تعدد شكلي علي مستوي نوكليوتيد واحد
Single nucleotide polymorphisms (SNPS) -

 التعدد الشكلي على مستوى

التعدد الشكلي على مستوى النوكليوتيد الواحد

غالية أبو الشامات

أهمية التعددات على مستوى النوكليوتيد الواحد

 

يُعرف التعدد الشكلي على مستوى النوكليوتيد الواحد Single Nucleotide Polymorphism (SNP) بأنه استبدال أساس آزوتي بآخر ضمن تسلسل محدد من جزي الـ DNA. وهو من أكثر التغيرات الوراثية شيوعاً بين أفراد النوع الواحد وضمن المجتمع كله، ومفتاح الطب الشخصي personalized medicine؛ إذ يمكن أن تختلف شدفتان محددتان من الـ DNA تعودان إلى فردين مختلفين بنوكليوتيد واحد فقط. مثلاً: إذا امتلك الفرد (1) التسلسل النوكليوتيدي TTCCCTAGTG؛ وامتلك الفرد (2) التسلسل النوكليوتيدي TTCCTTAGTG في الموقع نفسه، وبالتدقيق بين تسلسلي كلا الفردين يبدو أن السيتوزين C في الفرد 2 استُبدل به التيمينT، ويدعى هذا الاختلاف بالتعدد الشكلي على مستوى النوكليوتيد الواحد SNP (الشكل 1).

الشكل (1) مخطط يوضح التباين على مستوى نوكليوتيد واحد SNP لدى فردين مختلفين 1 و2.

وهناك نمطان من الاستبدالات المؤدية إلى هذا التعدد:

- استبدال انتقالي transition substitution، وهو الأكثر شيوعاً، ويكون التبادل بين البيورينات؛ أي بين أسس الأدنين والغوانين، أو بين البيريميدينات؛ أي بين أسس السيتوزين والتيمين.

- استبدال تبادلي (تبدال) transversion substitution؛ حيث يجري تبادل بين أسس البيورين والبريميدين (الشكل 2).

الشكل (2) مخطط يوضح أنماط الاستبدالات المؤدية إلى التباين على مستوى النوكليوتيد الواحد.

ويكون التعدد الشكلي على مستوى النوكليوتيد الواحد المسؤول عن الاختلاف في تواتر أليل معين في مجتمع ما، كما يمكن أن يكون هذا التباين شائعاً ضمن مجتمعات أو مجموعة عرقية معينة ونادراً في غيرها، مثلاً يغلب تواتر الأليل T الموجود في موقع محدد من أحد الصبغيات ضمن المجتمع أ، وبالمقابل يغلب تواتر الأليل C في الموقع نفسه، ولكن في المجتمع ب مقارنة بالأليل T (الشكل 3).

الشكل (3) مخطط يبيّن تباين تواتر أليل معين بين المجتمعات.

وفي معظم الحالات عندما يُقارن أي اثنين من الجينومات البشرية جنباً إلى جنب؛ فإنّ نسبة التطابق تصل إلى 99.9%، ولكن مع وجود 3.2 بلايين شفع من القواعد في الجينوم البشري؛ فإنّ هذا يعني أنّ كل شخص يحمل قرابة 3.2 ملايين تعدد على مستوى نوكليوتيد واحد في جينومه، وبذلك تُعَدُّ التعددات على مستوى النوكليوتيدات المسؤولة عن الخصائص والسمات الفردية لكل كائن، ولا تتوزع هذه التعددات توزيعاً موحداً داخل جينوم الفرد أو على الصبغيات بأكملها ولا حتى ضمن الصبغي الواحد.

ويقدر عند الإنسان وجود تعدد شكلي على مستوى النوكليوتيد الواحد وسطياً مرة كل 300 نوكليوتيد وقرابة 15 مليون تعدد شكلي في الجينوم الكامل للأنواع البشرية عبر مجموعات سكانية مختلفة في جميع أنحاء العالم. وتختلف التعددات على مستوى النوكليوتيد الواحد في أماكن وجودها داخل جينوم الكائن الحي، فقد تكون في المناطق غير المرمزة من الـدنا DNA ، بين الجينات أو ضمن المناطق المرمزة من الجينات.

وعموماً يمكن تمييز نوعين من التعددات على مستوى النوكليوتيد: الوظيفي، وهو الذي يغير تسلسل الحموض الأمينية ويحدث في البروتين الناتج ضمن المجتمع الواحد، وغير الوظيفي وهو الذي لا يتعلق بتنظيم تعبير البروتين أو وظيفته.

ويؤدي التعدد على مستوى نوكليوتيد واحد في المناطق غير المرمزة من الـدنا دور الواسم الحيوي biological marker لكل فرد من الأفراد، ويُعد أداة لفهم التنوع الوراثي بين البشر، ويمكن أن يستخدم لرسم الخرائط الوراثية؛ كما يفيد العلماء في تحديد الجينات المرتبطة بالمرض. وفي حال وجود التعدد في المنطقة التنظيمية regulatory region لأحد الجينات كمنطقة المحضض promoter مثلاً؛ فإنه قد يؤدي دوراً مباشراً في ظهور المرض من خلال التأثير في وظيفة الجين نفسه (الشكل 4).

الشكل (4) مخطط يوضح المواقع المختلفة التي يمكن أن يُلاحظ فيها التعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد SNP وتأثيراتها في المناطق غير المرمزة من الـدنا بين الجينات أو ضمن المناطق المرمزة منها.

وغالباً ما يؤدي التعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد في المناطق المرمزة coding regions من جزي الـدنا إلى تغيير في البروتين الناتج، ويدعى بالتعدد غير المرادف non-synonymous، غير أنه في حالات كثيرة ربما لا يؤدي استبدال أساس بأساس نوكليوتيدي آخر إلى تغيير في البروتين الناتج وهو ما يدعى بالتعدد المرادف synonymous.

ويحدث الاستبدال النوكليوتيدي نتيجة لخطأ في أثناء الترجمة أو بسبب طفرة mutation، ومن المهم في هذا المجال الإشارة إلى ضرورة توضيح الفرق بين الطفرة والتعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد؛ إذ يُعد الاستبدال طفرة في حال كان تواتره أقل من 1% في المجتمع الواحد. أما عندما يصبح هذا الاستبدال متواتراً ليصبح أكثر من 6%، فإنه يُعدُّ تعدداً على مستوى نوكليوتيد واحد أو ما يدعى تعدداً شكلياً polymorphism. ولتجنب الالتباس بين المصطلحين اقتُرح استخدام مصطلحات محايدة، مثل: التسلسل البديل sequence variant، أو المتغير alteration، أو التغير الأليلي allelic variant.

أهمية التعددات على مستوى النوكليوتيد الواحد

تتيح تقنيات السَلسَلة المتقدمة للباحثين معرفة التعدد الجيني وتوصيفه وتحليل العلاقات المحتملة بين النمط الجيني البشري والنمط الظاهري مثل لون الجلد أو العين، والاستعداد للإصابة بالأمراض، والاستجابة للأدوية واللقاحات والمواد الكيميائية، ومع أن معظم التعددات على مستوى النوكليوتيدات لا تؤثر في الصحة أو النمو؛ فقد ثبت أن تحديد تلك التعددات مهم جداً في مجال الرعاية الصحية المُحَسِنة المستقبلية عند الإنسان؛ إذ بيّن الباحثون أن بعض التعددات يمكن أن تكون دليلاً يُنبئ بطبيعة استجابة الفرد لعقاقير معينة؛ إذ إنّ فهم الارتباط بين النمط الجيني للفرد نفسه ونمط استجابته لعقار ما يُعد من العلوم الحديثة في الآونة الأخيرة، ويطـلق عليه عـلم الجينـوم الصيدلاني pharmacogenomics.

وكذلك يعد تحديد التعدد على مستوى النوكليوتيد مهماً في مجال التشخيص ومعرفة مدى الحساسية للعوامل البيئية المحيطة مثل بعض السموم، ومن بين أهداف الاختبارات الوراثية جمع معلومات عن الاستعداد الوراثي للفرد تجاه مرض ما، أو لتأكيد تشخيص هذا المرض. ويمكن أن يُعتمد على التعددات على مستوى النوكليوتيد الواحد أيضاً للاستدلال على نمط توريث الجينات المسببة للمرض ضمن الأُسر المختلفة؛ إضافة إلى الأبحاث الحيوية الطبية لمقارنة مواقع ضمن الجينوم بين مجموعتين من الجماعات المريضة والمعافاة.

ومنذ الانتهاء من مشروع الجينوم البشري عام 2003- الذي أعطى البيانات والمعلومات عن تسلسل أسس الـ DNA على مستوى الأنواع- ركز الباحثون اهتمامهم على التنوع الوراثي على مستوى الجماعات؛ وذلك لتطوير العلاج المناسب للكثير من الأمراض المعقدة والشائعة كأمراض القلب والسكري والسرطان.

وفي السنة ذاتها أُطلِق مشروع HapMap العالمي (دليل "كتالوج" من المتغيرات الجينية الشائعة التي تحدث في البشر)، الذي يهدف إلى تحديد النماذج الشائعة من تسلسلات الـ DNA المتباينة داخل جينوم المجتمع البشري كله، والتي لها أصول مشتركة في أجزا من إفريقيا وآسيا وأوربا.

ولا تقتصر أهمية دراسة التعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد على الإنسان فقط، بل تُعَدُّ مهمة في برامج إكثار المحاصيل الزراعية وفي الثروة الحيوانية أيضاً، وأضحى تحديد التعدد على مستوى النوكليوتيد تطبيقاً روتينياً في مجالات مختلفة وواسعة كالطب الشرعي، وتحسين المحاصيل الزراعية وفي تربية الأحياء المائية aquaculture؛ فضلاً عن كونه واسماً مهماً في الدراسات البيئية والتطورية.

ومع ازدياد الطلب على خدمات التحاليل الوراثية؛ فإنّ تقنيات الكشف عن التعددات على مستوى النوكليوتيدات تتطور بوتيرة متسارعة مدعومةً بالتقدم العلمي في مجال علم الإنزيمات وتركيب الـ DNA؛ وكذلك تطوير أجهزة جديدة للكشف الدقيق عنها.

وعموماً تشمل طرائق الكشف عن التعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد مجالين واسعين، هما:

مسح تسلسلات الـ DNA للكشف عن التعددات غير المحددة سابقاً، والتنميط genotyping أو التقصي عن وجود تعددات محددة ومعروفة سابقاً لدى الأفراد.

وقد طُورت في السنوات الأخيرة مجموعة من أساليب الكشف عن تلك التعددات، يُذكر منها:

- تعدد أشكال أطوال الشدف المقتطعة Restriction Fragment Length Polymorphism (RFLP)، الذي يعتمد على استخدام إنزيم قطع restriction enzyme يمكنه تعرف تسلسل نوكليوتيدي معين (موقع تقييد)، ويقوم بقطع السلسلة في هذا المكان. مثلاً يتعرف الإنزيم BclI التسلسل النوكليوتيدي TGATCA، وفي حال وجود الأليل T يقوم الإنزيم بقطع التسلسل عند هذا الموقع، ويكون بذلك تمييز الأفراد متماثلة الألائل homozygote للأليل T من الأفراد متخالفة الألائل heterozygote. أما في حال عدم وجود الأليل T ووجود نوكليوتيد آخر عوضاً منه في حالة تماثل ألائل؛ فإنّ الإنزيم لا يستطيع قطع السلسلة، وتبقى الشدفة بالطول نفسه من دون قطع (الشكل 5).

الشكل (5) يوضح تقانة التعدد الشكلي لأطوال الشدفات المقيدة: A مخطط تمثيلي يبين طول شدفة مضخمة من الـدنا بطول 207bp، حيث يتم يستبدل T بنوكليوتيد C في الموقع 1311. B: صورة الرحلان الكهربائي لعينة مؤلفة من 5 أفراد (6-2).

- تعدد أشكال تعديل السلاسل الوحيدة السلسلة (Single Strand Conformation Polymorphism، (SSCP، وفيه تعتمد خاصية الرحلان الكهربائي لسلسلة واحدة من جزي الـدنا على طول تلك السلسلة وتركيبها، وهكذا تأخذ جزيئة الـدنا الوحيدة السلسلة- ضمن الهلام- بنية ثنائية ورباعية بسبب التشافع pairing بين النوكليوتيدات ضمن السلسلة الواحدة. ويعتمد هذا التعدد الشكلي على طول السلسلة، وتسلسل الأسس، وموقع الأماكن التي يكون فيها تشافع القواعد وعددها؛ ومن ثم يعدل وجود تعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد في موقع معين هيئة رحلان الشدفة ضمن الهلام، ويمكن عندئذٍ تمييزه مباشرة على الهلام (الشكل 6).

الشكل (6) مخطط يوضح تباين التعديل الشكلي الوحيد السلسلة على مستوى النوكليوتيد الواحد عند ثلاثة أفراد (W,M,H) مختلفين في النمط الوراثي بما يوافق طولها وتسلسل القواعد النوكليوتيدية فيها.

ومن طرائق الكشف عن التعدد على مستوى النوكليوتيد الواحد أيضاً تقنية السَلسَلة DNA sequencing، وتستخدم لتحديد الأسس النوكليوتيدية ومعرفة ترتيبها على طول سلسلة من الـدنا. وتُمكن مقارنة مجموعة من التسلسلات العائدة لأفراد مختلفة من تمييز التعددات على مستوى النوكليوتيدات فيما بينها (الشكل 7). وتتطلب الحاجة الكبيرة إلى تنميط التعددات وتحديدها على مستوى النوكليوتيدات المزيد من تطوير تقنيات دقيقة رخيصة وسريعة؛ إذ إن استعمال أسلوب واحد في الكشف غير قادر على تلبية احتياجات جميع الدراسات.

الشكل (7) مخطط رحلاني electropherogram ناجم عن سَلسَلة شدفة من الـدنا لعينة من ثلاثة أفراد مختلفين في النمط المورثي، ودراسة قمم الفلورة الناجمة عن سَلسَلة الـدنا في المنطقة 8580.

مراجع للاستزادة:

- S. Hong, G. Yu, New Insights Into The Pathogenicity Of Non-Synonymous Variants Through Multi-Level Analysis, Scientific reports, 2019.

-W. Jia-Rui, R. Zeng, Molecular basis for population variation: from SNPs to SAPs. FEBS letters, 2012.

- Z. E. Sauna, C. K. Sarfaty, Single Nucleotide Polymorphisms: Human Variation and a Coming Revolution in Biology and Medicine, Springer, 2022.

- A. R. Shima, H. M. Garzon, S. Mainali, Classifying Single Nucleotide Polymorphisms In Humans, Molecular Genetics and Genomics, 2021.


- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1