تلوث فضاء
Space pollution -

تلوّث الفضاء

موفق تقي الدين

 

تصنيف النفايات الفضائية طرائق رصد النفايات الفضائية
إحصاء الحطام الفضائي التلوث النووي في الفضاء
أشهر النفايات الفضائية التلوث البيولوجي في الفضاء
مناورات تفادي التصادم مع النفايات الفضائية الضوابط والنواظم الدولية

حوادث التصادم مع الحطام الفضائي

الملوّثات العسكرية في الفضاء

إزالة تلوث الفضاء

 

   
 

يشمل مصطلح تلوث الفضاء space pollution بالمعنى العام كلّاً من النيازك الصِغرِية micrometeoroid ومكوّنات الحطام المداري من صنع الإنسان. بيد أنه - ونظراً لشيوع استخدام مصطلح التلوث للدلالة على سلب despoiling البيئة الطبيعية- يُقصد بتلوث الفضاء النفايات المدارية التي هي من صنع الإنسان. ويسبب الحطام الفضائي تهديداً للمركبات الفضائية المأهولة منها وغير المأهولة، ولسكان الأرض عموماً. ويشتمل تلوث الفضاء على:

-       الخردة الفضائيةspace scrap : وتشتمل على السواتل satellites العاطلة، أو التي انتهى عمرها الافتراضي، وقطع الصيانة التي فقدت في الفضاء.

-       النفايات الفضائيةspace waste : وتتضمن بقايا صواريخ الفضاء أو المفاعلات النووية في الفضاء، والبطاريات الذرية مع ما تحويه من مواد مشعة وما يلحق بها من تجهيزات التقانات النووية في الفضاء العاطلة، أو التي انتهت مهمتها في الفضاء.

-       الحطام الفضائيspace debris : وهي بقايا التجهيزات الفضائية التي انفجرت في الفضاء لسبب ما، وتناثرت إلى أشلاء متفاوتة الأحجام؛ قد تكون صغيرة لا تتجاوز أبعادها مليمتراً واحداً.

تصنيف النفايات الفضائية

تُصنف النفايات الفضائية (الحطام الفضائي) اعتماداً على عدة معاملات، منها: الحجم والارتفاع والكتلة والموسطات المدارية والسَبين spin والعاكسية (الألبيدو) albedo، والخصائص الطيفية، والخصائص الكيميائية وغيرها.

وتصنف الأجسام في البيئة الفضائية space environment عموماً في فئتين واسعتين، هما: الأجسام التي يمكن نسبها إلى حدث إطلاق معين، ومن ثمَّ يمكن تعرّف طبيعتها، والأجسام التي لا يمكن تعرّف طبيعتها. وتصنف الأخيرة تحت مسمى غير معرّفة unidentified. أما الأولى فيمكن تصنيفها في عدة فئات فرعية، هي:

- الحمولات المفيدة Payloads (PL): وهي أجسام فضائية مصممة لأداء وظيفة محددة في الفضاء باستثناء وظيفة الإطلاق، وتشمل السواتل التشغيلية وأجسام المعايرة.

- الأجسام المرتبطة بمهمات الحمولات المفيدة Payload Mission related objects (PM): وهي أجسام فضائية متحررة، وهي نفايات فضائية كانت تخدم غاية مرتبطة بتشغيل حمولة مفيدة. ومن الأمثلة عليها أغلفة الأجهزة البصرية، وأدوات رواد الفضاء.

- حطام تفتت حمولات مفيدة Payload Fragmentation Debris (PF): وهي الأجسام الفضائية المفتتة أو المحررة عن غير عمد من حمولة مفيدة وهي نفايات فضائية يمكن نسب تكوينها إلى حدث فريد. ويتضمن هذا الصنف الأجسام الناشئة عن انفجار حمولة مفيدة، أو عن تصادمها بجسم آخر.

- حطام حمولة مفيدة Payload Debris (PD): وهي الأجسام الفضائية المفتتة أو المحررة عن غير عمد من حمولة مفيدة، وهي نفايات فضائية تكوينها غير واضح، لكن الخصائص المدارية أو الفيزيائية تسمح بترابط مع مصدر.

- جسم صاروخ Rocket Body (RB): وهو جسم فضائي مصمم لتنفيذ وظيفة مرتبطة بالإطلاق وتتضمن المراحل المدارية المختلفة لمركبات الإطلاق، وليس الحمولات المفيدة التي تحرر بنفسها حمولات مفيدة أصغر.

- الأجسام المرتبطة بمهمات صواريخ Rocket Mission related objects (RM): وهي الأجسام الفضائية المحررة عمداً وهي نفايات فضائية كانت تخدم غاية مرتبطة بوظيفة جسم صاروخ، ومن الأمثلة عليها المحركات والأغطية.

- حطام تفتت صاروخ Rocket Fragmentation debris (RF): وهي أجسام فضائية مفتتة أو محررة عن غير عمد من جسم صاروخ، وهي نفايات فضائية يمكن نسب تكوينها إلى حدث فريد. ويتضمن هذا الصنف الأجسام الناشئة من انفجار مركبة إطلاق.   

- حطام صاروخ Rocket Debris (RD): وهي الأجسام المفتتة أو المحررة عن غير عمد من جسم صاروخ، وهي نفايات فضائية تكوينها غير واضح، لكن الخصائص المدارية أو الفيزيائية تسمح بترابط مع مصدر.

ويشتمل تصنيف الحطام الفضائي اعتماداً على الحجم -وهو الأكثر شيوعاً- على ثلاث فئات: قطع كبيرة، وقطع متوسطة، وقطع صغيرة؛ ومن الصعوبة بمكان تتبع القطع الصغيرة والمتوسطة، كما أنهما تختلفان عن القطع الكبيرة في آليات إلحاق الضرر damage mechanisms. وفيما يأتي خصائص كل فئة من الفئات الثلاث:

- الأجسام الصغيرة التي يقل قطرها عن 1 سم: والتي لا يمكن تتبعها أو رصد مسارها، لكنها تُحدِث أضراراً طفيفة في المركبات الفضائية إذا ما تصادمت معها إذ إن درع المركبة يمكنه تحمّل الآثار الناجمة عن هذا التصادم.

- الأجسام التي تراوح أقطارها بين 1 سم و10 سم: وتُعَدّ صغيرة الحجم بحيث يصعب تتبعها، وهي تمثّل خطراً حقيقياً على مركبات الفضاء؛ إذ لا يكفي درع المركبة للحماية من آثار التصادم معها.

- الأجسام التي يزيد قطرها على 10 سم: وهي مصنّفة في سجل المتابعة المشترك بين مركزي المراقبة في هيوستن وفي موسكو، ويمكن لمركبات الفضاء أو محطات الفضاء أو السواتل إجراء مناورات لتجنب التصادم معها.

وثمة طريقة أخرى لتصنيف النفايات الفضائية ذات مرتبتين تعتمد على الخصائص الكيميائية للحطام الفضائي. يُستخدم التصنيف من المرتبة الأولى first-order لفرز الحطام الفضائي إلى مجموعتين، هما: النيازك الصِغرية micrometeoroids الطبيعية والحطام الفضائي الصنعي. أما التصنيف من المرتبة الثانية فيعتمد على الأنماط الكيميائية للحطام الفضائي وتركيبه الكيميائي. وتُقسم النيازك الصغرية الطبيعية إلى ثلاث فئات هي: النيازك الصغرية المافيّة mafic والمعدنية والسليكات الفيلوية phyllosilicate. في حين يُقسم الحطام الفضائي الصنعي إلى سبعة أنواع هي: البلمرات polymers، والحطام غير المعدني، والمعادن وسبائكها alloys، والأكسيدات oxides، والكبريتيدات sulphides ومضاهياتها analogs، والهاليدات halides، والكبريدات carbides. ويمكن تقسيم الفئات السبع هذه إلى فئات ثانوية عديدة. والتصنيف الكيميائي للحطام الفضائي مفيد في دراسة آليات إلحاق الضرر لقطع الحطام الصغيرة، كما يفيد في حصر منشأ الحطام الفضائي ومصدره، وتقييم آثاره على المركبات الفضائية، وعلى النشاطات البشرية في الفضاء.

وفيما يخص تصنيف الحطام الفضائي اعتماداً على المدار (الارتفاع عن سطح الأرض) فثمة تسع فئات رئيسية، هي: المدار الأرضي المنخفض Low Earth Orbit (LEO)، والمدار الثابت بالنسبة إلى الأرض GEostationary Orbit (GEO)، والمدار الثابت بالنسبة إلى الأرض الموسَعّ Extended Geostationary Orbit (EGO)، ومدار النقل الثابت بالنسبة إلى الأرض Geostationary Transfer Orbit (GTO)، ومدار سواتل الملاحة Navigation Satellites Orbit (NSO)، والمدار الأرضي متوسط الارتفاع Medium Earth Orbit (MEO)، ومدارات العبور من الأرضي المنخفض إلى الأرضي متوسط الارتفاع LEO-MEO crossing orbits (LMO)، ومدارات العبور من الأرضي متوسط الارتفاع إلى الثابت بالنسبة إلى الأرض MEO-GEO Crossing Orbits (MGO)، والمدار عالي اللامركزية Highly Eccentric Orbit (HEO)​​. وثمة مدارات إضافية أخرى، هي: المدار المائل المتزامن مع الأرض   Inclined GeoSynchronous Orbit (IGSO)، ومدارات العبور من الثابت بالنسبة غلى الأرض إلى الثابت بالنسبة للأرض الفائق GEO-super GEO Crossing Orbits (GHO)، والمدار الأرضي عالي الارتفاع High Altitude Earth Orbit (HAO)، والمدار غير المعرّف UndeFined Orbit (UFO)، ومدارات الهروب EScape Orbit (ESO).

إحصاء الحطام الفضائي

يقوم مكتب برنامج الحطام المداري التابع لإدارة الطيران والفضاء الوطنية (ناسا) National Aeronautics and Space Administration (NASA) منذ العام 1996 بإصدار نشرة فصلية عن آخر مستجدات الحطام المداري والإحصائيات ذات الصلة.

في حين تقوم وكالة الفضاء الأوربية (إيزا) European Space Agency (ESA) منذ العام 2017 بنشر تقرير سنوي عن البيئة الفضائية لتقديم لمحة شاملة عن جهود تلطيف مخاطر الحطام الشاملة وتعزيز الوعي بالنشاطات الفضائية. وتبعاً لأحدث نموذج لبيئة الحطام الفضائي الذي وضعته وكالة الفضاء الأوربية، والذي أطلقت عليه المرجع الأرضي لبيئة النيازك والحطام الفضائي Meteoroid and Space Debris Terrestrial Environment Reference (MASTER)- الصادر في الأول من آب/أغسطس 2024، فإن عدد الأجسام الفضائية space objects في المدار والمصنفة تبعاً لنطاقات الحجوم المختلفة هي كالآتي:

- 54 ألف جسم ذي قطر أكبر من 10 سم (منها قرابة 9300 حمولة مفيدة payload نشطة)

- 1.2 مليون جسم ذي قطر يراوح بين 1 سم و 10 سم

- 130 مليون جسم ذي قطر يراوح بين 1 مم و 1 سم.

ويبيّن الجدول (1) عدد الأجسام التي تدور حول الأرض مع نهاية العام 2024 مصنفة تبعاً للمدار.

الجدول (1) عدد الأجسام التي تدور حول الأرض ومداراتها.

نوع المدار

حمولات مفيدة

حطام تفتت مهمات حمولات مفيدة

حطام حمولات مفيدة

أجسام مرتبطة بمهمات الحمولات المفيدة

جسم صاروخ

حطام تفتت صواريخ

حطام صاروخ

جسم مرتبط بمهمات صواريخ

جسم غير معرّف

الإجمالي

المدار الأرضي المنخفض

11682

5126

111

217

949

3747

32

521

112

22497

المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض

800

35

2

8

67

0

0

0

33

945

المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض الموسَعّ

543

791

2

50

201

88

4

5

2207

3891

مدار النقل الثابت بالنسبة إلى الأرض

49

29

1

10

2209

203

10

49

666

1246

مدار سواتل الملاحة

290

0

0

1

99

0

0

2

47

439

المدار الأرضي متوسط الارتفاع

74

1

5

50

27

122

1

4

565

849

مدارات العبور من الأرضي المنخفض إلى الأرضي متوسط الارتفاع

85

135

5

44

257

749

21

210

1051

2557

مدارات العبور من الأرضي متوسط الارتفاع إلى الثابت بالنسبة إلى الأرض

72

75

1

3

175

2714

5

0

1520

4565

المدار عالي اللامركزية

29

190

0

2

55

143

0

0

1624

2043

مدارات أخرى

48

12

0

4

7

1

0

0

142

214

الإجمالي

13672

6394

127

389

2066

7767

73

791

7967

39246

 

وتجدر الإشارة إلى أن الحركة الفضائية space traffic قد شهدت تغييرات ملموسة منذ العام 2015 على الخصوص نتيجة لنشر كوكبات constellations كبيرة وخاصة على المدار الأرضي المنخفض، إضافةً إلى التحول نحو المشغلين التجاريين. وفي العام 2024 كان ثمة أكثر من 35 ألف جسم فضائي قابل للتتبع، وهو أكثر من الضعف مقارنة مع بعددها قبل عشر سنوات. ويتوقع تضاعف عدد الأجسام الفضائية مجدداً في العقد القادم.

تدور النيازك والحطام الطبيعي حول الشمس، في حين تدور معظم الملوّثات الفضائية الصنعية حول الأرض على مدارات متفاوتة البعد عنها، أو حول أحد كواكب المجموعة الشمسية، وقد دخل بعضها الغلاف الجوي، واحترق فيه، وسقط قليل منها على سطح الأرض، أو بقي على سطح القمر أو على سطح أحد الكواكب. ويبيّن الشكل (1) تغير كثافة النفايات الفضائية بدلالة الارتفاع عن سطح الأرض. ويلاحظ من الشكل كثافة عالية في النطاق من 800 كم إلى 1500 كم، إضافة إلى ذروة أخرى أخفض عند ارتفاع 36000 كم قريباً الذي يوافق المدار الثابت بالنسبة إلى الأرض.

الشكل (1) تغيّر كثافة النفايات الفضائية بدلالة الارتفاع عن سطح الأرض.

 

تُعدّ هذه الملوثات في الفضاء خطراً جسيماً يهدد مركبات الفضاء ورواد الفضاء، ويمكن أن يتسبب تصادم قطع من الحطام الفضائي مع المركبات الفضائية بأضرار جسيمة. إذ يُخشى من تشكل ما يسمى متلازمة كيسلر Kessler syndrome نسبة إلى العالم الأمريكي دونالد جي كيسلر Donald J. Kessler، وهي افتراض حدوث تصادمات متتالية، حيث ينشأ من تصادم واحد قطع من النفايات العديدة، تدخل بدورها في اصطدامات جديدة متكاثرة كالشلال. فيزداد بذلك عدد النفايات في جو الأرض؛ مما قد يشكل خطراً على الرحلات الفضائية في المستقبل.

أشهر النفايات الفضائية

لا تقتصر النفايات الفضائية على السواتل المنتهية الصلاحية أو شظايا الحطام، وإنما تضمّ بعض الأجسام التي فقدت بسبب صعوبة التحكم في الأشياء لانعدام الجاذبية، مثل علبة أدوات الصيانة التي فقدتها رائدة الفضاء هيدماري ستيفانيشين ــ بيبرHeidemarie Stefanyshyn-Piper  في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 في أثناء قيامها بأعمال الصيانة خارج محطة الفضاء الدولية International Space Station (ISS)، والكاميرا السويدية الصنع التي فقدها رائد الفضاء مايكل كولينز Michael Collins في العام 1966. ويُعتقد أن أول نفاية في الفضاء من صنع الإنسان كانت غطاء قناة التفجير للقنبلة النووية التي فُجّرت في لوس ألاموس Los Alamos عام 1957 والذي انطلق نتيجة التفجير النووي بسرعة مكّنته من الانفلات من تأثير قوة الجاذبية الأرضية ليستقر في الفضاء الخارجي، ويأتي بعده الساتل انغارد -1Vanguard - I الذي أُطلِقَ عام 1958، ومازال يدور على مداره حول الأرض.

مناورات تفادي التصادم مع النفايات الفضائية

إن السرعة الكبيرة التي تنطلق بها هذه النفايات والتي يمكن أن تزيد على 10 كم/ثا تجعلها - وإن كانت صغيرة الحجم - قادرة على إلحاق الضرر، أو ربما تدمير السواتل وخاصة سواتل المدار الأرضي المنخفض، أو المركبات الفضائية، أو المحطتين الفضائيتين تامتي التشغيل حالياً وهما: المحطة الفضائية الدولية International Space Station (ISS)، ومحطة تيانغونغ الفضائية Tiangong Space Station (TSS) الصينية؛ إذ يصعب على الرادارات الأرضية والمحسّات البصرية optical sensors - وخاصة المقاريب telescopes المزودة بكَمِرات تحسس sensitive cameras-كشف الأعداد الهائلة من النفايات الفضائية الصغيرة المنطلقة في الفضاء بسرعات عالية جداً، وتحديد مسارها وحجمها بدقة؛ لذا تسعى الوكالات المشغلة المحطات الفضائية والسواتل والمركبات الفضائية إلى إجراء مناورات لها لتفادي التصادم.

والجهود متضافرة بين وكالة ناسا ومركز العمليات الفضائية المشترك في وزارة الدفاع الروسية لتبادل المعطيات وتقييم احتمال التصادم مع الحطام الفضائي، وذلك بمعدل مّرة كل 8 ساعات لرحلات الفضاء المأهولة، ويومياً للرحلات غير المأهولة.

تعتمد ناسا في حسابات احتمال التصادم صندوقاً هندسياً حول المركبة أبعاده (50×50×1.5) كم تقع المركبة في مركزه، ويسمى صندوق بيتزا pizza box. وفي حال بيّنت الحسابات أن قطعة من الحطام الفضائي سوف تدخل هذا الصندوق تُجرى المناورة إما بالتحرّك للابتعاد عن قطعة الحطام إذا أمكن ذلك، وإمّا بنقل طاقم المحطة الفضائية مثلاً إلى عربة النقل التي تستخدم في هذه الحالة قارب نجاة، أو تُغلق الأبواب بين أقسام المحطة للحفاظ على سوية الضغط في الأقسام السليمة من المحطة إذا انخفض الضغط في أحد أقسامها نتيجة التصادم.

نجحت مناورات عديدة في تجنب التصادم مع حطام فضائي على الرغم من أن التخطيط للمناورة وتنفيذها لمكوك الفضاء يحتاج إلى عدة ساعات، لكن الأمر يختلف مع المحطات الفضائية؛ إذ يلزم ما يزيد على 30 ساعة للتخطيط وتنفيذ عملية المناورة لحمايتها وتجنب اصطدامها بقطعة من الحطام الفضائي؛ لذا لم تتمكن محطّة الفضاء الدولية من المناورة في 12 آذار/مارس عام 2009 عند اقتراب قطعة من حطام فضائي منها على نحو خطر، وإنما نُقِل روّادها إلى كبسولة النجاة. وتكررت حالة مشابهة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 عندما مرت محطة الفضاء الدولية عبر سحابة من حطام لاختبار صاروخ روسي مضاد للسواتل.

حوادث التصادم مع الحطام الفضائي

يُعتقد أن سبب انفجار الساتل الروسي كوسموس 1275Cosmos 1275  - على ارتفاع 1000 كيلو متر عن سطح الأرض بعد أسابيع من إطلاقه في حزيران/يونيو 1981 - هو تصادمه مع قطعة من النفايات الفضائية المنتشرة في الفضاء. كما أصيب ساتل فرنسي في العام 1996 بشظية من صاروخ فرنسي كان قد انفجر قبل ذلك بعدة سنوات، وكذلك أظهر فحص مكوك الفضاء ديسكفري Discovery بعد عودته من رحلته السابعة أن اصطدام قطعة صغيرة من النفايات الفضائية لا يزيد قطرها على 0.2 ملم بنافذة المكوك - يُعتقد أنها جزء من طلاء ساتل منطلقة في الفضاء - أحدث فيها أثراً قطره نحو 4 ملم، ولو كانت قطعةً معدنيةً لأحدثت خللاً خطراً في عمل مكوك الفضاء.

ويمكن أن يحدث التصادم بين تجهيزات فضائية مازالت قيد الاستخدام كالذي حدث في 10 شباط/فبراير عام 2009؛ إذ اصطدم ساتل تجاري أمريكي بساتل تجسس روسي، ونجم عن هذا التصادم ما يزيد على 2000 قطعة من الحطام الفضائي.

أما تجربة الصين التي أجرتها في 11 كانون الثاني/يناير عام 2007 - حين أطلقت صاروخاً مضاداً للسواتل برأس غير متفجّر ليصدم ساتلاً صينياً على ارتفاع 550 كم - فتسببت بتكوين ما يزيد على 3000 قطعة من الحطام في منطقة يراوح ارتفاعها عن الأرض بين 200 كم و3850 كم؛ مُسببةً خطراً كبيراً على كثير من السواتل التي تشغل المدار المنخفض حول الأرض، وكان من بينها الساتل تيرّا Terra المتخصّص بدراسة المناخ، والذي نجحت وكالة ناسا في تجربتها الأولى للمناورة مع الحطام الفضائي، وغيّرت مساره في شهر حزيران/يونيو عام 2007 تفادياً لاصطدامه بحطام من التجربة الصينية.

ومع أن مجموع قطع المخلفات التي نشرتها أمريكا وروسيا منذ بداية عصر الفضاء أكبر بكثير مما أنتجته التجربة الصينية، فإنها تُعدّ الحدث الذي أنتج أكبر عدد من قطع الحطام الصنعي الذي نشرته أيدي البشر في الفضاء. إذ إنه من المعلوم أنّ عشرات الصواريخ المضادّة للسواتل التي أطلقتها روسيا وأمريكا أنتجت كماً هائلاً من النفايات الفضائية، ولكنها كانت تنفجر في الفضاء الخارجي على ارتفاعات قريبة نسبياً من الأرض، فدخلت معظم شظاياها الغلاف الجوي الأرضي بتأثير الجاذبية الأرضية، واحترقت في الهواء، وربما لا يمرّ يوم من دون أن تدخل الغلاف الجويّ للأرض واحدة على الأقل من قطع النفايات الفضائية التي انجذبت نحو الأرض، فتحترق قبل وصولها إلى سطح الأرض، ولكن قد تنجو النفاية الفضائية أو جزء منها من الاحتراق في أثناء اختراقها الهواء، وتصل إلى سطح الأرض كما حدث في 21/1/2001؛ إذ سقطت في صحراء السعودية قطعة من النفايات الفضائية (الشكل 2).

الشكل (2) قطعة من حطام فضائي سقطت شماليّ المملكة العربية السعودية.

 

ولعل من أشهر النفايات الفضائية التي سقطت على الأرض ساتل مراقبة الأرض الأوربي المسمى ساتل التحسس من بعد 2 European Remote-Sensing-2 (ERS-2)، الذي خرج من الخدمة منذ عام 2011، وبقي يدور في الفضاء مقترباً من الأرض ليخترق الغلاف الجوي الأرضي يوم الأربعاء 21 شباط/ فبراير 2024 الساعة 17:17 محترقاً نتيجة السرعة الكبيرة، وحرارة الاحتكاك العالية ليصل أشلاء صغيرة سقطت في شمال المحيط الهادئ، على الرغم من أنه كان يزن 2300 كيلوغرام ويبلغ طوله 12 م وكذلك عرضه 12 م. وتعتقد وكالة الفضاء الأوربية أنها بنقل هذا الساتل من مداره على ارتفاع 800 كم إلى ارتفاع 500 كم ثم احتراقه في جو الأرض قد نجحت في حماية السواتل الموجودة في ذلك المدار من احتمال التصادم به على الرغم من أنها فقدت السيطرة عليه. ولم تتمكن الأجهزة من التنبؤ بمكان سقوطه، وتوقيته بدقة.

تدور بعض القطع من النفايات الفضائية على مدارات ثابتة حول الأرض، في حين تنطلق الأخرى في الفضاء من دون معرفة ضوابط لحركاتها. ومع أن اتجاه دوران معظمها من الغرب إلى الشرق - أي باتجاه دوران السواتل نفسه؛ فيخفف من احتمال التصادم - يبقى احتمال التصادم عالياً عند تقاطع مدارات سير المركبات الفضائية مع المدارات المختلفة لقطع النفايات، كما يُخشى من تصادم قطع الحطام الفضائي بعضها مع بعض، أو مع الخردة الفضائية؛ مما يزيد عدد القطع المتناثرة في الفضاء؛ ومن ثمَّ يزيد احتمال التصادمات، أو حدوث ما يسمى التصادم المتسلسل.

الملوّثات العسكرية في الفضاء

يُعَدّ الفضاء الخارجي بعداً رابعاً للأغراض العسكرية بعد البحر والبرّ والجوّ، وأصبحت عدد تجهيزات الحرب الإلكترونية المنتشرة في الفضاء الخارجي ضعف عدد المعدّات العسكرية الإلكترونية على سطح الأرض. وفي حال حدوث حرب عالمية أو إقليمية فمن المرجح استهداف تلك المعدات، وسينجم عن مخلفات ذلك الصراع تلوّث هائل في الفضاء، ولن يؤثر ذلك سلباً في الحياة في الفضاء الخارجي فحسب؛ وإنما سيكون له أيضاً أضرار على الحياة على سطح الأرض.

طرائق رصد النفايات الفضائية

تُرصد الأجسام الفضائية -ومنها الحطام الفضائي- بوساطة المقاريب أو الرادارات الأرضية المنتشرة في دول عدة، مثل ألمانيا واليابان وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولعلّ أكثرها تمييزاً رادار وكالة ناسا (غولدستون Goldstone)؛ إذ يستطيع أن يكشف جسماً يبلغ قطره 2 ملم على بعد 500 كم.

كما يمكن الكشف عن كثافة الحطام الفضائي في منطقة من الفضاء بتفحّص أجسام المركبات العائدة إلى الأرض، أو بإرسال سواتل خاصة لرصد النفايات الفضائية تكون ذات سطح كبير نسبياً، أو تكون مزودة بتجهيزات خاصة للرصد.

التلوث النووي في الفضاء

يُعَدّ الفضاء الخارجي طبيعياً منطقة خطرة إشعاعياً، ومعدّل الجرعة الإشعاعية فيه مرتفع، ولا تستطيع الكائنات الحية أو الخلية الحيّة الاستمرار في الحياة فيه من دون استعمال وسائط للتدريع ضد الإشعاع الكوني؛ ولكن ذلك لا يسوّغ للبشرية رمي نفاياتها النووية فيه. ومع ذلك يحوي الفضاء الخارجي يحوي عدداً من البطاريات النووية والمفاعلات النووية المنتهية الصلاحية؛ إذ إنه من المعروف أنّ السواتل التي تعمل بالطاقة النووية عند انتهاء عمرها الافتراضي أو العمر التشغيلي لمفاعلاتها النووية تقذف مفاعلها إلى مدار أكثر بعداً عن الأرض لحمايتها من مخاطر التلوّث الإشعاعي. وإنّ ما حصل في العام 1978 - عندما أخفقت عملية قذف المفاعل من الساتل كوسموس 354Cosmos 354، وهو ساتل اختبار منظومة قصف مداري كِسْري fractional سوفييتي- والذي رجع إلى الأرض وسبب تلوث مساحات شاسعة من الأقاليم الشمالية الغربية من كندا بالمواد المشعة - كان حجة لمناهضي استخدام الطاقة النووية في الفضاء. والأمر الأكثر خطورة هو أن يصطدم المفاعل المنتهي الصلاحية على مداره مع جسم من الحطام الفضائي وينفجر مؤدياً إلى انتشار المواد المشعة منه في اتجاهات شتى، وأن ينطلق بعضها باتجاه الأرض أو المركبات الفضائية الأخرى.

التلوث البيولوجي في الفضاء

لا تستطيع الخلية الحية مهما كان نوعها البقاء في الفضاء الخارجي؛ إذ ينفجر غلافها لانعدام الضغط، كما أن معدل الجرعة الإشعاعية الناجمة عن الأشعة الكونية في الفضاء الخارجي مرتفع، وهو قادر على قتل أي خلية حية، ومنها الجراثيم أو الفطريات؛ لذلك يُعتقد أن نقل الإنسان للملوّثات الحيوية إلى الفضاء الخارجي لا يسبب تلوّثاً حيوياً للفضاء.

الضوابط والنواظم الدولية

نصت المادة الأولى من معاهدة استخدام الفضاء الخارجي الموقّعة في كانون الثاني/يناير من العام 1967- والتي جاءت امتداداً لقرار الجمعية العامّة للأمم المتحدة حول إعلان المبادئ القانونية التي تنظّم نشاطات الدول في مسائل استكشاف الفضاء واستخدامه المُعلن في 13/12/1963- على أن لجميع الدول الحقّ وعلى نحو متساوٍ في استكشاف الفضاء واستخدامه بحرّية. وأكّدت المادة الثانية أن الفضاء ليس ملكية قومية، كما نصّت المادة الرابعة على تعهّد الأطراف الموقِّعة على المعاهدة بالامتناع عن وضع أسلحة نووية أو كيمياوية أو بيولوجية في مدار حول الأرض، أو على الأجرام السماوية، أو في أي مكان من الفضاء الخارجي. ولكن هذه الحرّية في استخدام الفضاء لم تُراعَ على نحو صحيح، ولم تُعنَ الدول الفضائية بسلامة الفضاء من الملوّثات، وكان برنامج حرب النجوم- الذي أطلقه الرئيس الأمريكي رونالد ريغن Ronald Reagan في 23 آذار/مارس 1983، وبموافقة ساحقة من الكونغرس congress الأمريكي- خرقاً لجميع الاتفاقيات والمعاهدات السارية حينها حول خلو الفضاء الخارجي من كلّ أنواع الأسلحة، وما ينجم عنها من نفايات وتلوّث للفضاء الخارجي.

وعَت المنظّمات الدولية ذات الأنشطة الفضائية خطورة تلوّث الفضاء بنفايات التقانات الفضائية، وعُقدَ المؤتمر الدولي الأول في أيلول/سبتمبر 1994 بدعوة من جامعة كنت البريطانيةUniversity of  Kent  لدراسة تأثيرات الحطام الفضائي، وسبل معالجة المشاكل الناجمة عنه. واتضح للمؤتمرين آنذاك مدى تعقيد المشكلة، وصعوبة إيجاد الحلول الناجعة لها، إضافةً إلى صعوبة الإحاطة الكاملة بأبعاد مشكلة النفايات التي زرعتها البشرية في الفضاء الخارجي.

إزالة تلوث الفضاء

إن تلوث الفضاء الخارجي بنفايات تقانات الفضاء خطر قائم يهدد روّاد الفضاء ومركبات الفضاء بأنواعها وأغراضها؛ لذلك مازالت الدراسات والتجارب جارية لإيجاد طرائق لتنظيف الفضاء، ومنها الطريقة التي اقترحتها وكالة الفضاء اليابانية (جاكسا) Japan Aerospace Exploration Agency (JAXA)، والتي تعتمد على إرسال سلك فولاذي طويل أو شبكة (الشكل 3) إلى مدار حول الأرض؛ ليجذب إليه مغنطيسياً قطعاً من النفايات الفضائية المتناثرة حول مساره، ثم يتناقص بُعدُ مداره عن سطح الأرض حتى يدخل مجالها الجوّي؛ فتحترق النفايات العالقة به.

الشكل (3) تصوّر ياباني لطريقة إزالة تلوث الفضاء.

 

وكذلك الأمواج الكهرطيسية المستعملة في الاتصالات الفضائية أو التي ترسلها السواتل تسبب تلوّثاً لبيئة الأرض وللفضاء الخارجي، وقد يأتي زمن تتزاحم فيه الأمواج الكهرطيسية في الفضاء، فيتداخل بعضها مع بعض مسببةً تشويشاً على الاتصالات وخللاً في التحكم في السواتل والمركبات الفضائية.

وختاماً تجدر الإشارة إلى أنه منذ بدء عصر الفضاء في العام 1957 فاق عدد الحطام الفضائي في المدار بكثير عدد السواتل التشغيلية. ولأن الحطام الفضائي يطرح مشكلات خاصة للبيئة القريبة من الأرض على نطاق واسع فإن الحل الوحيد يتمثل بمبادرة شاملة قائمة على استراتيجيات فعالة للتخفيف من مخاطر الحطام الفضائي شريطة أن تتبناها جميع الدول الفاعلة في الصناعة الفضائية.

مراجع للاستزادة:

 

- M. G. Carns, Orbital Debris Prevention and Mitigation Efforts Among Major Space Actors, Brill Nijhoff, 2023.

- ESA Space Debris Office, ESA’s Annual Space Environment Report, ESA, 2025.

- A. Kirchner, Space Surveillance and Tracking of Satellites and Space-Debris, Universität Konstanz, 2023.

- L. D. Madikiza, Combatting Space Debris: Reviewing Challenges and Prospects, IGI-Global Scientific Publishing, 2025.

- NASA Orbital Debris Program Office, Orbital Debris Quarterly News, 29(2), 1-10, NASA, 2025.

- L. Olivieri, K. Makihara, and L. Barilaro, Recent Advances in Space Debris, MDPI AG, 2024.

 


- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - النوع : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1