تدمير الأجنة البشرية – جزئياً - كنتيجة للتقنية نفسها، وأيضاً بسبب اختبار التشخيص الوراثي قبل الغرس للعثور على "شقيق متوافق نسيجياً"؛ و(3) هناك تقنيات بديلة للحصول على الخير المنشود أخلاقياً: قد يكون استخدام دم الحبل السري المخزن في البنوك العامة أو الخاصة بديلاً في المستقبل القريب -من وجهة نظر طبية وأخلاقية أحيائية- لعلاج الأطفال الذين يحتاجون زراعة نقي العظم وليس لديهم أحد أفراد الأسرة متوافقاً مناعياً، والذين يمكن أن يكونوا متبرعين.

ومن أبرز القضايا الأخلاقية والدينية أيضاً تلك الناشئة من الاستخدام المحتمل لتقنيات الإخصاب المساعد لأغراض اجتماعية، لا علاقة لها بخصوبة المرأة، مثل "تأجير الأرحام الحملي" أو ما يدعى الأم البديلة و"التجميد الاجتماعي" "social freezing". ففي "تأجير الأرحام الحملي تحمل المرأة جنيناً لا تربطها به علاقة بيولوجية نيابة عن الأم بموجب عقد، ويتعين عليها التخلي عن الطفل بعد ولادته. وتستتبع هذه الممارسة عادة مكافأة مالية للمرأة الحامل؛ وعندما لا يكون الأمر كذلك يطلق عليه تأجير الأرحام الإيثاري. ومن منظور طبي يجب أن تؤخذ في الحسبان المشاكلات المحتملة للأمهات البديلة والأطفال المولودين من خلال هذه الممارسة، وخاصة وجود معوقات محتملة لدى الطفل. وإن الجوانب الأخلاقية الأحيائية والدينية هي أكثرها أهمية هنا؛ لأن ممارسة تأجير الأرحام تشين الأم الحامل، بسبب استخدام جسدها لغرض آخر غير مصلحتها، ومعاملتها كسلعة. وينطبق الشيء ذاته على الطفل؛ لأنه يجعله شيئاً يمكن التخلص منه.

وعندما تجمد البويضات أو أنسجة المبيض لأسباب طبية؛ فإن العملية تسمى "التجميد الاجتماعي". وفي هذه الحالة: هناك سببان أساسيان لاختيار المرأة الخضوع لهذا الإجراء: الأول هو أنها لم تجد شريكاً تراه مناسباً لأجل تكوين أسرة، والثاني لأسباب مهنية. وفي الحالة الأخيرة، تعد المرأة أن الحمل في سن مبكرة -عادة قبل سن 35- يمكن أن يضر بمسيرتها المهنية؛ مما يدفعها إلى تجميد بويضاتها لاستخدامها في وقت لاحق. والأسباب البيولوجية التي تكمن وراء التجميد الاجتماعي هي أن خصوبة المرأة تنخفض مع تقدم العمر، خاصة بسبب انخفاض وظيفة المبيض، وانخفاض عدد البويضات. غير أن التجميد الاجتماعي يسبب بلا شك مخاوف أخلاقية ناتجة من حث المرأة على اتخاذ قرار مقنع ضمنياً لصالحها يترتب عليه عواقب طبية سلبية مهمة عليها وكذلك على طفلها. وإن "التجميد الاجتماعي للبويضات" هو عرض نموذجي لكيفية استخدام العلاج الطبي لأجساد النساء لإخفاء المخاوف الاجتماعية والثقافية بشأن الشيخوخة.

 وأضحت تقنية تجميد النطاف البشرية وحفظها واقعاً منذ عام 1953؛ فقد افتتح مركز دراسات حفظ النطاف في فرنسا -والمعترف به رسمياً- منذ بداية عام 1973، ويقوم هذا المركز بمعالجة بعض حالات العقم الذكرية، ويسمح للأزواج  باستعمال تلك التقانات التي تطورت على الرغم من إدانتها من قبل الكنيسة الكاثوليكية؛ لأن الإلقاح في هذه الحالة لا يحصل داخل الرحم، وتتفق مع هذا الرأي بعض الآراء الإسلامية التي تعتمد قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح. كما أن التحكم في هذه التقانة لم يكن مرضياً؛ ذلك أن الفريق الأكثر نجاحاً في هذا الميدان لم يسجل نجاحاً سوى في 5.2% من الحالات.

 ومن المشاكلات الأخلاقية الناشئة أيضاً مسألة التبرع بالأمشاج (البويضات أو الحيوانات المنوية)، والتي يترتب عليها عدد من القضايا الأخلاقية فيما يتعلق بالحق في حفظ خصوصية المتبرعين وحق الأطفال في معرفة والديهم؛ إضافة إلى ما تثيره من مشاكلات تتعلق بالنسب والتوريث في الديانة الإسلامية.

3 – تقنيات دعم الحياة life support:

     تتناول هذه التقنيات علاج بعض الحالات الطارئة لدعم الحياة إثر فشل عضو أو أكثر من أعضاء الجسم الحيوية vital organs. يقوم بهذه الخدمة المسؤولون عن الرعاية الصحية وخدمات الطوارئ الطبية لدعم الحياة الأساسية (BLS) Basic Life Support. ويمكن أن يقوم بذلك أفراد الأسرة أو غيرهم كحالات إنعاش ضحايا السكتة القلبية وحوادث الاختناق؛ مما يزيد من فرص المصاب للبقاء على قيد الحياة؛ والهدف الأساس هو إنقاذ أرواح الكثيرين ممن يحتاجون إلى تدخل فوري للبقاء على قيد الحياة، ويمكن أن تشمل هذه العمليات حالات السكتة الدماغية والغرق وحالات التحسس الحادة والحروق ومضاعفات الولادة والجرعات الزائدة من المخدرات وضحايا نقص التأكسج الدماغي cerebral hypoxia الذين قد يموتون في غضون 8 –10 دقائق، إن لم تقدم لهم إجراءات دعم الحياة الأساسية.

      وهناك حالات تتطلب احترام رغبة المريض أو أفراد عائلته إذا كانت حالته ميئوساً منها وتستعصي على الشفاء؛ واستقر رأيهم على وقف العلاج والتعجيل بالوفاة لوضع حد لمعاناة المريض وعائلته، غير أن مثل هذا الموقف يثير جدلاً أخلاقياً ودينياً واسع النطاق، ففي حالة عجز المريض عن تناول الماء والغذاء يُغذى ويرطّب عن طريق أنبوب من دون أمل يذكر بالشفاء، ومع ذلك قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1990 أن التغذية الاصطناعية والماء لا يختلفان عن علاجات دعم الحياة؛ وأن حرمان المريض من الماء والدواء يعني القتل، وهذا ما يعرف بالموت الرحيم passive euthanasia، وهذا الفعل لا تجيزه الديانة الإسلامية حتماً.

4 – الهندسة الوراثية:

أتاح التقدم في التقنيات البيولوجية والعلوم والتقانة إمكان التنسيل الجيني وهندسة الجينوم. يعمل باحثو الطب الأحيائي biomedical على إيجاد حلول فعالة فيما يتعلق ببعض الاضطرابات الجينية الرئيسية المرضية مثل المنجلية والهيموفيليا، ولكن هناك دائماً مخاطر مرافقة.

وتعد هذه الممارسات مثيرة للجدل، فعلى الرغم من وجود إجماع على أن هذه التقنيات أساسية لتوفير العلاجات عبر الطب التجديدي regenerative medicine من خلال خلايا بشرية أو أعضاء أو أنسجة بشرية متطابقة وراثياً يمكن أن تفيد في العمليات الجراحية التجميلية والترميمية وعلاجات الحروق وأمراض القلب والسرطان والسكري، ويمكن أن يساعد العلاج الجيني الملايين الذين يعانون أمراضاً واضطرابات معينة؛ تعارض عدة من المنظمات الحكومية والعلمية والدينية بشدة الهندسة الوراثية بسبب الجدل في سياق السلامة والنتائج الأخلاقية المترتبة عنها. ويثار النقاش بأسئلة فلسفية عما إذا كان هناك شيء يجعل إنساناً معيناً هو الشخص الفريد. هل الإنسان هو مجرد مجموع المعلومات المشفرة في جيناته؟ إذا كان الأمر كذلك ، فهل المريض الذي خضع للعلاج الجيني هو شخص مختلف عن الشخص الذي كان عليه من قبل؟ أي هل أصبح شخصاً آخر؟ إذا استنسخ إنسان؛ فهل سيكون نسخة من "والديه"؟ هل سيكون هو ووالده الشخص نفسه؟ وإذا استنسخ جميع البشر من الوالد نفسه، فهل سيكونون هم وأولياء أمورهم الشخص نفسه؟

ومن المؤكد أن الهندسة الوراثية لها معضلاتها، ولكن لها أيضاً قيمة معنوية وأخلاقية في المجتمع المعاصر. ويرى المؤيدون أن الهندسة الوراثية طريقة قابلة للتطبيق لأجل توفير الأعضاء والأنسجة للمرضى الذين لم يتمكنوا من العثور على متبرعين، ففي عالم ماتزال فيه العبودية، وتجارة الأعضاء البشرية، والأسواق السوداء تمثل مشكلة؛ يمكن أن توفر الهندسة الوراثية الحل الأمثل لمنع جرائم حقوق الإنسان هذه. ومع ذلك يشعر بعض الباحثين بالقلق فيما إذا أجريت على نحو غير صحيح؛ إذ يمكن للهندسة الوراثية أن تُدخل بالفعل اضطرابات جديدة تنتشر لاحقاً بين السكان في العالم. وكما في العلاجات الطبية يمكن أن ينطبق هذا على ما هو موجود في الطعام؛ إذ يمكن أن تنشأ معضلة أخلاقية ودينية ناجمة عن تعديل وراثي كبير للأغذية. وعلى سبيل المثال، تحقن جينات مختلفة في الفليفلة والبندورة لتسريع نموها، تستخدم فيها الخلايا الحيوانية أو البشرية. وهذا يثير التساؤل عن عدد الجينات البشرية والحيوانية التي يمكن أن تكون في الخضار من دون عدها غير مناسبة للنباتيين أو لأتباع الديانات الذين يمتنعون عن أكل  بعض المنتجات الحيوانية.

وعلى الرغم من كل المخاوف الأخلاقية الحالية المتعلقة بالهندسة الوراثية، ماتزال هذه الممارسة تتمتع بإمكانات هائلة في ضوء دراسات بحثية علمية واسعة. ومن ثم يجب تطوير المزيد من الأبحاث لمراجعة الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية والدينية في ممارسات الهندسة الوراثية؛ مع الأخذ في الحسبان أن الفهم الكامل لما يجرى وعواقبه يحتاج إلى بعض الوقت لمواكبة التقانات الحيوية، والأهم هو الاقتناع ورعاية مجتمع يحمي الحياة، ويعززها في جميع مساعيه العلمية.

 5 – التقانة النانوية الحيوية:

ظهر مصطلح التقانة النانوية الحيوية في الآونة الأخيرة، ويشير إلى تطبيق تقانات نانوية  nanotechnologies في علوم الحياة؛ وهو فرع من فروع التقانة الحيوية يتضمن استخدام مواد النانو وتقنياته لدراسة النظم البيولوجية وتطوير تقنيات طبية جديدة. ويتساءل المهتمون في هذا المجال عن احتمال وجود بعض القضايا الأخلاقية المرتبطة بالتقنيات الحيوية النانوية والمتعلقة بقضايا الصحة والسلامة الطبية وقضايا قانونية واجتماعية وبيئية ودينية.

غير أن المجالات الواسعة والتقانات المتعددة التي تشملها تقانة النانو الحيوية والتي قد يكون لكل منها خصائص وتطبيقات مختلفة تشكل صعوبات في فهم الآثار القانونية والأخلاقية.

فإمكانية أن يكون للابتكارات التقانية النانوية تطبيقات طبية لعلاج الأمراض (طب النانو)، والمخاطر الصحية المحتملة التي يشكلها التعرض للمواد النانوية (علم السموم النانوية)؛ إضافة إلى سمية المواد والضرر المحتمل على البيئة كل ذلك يشكل محور جدل كبير حول إلى أي مدى ستفيد تقنية النانو أو أنها ستشكل مخاطر على صحة الإنسان؛ إذ يمكن للتقنية الحيوية النانوية المساعدة في مجال الطب الحديث كتحديد الأعراض symptoms المرضية أو لتجديد generating بعض النسج التالفة، فمثلاً: زُرعت مثانة لمرضى أمريكيين بمساعدة أطباء استخدموا في عملهم تقانة النانو، ونُميت رحم حيوانية خارج جسم الأم، ثم زُرعت داخل الجسم لاحتضان الجنين؛ وكل ذلك باستعمال الخلايا الجذعية stem cells، واستعملت هذه التقنية أيضاً لمعالجة مرضى القلب؛ وفي إيصال الأدوية إلى الخلايا المستهدفة لعلاجها موضعياً، ومن ذلك الخلايا السرطانية. ويمكن إرسال اللقاحات vaccines والإنسولين والإنزيمات في عليبات نانوية nanocapsules لعلاج الخلايا السرطانية من دون التسبب بأضرار لبقية الجسم. وهناك تجارب لتطوير جسيمات نانوية لإضعاف الفيروسات، وذلك بوساطة إرسال إنزيم يحول دون تكاثر الفيروسات في دم المريض.

وهناك هدفان مهمان لأجل مناقشة القضايا الأخلاقية المتعلقة بهذا المجال التقني المتقدم والحديث العهد: الأول هو توقع المشاكلات الأخلاقية مثل الأضرار التي يمكن الوقاية منها، والنزاعات حول العدالة والإنصاف، والمسائل المتعلقة باحترام الأشخاص المحتمل أن تنشأ من إجراءات نانوية محددة، والثاني هو تعزيز الحساسية للقضايا الأخلاقية والمسؤولية على كل مستوى من مستويات صنع القرار من قبل كل من التقنيين والسياسيين.

وقد حظيت تقنية النانو في السنوات القليلة الماضية باهتمام كبير لفهم الجوانب القانونية والأخلاقية المحتملة التي أثارتها هذه التقانة؛ ولا سيما المخاطر المحتملة من استخدام الجسيمات النانوية وتهديدات التحكم التي يثيرها استخدام الأجهزة النانوية، وإمكانات علاج الأمراض البشرية وتعزيزها والعواقب الأخلاقية لذلك، وقضايا الإنصاف والعدالة العالمية والبيئة والسلامة، والقضايا الأخلاقية فيما يتعلق بالتضارب المحتمل في المصالح الناشئ بين الحكومة والصناعة والجامعات والبراءات وحقوق الملكية الفكرية.

ولكن نظراً للتاريخ القصير لتقنية النانو، يوجد شعور بالقلق خصوصاً بشأن الآثار السلبية غير المتوقعة المحتملة من جراء إدخال الجسيمات النانوية الصغيرة إلى جسم الإنسان مثل سلامة توظيف الفيروسات كأدوات لتقنية النانو.

أثر الدين في الأخلاقيات الحيوية

 سبقت الإشارة إلى الدور البارز للدين في ميلاد الأخلاقيات الحيوية. وفي الحقيقة تحمل الأخلاقيات الحيوية بين طياتها طابع الأديان السماوية التي تضع الإنسان في قلب أنظمة القيم لديها، وفي هذا الإطار تسعى الأخلاقيات الحيوية إلى القيام بعمل توليفي بين العالمية والتنوع الثقافي، كما تهدف هذه الأخلاقيات إلى إعطاء الأفراد أساساً للتأمل حول الاختيارات التي يجب عليهم أن يقوموا بها. ولكن بناء قاعدة مشتركة للمرجعية تعترضها عقبات عدة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتوافق بين أنظمة قيم تختلف حول مسألة مكانة الإنسان في المجتمع، والعلاقات بين الإنسان والطبيعة. وهذا الأمر يعد أحد تحديات القانون الدولي للأخلاقيات الحيوية في الوصول إلى التقارب بين قيم أخلاقية غربية ذات طابع فردي وقيم أخلاقية شرقية وآسيوية ذات طابع جماعي. ويستخلص من كل ما تقدم أنه هناك علاقة وثيقة بين الدين والأخلاقيات الحيوية، وما يؤكد هذه العلاقة الوثيقة بينهما اهتمام الأديان السماوية -وخاصة الدين المسيحي والدين الإسلامي- بالمشكلات التي أفرزتها تطبيقات الثورة البيولوجية الجزيئية في مجالي الطب وعلم الأحياء. وقد أحدثت الكنيسة الكاثوليكية مجمعاً خاصاً لدراسة مثل هذه المشكلات وإبداء الرأي فيها، وكذلك  أحدثت مجامع فقهية في العالم الإسلامي تقوم بعقد الندوات بشأن هذه المشكلات من أجل إبداء الرأي الشرعي فيها، كمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ومقره في مدينة جدة، وكذلك المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، ومقره في مدينة مكة المكرمة. كما تقوم المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - ومقرها الكويت - بعقد ندوات ومؤتمرات دورية لمناقشة مثل هذه المشكلات. وفي إطار إعداد المشروع الأولي للإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان قامت اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا التابعة لمنظمة اليونسكو بدعوة رجال الدين إلى شرح موقفهم بشأن مثل ذلك المشروع، وكان ذلك في آب/أغسطس 2004.

 وقد أحدثت في سورية "هيئة التقانة الحيوية" عام 2002 تهدف من بين ما تهدف إليه "وضع الأسس التنظيمية المختلفة للبحث والتطوير في المؤسسات البحثية والشراكات الأكاديمية والصناعية والقضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والأمان الحيوي وغيرها بما لا يتعارض مع الأخلاقيات الحيوية". ولكن هذا لا يعني أن المشرع لم يهتم بالتطبيقات الناجمة عن التقدم العلمي قبل ذلك التاريخ. وفي الحقيقة أصدر المشرع في النصف الثاني من القرن العشرين قوانين عدة تؤطر بعض تطبيقات التقدم العلمي وخاصة في مجال الطب. وإضافة إلى ذلك فإن بعض الجهات المعنية عقدت ندوات عدة متعلقة بالأخلاقيات الحيوية، وشكلت "اللجنة الوطنية السورية للأخلاقيات الحيوية" عام 2003 والتي تهتم بدراسة المشكلات الناجمة عن التقدم العلمي في مجالات الطب وعلم الأحياء والوراثة.

 

مراجع للاستزادة:

A. Campbell, Bioethics: The Basics, Routledge 2017.

- J. F Childress, T. L. Beauchamp, Principles of Biomedical Ethics. United Kingdom, Oxford University Press 2019.

J. D. Loike, R. L. Fishbach, Science Based Bioethics: A Scientific Approach to Bioethical Decision Making, Shikey Press 2022.

 


- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1