التفاعل الكيميائي
تفاعل كيميايي
Chemical reaction -
حسن كلاوي
التفاعل الكيميائي chemical reaction عملية تتحول فيها مادة أو أكثر ــــ تدعى المتفاعلات reactants ــــ إلى مادة مختلفة واحدة أو أكثر تدعى المنتَجات products. وتكون المواد المتفاعلة إما عناصر وإما مركبات كيميائية. وما يجري فعلاً في أثناء التفاعل هو إعادة ترتيب ذرات المتفاعلات فيما بينها لإعطاء المنتجات. لا يمكن فصل التفاعلات الكيميائية عما يجري في الحياة وفي الجسم من تحولات دائمة؛ فالتفاعلات الكيميائية أكثر من أن تعد أو تحصى: فنمو البذرة في التراب وصناعة الزجاج وصناعة الخبز وطهو الطعام وهضمه في الجسم الحي، وتحويل أوراق النبات الخضراء مكونات الهواء من بخار الماء وثنائي أكسيد الكربون إلى غذاء بعون من طاقة الضوء وما تحويه من يخضور(كلوروفيل) هي غيض من فيض.
تمثَّل التفاعلات عادة بما يعرف بالمعادلة الكيميائية، ومثالها التفاعل بين الحديد Fe والكبريت S لإعطاء كبريت الحديد FeS وفق المعادلة الكيميائية (1):
ومثال تفاعل كيميائي آخر وفق المعادلة الإيونية (2):
تشير(s) إلى كون المادة صلبة، والدليل (aq) إلى أن المادة منحلة.
ولعل من أهم خواص التفاعلات الكيميائية هو أن المادة لا تُخلق ولا تفنى في التفاعل الكيميائي، بل تبقى ذرات العنصر هي نفسها في الطرفين وكذلك عددها. أي إن تحول عنصر إلى عنصر آخر في أثناء التفاعل أمر مستحيل في الشروط الاعتيادية.
تجري التفاعلات عادة في خطوة واحدة أو في سلسلة من الخطوات المتتالية بحسب آلية التفاعل، ويسمى أبسط أنواع التفاعلات الكيميائية الذي يتكون من خطوة واحدة تفاعلاً ابتدائياً elementary reaction. وتتكون أغلب التفاعلات من العديد من الخطوات التي تحدث بالتوازي أو بالتتالي. ويشمل التفاعل الابتدائي عدداً ضئيلاً من الجزيئات (في الخطوة الواحدة) لاتتعدى جزيئاً أو اثنين. وأكثر ضروب التفاعلات الابتدائية شيوعاً هي التفاعلات الأحادية الجزيء unimolecular والثنائية الجزيء bimolecular. يتفاعل في النوع الأول جزيء واحد إما بالتصاوغ (التماكب) isomerism، أي التماثل في التركيب، وإما التفارق dissociation معطياً جزيئاً واحداً أو أكثر. ولعل من أشهر الأمثلة على هذا النوع تفاعل تصاوغ مقرون- مفروق الذي يتحول فيه المركب من شكل مفروق إلى شكل مقرون أو العكس. ومن أمثلة تفاعلات التفارق انفصام رابطة في جزيء ينشأ منه تغير في البنية أو الارتباط.
ثمة ما لا يحصى من أمثلة التفاعلات الكيميائية التي كانت معروفة منذ القدم، مثل تفاعلات الاحتراق والتخمر، وصنع الزجاج والأصبغة وإرجاع المعادن من فلزاتها. وقد كان لمثل هذا النوع من التحولات نصيبه من اجتهادات فلاسفة الإغريق القدماء. يذكر بهذا الصدد نظرية العناصر الأربعة التي كانت تنص على أن أي مادة تتكون من عناصر أربعة أساسية هي النار والماء والهواء والتراب. لم ينقطع الاهتمام بالكيمياء في القرون الوسطى، بل ازداد ولا سيما عند العلماء العرب الذين تركزت اهتماماتهم في الكيمياء على دراسة "الاستحالات الكيميائية"، وذلك بهدف التوصل إلى كل من إكسير الحياة وحجر الفلاسفة، فكان لهم الفضل - وعلى رأسهم عالم الكيمياء جابر بن حيان- في تعبيد الطريق إلى فتوحات كيميائية بارزة هي من أسس الكيمياء في كل مكان وزمان، فكان تحضير حمض الآزوت وغيره من الأملاح والمركبات الكيميائية العديدة، لا يتسع المجال لتعدادها.
ثم تلا ذلك عصر النهضة الأوربية وبروز مشاهير الكيميائيين الأوائل الذين كان لهم الفضل في تحقيق كثير من التفاعلات الكيميائية الأساسية في التصنيع الكيميائي، مثل تحضير كربونات الصوديوم وكبريتات الصوديوم وحمض كلور الماء، وكذلك في تحضير حمض الكبريت بتطوير طريقة غرف الرصاص في صناعته. ثم تلاها بعد ما يزيد قليلاً على مئة عام تطوير طريقة التماس في الصناعة ذاتها. تلاها بعد قليل تطوير الطريقة الشهيرة طريقة الكيميائي الألماني هابر Fritz Haber في اصطناع النشادر.
وقد واكب هذا التطور الصناعي في الكيمياء تطورٌ آخر تمثل في تأسيس قوانين الكيمياء وتأسيس النظريات اللازمة لتفسير التفاعلات الكيميائية، فكانت نظرية الفلوجيستون phlogiston عام 1667 على يد الكيميائي الطبيب الألماني يوهان بيكر Johann Joachim Becher التي تقول إن في الأجسام القابلة للاشتعال عنصراً يشبه النار يسمى الفلوجيستون، ويتحرر عند الاحتراق. وقد أبطل هذه النظرية في عام 1785 الكيميائي الفرنسي لافوازييه Antoine – Laurent Lavoisier الذي توصل إلى أن الاحتراق تفاعل كيميائي مع الأكسجين الموجود في الهواء. ثم تلا ذلك ظهور قانون العالم الفرنسي غي–لوساك Gay-Lussac عام 1808 الذي ينص على أن الغازات تتفاعل دائماً بعضها مع بعض بنسب ثابتة، وتمكن الكيميائي الفرنسي جوزيف بروست Joseph-Louis Proust بالاستناد إلى ذلك - مع النظرية الذرية للكيميائي الإنكليزي دالتون John Dalton- من تطوير قانون النسب الثابتة في التفاعلات الكيميائية التي أدت بالتالي إلى مفاهيم الستوكيومترية stoichiometry (مقايسة التكافؤ الكيميائي) والمعادلات الكيميائية.
أما بخصوص الكيمياء العضوية فقد كان الاعتقاد السائد أن المركبات العضوية التي يمكن الحصول عليها من الكائنات الحية هي من التعقيد بحيث يستحيل معه اصطناعها، وبقي هذا الاعتقاد قائماً إلى أن جاء الحين الذي أمكن فيه تحضير البولة، وهي مادة عضوية من مركبات أولية لا عضوية على يد الكيميائي الألماني فردريك فوهلر Friedrich WÖhler عام 1820. ويذكر من الكيميائيين البارزين الذين كانت لهم إسهامات لا تنسى في الكيمياء العضوية الكيميائي البريطاني ألكسندر ويليم ويليمسون Alexander William Williamson الذي يرجع إليه الفضل في اصطناع الإتر ether، وكريستوفر كيلك إنغولد Christopher Kelk Ingold الذي أسس آليات تفاعلات الاستبدال في الكيمياء العضوية.
يمكن أن تصنف التفاعلات في الكيمياء إلى ضروب متعددة تجمع بين كل منها خواص متماثلة، ولعل أبرزها الأنواع التالية:
1- تفاعلات الاصطناع synthetic reactions:
يمكن تمثيل هذا النوع من التفاعلات بالمعادلة العامة (3):
يكون المنتج في هذا النوع مادة واحدة. لعل من أشهر أمثلة تفاعلات الاصطناع التفاعل (4):
وفيه يلتحم غاز الهدروجين مع غاز الأكسجين معطياً الماء. ومثال آخر التفاعل (5):
يتكون فيه ملح الطعام، كلوريد الصوديوم، ويتحرر في هذا التفاعل كمية كبيرة من الطاقة بشكل حرارة أو ضوء بسبب الفاعلية الزائدة لكل من معدن الصوديوم وغاز الكلور.
تدل الأحرف g، ℓ، s على الحالات الغازية والسائلة والصلبة لمكونات التفاعل.
2- تفاعلات التفكك dissociation reactions:
يعد هذا النوع من التفاعلات عكس تفاعل الاصطناع، ويمثل بالمعادلة (6):
ومن أمثلة هذا النوع التفاعل (7):
يتفكك الماء في هذا التفاعل بإمرار التيار الكهربائي فيه، ومثال آخر التفاعل (8):
حيث يتفكك الماء الأكسجيني ببطء معطياً الماء والأكسجين، وذلك لأن H2O2 غير ثابت، ويساعد الضوء على تسريع عملية التفكك، لذلك يحفظ الماء الأكسجيني عادة في أوعية معتمة لإنقاص معدّل التفكك.
مثال ثالث يعطي فيه تسخين كربونات الصوديوم الحامضة الصلبة كلاً من كربونات الصوديوم الصلبة والماء السائل وغاز ثنائي أكسيد الكربون كما في التفاعل (9).
ومن أمثلة تفاعلات التفكك التفاعل (10):
يتفكك هنا حمض الكربون الذي يتحلل في مياه المشروبات الغازية إلى ثنائي أكسيد الكربون والماء. إن تفاعلات التفكك -إلى جانب حدوثها تلقائياً في المركبات غير الثابتة- تجري في أحد شروط ثلاثة: حرارية وكهربائية وحفزية. فالتفكك الحراري تفاعل يحدث لدى تسخين المادة المتفاعلة، والتفكك الكهربائي هو نتيجة لإمرار التيار الكهربائي في منظومة التفاعل، أما التفكك الحفزي فهو يحدث بفعل الحفاز الذي يقوم بتكسير المادة إلى أجزاء. ويصنف تفاعل الانفصام صنفين: تحلل متجانس وتحلل متغاير. في النوع الأول يحتفظ كل من القسمين بإلكترون مشكلاً جذراًradical معتدلاً، وفي الحال الثانية يحتفظ أحد الجزيئين بالزوجين من الإلكترونات مشكلاً إيوناً مشحوناً.
3- تفاعلات الاستبدال الأحادية single replacement reactions:
وتسمى أيضاً تفاعلات الإزاحة الأحادية. ويجري فيها تبادل مكونين بين مركبين، على نحو يمكن تمثيله بالتفاعل (11):
كما في إضافة حمض كلور الماء إلى معدن الزنك، فينطلق غاز الهدروجين كما في التفاعل (12):
4- تفاعلات الاستبدال المضاعفة double substitution reactions:
يجري في هذا النوع من التفاعلات - التي تعرف أيضاً باسم تفاعلات الإزاحة المضاعفة - تبادل مكونات بين مركبين، كما تمثله المعادلة (13):
وفيما يلي أمثلة على هذا النوع من التفاعلات:
أ- تفاعلات الترسيب precipitation reactions:
يحدث تفاعل الترسيب عندما يعطي محلول مادة إيونية ذوابة (أو ذوابة بعض الشيء) مواد أخرى إيونية غير ذوابة. تسمى المادة الصلبة المترسبة من المحلول "الراسب". ويحدث هذا التفاعل عادة بمزج ملحين ذوابين معاً (مركبين إيونيين) فينتج مادة ثالثة غير ذوابة هي الراسب، كما في ترسب مركب يوديد الرصاص Pbl2 الصلب ذي اللون الأصفر المكوّن من مزج محلولَي كل من نترات الرصاص ويوديد البوتاسيوم في الماء. ويمثل التفاعل بالمعادلة الإيونية (14):
أما الإيونات الأخرى الموجودة في المحلول، أي إيونات -NO3 و+K فلا دور لها في التفاعل، تسمى إيونات "متفرجة" spectator.
وقد تتسبب الحرارة بتفاعل الترسيب، إذ يعطي محلول نترات الرصاص في الماء بتسخينه راسباً من أكسيد الرصاص (II) كما في التفاعل (15).
ب- تفاعلات تعديل حمض– أساس acid-base modification reactions:
يحدث تفاعل تعديل حمض بأساس (أو بالعكس) بتفاعل كميتين متساويتين من الحمض والأساس تضاف الواحدة إلى الأخرى ولتشكيل مادة ثالثة ليست حمضاً أو أساساً.
مثلاً لدى تفاعل حمض كلور الماء مع هدروكسيد الصوديوم يتشكل الماء وكلوريد الصوديوم كما في التفاعل (16):
أو بشكل آخر أقرب لما يجري فعلاً كما في التفاعل (17):
تجري تفاعلات حمض- أساس غالباً في المحلول المائي، ويمكنها أن تجري في الحالة الغازية.
5- تفاعلات الأكسدة والإرجاع (اختزال) Reduction and Oxidation reactions (RDOX):
يتضمن هذا النوع من التفاعلات انتقال إلكترون (أو أكثر) من ذرة في مركب متفاعل (مرجِع) إلى ذرة في مركب متفاعل آخر (مؤكسِد).
يتأكسد في هذه العملية المركب الأول المرجِع، ويُرجَع المركب الآخر المؤكسِد. ثمة تعريف أفضل من هذا وأكثر دقة، وفيه تعرف الأكسدة بأنها ازدياد عدد الأكسدة oxidation number، وأن الإرجاع تناقص في عدد الأكسدة. غير أنه ينبغي ذكر أن ثمة الكثير من التفاعلات التي تصنف تفاعلات أكسدة ـــ إرجاع على الرغم من أنه لا يحدث انتقال الإلكترونات فيها (مثل تلك التي تتضمن الروابط المشتركة).
في تفاعل الأكسدة الإرجاع التالي يتحول الصوديوم وهو عنصر شديد الخطورة من عدد الأكسدة صفر إلى عدد الأكسدة +1 إذ يخسر إلكتروناً واحداً، فيقال إنه تأكسد، في حين يكسب غاز الكلور هذا الإلكترون ويتحول من عدد الأكسدة صفر إلى عدد الأكسدة -1، ويقال بذلك إن الكلور قد أرجع، فهو العميل المؤكسِد، والعميل المرجِع هو الصوديوم كما في التفاعل (18):
ولعل من أهم أنواع تفاعلات الأكسدة والإرجاع تلك المعروفة باسم التفاعلات الكهركيميائية electrochemical إذ تكون فيها الإلكترونات الآتية من منبع الطاقة power supply هي العميل المرجع. ولهذا النوع من التفاعلات أهمية في إنتاج العناصر الكيميائية مثل الكلور والألمنيوم، أما العملية المعاكسة - حيث تتحرر الإلكترونات فيها- فتستخدم مصدراً للطاقة الكهربائية في الخلايا الكهربائية والمدخرات.
6- تفاعلات التعقيد complexation reactions:
تتفاعل في هذا الصنف من التفاعلات عدة مرتبطات ligands مع ذرة معدن مشكلة معقداً تساندياً.
ويتحقق هذا بتقديم أزواج منعزلة من الإلكترونات lone pairs في المرتبط إلى المدارات الفارغة لذرة المعدن مشكلة بذلك روابط تساندية. وتكوِّن المرتبطات عادة أسس لويسLewis bases ، إما بشكل إيونات وإما جزيئات معتدلة، مثلاً أول أكسيد الكربون والأمونيا والماء. ويعين عدد المرتبطات المتفاعلة مع الذرة المركزية من المعدن باستخدام قاعدة 18-إلكتروناً التي تنص على أن طبقات التكافؤ للمعدن الانتقالي تتسع إجمالاً لـ 18 إلكتروناً، ويمكن التنبؤ عن تناظر المعقد الناتج بنظرية الحقل البلوري crystal field theory ونظرية الحقل الرابطligand field theory . ومثال تفاعلات التعقيد التفاعل (19):
تتضمن تفاعلات التعقيد أيضاً تبادل المرتبط، حيث يستبدل فيه مرتبط بآخر أو أكثر إلى جانب تفاعلات الأكسدة والإرجاع التي تتغير فيها حالة أكسدة ذرة المعدن المركزية.
7- تفاعلات الاحتراق combustion reactions:
وفيها تتفاعل المادة المحترقة الحاوية على الكربون مع الأكسجين فيكون الناتج ثنائي أكسيد الكربون والماء، وقد ينضم إليهما منتجات نفاية أخرى. تتحرر في تفاعلات الاحتراق كمية كبيرة من الحرارة، مثلاً يحترق C3H8 الذي يعرف باسم البروبان وفق المعادلة (20):
يشبه الاحتراق تفاعل التفكك لكنه يحتاج الأكسجين والحرارة قبل أن يحدث. إذا احتوت المادة المحترقة ذرات أخرى إلى جانب الهدروجين والأكسجين تتكون النفايات في منتج الاحتراق. مثلاً يتكون غاز كبريتيد الهدروجين -وهو مادة ملوثة للهواء- عند حرق الفحم الحجري الذي يحوي الكبريت.
8- التفاعلات السلسلية chain reactions:
هو تفاعل يتكرر فيه إنتاج مركب وسطي واحد أو أكثر في التفاعل (غالباً ما يكون جذراً radical)، وذلك بتكرار حلقة من الخطوات البدائية (خطوة التغلغل). مثال ذلك كلورة الميتان بآلية جذرية يعاد فيها باستمرار إنتاج جذر الكلور •Cl كما في التفاعلين ( 21 و22) :
تقوم منظومة التفاعلات السلسلية عادة على آلية من ثلاث خطوات: المبادرة initiation والتغلغل propagation والإنهاء termination، ولا سيما في تفاعلات التبلمر (البلمرة) polymerization، ومثالها تفاعل بلمرة الإتلين لإعطاء البولي إتلين.
ففي خطوة المبادرة يتشكل مركب وسطي فعال هو ذرة أو إيون أو شظية من جزيء، وذلك بفعل عامل كالضوء أو الحرارة أو الحفاز. وفي خطوة التغلغل يتفاعل المركب الوسطي مع المتفاعلات الأصل معطياً منتجات مستقرة ومركباً وسطياً آخر من النوع نفسه أو من نوع مختلف، ويتفاعل المركب الوسطي كما في السابق، وتنشأ بذلك حلقة. أما خطوة الإنهاء فتحدث بإضافة مادة مثبطة توقف تفاعل السلسلة أو تتحد حوامل السلسلة بعضها مع بعض (على جدران وعاء التفاعل) ويتوقف التفاعل. تتصف التفاعلات السلسلية بأنها عادة سريعة وحساسة لشروط التفاعل.
9- التفاعلات الكيميائية الضوئيةphotochemical reactions :
يحدث هذا النوع من التفاعلات بامتصاص الطاقة على شكل ضوء؛ مما ينشأ منه جزيئات مثارة تختلف في خواصها الكيميائية والفيزيائية عن الجزيئات الأصل. ويمكن لهذه الجزيئات التي تتحول بامتصاصها الطاقة من الضوء إلى حالة مثارة عابرة أن تتفكك أو أن تتغير وتتحول إلى بنىً جديدة، أو أن تتحد بعضها مع بعض أو مع جزيئات أخرى، أو أن تقدم الإلكترونات أو ذرات الهدروجين أو البروتونات أو ما تملكه من طاقة إثارة إلكترونية إلى جزيئات أخرى. وتعد عملية "التركيب الضوئي" photosynthesis التي تعتمد عليها الحياة واحدة من أهم تفاعلات الكيمياء الضوئية. تحول النباتات في هذه التفاعلات الطاقة من ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية مختزنة في مائيات الكربون التي تشكلها من كل من ثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء، مع تحرير الأكسجين إلى الهواء. وكل من الأكسجين ومائيات الكربون لا بد منه لاستمرار الحياة على الأرض.
في الطبيعة ثمة العديد من العمليات الكيميائية الضوئية، أبرزها ما يجري في العين في عملية الرؤية، واصطناع فيتامين د D في الجلد بفعل الضوء، والحال الضوئية المستقرة لطبقة الأوزون الجوي التي تقي سطح الأرض من أذى الأشعة فوق البنفسجية بآلية تفاعل كيميائي ضوئي معقد، فضلاً عن كثير من التطبيقات العملية للتفاعلات الضوئية كما في التصوير الضوئي.
تتصف التفاعلات الكيميائية الضوئية أنها تسلك في حدوثها سبلاً تفضل على الطرائق الحرارية بأنها لا تشكل منتجات غير مرغوب بها، كما أنها تتجاوز صعوبة مجابهة حواجز الطاقة الكامنة العالية في أزمنة قصيرة، وتسمح بحدوث تفاعلات كيميائية ليست متوفرة في الطرائق الحرارية.
10- التحفيز/ الحفزcatalysis والتفاعلات المحفَّزة catalysed interactions:
الحفاز هو مادة تضاف إلى التفاعل الكيميائي فتزيد من سرعته من دون أن يطرأ عليه أي تغير في نهاية التفاعل. ويمكن تفسير ذلك بدلالة طاقة التنشيط activation energy، إذ لا بد للجزيئات حتى تتفاعل من الاصطدام بحد أدنى من الطاقة الحركية يدعى طاقة التنشيط، يعين موضعها على منحني توزيع مكسويل- بولتزمان Maxwell-Boltzmann distribution كما في الشكل (1). ويقتصر التفاعل - من دون تحفيز- على عدد ضئيل من الجزيئات إلى يمين الشكل.
الشكل (1) |
ويلزم لزيادة سرعة التفاعل زيادة عدد الجزيئات القادرة على الاصطدام الناجح، ويمكن تحقيق ذلك بإيجاد سبيل آخر يسلكه التفاعل قبل غيره لأنه بطاقة تنشيط أدنى، بتعبير آخر أن تنزاح طاقة التنشيط على المنحني إلى قيمة أدنى كما يتضح من الشكل (2):
الشكل (2) |
فالحفاز لا يسرع التفاعل بخفضه لطاقة التنشيط Ea بل بتأمين سبيل آخر للتفاعل ذي طاقة تنشيط Ea أدنى، كما هو مبين على مخطط الطاقة في الشكل (3).
الشكل (3) |
يتحد الحفّاز عادةً في التفاعلات المحفَّزة مع المتفاعلات، لكنه ما يلبث أن يتشكل من جديد ويبقى مقداره ثابتاً لا يستهلك في التفاعل؛ لذلك يستطيع كل جزيء من جزيئاته أن يحرض على تحول العديد من جزيئات المتفاعلات، وقد تصل النسبة بين جزيئات الحفاز والجزيئات المتحولة إلى بضعة ملايين.
وعندما يكون ثمة احتمال حدوث عدة تفاعلات آنية تعطي منتجات مختلفة يمكن التأثير في توزع المنتجات باختيار حفاز يمكنه تسريع تفاعل بعينه من دون التفاعلات الأخرى. وباختيار الحفاز المناسب يمكن تسريع التفاعل المرغوب به إلى الحد الذي لا يحدث معه التفاعل الجانبي الآخر إلا بالكاد.
أما في التفاعلات الكيميائية العكوسة التي يمكن أن تجري في الاتجاهين بسلسلة من الخطوات (التفاعلات الابتدائية) تشكل آلية التفاعلين الأمامي والخلفي، فيمكن للحفاز أن يسرع التفاعلين في كلا الاتجاهين بالتساوي؛ لذا فإن الحفاز لا يغير موضع التوازن في التفاعل الكيميائي، لكنه يؤثر فقط في سرعة الوصول إلى التوازن.
في الكيمياء أمثلة مواد تضاف إلى التفاعل فتبطئ من سرعته تدعى المثبّطات (الحفز السالب)، ويعزى التثبيط إما إلى إنقاص تركيز أحد المتفاعلات باتحاد المثبط معه وتشكيل معقد لا علاقة له بالتفاعل، وإما بإنقاص تركيز الحفاز الفعال بتشكيل معقد معه (تسمم الحفاز).
تصنّف الحفازات بحسب حالتها الفيزيائية إلى حفازات صلبة أو سائلة أو غازية. والحفازات إما متجانسة عندما تكون هي والمتفاعلات في طور واحد وإما غير متجانسة عندما تكون في طور منفصل عن المتفاعلات. وأكثر الحالات شيوعاً يكون فيها الحفاز غير المتجانس صلباً والمتفاعلات سائلة أو غازية.
11- التفاعلات النووية nuclear reactions:
تبقى العناصر في التفاعلات الكيميائية محافظة على هويتها من دون أن تتحول من شكل إلى آخر. أما في التفاعل النووي فتتغير نواة الذرة في العنصر، وعندئذٍ يمكن أن تكون القسيمات الناتجة البنت عناصر أخرى غير التي بدأ التفاعل بها (المتفاعلات). تحتاج التفاعلات النووية إلى طاقة أكبر بكثير مما تحتاج إليه في التفاعلات الكيميائية العادية؛ لذلك تستخدم المسرعات والمفاعلات النووية لتوفير الطاقة الهائلة (ملايين الإلكترون فولط) اللازمة للتفاعلات النووية.
تمثل المعادلة الآتية أول تفاعل تحول صنعي أجري عام 1922 وهو قذف الآزوت 14 بجسيمات α ()، فأعطى الأكسجين -17 والبروتونات. والمعادلة النووية كما هي مكتوبة "موازنة"، فعدد الكتلة الكلي أعلى الرمز الكيميائي إلى يساره يساوي 18 على كلا طرفي المعادلة، والشحنة الكلية (العدد أسفل الرمز إلى يساره) يساوي +9 في كلا الطرفين كما في التفاعل (23).
12- تفاعلات التوازن الكيميائي chemical equilibrium reactions:
تتصف أغلب التفاعلات الكيميائية بأنها عكوسة، أي إنها يمكن أن تحدث في كلا الاتجاهين. يتنافس التفاعل الأمامي مع التفاعل الخلفي الواحد مع الآخر. وبما أن التفاعلين مختلفان في سرعتيهما، ونظراً لأن السرعة تعتمد بذاتها على التركيز؛ لذلك فهي تتغير مع الزمن في أثناء حدوث التفاعل، لذا تزداد السرعة الخلفية بالتدريج لتصبح مساوية للسرعة الأمامية، محققة بذلك التوازن الكيميائي. يعتمد زمن بلوغ التوازن على عدة عوامل مثل درجة الحرارة والمواد المتضمنة في التفاعل. وتتحدد بالنهاية الأصغرية للطاقة الحرة (طاقة غيبس Gibbs) التي يجب أن يساوي تغيرها الصفر عند التوازن.
ويمكن تفسير الاعتماد على الضغط في حال التفاعلات الغازية بتطبيق مبدأ لوشاتولييه Le Chatelier، فمثلاً تؤدي زيادة الضغط بسبب تناقص الحجم إلى انزياح التفاعل إلى الجهة ذات عدد المولات الغازية الأقل. ويجدر القول إن تغير تركيز المتفاعلات لا يؤثر في ثابت التوازن، لكنه يؤثر في موضع التوازن.
لا يقف التفاعل عند بلوغ التوازن تماماً، بل يمضي في الاتجاهين لكن بالسرعة ذاتها، لذلك يوصف بأنه توازن ديناميكي، وليس توازناً سكونياً.
تؤدي الطاقة دوراً مهماً في العمليات الكيميائية التي هي ليست في واقع الأمر أكثر من كسر الروابط القديمة بين الذرات في المتفاعلات وتشكيل روابط جديدة في المنتجات. تمتص الطاقة في عملية كسر الروابط وتنشر الطاقة في عملية إعادة بنائها.
وثمة تفاعلات تزيد الطاقة المنتشرة فيها على الطاقة الممتصة ويكون التفاعل ناشراً للحرارة، ويكون التفاعل ماصاً للحرارة في الحالة المعاكسة. وقد يوصف التفاعل بأنه ماص للطاقة endoergic أو ناشر للطاقة exoergic عندما تكون الطاقة المتضمنة من نوع غير الطاقة الحرارية.
وتصنف التفاعلات في الكيمياء من حيث الحرارة التي ترافقها إلى تفاعلات ناشرة للحرارة وأخرى ماصة لها. ففي النوع الأول تكون ∆H الأنطلبية (المحتوى الحراري) enthalpy المرافقة للتفاعل ذات قيمة سالبة، ومن أشهر الأمثلة عليها تفاعلات الترسيب التي تتكون فيها مركبات صلبة "مرتبة" ordered من أطوار غازية أو سائلة بلا ترتيب. ومن أمثلة التفاعلات الماصة للحرارة (تمتص الحرارة من المحيط) - التي ينجم عنها ازدياد في الأنتروبية (العشوائية) entropy - التفاعلات التي يتكون فيها منتج غازي ذو أنتروبية عالية. وبما أن الأنتروبية تزداد بازدياد درجة الحرارة فإن كثيراً من التفاعلات الماصة للحرارة endothermic تميل للحدوث عند درجات الحرارة الأعلى، وعلى النقيض من ذلك يحدث الكثير من التفاعلات الناشرة للحرارة exothermic - مثل التبلور- عند درجات حرارة منخفضة. يمكن أن تتسبب درجة الحرارة أحياناً بعكس إشارة أنطلبية التفاعل، ويمكنها أيضاً أن تعكس اتجاه حدوث التفاعل. ففي تشكل غاز الماء water gas (وهو مزيج غازي يحوي قرابة 40% أحادي أكسيد الكربون CO و50% هدروجين و3% ثنائي أكسيد الكربون 3% آزوت، وهو يستحصل بتفاعل بخار الماء مع فحم الكوك الساخن بوجود الهواء)، والتفاعل يؤثِر الحدوث عند درجة حرارة منخفضة، ينعكس اتجاهه من اليمين إلى اليسار عند درجات الحرارة العالية (1100K):
C(g)+H2O→CO(g)+H2(g)
مراجع للاستزادة: - إبراهيم الزامل وسليمان حماد الخويطر ومحمد عبد العزيز الحجاجي، التفاعلات الكيميائية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس1987. - M. E. Davis, R. J. Davis, Fundamentals of Chemical Reaction Engineering Dover Publications, 2012. - Feinberg, Foundations of Chemical Reaction, Network Theory (Applied Mathematical Sciences, 202), Springer 2019. - K. A. Gavhane, Chemical Reaction Engineering, Nirali Prakashan 2019. - O. N. Temkin, A. V. Zeigarnik, D. G. Bonchev, Chemical Reaction Networks: A Graph-Theoretical Approach, CRC Press, 2019. |
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :