التعدين الكوكبي
تعدين كوكبي
Lunar and planetary mining -
التعدين الكوكبي
محمد خالد شاهين
طرائق التعدين | التعدين في المريخ |
أهمية التعدين الكوكبي | الجوانب القانونية للتعدين الكوكبي |
التعدين في الكويكبات | أهم المشاريع ذات الصلة بالتعدين الكوكبي |
التعدين في القمر |
يُقصد بالتعدين الكوكبي planetary mining /أو التعدين في الفضاء mining in space؛ استخلاص المعادن الثمينة والمواد الجيولوجية الأخرى أو أي مورد غير قابل للتجديد من الكواكب داخل المنظومة (المجموعة) الشمسية أو خارجها.
قد تبدو الفكرة ضرباً من الخيال العلمي، لكن التعدين في الكويكبات asteroids والكواكب planets يفتح آفاقاً مهمةً لتقدم البشرية ورفاهيتها على الرغم من التحديات التي يطرحها. وكان أول من اقترح هذه الفكرة العالم الروسي كونستانتين تسيولكوفسكي Konstantin Tsiolkovsky في العام 1926.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد بُرهن فعلياً على إمكان التعدين في الفضاء اعتماداً على تقنيات تعدين وتجهيزات شبيهة بتلك المستخدمة على الأرض. إذ سبق أن أجريت في إطار المهمات الفضائية إلى القمر والمريخ عمليات تعدين، مثل شفط عينات الثَّرى regolith، وتجويف coring الطبقة السطحية وحفرها، وطحن العينات الصخرية وتحليلها.
ومما لا شك فيه أن التحدي الأهم الذي يواجه العالم أجمع في القرن الحادي والعشرين هو توفير مصدر طاقة مناسب ونظيف وآمن واقتصادي. ومن الثابت وجود الهليوم3 (Helium-3) في القمر بفضل العينات التي أحضرتها المهمات الفضائية الأمريكية أبولو Apollo والسوفييتية لونا Luna. وثمة إجماع على قابلية استخدام الهليوم 3 وقوداً لمفاعلات الاندماج fusion reactors، وتشير الدراسات الحديثة إلى وجود ما يزيد على مليون طن منه داخل سطح القمر.
بيد أن تنفيذ عمليات التعدين الكوكبي يتطلب تطوير تقانات وتقنيات خاصة كالمنظومات المُضمَّنة المتحمِّلة للإشعاعات radiation tolerant embedded systems وقدرات اتصالات الفضاء العميق deep space والتحسّس (الاستشعار) من بعد remote sensing، والملاحة الذاتية، والدفع المتكامل integrated propulsion، وغيرها الكثير، على أن تكون المنصات المطوّرة أصغر ما يمكن حجماً وأفضل ما يمكن فاعليةً من حيث التكلفة cost-effective.
يستهدف التعدين الكوكبي في مرحلة أولى قمر الأرض والمريخ والكويكبات القريبة من الأرض؛ لأن الموسطات البيئية التي ستؤثر في طرائق التعدين فيها معروفة جيداً، أو على الأقل مفهومة من حيث المبدأ.
وقد خصصت إدارة الطيران والفضاء الوطنية (ناسا NASA) National Aeronautics and Space Administration الأمريكية على مدى سنين كثيرة ميزانيات مهمّة لدعم تطوير تقانات مبتكرة لاستخدام الموارد في الموقع in situ بهدف تنفيذها على القمر والمريخ. كما تقوم بتطوير تقانات خاصة لاستخدامها على الكويكبات القريبة من الأرض.
سيكون التعدين على الأجسام المستهدفة شبيهاً بالتعدين على الأرض ومختلفاً عنه في الوقت ذاته، وقد تطورت طرائق التعدين باستمرار عبر تاريخ الإنسان تبعاً للتغيرات التقانية، وللظروف المختلفة التي توجد فيها الرواسب المعدنية. وثمة شروط رئيسة تحكم طرائق التعدين التي يمكن تطبيقها على الأجسام غير الأرضية، من أهمها:
- عمق المتوضعـات (أو الرواسـب) أو المكامن deposit وحجمـها وشـكلها وبنيتها ووضعها الحيـزي spatial attitude.
- قدر magnitude تركيز العنصر المستهدف للإنتاج وتغيره.
- الخصائص الميكانيكية للمواد غير المرغوبة المحيطة والمتخللة interspersed.
- الخصائص التي تتحكم بفصل المواد المرغوبة عن غير المرغوبة.
ولا تختلف طرائق التعدين السطحية عن الجوفية من حيث نمط النفاذ فحسب، بل تختلف أيضاً من حيث كمية المواد غير المرغوبة الواجب تجريفها excavated للوصول إلى المادة المنشودة (الركاز أو الخامة ore) ونزعها. وتُعدّ نسبة النفايات إلى الركاز المعالج (نسبة تعرية السطح stripping ratio) أحد المؤشرات على فاعلية طريقة التعدين.
تؤثر الخصائص المختلفة للتربة والصخور في طريقة التعدين المستخدمة، فتعدين الثَّرى عوضاً عن الصخر يقلص الحاجة إلى التشظية fragmentation الأولية، لكنه لا يلغيها. ويخفض تعدين الثّرى على السطح زاوية ميل الحفر pit slope angle الآمن العظمى مقارنة مع تعدين الصخر. كما أن التعدين أو التعرية النفقية tunneling في المواد غير المتماسكة non-cohesive تحت السطح إجرائية صعبة نظراً لمتانتها strength المنخفضة، لكنها ممكنة بوجود تدعيم كافٍ.
ويتعلق اختيار طرائق التعدين للرواسب المعدنية سواء على الأرض أم خارجها بطيف من المعايير، منها: معدل الإنتاج، والاسترداد recovery (نسبة الركاز في الموقع المستخرجة فعلياً)، والتمديد (الترقيق) dilution (كمية النفايات الناتجة من دون انفصام مع الركاز)، والمرونة في الاستجابة للظروف المتغيرة والانتقائية (القدرة على تمييز الركاز من النفايات)، والأمن والمحافظة على استقرار الأرض، والاستدامة.
تُصنف طرائق التعدين في فئات متعددة، من أهمها: المدعومة طبيعياً (أو المدعومة ذاتياً)، وغير المدعومة، والمدعومة صنعياً. وتسهم التغيرات الحيزية والزمنية لخصائص الجسم الهدف -مثل قدر الجاذبية واتجاهها، وخصائص المواد والخصائص الحرارية- في ترجيح كفة فئة طرائق تعدين على أخرى.
يعتقد بعض علماء الجيولوجيا الكوكبية planetary geologists أن كويكباً معدنياً صغيراً- لا يزيد قطره على 1610 أمتار- يحتوي على معادن ثمينة وصناعية تقدر قيمتها بعشرين تريليون دولار. ومن بين هذه المكوّنات معادن أساسية مثل الذهب والحديد والنيكل والبلاتين والتنغستن، وجميعها حيوية للتقدم الاقتصادي والتقاني. فمؤونة الأرض من العناصر المهمّة جاءت أساساً من العواصف البرديَّة الكوكبية التي ضربت الأرض بعد تبريد القشرة crust. ومن ثمَّ يُعدّ الكثير من الكواكب والأجسام الفلكية مناجم ذهب سماوية، وهو ما يفسر الاهتمام الشديد للحكومات بوضع برامج فضائية وخطط تهدف إلى تعدين الكواكب.
ففي التاسع من شهر آذار/مارس 2021 وقّع مدير إدارة الفضاء الوطنية الصينية (سي إن إس إيه CNSA) China National Space Administration والمدير العام للمؤسسة الحكومية الروسية للأنشطة الفضائية (روسكوزموس ROSCOSMOS) مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة روسيا الاتحادية لبناء محطة الأبحاث القمرية الدولية International Lunar Research Station (ILRS) وفق مبدأ التشاور المشترك والبناء المشترك ثم تشارك الفوائد. ويرجح أن تستكمل عملية بناء المحطة القمرية بحدود العام 2031، وأن تبدأ الزيارات المأهولة في العام 2036.
في حين تقوم وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA بالتعاون مع شركاء عالميين بتطوير محطة فضائية متقدمة أُطلق عليها اسم «البوابة» Gateway والتي ستؤدي دور قاعدة استيطانية للمهمات التي تستهدف سطح القمر بما فيها المهمة أرتميس 3 ARTEMIS 3 التي يفترض أن تحمل رجلاً وأول امرأة ستهبط على سطح القمر.
وتعوّل الولايات المتحدة الأمريكية على القطاع الخاص لاستغلال هذه الموارد. كما تخطط وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA لإرسال رواد فضاء إلى أحد الكويكبات القريبة في العقد الحالي؛ وإلى المريخ في الثلاثينيات من القرن الحادي والعشرين.
ويمثل التعدين في الكويكبات والكواكب (كالقمر) متطلباً حيوياً لتوفير الوقود والموارد اللازمة لمهمات استكشاف الكواكب البعيدة والفضاء عموماً.
قد تصبح الكويكبات في المستقبل المنظور مصدراً جديداً للمواد الشحيحة إذا ما جرى تجاوز العقبات التقانية والمالية الحالية. فالكويكبات هي كتل من المعادن والصخور والغبار، وقد تكون تكون أحياناً مختلطة بالجليد والقطران tar، وهي بقايا كونية من تشكل المنظومة الشمسية قبل 4.5 مليار سنة.
ثمة مئات الألوف من الكويكبات التي تختلف في الحجم؛ إذ يتفاوت قطرها الرئيسي من بضعة أمتار إلى مئات الكيلومترات. ويفوق عدد الكويكبات الصغيرة عدد الكويكبات الكبيرة بكثير، ومع ذلك يُتوقع أن يشتمل كويكب صغير بحجم منزل على معادن تقدر قيمتها بملايين الدولارات. وللكويكبات أنواع مختلفة، وهي تُصنف عادةً تبعاً للشكل الطيفي واللون والألبيدو (الانعكاسية أو العاكسية) albedo.
تتوفر في الكويكبات من النوع «سي» C-type (الشكل 1) الداكنة الغنية بالكربون جزالة من الماء مرتبطة بالمعادن الصلصالية المتحدة مع الماء hydrated clay minerals، وقد يصبح هذا النوع بالغ الأهمية في حال شح المياه على الأرض أو مد الوجود البشري إلى أرجاء المنظومة الشمسية. فالماء عنصر دعم للحياة حيوي لرواد الفضاء (ومستوطني الفضاء في المستقبل)، ويتطلب إطلاقه إلى الفضاء طاقة كبيرة، وتبلغ تكاليف الإطلاق حالياً آلاف الدولارات لكل نصف كيلوغرام؛ لذا تبدو جلية أهمية استخدام الماء المتوفر في الفضاء لخفض تكاليف المهمات الفضائية. كما يمكن كسر جزيئات الماء إلى مركّبيه الهدروجين والأكسجين؛ ليصبح وقوداً للصواريخ، وبذلك يمكن إنشاء مخازن وقود حيث يجري تعدين هذه الكويكبات. من ناحية أخرى تشتمل الكويكبات من النوع سي على مواد عضوية تحوي الكثير من الكربون العضوي، والفسفور وعناصر ضرورية أخرى للأسمدة من أجل زراعة الأغذية.
الشكل (1) صورة لكويكبات من نوع سي ومن نوع إم ومن نوع إس. |
تمتلك بعض الكويكبات الأكثر سطوعاً brighter بنية صخرية، وعلى الرغم من أن هذه الكويكبات من النوع «إس» S-type تحوي القليل من الماء تبقى لها أهمية كبرى من وجهة نظر اقتصادية راهنة؛ نظراً لاحتوائها على كميات كبيرة من المعادن وخاصة الحديد والنيكل والكوبالت، إضافةً إلى كميات مهمّة من العناصر النادرة ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة مثل الذهب والبلاتين والروديوم. ويقدر العلماء أن يشتمل كويكب صغير من النوع «إس»- لا يتعدى قطره الرئيسي عشرة أمتار- على قرابة 650 ألف كغ من المعادن إضافةَ إلى قرابة 50 كغ من المعادن النادرة.
ثمة كويكبات قليلة العدد تحتوي على عشرات أضعاف تلك الكميات من المعادن، وهي الكويكبات من الصنف «إم» M-class.
بيد أن تكلفة بناء مهمة فضائية وإطلاقها- والتي تُراوح بين مئات الملايين ومليارات الدولارات- تستوجب تطوير ابتكارات تقنية وتقانية تخفض جذرياً هذه التكاليف، بحيث يصبح تعدين الكويكبات مجدياً اقتصادياً. كما أن نقص الخبرة في مسح الموارد في الكويكبات وتحليلها بهدف استخلاص المعادن منها يطرح تحدياً آخر.
وقد قامت ناسا في الثامن من أيلول/ سبتمبر من العام 2016 بإطلاق مركبة فضائية إلى الكويكب بينّو Bennu (الشكل 2) في مهمة هدفها الأساسي علمي، وقد زُودت المركبة بذراع روبوتية robotic arm لاقتلاع عينات بهدف الحصول على تفسير أدق لعملية تشكل المنظومة الشمسية وكيفية بدء الحياة. وقد أطلقت ناسا على هذه المهمة اسم مستكشف الثرى والأمن والتعرّف إلى الموارد والتفسير الطيفي والأصول (أوسايرس-ركس) Origins-Spectral Interpretation-Resource Identification-Security-Regolith Explorer (OSIRIS-REx)، والتي تُعدّ أول مهمة فضائية أمريكية لإحضار عينات من كويكب في الفضاء إلى الأرض. وقد وصلت المركبة إلى الكويكب بينّو في الثالث من كانون الأول / ديسمبر من العام 2018؛ وقامت المركبة بجمع أكثر من أوقيتين ounces من تربة سطح بينّو. كما أجرت دراسة مفصلة للكويكب وقياس دقيق لمدى تغير مدار الكويكب بفعل الدفع الصغير الناجم عن أشعة الشمس؛ ممّا سيساعد علما الفلك على توقع أفضل لهذا التأثير في مسار أي كويكب يمثل خطراً على الأرض بفعل التصادم. كما ستطور المهمة تقانات مهمّة لاستكشاف الكويكبات ستعود بالنفع على كل من يرغب باستكشاف الكويكبات أو تعدينها.
الشكل (2) صورة للكويكب بينّو. |
ومن أفضل الطرائق لتحديد بنية كويكب من بُعد تحليل ضوئه. إذ تقوم كل المواد بعكس الضوء وبثه وامتصاصه عند ألوان أو ترددات محددة تبعاً لخصائص المادة. ويمكن تعرّف تركيب مادة باستخدام مقاييس طيفية spectrometers تقوم بقياس شدة الضوء عند الترددات المختلفة؛ لذا زُودت المركبة الفضائية بثلاثة مقاييس طيفية تشمل معاً طيف الأشعة السينية X-ray والطيف المرئي وطيف الأشعة تحت الحمراء infrared. كما زُودت المركبة الفضائية بقائس ارتفاع ليزري؛ مما يسمح ببناء خريطة ثلاثية الأبعاد لشكل الكويكب بينّو والسمات المميزة لسطحه. كما أن قياس درجة السطوع brightness التي يعكس بها سطح بينّو أشعة الليزر يمكن أن يعطي فكرة عن نوع المادة الموجودة، فعلى سبيل المثال: إن انعكاساً شديد السطوع يدل على أن أشعة الليزر قد صدمت بقعة معدنية.
وفي العاشـر من أيار/مايو 2021 قامت المركبة الفضائية أوسـايرس-ركـس OSIRIS-REx بتشغيل محركاتها الرئيسية للبدء في رحلة العودة إلى الأرض التي ستسغرق عامين ونصف؛ إذ يتوقع عودتها إلى الأرض حاملة عينات من الكويكب بينّو في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2024.
وعلى الرغم من أن تطوير المهمة أوسايرس-ريكس كان لأهداف علمية تبقى تجهيزاتها مماثلة للتجهيزات اللازمة لمهمة تعدين على الكويكب، وبذلك ستكون المهمة بمنزلة إثبات لصحة فكرة الذهاب إلى كويكب واستخراج مواد وإعادتها إلى الأرض.
من الثابت توفر المعادن الأرضية النادرة والهدروجين والأكسجين والهليوم 3 (وقود الاندماج النووي غير المشع) بوفرة على القمر. وقد أبدت ناسا ووكالات الفضاء الأخرى كالروسية والصينية والهندية اهتماماً بتعدين القمر، بيد أن الظروف القمرية مختلفة عن الظروف الأرضية؛ مما يتطلب اختراع مكننة جديدة لتطوير الموارد التي سيعثر عليها هناك. كما أن تكلفة نقل المواد المصنّعة على الأرض ستكون باهظة؛ مما يجبر العلماء على إيجاد سبل لبناء بعض التجهيزات اعتماداً على المواد المتوفرة على سطح القمر فحسب.
قام باحثون أستراليون في العام 2013 بتطوير مادة تشبه تربة سطح القمر ولها السلوك ذاته؛ اعتماداً على العينات (الشكل 3) التي أحضرها رواد الفضاء إبان برنامج أبولو، ويمكن مزج هذه المادة مع البوليمرات لإنشاء إسمنت قمري lunar concrete، سيفيد في بناء منصات هبوط آمنة ومناجم على القمر. وستسمح هذه المادة باختبار منظومات التعدين القمرية على الأرض من جهة، وبتطوير طرائق لإنشاء إسمنت لا مائي waterless اعتماداً على الغبار القمري. وتتكون مادة (أو تربة soil) سطح القمر من أنقاض debris الصخور الكامنة التي نتجت بفعل عصور من صدم النيازك لسطح القمر، وتندرج تحت صنف من المواد الجيولوجية يسمى الثَّرى.
الشكل (3) صورة لبعض شظايا صخرية صغيرة من عينة الثرى التي حصلت عليها أبولو 16. |
وتحضيراً لمشاريع التعدين في القمر وإقامة قواعد قمرية أطلقت ناسا في العام 2009 المركبة المدارية للاستطلاع القمري Lunar Reconnaissance Orbiter (LRO) بهدف العثور على مواقع هبوط آمنة وتحديد موقع الموارد الكامنة وتوصيف البيئة الإشعاعية واختبار تقانات جديدة. وركزت المهمة على قطبيّ القمر بحثاً عن الماء أو الجليد. ومنذ بدايات المهمة وجد العلماء دلائل قوية على وجود الماء أو الهدروجين على القمر؛ إذ توصل الكاشف النتروني neutron detector -المزودة به المركبة المدارية- إلى وجود الهدروجين ضمن الحفر؛ مما يدل على احتمال وجود ما في المناطق المظلمة. كما وضع هذا المسبار خريطة طبوغرافية عالية الدقة للقمر في العام 2011.
وكانت عملية إطلاق المركبة المدارية للاستطلاع القمري قد اشتملت كذلك على إطلاق ساتل مراقبة الحفر القمرية وتحسّسها Lunar Crater Observation and Sensing Satellite (LCOSS) بهدف البحث عن الماء أيضاً. وقد أسقطت ناسا الساتل عمداً على سطح القمر في العام 2009، وكشفت عملية التحطم عن مساحات كبيرة من جليد الماء في القطب الجنوبي للقمر في حفرة أُطلق عليها اسم كابيوس Cabeus.
كذلك توصل علماء الفضاء في آب/ أغسطس من العام 2013 -استناداً إلى المعطيات التي أرسلها جهاز مسح العِدانة القمرية Moon Mineralogy Mapper (M3) العائد لناسا- إلى براهين على وجود الماء محتجزاً داخل حبيبات معدنية على سطح القمر من مصدر مجهول وعميقاً تحت السطح. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الجهاز هو أحد الأجهزة الإحدى عشرة المحمولة على متن شاندرايان 1 Chandrayaan-1، وهو أول مهمة فضاء عميق deep space mission هندية. وقد قدم جهاز مسح العِدانة القمرية في العام 2009 أول خريطة عِدانية لسطح القمر، واكتشف جزيئات ما في المناطق القطبية من القمر.
وأطلقت اليابان في 14 أيلول/سبتمبر من العام 2007 مستكشفاً كبيراً للقمر SElenological and ENgineering Explorer (SELENE) أطلقت عليه اسم كاغويا Kaguya -في إطار برنامجها الطموح لإنشاء قاعدة قمرية- وعُدَّت تلك المهمة حينذاك أضخم مهمة فضائية إلى القمر منذ البرنامج أبولو. وتمثلت أهداف المهمة في الحصول على معطيات علمية عن نشأة القمر وتطوره، وفي تطوير تقانات من أجل استكشاف القمر مستقبلاً. وتتكون كاغويا من ساتل مداري رئيسي على ارتفاع 100 كم، وساتلين صغيرين على مدار قطبي. وأُنزلت كاغويا إلى ارتفاع 50 كم منذ الأول من شباط/فبراير 2009، ثم إلى ارتفاع يراوح بين 10 و 30 كم في 16 نيسان/ ابريل 2009، ثم أُسقطت عمداً على القمر في العاشر من حزيران/يونيو 2009.
وسمحت كاغويا بوضع أول خريطة طبوغرافية دقيقة للقمر، كما جمعت معطيات عن شذوذ في الجاذبية على القمر، وأثبتت استمرار النشاط البركاني على القمر حتى 2.5 مليار سنة خلت.
اقترحت عدة دراسات وجود الماء على المريخ Mars، وذلك استناداً إلى دلائل حصلت عليها المركبات المدارية orbiters والمتجولة rover المريخية، مثل المَسِيلات outflow channels وقيعان البحيرات lakebeds القديمة والصخور السطحية والمعادن التي لم تكن لتتشكل إلا بوجود الماء السائل.
والمريخ -في الوقت الراهن- بارد جداً، وضغطه الجوي منخفض جداً بحيث لا يمكنه دعم الماء السائل على سطحه، ولكن يمكن العثور على الماء المجمَّد داخل الغطاءات الجليدية للكوكب وتحت سطحه. وقد اقترح العلماء طريقتين لاستخراج الماء في المريخ؛ أولاهما حفر التربة المتجمدة وشيها داخل فرن إلى أن يتبخر الماء، أما الثانية فتقترح استخدام حزم الأمواج المِكروية.
أطلقت ناسا في الرابع من آب/أغسطس 2007 مركبة فضائية إلى المريخ أُطلق عليها اسم مركبة الهبوط فونيكس Phoenix lander بهدف دراسة تاريخ الماء في القطب الشمالي للمريخ، والبحث عن منطقة قابلة للسكن، وتقييم الإمكانات الحيوية للحد بين الجليد والتربة. وعثرت فونيكس في العام 2008 على جليد الماء في موقع هبوطها. وقد حفرت المركبة الفضائية كتلاً من التربة، ووجد مقياس الطيف الكتلي mass spectrometer المزودة به آثاراً لبخار الماء لدى تسخين العينة. كما عثر المتجول كيريوسيتي Curiosity rover (الشكل 4)- والذي أطلقته ناسا في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 إلى المريخ، وحط عليه في آب/أغسطس 2012- على جزيئات الماء في عينات التربة التي حللتها أجهزة تحليل العينات في المريخ المحمولة على المركبة الفضائية. وقام كيريوسيتي في التاسع من شباط/ فبراير 2013 بثقب صخرة مريخية وسحب أول عينة من داخل الكوكب الأحمر لتحليلها، وهي المرة الأولى التي تُجرى فيها عملية حفر وتحليل في المريخ. وقد يمهد هذا الإنجاز الطريق أمام مستكشفي المريخ المستقبليين لإشادة بنى عليه وتعدينه. وتجدر الإشارة إلى أن سلفيّ كيريوسيتي -وهما المتجولان سبيريت Spirit وأبورتشنتي Opportunity اللذان حطا على المريخ في الرابع والخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2004 على الترتيب- كان كل منهما مزوداً بأداة لكشط الطبقات العليا من الصخور لرؤية ما يوجد تحتها، من دون إمكان استخراج عينات وتحليلها.
الشكل (4) المتجول كيريوسيتي. |
الجوانب القانونية للتعدين الكوكبي
قد يعدّ تعدين الكويكبات خرقاً لمبادئ القانون الدولي للفضاء، ولاسيّما اتفاقية الأمم المتحدة حول الفضاء الخارجي، والتي تعود إلى العام 1967، والتي تنص على أن استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه يجب أن يمارس من أجل مصلحة جميع الدول، وأن يكون ميداناً لكل البشر. كما تمنع صراحةً الدول من القيام بمطالبات إقليمية في الفضاء، أي إن القمر والأجسام السماوية الأخرى كالكويكبات لا يمكن لدولة ما أن تعلن سيادتها عليها.
لا يبدو واضحاً حالياً من يملك الحق القانوني في الخامات المستخرجة من الكويكبات والمباعة على الأرض. إذ لا سلطة دولية تحكم صراحة التعدين في الكويكبات. ويحاجج رؤساء الشركات الخاصة التي تطور مشاريع للتعدين على الكويكبات بأنها- ولاسيما ذوات الحجم من 50 إلى 500 متر- ليست أجساماً سماوية، وأن النيازك هي كويكبات هابطة، وأنه ثمة سوق شرعية موجودة بالفعل للصخور الفضائية التي مصدرها النيازك.
كما أن تعدين القمر محفوف بشكوك قانونية. فهو من حيث المبدأ تحكمه اتفاقية دولية تُدعى اتفاقية القمر، والتي تهدف إلى إدارة الموارد الطبيعية للقمر. لكن الاتفاقية لا قيمة فعلية لها؛ إذ لم تصادق عليها أي من الدول التي ترتاد الفضاء spacefaring.
ثمة جانب قانوني آخر للمسألة، وهو المسؤولية القانونية. إذ تنص اتفاقية للأمم المتحدة تدعى ميثاق المسؤولية الفضائية على أن الدولة التي تطلق مركبة فضائية مسؤولة قانونياً عن الأضرار. ومن ثمَّ فإن الجهة أو الشركة التي ستقوم بالتعدين على الكويكبات ستكون -في حال حدوث أضرار على الأرض نتيجة أعمال التنقيب الخارجي- مسؤولة عن تلك الأضرار.
أهم المشاريع ذات الصلة بالتعدين الكوكبي
تقوم منذ العام 2012 شركة أمريكية تدعى بلانيتري رسورسز Planetary Resources - بالتعاون مع إدارة الطيران والفضاء الوطنية الأمريكية- بوضع الخطط الأولية للتعدين في الكويكبات القريبة من الأرض لاستخلاص المركّبات الطيّارة (وعلى الأخص جليد الما water ice)، ومعادن مجموعة البلاتين Platinum Group Metals (PGMs)، وهي ستة معادن انتقالية transitional متشابهة كيميائياً وفيزيائياً وتشريحياً anatomically، وهي الإيريديوم والأوسميوم والبالاديوم والبلاتين والروديوم.
وقد تمكنت إدارة الفضاء الوطنية الصينية -في إطار برنامج الصين لاستكشاف القمر وتحضيراً لتعدينه- من إنزال مركبة هبوط روبوتية تشانغ إي3 Chang’e3 والمتجول القمري يوتو Yutu على سطح القمر بنجاح في الرابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2013. وقد حمل المتجول يوتو مقاييس طيفية لدراسة المواد المكوّنة للقمر ورادار قادر على سبر حتى 100 متراً تحت سطح القمر، وتوقف المتجول عن العمل في آب/أغسطس 2016. ثم أطلقت الصين في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2018 المركبة الفضائية تشانغ إي 4 حاملة المتجول يوتو 2 Yutu-2 (الشكل 5)، والتي غدت في الثالث من كانون الثاني/يناير 2019 أول مركبة فضائية تهبط على الجانب البعيد من القمر الذي لا يمكن رؤيته من الأرض.
الشكل (5) المتجول يوتو-2. |
كما أطلقت الصين في الرابع والعشرين تشرين الثاني/نوفمير 2020 المركبة الفضائية تشانغ إي 5 Chang’e 5 (الشكل 6) والتي حطت على القمر في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2020، والتي تمكنت من إعادة عينات من صخور القمر وتربته إلى الأرض.
الشكل (6) المركبة الفضائية تشانغ إي 5. |
وقد أقرت الصين ثلاث مهمات جديدة إلى القمر للعقد الحالي تتضمن متجولات ومركبة طائرة في إطار المرحلة الرابعة من البرنامج القمري الصيني ويتوقع أن تبدأ أولى المهمات الثلاث في العام 2024 وستكون أكثر تعقيداً من المهمات السابقة.
من جهتها وقعت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في أواخر العام 2020 ناسا عقوداً مع أربع شركات لاستخراج كميات صغيرة من الثَّرى القمري بحلول العام 2024.
وتسعى روسيا واليابان والهند ووكالة الفضاء الأوربية ودول أخرى أيضاً لدخول السباق نحو التعدين في الفضاء.
مراجع للاستزادة: - D. Dietzler, Mining the Moon: Bootstrapping Space Industry, Amazon Digital Services, 2020. - R. S. Jakhu et al., Space Mining and Its Regulation, Springer, 2016. - T. James, Deep Space Commodities: Exploration, Production and Trading, Springer, 2018. - P. Olla, Space Technologies for the Benefit of Human Society and Earth, Springer, 2009. - M. Razani, Information, Communication, and Space Technology, CRC Press, 2012. - D. Sivolella, Space Mining and Manufacturing, Springer, 2019. |
- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - النوع : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :